الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين النظامين الرئاسي والبرلماني وسانت ليغو

صادق الازرقي

2023 / 4 / 1
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يحاول السياسيون في العراق القفز على مخرجات التجربة المخفقة التي تمخض عنها وضع البلد طوال العقدين الماضيين منذ عام 2003 بمحاولة التشبث بنظام انتخابي اثبت فشله، وتسبب في اثارة المشكلات الكبيرة في الاعمار والبناء وتحقيق السلم الاهلي والمجتمعي؛ فيتمسكون بدلا من اصلاحه الفعلي بالنظام الانتخابي الذي أخفق.
ففي الوقت الذي يحلو للبعض منهم ان يتحدث عن جدوى ما يسمونه النظام الرئاسي وإيجابياته، بحسب زعمهم ويدعون الى تطبيقه، تناسوا ان التطور والتقدم لا يرتبط بشكل النظام، وعلى سبيل المثال فان الدكتاتور النازي الالماني ادولف هتلر جاء عن طريق العملية الانتخابية التي كانت سائدة في المانيا في وقته؛ غير انه تحول الى مستبد مارس الحكم بصورة مطلقة، وادت سياساته الى ما ادت وكان من نتائجها حربا عالمية مدمرة قتل بسببها الملايين وخربت البلدان، اما النظام البرلماني الذي يمنح الصلاحيات الى رئيس الوزراء مثلما طبق في لبنان فانه تسبب فيما تسبب من انكفاء ومآس لذلك البلد ادت الى تدهوره اللاحق الذي لم يزل يعاني منه الشعب؛ بفعل التوافق الطائفي الذي طبقوه بدلا من الديمقراطية الحقيقية التي تؤدي لها صناديق الاقتراع، وجرى تطبيق ذلك النظام الطائفي بالاعتماد على بيانات الإحصاء في عام 1932 وهو الإحصاء الرسمي الوحيد في لبنان، من دون الالتفات الى تغير الزمن ودروس التاريخ.
إذا المسألة ليست مرتبطة بنوع النظام رئاسيا كان ام برلمانيا، انما الحاسم والحاكم في الامر هو التطبيق السليم لقيم النظام الديمقراطي الحقيقية التي لا ترتبط بجهاز الدولة التنفيذية فحسب، بل تعني فيما تعني حرية التعبير والتداول السلمي للسلطة واستقلال الاجهزة التشريعية والقضائية، والنأي عن أي مسببات تقحم قسرا في اجهزة النظام الديمقراطي وتمنعه من اداء دورها الحقيقي في حياة الناس.
وفي الحقيقة فان ما يجري تطبيقه في العراق هو امر بعيد عن العمل الديمقراطي الحقيقي الذي يفترض انشاءه بعد عقود الدكتاتورية والتخلف قبل نيسان 2003، وهكذا يجري الباس العمل السياسي التنفيذي في العراق لباس التوافق والتقسيمات الطائفية والاثنية التي تسببت ولم تزل في جميع تلك المشكلات التي يعاني وسيظل يعاني منها البلد، إذا جرى الاصرار على النظام ذاته وبلورته والاستمرار فيه.
لم يتعظ السياسيون وأصروا على نظام التوافق الطائفي والاثني ذاته، ولم يستغلوا الفرصة التاريخية التي منحتها لهم انتفاضة بل ثورة تشرين 2019 بالاستفادة من قوى الجماهير الهائلة وبناء العراق وفق اسس شعبية حقيقية اساسها تنفيذ الديمقراطية السليمة؛ كما لم يستغلوا المطالب بتحقيق حكومة الاغلبية السياسية التي كان يفترض ان تقام بعد انتخابات تشرين الاول عام 2021 وكيف جرى اجهاضها بالرجوع الى النهج التوافقي الاستئثاري المدمر ذاته.
ان بعض القوى السياسية الحاكمة الآن في العراق تحاول وبعد التغير النسبي في النظام الانتخابي للاقتراع الاخير، الرجوع الى القانون القديم الذي اخفق، واثبت بالتجربة انه لا يلائم وضع العراق ونعني به ما يسمى بقانون "سانت ليغو"؛ وكما هو معلوم فان نظام القانون المذكور يحتوي على عمليات قسمة متتالية تؤدي بالنتيجة الى صعود افراد غير منتخبين لتواجد فراغات شاغرة في المقاعد يشغلها هؤلاء الجدد، حتى اذا لم يكونوا مؤهلين ولم يجر انتخابهم؛ لأن نظام سانت ليغو يوفر لهم تلك الامكانية عن طريق ترشيحهم من قبل احزابهم او ائتلافاتهم؛ وكما هو معروف ايضا فان التجربة اثبتت ان ذلك النظام وتلك القاعدة في توزيع المقاعد اثبتت فشلها في العراق ما ادى الى الاخفاق في جميع مناحي الحياة بعد ان وضع الشخص غير الكفء في مكان لا يستحقه، وبسبب ذلك بصفته احد الاسباب الرئيسة للإخفاق انطلقت احتجاجات تشرين اول المعروفة عام 2019 التي قتل فيها مئات وجرح الوف الناس، وكانت احد مطالبها تغيير النظام الانتخابي، وبالفعل جرى تغيره نسبيا فاخفت القوى السياسية الحاكمة الحالية في الحصول على الاصوات المطلوبة وتعرضت الى الهزيمة الانتخابية، غير انها اصرت على البقاء في الحكم برغم ذلك؛ وها هي تطالب الان بإعادة سانت ليغو بغرض ادامة سلطتها اعتمادا على ذلك النظام الانتخابي الاعرج، بالضد من مطالب قوى حصلت على اصوات كبيرة في الانتخابات السابقة ونالت اغلبية الاصوات.
حين يكون العمل السياسي خالصا لخدمة جماهير الشعب فان الحاجة تستوجب دراسة الامر بصورة جدية وتقويم المرحلة السابقة بالاعتماد على النتائج الواقعية المتحصلة التي تعكس اوضاع البلد والسكان؛ والتوصل الى النظام الانتخابي الاسلم الذي يحقق رغبات الناس بصرف النظر عن الاهواء السياسية التي هي محدودة بطبيعتها.
وبرغم انني على الصعيد الشخصي احبذ اللجوء الى الانتخابات على وفق التمثيل النسبي على مستوى البلاد ككل، ذلك النظام الانتخابي الذي يقوم بحسب تعريفاته، على تقديم كل حزب سياسي لقائمة من المرشحين في كل واحدة من الدوائر الانتخابية متعددة التمثيل، ويقوم الناخبون بالاقتراع لصالح الأحزاب، فيفوز كل حزب سياسي بحصة من مقاعد الدائرة الانتخابية تتناسب مع حصته من أصوات الناخبين؛ وتقوم الفكرة الأساسية لنظم التمثيل النسبي بحسب الصيغ القانونية، على تقليص الفارق النسبي بين حصة الحزب المشارك في الانتخابات من أصوات الناخبين على المستوى الوطني وحصته من مقاعد الهيئة التشريعية (البرلمان) التي يجري انتخابها، فلو فاز حزب بما نسبته 40 بالمئة من الأصوات، يجب أن يحصل على النسبة ذاتها تقريباً من مقاعد البرلمان، وكذلك الحال بالنسبة للحزب الصغير الذي يفوز بنسبة 10 بالمئة من الأصوات يجب أن يحصل كذلك على نحو 10 بالمئة من تلك المقاعد؛ ويلفت المتخصصون والقانونيون إلى ان هذا المبدأ يعمل على تعزيز ثقة شتى الأحزاب وكذلك الناخبين بالنظام الانتخابي وبالنتيجة تأييدهم له.
اقول برغم تأييدي لذلك النظام في توزيع الاصوات وفي طريقة الحكم، فان في الوقت متسع لطرح البدائل الملائمة لوضع بلد مثل العراق والرقي بحياة سكانه، وليس الحديث غير المثمر عن جدوى النظام الرئاسي او البرلماني او الاصرار على اعادة احياء سانت ليغو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل - حماس: أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق


.. فرنسا: لا هواتف قبل سن الـ11 ولا أجهزة ذكية قبل الـ13.. ما ر




.. مقترح فرنسي لإيجاد تسوية بين إسرائيل ولبنان لتهدئة التوتر


.. بلينكن اقترح على إسرائيل «حلولاً أفضل» لتجنب هجوم رفح.. ما ا




.. تصاعد مخاوف سكان قطاع غزة من عملية اجتياح رفح قبل أي هدنة