الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بنية وتكوين قصيدة النثر عند الشاعر فواز قادري. غرز الدين جازي

فواز قادري

2023 / 4 / 1
الادب والفن


سنحاول أن نستدل على القصيدة التي يكتبها فواز ونضي بعض جوانبها
من خلال ديوانه الشعري الجديد
"يا آدم الجديد عليك الخواء".
هذا الديوان مثالاً يحتذى به كما أرى
كتب أمجد ناصر مرّة (سأقتبس منه دون الإخلال بالمعنى): "إن نص الكاتب يحيا أكثر من حياة: حياته الأولى بما يظهره النص وما يبطنه، وتلك التي يكتسبها من خلال ذائقة القرّاء بالذي فيه والذي ليس فيه، وقد يسبغون عليه جمالياّ البعض من ذائقتهم ومعارفهم".
وإني أراهما قد اجتمعا سويةً في قصائد الشاعر فواز قادري والتحما معاً ، فكانت حياة قصائده في ثنايا نصه كما أراد أن يوصلها إلينا نحن القرّاء ، كما كانت تضيف إليها أيضاً تداعيات القارئ الخاصة التي قد تكون غير موجودة في ذهن الشاعر، بل جعله يفتح أفق القارئ رحباً واسعاً وهو يتذوق قصائده ويسبغ عليها ذوقه الذاتي الذي أنعشتها النصوص.
صرخة الشاعر فواز قادري (يا آدم الجديد عليك الخواء) تمثل هذا الجانب عند أمجد ناصر، بل تضيف عليه ما أورده أدونيس وهو يتحدث عن بعض شعراء قصيدة النثر الذين نهضوا على فكرتين: خلخلة المستقر، والتأسيس لأفق كتابيّ شعري مختلف.. كانت للشاعر فواز هذه الخلخلة، وهذا التأسيس في مجمل قصائده.
قصائد هي صرخة الشاعر فواز قادري التي أَوجدَت لها ركيزة أساسية وبنية متينة في بناء قصيدة النثر، والتي أخذت مكانتها الإبداعية في فضاء الأدب.
صرخة تجلّت فيها مكنونات قصيدة النثر التي تميّز هذا الشاعر ، وترسم ملامحه الشعرية بصوره وموسيقاه ومعانيها، بل وأفقه المفتوح على مفردات اللغة التي يتحكّم بها في مجمل قصائده.
يبحث الشاعر فواز قادري عن تكوين جديد للحب والعشق منذ آدم، (آدمه) الخاص به كشاعر يعزف الحب والعشق مقاطع إبداعية بآفاق عذبة دونما (خطيئة آدم)، بل يستنبط (حواءه) الخاصة به.. الجميلة، بل الأجمل في مسيرة حياته الشعرية، "سعاد" حوّاؤه الأجمل والموقد الذي أنضج عليه قصائد عشقه، قصائد وَجَدَت ملاذها وموقعها في بنيان "هذيانه" الشعري في بلاد تشبه مقصلة تتكاثر.. هذه البلاد التي تشبه امرأة في حلم:
(كأنني أفرّ منها
البلاد تشبه مقصلة تتكاثر
كأنني أهرب إليها
البلاد تشبه امرأة في حلم)
هو العاشق الذي يبحث عن العشق الممزوج بالحرية المفقودة، ودفء الأمومة، والفرح الأنثوي القادم :
"منذ عشرين بلا عينيك
لم تستند روحي على ضحكة".
تمتد الطرقات في كل جهة أمامي
أنتِ فردوسي وبيت روحي
أمومة الخبز وأنوثة المطر".
هذا تكوين آدم الجديد عند الشاعر، رفض فيه تحميل حواء وحدها خطيئة الحب! في مناخ العقل الذكوري الذي حملّها وحدها الوزر:
"حبيبتك التي أخفيتها في الفصول
وحملّتها ذنب ما فعلت"
يا "آدم الجديد" ألم يكن بيديك بداية ترتيب مفهوم الحب ؟ ألستَ تريد أن ترفع عن حواء خطيئة لم ترتكبها؟ فإذن:
"أين ملكوتك الموعود ؟"
ويذكّره بما غاب عن تكوينه الجديد:
"حواء كنزك حواء رحمك
دستور المعرفة.. آية الماء والخبز
دفء البيت وحمامة السماء".
تتقافز المفردات في قصائد الشاعر فواز بتناغم شعري وباختيار وجداني، فتتدفّق صادقةً، دقيقة، معبّرة عن عشقه دونما تصنع أو تكلّف، فيرشقها مقاطع شعرية تتداخل فيها عذوبة المفردات ومعانيها:
"أنا بسمة الصباح بعد أشباح الليل
ضحكة الفتى التي تهز قلوب أصحابه على الرصيف
سيرة الفرح الدائرة على لسان الأولاد".
يستخدم تراكيب بسيطة ذات سلاسة غير متكلفة في قصائده فيسوقها بسهولة ومرونة بعيدة عن التصنع اللغوي ، ودونما أي تعقيد:
"يا آدم الشروق وحولك ليل كثير
يا آدم العيش الفاتن والعميق
دفتر الولد الأمّي الناجي من الحرب
اللغز السهل وإشارات رسولية لحب لا ينتهي".
كذلك يستخدم شاعريته ليعمق علاقة قصيدته بتراث وثقافة بلده، ويخلق بشاعريته المميزة علاقة وجدانية تبحث عن أفق هذا الحب بمفرداته الشعرية الجميلة، وتوظيف بعضاً منها في توصيل ما يكنّ من مشاعر بمقاربته لهذه المفردات وطريقة تعبيره عنها، ولغته الشعرية التي جعل منها جزءاً مهماً من حركة الحداثة الشعرية، استطاع على نحو لافت أن يوظف إرثه الثقافي، بل وحتى السباسي ، والحياتي اليومي الذي عاشه ولم ينسلخ عنه، بل جعل منه ركيزة ولبنة أساسية في مقاطعه الشعرية ليبني بها بعضاً من أسس قصيدة النثر التي نمت وازدهرت في السنوات الماضية، فكان موفقاً إلى حدٍ بعيد في رسم بنية وشكل ما يحس به لنفخ الروح في هذه القصيدة:
"أنتِ الحضارة التي لا تستطيع أن تكون طللاً رغماً عنها
ارتقاء وانزياح وهبوط لا ترتجفي قبل حوار جسدينا
أنت الحضارة تتجسد بكل وجوه الأزمنة
ولا تقوى زلازل العصور عليها".
ويقول في قصيدة "فراغ":
"لم تغادرني أفكار جلبتها معي
رسم شمس على حائط المدرسة
لم يدخلها الصغير سوى في الحلم:"
وكذلك قصيدة "طفل":
"طفل أنا عقله جوزتان في خرج".
هذا المثل الشعبي الذي ينم عن الهذيان العقلي كمجنون:
"من يطالني حين أضع فستاني في فمي
لا الشنفرى يلحق بي ولا خيزرانة الملّا"
في إسقاط شعري جميل وممتع بين صعلكة الشنفرى المشهور بسرعة عدوه ، وخيزرانة الملّا التي تلاحقه لسعاً إن أخطأ أو نسي دروسه عنده.
ومثلها مفردة "المحج": "ها أنا أمد يدي إلى صدركِ دعيني ألمس المحج
نهداك قبّتان حليبيتان وأنا فتى يصعد إلى المنية"
ولو تذكرنا أن المحج في طفولة الشاعر آنذاك، أنه المكان الذي يلمسه الطفل في لعبة "الاستغماية" فيكون قد أمّن الفوز والاستمرار في اللعبة، لعرفنا رمزية هذا المحج وتشبيهه بنهدي حبيبته.
لقد تميز الشاعر فواز بنبرة متميزة وراسخة في قصيدة النثر مهتماً بتفاصيل الواقع الحياتي اليومي ومضيفاً في بصمته الاتجاه إلى رسم هذه الحالة في الكتابة الشعرية وقصيدة النثر والولوج في صلب الثقافة العربية سيما الشعر منه.
ولو تغلغلنا في تراكيب قصائده في جميع دواوينه لوجدنا أنه شاعر متميز له موهبته الشعرية الخاصة به، مضيفاً في معظمها ذائقته اللغوية المميزة، والتي أفرد لها حيزاً ممتعاً جمالياً بتجسيد صورها البيانية في قصائده دون نسيان جمالية اللغة والصور والتراكيب الشعرية ولا حتى إهمالها، بل دوّنها في جميع همساته بصورٍ موسيقية أبدع فيها:
"سأجلس من أجلها على مفارق الحدائق
في ممرات أزمنة جميلة ومهملة
أشتغل حتى تقوم للعاشقين قيامة".
لقد استطاع الشاعر فواز بحسّه الشعري أن يدسّ في نسيج قصائده مفردات عبرت بدقة متناهية عما يريد قوله دون أن يفقدها حسها الجمالي الشعري في سياق القصيدة، هذه المفردات ابتدأ بها عنوان ديوانه "يا آدم الجديد عليك الخواء" فكان لمفردة "الخواء" هنا التي رماها الشاعر على آدم الجديد معنىً مجازياً شعرياً كصرخة تقريع ولوم وتوبيخ لهذا التكوين الجديد للعشق إن لم يكن كما يراه الشاعر مع حوائه الأجمل، ومثل ذلك أيضاً مفردة "أوكّر":
"سوسنة أنا "أوكّر" كل صباح عند شباككِ".
والتي لها مدلولها اللغوي في المعاجم وتتشعب، ومنها ما استخدمه الشاعر ككناية عن الطير إذا وَكَرَ أي دخل عشه، ووَكّر أي اتخذ عشاً، كذلك مفردة "تبوسكِ" :
"لا تدعي حتى أمك تبوسك قبلي".
والتي تعني القُبلة في بعضٍ من معانيها كما وردت في المعاجم: بَوْسة أي قُبْلة، والجمع بوسات.
وهو ، أي الشاعر ، في جماليات قصائده لم يعتمد على تجانس أوطباق أو كناية، بل جعلها ذاتية الموسيقى، عذوبتها في بنيتها، وشاعريتها في مكنوناتها الداخلية، وعزفها مفردات رافقت فضاء القارئ بتحليقه في جمالية هذه المفردات وصور مقاطعها:
"بيد الحب الناعمة
معصور قلبي حتى آخر غيمة
لهذا حيث تكونين
يمور دائماً كالطوفان".
هكذا تتهادى قصائد الشاعر فواز قادري، زاخرةً بمفرداتها الشاعرية وأفقه الرحب وحنينه الفراتي الذي يسري في عروق مقاطعه، المتدفقة شوقاً واشتياقاً على نحو لا يغادر ذلك الطفل الذي يقيم في داخله ولا يتزحزح!:
"يا فرات قبل أن تذهب الأيام
يا فرات الحنون خذني معك".
"غرز الدين جازي"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا