الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لؤلؤة راشيل 5

وليد الأسطل

2023 / 4 / 2
الادب والفن


14

كان ريكاردو موريتي جالسا على سريره يبكي ورأسه بين يديه. الوسادة الموجودة على اليسار لا تزال تحتوي على عطر أيمي، ويداه تشعران بنعومة بشرتها. نهض متألما وارتدى ملابسه، دون أن يفكر في حلق لحيته.
عندما كان على وشك المغادرة، رن جرس باب الشقة. ولما فتحه، وجد نفسه وجها لوجه مع لوكا. لاحظ الأخير على الفور وجهه منتفخا بسبب البكاء، فشعر بنوع من التعاطف معه، لكنه سرعان ما سيطر على مشاعره. لقد رأى العديد من القتلة يبكون حين أدركوا أن حريتهم معرضة للخطر.
استجوب لوكا السيد موريتي ثم اقترح عليه أن يتبعه إلى مركز الشرطة؛ فوافق. عند وصولهما إلى مركز الشرطة؛ قال موريتي إنه لم يقتل أيمي لأنه أحبها لدرجة تضحيته بكل شيء من أجلها. كان قد تعرف عليها في ميلانو خلال ندوة نظمها حول حقوق المهاجرين، حضرها بعض المفكرين مثل المفكرين الفرنسيين جاك أتالي وميشيل أونفراي، تبادلوا خلالها وجهات نظرهم وأجابوا عن أسئلة مختلفة وجهها إليهم طلاب من مختلف الكليات. طرحت أيمي سؤالا وثيق الصلة بالموضوع المطروح لدرجة أن أتالي قد شكرها. كان السؤال: "هل يمكننا تحديد مدة الإقامة التي إذا قضاها القادم من بلد آخر في بلدنا رفعت عنه لقب مهاجر؟" كان سؤالا جوهريا! هل يمكن للمرء أن يعتبر مهاجرا مدى الحياة؟ بمجرد إجابته عن هذا السؤال، أصبح موضوع الندوة أمرا سخيفا!
- كانت إذاك في الثامنة عشرة من عمرها! قال موريتي. لقد وقعت في هواها في تلك اللحظة! لم يصدق أحد ذلك نظرا لسمعتي، لكنني كنت صادقا في حبي لها. لقد تركت زوجتي وكل شيء آخر لأتولى هذه الوظيفة في فلورنسا من أجل أن نكون معا، ومكثت أنتظر انتهاء اجراءات الطلاق! تابع موريتي: كانت أيمي تتسم بشخصية بعيدة كل البعد عن السطحية.
كان لي شرف أن أكون أول رجل في حياتها، وشعرت كما لو أنها أول امرأة في حياتي. هل تعلم أنه من أجل عدم الإساءة إلى مشاعر والدتها، ظلت تنام في بيتها كل ليلة! بقينا نلتقي بشكل سري بعد المحاضرات. أنا من كان يدفع إيجار الشقة التي تعيش فيها والدتها، والتي هي ملك صديق لي من ميلانو، جمع والده ثروة من بيع الجوارب واشترى الكثير من العقارات في فلورنسا، ولا سيما الكثير من المتاجر والمباني التي تحتاج إلى ترميم مثل تلك التي كانت تعيش فيها أيمي. أوهم صديقي أيمي، بإيعاز مني، أن الدولة هي التي تدفع أجرة الشقة التي تعيش فيها مع عمتها، مكافأة لها على تفوقها.
أمسك ريكاردو وجهه بيديه الكبيرتين الجميلتين. لم يعد لوكا متأكدا مما إذا كان يجب أن يستمر أم لا.
- استأنف ريكاردو، لا أعرف من كان كارها لأيمي! زوجتي؟ لا! وافقت على كل طلباتها في سبيل أن يتم الطلاق سريعا! تنازلت لها عن المنزل، وعن كل مقتنياتي من التحف... الخ. الشيء الوحيد الذي لم أمنحه لها هو حقوق النشر الخاصة بي. تنص العقود التي وقعتها مع دار النشر بوضوح على أن حقوقي ليست لأي أحد سواي، وأني أهبها بعد موتي لدار طلبة القضاء في ميلانو. لذا لن تتمكن زوجتي التي ليس لي منها أطفال من الوصول إليها حتى في حال وفاتي.
- لماذا ليس لك منها أطفال؟
- لأنها عاقر. قمنا بعدة محاولات للإخصاب في المختبر، وباءت كلها بالفشل.
في ذلك الوقت، تساءل لوكا عما إذا كان موريتي على علم بحمل أيمي. لم يجرؤ على إخباره على الفور. تنحنح، وعرض عليه أن يأتيه بفنجان من القهوة.
عندما عاد حاملا القهوة، جلس بجانبه، وأخبره بلطف عن حمل أيمي. موريتي، الذي كان طويل القامة، وقوي البنية، انهار حرفيا. لا، لم يتم إخباره بهذا الحمل. لقد طلب جميع اختبارات الحمض النووي الممكنة لمعرفة ما إذا كان هو والد الجنين المقتول. ينبغي عليهم أن يفعلوا كل ما في وسعهم للعثور على ابن العاهرة الذي قتل أيمي.
بعد أن جعله لوكا يوقع على إفادته، طلب من زميلة شابة، فانيسا ريتشي، البقاء معه وإعداد قائمة تحوي جميع الأشخاص الذين تربطه بهم علاقات، سواء مهنية أو صداقات، والذهاب معه إلى منزله للبحث عن المتعلقات الشخصية الخاصة بأيمي.
سأله لوكا قبل أن يأذن له بالإنصراف عما إذا كان قد أعطى أيمي زوجا من الأقراط.
- نعم، في عيد ميلادها الأخير، لكنها نادرا ما كانت تضعه خوفا من فقدانه أو نسيان خلعه عندما تعود إلى المنزل. كانت تتركه في درج منضدة الزينة في بيتي.
ثم سبقت فانيسا ريتشي السيد موريتي وخرج كلاهما.
راقبهما بول وهما يغادران، كان موريتي منحنيا وعاجزا أكثر من أي وقت مضى. بدا وكأنه قد فقد بضع سنتيمترات من طوله.
عند وصولها إلى منزله، رصدت فانيسا ريتشي منضدة الزينة الصغيرة، فتحت الدرج، وسحبت صندوقا جلديا صغيرا مستديرا لامعا. وعندما فتحته، كان فارغا. لم تجد بداخله سوى خطافين صغيرين فقط من المخمل الكريمي حيث تم تعليق القرطين.

15

تتصل حجرة الاستجواب رقم 6 بغرفة أخرى، يفصل بينهما لوح زجاجي نَرى من خلاله إلى غرفة التحقيق ولا نُرى، شاهدتُ من خلاله الوالدة ديالو وابنها. لم تكن ترتدي مجوهرات. كانت ملابسها بيضاء وحذاؤها كذلك. في يدها منديل، تمسح به عينيها بانتظام. كان ابنها جالسا على يمينها، يداه على فخذيه وجذعه منتصب.
مكثت أراقبهما لمدة ربع ساعة. لم يظهر أي منهما نفاد صبر. بالكاد كانا يتحركان على الكرسي. فتحت الباب بعنف، الأمر الذي أفزعهما، جلست أمامهما، دون تعليق، ووضعت جهاز الدكتافون على المنضدة. كانت خدعة، لأن كل شيء كان يتم تسجيله صوتا وصورة.
- سيدة ديالو، هل تعلمين لماذا أنت هنا؟
- أظن أن ذلك بسبب اغتيال أيمي.
- سيدة ديالو، هل أنت والدة أيمي؟
- نعم، قالت دون أدنى تردد. إنها ابنتي.
- سيدة ديالو، لقد تسلمنا أوراق أيمي من وزارة الداخلية. أعني أوراقها الثبوتية السنغالية. هي ابنة إفيا ديوف وبوبكر ديالو. ولدت في 24 أبريل 1995 في داكار.
- أعلم هذا، قالت السيدة ديالو. أنا إسي ديالو.
- عفوا سيدتي! قال برونو، لكنك أخت بوبكر ديالو. لست زوجته.
- لقد طلق بوبكر زوجته، وأنا أربي أطفاله الآن. أنا أمها.
- وهذا ابنك أيضا؟
- نعم، هذا ابني.
- ما اسم والده؟
- إسماعيل نيانج.
- لم لا تحملين لقب زوجك؟
- انفصلنا قبل سبع سنوات.
- ما هو سبب الطلاق؟
- لم أكن أريده أن يتخذ زوجات أُخَر. في السنغال، يحق للرجال أن يتزوجوا بعدد لا يحصى من النساء.
- حسب معلوماتي، إن أخاك رجل مهم في السنغال، زعيم قبيلة، أليس كذلك؟
- نعم! تماما. نحن من تسمونهم هنا في الغرب أمراء.
- بالضبط، قال برونو، مع كل ما يصاحب ذلك، خاصة زواج الأطفال وهم في المهد، أليس كذلك؟
- لم نعد في العصور الوسطى، يا سيادة المفوض.
- الرائد، عقب برونو.
- سيدي الرائد، إن للفتيات مطلق الحرية في الزواج بمن يردن.
- الفتيات نعم، لكن ليس الأميرات ولا بنات الشخصيات المهمة! انظري، سيدتي، هذا تقرير حول "مستقبل بنات الشخصيات المرموقة" قدمه لنا طبيب سنغالي بالمناسبة: يذكر بوضوح أنه في "الطبقات العليا" يتم اعتماد خاطبة من أجل بنات الشخصيات المرموقة، لأنهن يجب أن يتزوجن برجل من طبقتهن، ومن دينهن. أما العمر فغير محدد.
سؤالي هو: لمن كانت محجوزة أيمي؟
- لقد شطح بك خيالك بعيدا يا سيدي .
لم ترتبك ولو للحظة، إنها تجيد التحكم في أعصابها. يمكنني تسجيل نفس الملاحظة على ابنها. لم يتحرك. أهو الخوف أم الواجب أم كلاهما؟
- وأنت يا بكاري نيانج. إنك رائع جدا. لدي كشوف النقاط الخاصة بك منذ وجودك في فرنسا. أهنئك. ماذا تنوي أن تكون في المستقبل؟
- الحقوق، أجاب بكاري بخجل، أريد أن أكون محاميا دوليا.
فاجأتني الدقة. لقد نجح في أن يخطف مني ابتسامة.
- هل تعلمان أنه قد كان لأيمي عشيق؟
نظر بكاري إلى والدته في تردد.
- لا، قال. لم أكن أعرف.
- وأنت سيدتي؟
لم أكن على علم بذلك مطلقا، كما أنني أعتقد أن هذا لم يكن ممكنا، فقد كانت تنام كل ليلة في المنزل.
- هل كنت تعلمين أن ريكاردو موريتي هو من كان يدفع إيجار منزلك؟
- مستحيل. الدولة هي من كانت تفعل ذلك. سأريك الأوراق.
- ستكون الأوراق هنا قريبا، يا سيدتي. يتم تفتيش منزلك أثناء وجودك هنا.
- يا له من عار! سأشتكي لأخي، إن نفوذه أوسع مما تتصور.
لقد بدأت الخاطبة تغضب. في هذه اللحظة وصل لوكا، وأومأ لي أن أتبعه. تبعته إلى القاعة المجاورة، تاركا الأم وابنها في الغرفة.
- وجدنا بعض الأشياء الشيقة. لقد أرسلت كل ما تم العثور عليه من شاي وأعشاب إلى المختبر. كما يقوم الرجال الآن بترجمة كل المحادثات. إنها باللغة الولوفية. آه نسيت، لقد وجدنا هذا.
سلمني لوكا كيسا صغيرا، توجد بداخله صور، صور أيمي وموريتي.
- وجدناها في فلتر شفاط البوتاجاز! يبدو أنهم لم يكونوا يشغّلونه!

16

ارتدت السيدة كيم معطفها، وضعت المفاتيح في جيبها، استدارت، وتفحصت بعينيها أنها لم تخلف وراءها شيئا من أدوات التنظيف. لقد كان السيد كابيلو، الذي عملت في مصنعه لمدة عشر سنوات كعاملة تنظيف لمكاتبه من الساعة السابعة مساء حتى التاسعة مساء، يطلق عليها اسم جنية مكتبه الصغيرة. قامت شركة كابيلو بتصنيع عناصر من السيراميك للأطراف الصناعية. كان معمل أبحاثه مؤهلا للغاية، وكانت السيدة كيم الوحيدة التي بحوزتها المفاتيح ورموز الدخول إلى جميع الأماكن، ذلك لأن الغبار للمختبر العلمي عدو مبين.
لم يكن للسيدة كيم الكمبودية أطفال. عاشت بضع سنوات في إيطاليا بشكل غير شرعي، إلى أن التقت بالرجل الذي سيصبح زوجها، بالصدفة في أحد متاجر روما، ومن يومها لم يتركا بعضهما البعض لمدة ثلاثين عاما. كلاهما يتحدث الإيطالية بشكل سيء للغاية. حين وجد زوجها عملا في مصنع بمدينة فلورنسا تبعته، ثم وجدت وظيفة عند السيد كابيلو الذي كان قد أسس للتو شركته في مبنى صناعي مهجور. أخبرها أنها كانت أول موظفيه وأن مقابلته لها هي بمثابة وقوعه على مصدر للبركة، أو على شيء جالب للحظ! وهي بدورها تفانت في خدمته والاخلاص له، تصلي وفقا لتقاليدها البوذية لكي تحل البركة في المكان ويحصل السيد كابيلو على حياة طويلة. تعتني بمنزله خلال النهار، وغالبا ما تعد العشاء عندما يستقبل ضيوفا أجانب من أجل عمله. أما علاقتها بالسيدة كابيلو التي لا تخاطبها إلا بماما كيم، فإنها أكثر من رائعة.
اعتنى السيد كيم بالحديقة، وكان يروي بلا كلل قصص التنانين لأطفال السيد كابيلو.
تركت السيدة كيم أرضها وعائلتها، ووجدت في آل كابيلو عائلة أخرى.
كل يوم أحد، يستقبلهما السيد كابيلو لتناول وجبة الغداء، كما تمت دعوتهما إلى جميع المناسبات العائلية المهمة، من تعميد الأطفال، إلى عيد الميلاد، إلى الجنازات، إلى الجوائز التي حصلت عليها الشركة. لا ننسى كذلك أن عائلة كابيلو تصطحبهما معها خلال العطلة الصيفية الطويلة إلى منزلها الريفي. باختصار، كان السيد والسيدة كيم جزءا من عائلة كابيلو وكانت عائلة كابيلو بأكملها عائلة للسيد كيم وحرمه.
أغلقت السيدة كيم باب المصنع بعد أن استنفرت جرس الإنذار ككل مساء، بقلق، لأنها كانت تخشى دائما أن ينطلق لسبب من الأسباب؛ فتسد جميع المخارج. وفي كل مرة، كانت تصل إلى فناء مدخل المصنع، تشكر بوذا من خلال ضم يديها كعلامة على الإحترام.
كان لديها أربع دقائق لعبور الفناء، وإدخال رمز البوابة للخروج، لتجد سيارتها متوقفة على الجانب الآخر من الطريق. لطالما أبت ركن سيارتها في موقف السيارات الداخلي للمصنع، خشية أن ترتكب خطأ ما؛ فتعلق خلف البوابة.
عندما عبرت الطريق، لم تنتبه للسيارة المندفعة نحوها، والتي لم يتم تشغيل مصابيحها الأمامية. شعرت بصدمة عنيفة... ثم لا شيء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس


.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن




.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات


.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته




.. كلمة أخيرة - قصة نجاح سيدة مصرية.. شيرين قدرت تخطي صعوبات ال