الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسارات الحروف وكواليس الكتابة - الحلقة العاشرة - أنا وياقوت الحموي وإجرة البيت .

خيرالله سعيد

2023 / 4 / 2
الادب والفن


الحلقة العاشرة : مسارات الحروف وكواليس الكتـابة .

* * *
* أنــــا ويــاقـــوت الحَـمـوي ، وإجـرة البيت . ح 10
" كلما اقترب " رأس الشهـر " تزداد الهـموم على النفس، حيث ينحصر التفكير في كيفية جمع إيجـار البيت، ومن حُـسن الصُـدف، أن في شهـر أيـار ، من عـام 1993، وصلني من " مجلة الفيصل السعودية " أحد الأعـداد، وفيهـا مقالٌ لي عـن " رحلة زريـاب إلى الأنـدلس " مع " شيك بـمبلغ " 220 دولار " ثمن ذلك المقال، فقلتُ في نفسي، تـمَّ تـامين إيجـار البيت لهذا الشهـر، فصرفت الشيك بحوالي " 2600 ليرة " فاشتريت ما يلزم للبيت من مواد غـذائية وغيرهـا، وحين حـان مـوعـد " تسليم إيجـار الشقّـة وهـو " 1500 ليرة " حملتـهـا في جيبي، وأنـا متوجّـه إلى المكتبة الظاهـرية، ومن هـناك سوف أتوجّـه إلى " سـوق الحريقـة " المجاور لسوق الحميدية، حيث يوجـد متجر السيد صاحب الشقّـة، هـناك ، وهـو متجراً لبيع الملابس . كان ذلك المخطط قائم في ذهـني ، حينما خرجت من البيت في مخيم اليرموك، واتّجهـت إلى قلب دمشق، حيث موقف الميكروباصات ، تحت جسر الرئيس، ومن هـناك أتجه ، سيراً على الأقـدام إلى المكتبة الظاهـرية، وفي الطريقِ أمُـرُّ على " مكتباتٍ عـديدة" تجلب إنتباه المـارة بحسنِ تـرتيبهـا، وطريقة عرضهـا للكُـتب، فحـانت منّي التفـاتـةٌ نحو إحدى المكتبات، فـرأيت في الواجهـةِ كتـابـاً موسوعيّـاً، كنتُ أبحث عـنه مـنذُ سـنوات، وهـو " كـتاب مُعـجـم الأدبـاء - ليـاقـوت الحمـوي " في 20 مجلـداً ، فهـفت روحي إليه، ولم أستطع أن أنقُـل خطـاي عـن بوابـة المكتـبة، وقـد لمحني صاحب المكتبة، فقـال : اتفضل أستاذ، فـزاد من إربـاكي وحيرتي، فدخلت المكتبة، ورحّبَ بي صاحبهـا قـائلاً : مرحبـاً أستاذ، لقـد شاهـدتُـك ذات مرّة في التليفزيون السوري ، ضمن برنـامج " في رحـاب الأدب " وقد أعجبتنـا بحديثك عـن الورّاقين، فشكرتـهُ وقلت : هـذا الكُـتب ، وأشرت بـإصبعي إليه، فـأنزلهُ من الـرف، بكافة أجـزاءه العشرين، وقال : وصل بالأمس فقط من بيروت، وكان بجلادٍ أخضر غامق، ومُـذهّـب بخط الثلث، فـازدادت رغبتي فيه أكثر، قلت : كـم سعر هـذا الكـاب !؟ فقـال بلهجتهِ الشامية " مـا ينعـز عليك أستاز " قلت أرجـوك بكم سعره ؟ قال : 2200 ليرة سورية، ومن شان خـاطرك إنتَ، كـونك باحث معروف في التراث ، هـات 200 ليرة ! ومبروك عليك . قلت : والله مـا معي غير 1500 ليرة، حق الإيجـار، رايح أدفعـهـا لصاحب الشقّـة، سوف أدفعـهـا لك ! طـأطأ رأسهِ نحو الأرض وقال : والله ، إن سعرهُ من لبنان 1500 ليرة، من غير إجرة الشحن، خُـذهُ مباركٌ عليك، فـأنتَ أحقُّ بـهِ، فـاخرجت المبلغ من جيبي، وسلمـته " إيجـار البيت " ثم قلت : من فضلك ضعـهُ في كيسين كبيرين، ليسهـل عليّ حملهـما بيَـديَّ ، ولأن طريقي بعـيد، فـاعطني إجرة التـكسي ( 25 ليرة ) وسف أعيدهـا إليك في يومٍ آخر، قال : تـؤمر أمـر، فـاخذت الكتـاب، وأشّرتُ إلى " تكسي " قـد مـرّ في الطريق، فحملني مع الكتـاب إلى مخيّـم اليرموك، ودفعت لـه الـ " 25 ليرة
* حين وصلت البيت، بـدأت وساويس التفكير تسيطر على عقلي وقلت: مـاذا فعلت ! ثم قلت في نفسي : الصار صار، وليوﮔــع من السما ، تتـلـﮔـاه الـﮔـاع " شراح إيصير!
بعـد يومين، وعـند المساء، جاء صاحب البيت مبتسمـاً مع صديقٍ فلسطيني، هـو الذي عرّفني عليه، فقـال بلهجتهِ الشامية : شـو إستاز ، ما بيّـنت علي ، ومو بالعـادة تتـأخّر!، وكانت عـيناه تلمح الكتـاب على رفوف متكتبتي فـأمسك بأحد الأجزاء وسحبه من محلهِ وهـو يقرأ بعـنوانهِ : ياقوت الحموي - معجم الأدباء " فقلت : هـذا الكـتـاب ، هـو سبب تـاخيري عـنك ، وعـدم إيصال أجرة البيت ، وحكيت لـه قصّـة شراء الكـتاب بفـلوس الإيجـار،! فـاستغرب من فعـلتي هذه ، وابتسم وقال : مـا فكرت أني قـد ارمي أغراضك برّه! قلت : فكرت، لكن هـذا الكتاب، صارلي أكثر 7من سنوات وأنـا أبحث عـنه، وإذا فـاتني، ربما لم أحصل عليه بعـد، وقـد يشتريه غيري، لأنـه نـادر جـداً، ولم يُـعـد يطبع مرة ثانيـة . فقـال : مـا أﮔـواك ، تُـغـامر بكل مـا تملك من أجل كتـاب ! قلت ، نعـم وسـافعـلهـا ثانية، فابتسم وقال : والله إنّـك رجلٌ عـالِم، تعرف قيمة الكتـاب، وإكرامـاً لموقفك هـذا " إيجـار البيت طـايحـلك هذا الشهر " ! ثم أردف : بِـدأً من هـذه اللحظة، أنت حُـر في دفع الإيجار، في أيِّ وقت، وبأيِّ مقدار مـالي ، تستطيع دفعـه! قلت : جـازاك الله خيراً، ولـن أنسى لك هذا الموقف ما حُـيّيت، وتعـانقـنا . ثم جلسنـا قليلاً واحتسينـا الشاي، ثم غـادرني بكل احـترام .
* بسريرتي" قرأت سورة الفـاتحة على روح يـاقوت الحموي " وتـأسّيت بـهِ، فهـو الآخر قـد لاقى ما لاقاه في جمع الكتب ونسخـهـا وبيعـهـا وشراءهـا ، فقد كان ورّاقـاً معروفاً.
وقلت في نفسي أيضـاً : " هـذا أوّل تضامـن من الـورّاقين معي " والله ، لـن أتخلّى عـنهـم، مهما كانت الظروف، وقـد دفعني هـذا الموقف لأن أُركّـز أكثر في أبحـاثي عـنهم، وسـأُقلّب صفحات التاريخ ، وأنبُش كتب التراث عـن أخبارهـم، مادام بي عِـرقٌ ينبض .
* كـان أول إنبجـاس يخرج من " بحث الورّاقين " هـو " الخطّـاطون في بغـداد في العصر العباسي " ، فقـد كانت هذه الفئة من الورّاقين، بدأت تظهر أمامي أكثر من غيرهـا، نظراً لتمتعـهـا بِحُسن الخـط، واستلامهـا " وظائف حكومية وشبه حكومية " في الدولة العبّـاسية، حيث كانوا يُـوّظَّـفون في " دواوين الـدولة " لذلك ظهـروا أمـامي بقـوة، وأنـا أبحث عـن سياقات حركة الورّاقين في بغـداد في العصر العبّـاسي، وأفردتُ لهـم أبـوابـاً عِـدّة من بحث الوراقين، وأطلقـتُ عليهـم إسم " خـطّاطــو بغـــداد في العصر العبّـاسي " وقد بلغ حجم البحث بحدود " 96 صفحة " قمتُ بـإداعـه عـند الصديق النـاقـد والمفكر الفلسطيني الأستاذ نـاجي عـلوش، حيث أنّـه كان ذو علاقاتٍ واسعة مع أكثر من جهـةٍ ثقافية، داخل سوريـا وخارجهـا، كي ينشر هذا البحث في بعض المجلاّت المختصّـة والدورية، وبقي البحث عـندهُ، وكان دائم السفر بين سوريـا والأردن وليبيـا ، وغيرهـا من الدول، حيث بـدأت فكرة السفر إلى " موسكـو " تشغلُ حيزاً من تفكيري، وذات مرّة كنتُ ذاهـباً إلى " مستشفى الهـلال الأحمر الفلسطيني " في مخيّـم اليرموك لمراجعة طبيّـة، وكان الصديق د. محمد جـواد فارس، يشتغل في هـذا المستشفى، فـدخلت عليه في عيادته في المستشفى، فـاستقبلني بترحـابٍ وتقدير، وقام بفحصي بشكل عـام، ثم جلست إلى جانبه ، وقـد آمر لي بفنـجان قهـوة، وسـالني عـن أبحاثي في التراث العبّـاسي ، فبيّـنت لـه بأن " بحث الورّاقين " قـد اكتمل بثلاثـة أجزاء، وبعثتهُ للنشر إلى مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث الإسلامية، ولا أعلم متى تتـم الموافقة عليه وطبعـه ، فـاقترح عليّ أن أُقـدِّمـهُ كأطروحـة " لنيل - كـانـديدات " أو مرشّح في العلوم ، في الجامعات الروسية، أو في" معهـد الإستشراق " أو جامعة موسكو، فهـم يفضلون مثل هذه الدراسات، فـاستهـوتني الفكرة وقلت : هذا أمرٌ جيّـد، وسوف أزورك في البيت في هذا المساء، للحديث حول هذا الموضوع، وفـعلاً قمتُ بزيارتـه في ذلك المساء، وتحدّثنـا مرة أخرى في الموضوع، واستقـرّ الأمرُ أن أخرج من سوريـا، لأن الأبـواب فيهـا بـدت مُغـلقـة في وجـوهـنا، وبقينـا على إتصالٍ دائم بعـد ذلك .
* كان لي صديق " محامي سوري " إسمه الأستاذ محسن، من اليسـاريين السوريين، وكان لـه عِـدّة أبنـاء، كلّـهم يدرسون في روسيـا " طب وهـندسة" وغيرهـا، وقـد فتحـوا " مكتبـاً طلاّبيـاً للقبول في الدراسات الجامعية في روسيـا، ومكتبهـم في دمشق لقبول هذه الطلبات، ولهـم مكتب إتصال في موسكو، فخطر في بالي أن أزوره في مكتبهِ بدمشق، فزرتهُ ذات مساءٍ في مكتبه، وشرحت له رغبتي في الذهـاب إلى موسكو، فقـال : نحنُ على استعـداد لتقديم المشورة والمساعدة، وإبني في موسكو له مكتبٌ هـناك، وسيقوم بكل مـا يتوجّـب. فقلت : كم هـو المبلـغ المطلوب للقسط السنوي !؟ ، قال : 2000 دولار، قلت : هذا المبلغ كبير عليّ، فتوصلنـا إلى إتفـاق فيما بعـد إلى أن أدفع " 1500 دولار " كان لدي منهـا حـوالي " 800 دولار " كنتُ قـد إستلمتـهـا من " دار الحصاد بدمشق " عـن كتابي " عمل الدُعـاة الإسلاميين في العصر العباسي " وبـدأت الفكرة تتـبلور في ذهـني، فطرحت الفكرة على صديقي الأستاذ " سعيد فانوس، وهـو أخو المحامي ماجد فانوس، الذي كنت أشتغل عـنده في سنوات سابقة، وهـناك تعرفت على " سعيد فـانوس " وأصبحنـا أصدقاء قريبين جـداً من بعض، وهـو يشتغل " مقاول بناء " بعـد أن كان يشتغل في " قطر " مُـدرّسـاً للغة الإنجليزية، فعـاد من هـناك ليستقر في دمشق.
* وسعيد ، عـادة مـا يزورني في أوقـات المساء، بعـد الساعة التاسعة، حيث يكون لديه الوقت، وأنـا أكون في البيت دائمـاً ، فزارني ذات مساء، وتناولنـا العشاء سويّـةً، فطرحت لـه " فكرة السفر إلى موسكو " لإكمال دراساتي العُـليا ، فاستحسن الفكرة، وأخبرتـه بأن مكتب القبول الموجود في دمشق ، سهّـل الأمر عليّ قليلاً، حيث طلب إجرة القسط السنوي الأول " 1500 دولار " وأنـا ليس لدي أكثر من 800 دولار، فقال : أنـا سـأُكمل بقية المبلغ كـاملاً، ودع مبلغـك لديك، فإنّـك تحتاجهُ لمتطلبات السفر الأخرى، حيث هـناك " بطـاقة السفر ، والملابس، والتجهـيزات الأخرى، ثم أضاف : غـداً بعـد الظهـر، سـآتيك إلى المكتبة الظاهـرية،، ومن هـناك ننطلق إلى مكتب القبول للدراسات في موسكو، وفعـلاً جـاء في اليوم التالي، وذهـبنا إلى المكتب المقصود، وتـم تسليم المبلغ المذكـور،، مع صورة من " جواز السفر اليمني، وشهـاداتي المدرسية،، العراقية واللّـبنانية، حيث كنت قـد حصلت على " الدبلوم في الدراسات التاريخية" من كلية الدراسات الإنسانية في الجامعـة اللبنانية، عـن طريق " الإنتساب " حيث كنت أذهب إلى إلى لبنان عـن طريق " الخـط العسكري " بواسطة الجبهـة الديمقراطية، لغرض أداء الإمتحانات في كل سنة، حتى إنتهيت من ذلك في عـام 1988 .
سلّمـنا الأوراق والوثائق المطلوبة مع 4 صور، زائداً المبلغ المذكور، وقد استلمـنا " وصلاً رسميّـاً " بذلك ، وأشعرونـا بأنهـم سوف يبعثون الأوراق الرسمية إلى موسكو، بغية الحصول على " القبول في إحدى الجامعـات " كان ذلك في منتصف شهـر أيلول عام 1993 م . وبعـد حوالي 3 أسابيع جاءت الموافقة من موسكـو، وعليّ أن اُقـرّر وقت السفر، فـاستعديت لذلك، وأخبرت أصدقائي المقرّبين، فقـال الصديق الراحل محمد خـالد رمضان : سوف نـذهب إلى " إتحـاد الكُـتّـاب العرب " ونحصل من الأستاذ علي عقلة عـرسان، على " كـتاب رسمي " من الإتحاد " موجّـه إلى شركة الطيران السورية، حيث نحن أعضاء الإتحـاد لنـا تخفيضات مالية، تصل إلى 60 % من سعر البطاقة، وفعلاً ذهـبنا في الأسبوع التالي إلى مقر الإتحاد ، فـاستقبلـنا الأستاذ علي عقلة عرسان بكل ترحـاب وَوِدّ ، وكتب لنـا " كتاباً رسميّـاً إلى شركة الطيران السورية، وطلب منهم إجراء التخفيضات الممكنة على بطاقة السفر، فشكرته ، وخرجـنا إلى شركة الطيران مباشرة، وبعـد إستلام " بطاقة السفر المخفّضة إلى 60 %، ومذكور فيهـا " موعـد السفر بتاريخ 6 / 10 / 1993 ، فأخبرت " مكتب القبول، لإجراء اللاّزم وتهيئة الفيزا، إلى مـوسكو ، فـتم ذلك في اليوم التـالي .
* عند المساء، كان هُـناك " أُمسية ثقافية في " إتحـاد الكُـتّـاب الفلسطينيين " بدمشق، والواقع في أوّل شارع بغـداد ، حيث كانت أمسيةً لأحد الكُـتّـاب البحرانيين، وعند إنتهـاء الأمسية إلتقيت بالصديق د. أحمد برقاوي، وأخبرتـهُ بأني مسافرُ إلى موسكو في الإسبوع القـادم فقـال : سـاكتبُ لك " رسالة " إلى صديقي د. تـوفيق سلّـوم ، أستاذ الفلسفة الإسلامية في المعاهـد الروسية ، وهذا الرجل سيسـاعـدك كثيراً، وهـو معروف في روسيا كلّـهـا، وهـو واحدٌ من ألمع الكتّـاب والمفكرين هـناك .ثم ذهـبنا إلى بيتـهِ في " مخيم اليرموك " فكتب الرسالة إلى د. توفيق سلوم " وأهـداني " قاموس المفردات الروسية - العربية " سلآفـاري " ثم ودّعـته وغادرت بيتـه .
في اليوم التالي، جمعت اشيائي المهمّـة، ورزمت الكُـتب التي سوف أستصحبهـا معي إلى موسكو، ووضعت الكتُـب " بكارتونات " وعملت لهـا " فهرسـاً " بدفترٍ خاص وكانت بحدود ( 32 كارتونة) ، ثم اتصلت بالصديق سعيد فانوس، فجاءني بعـد الظهـر، وحملنـا الكتب بكراتينـها ورفوفهـا الحديدية، وذهبنا بهـا إلى بيتهـم في شارع بغـداد، ثم عُـدنا إلى البيت مرة ثانية، بغية استكمال ما تبقّـى من أوراق وملابس وأشياءِ أُخرى .
* عـند المساء، قمتُ بزيارة وداعية لصديقي النـاقد يوسف سامي اليوسف، وكان قريبـاً من بيتي في مخيم اليرموك، ثم ذهبنـا سـويّةً لوداع صديقنـا المناضل الفلسطيني الكبير " أبو حسين مطـر " جلسنـا قليلاً ، ثم تـوادعـنا، فقـال أبو حسن مطر : إسمع يـاعراقي، إن لك أهـلاً في فلسطين، هُـنا في المخيّـم أو في غيره، فـإن ضاقت عليك الأمور في موسكو " ذب جـلالهـا وتعـال " شكرته وعـانقتهُ، وكـدتُ ألمح بعضُ شفيفٍ من الدمع، قـد التمعـــت بهـا عينـاه، لكنه أخـــفاهـا، فهـو مناضلٌ عـنيد، لا يُـريد لأحدٍ أن يرى فيه ضُعـفـاً، مهما كان الموقف، ودّعنا عند الباب، ثم سرنـا بخطواتٍ أنا والأستاذ يوسف سامي اليوسف، حتى نهـاية الزقـاق وافترقنـا عـند شارع لوبيـا في مخيم اليرموك .
* نمتُ، في تلك اللّـيلة، بنومٍ مضطرب، فـالذكريات والصداقات التي بنيتـهـا في دمشق، كانت صداقات جيدة وعميقة ونـوعيّـة، رغم قساوة الظروف التي عشتـهـا هـناك، وعند الصباح، جـائني غسـان، وهـو " علي هاشم مزبان " فـأوصيته أن يعطي المفتـاح إلى صاحب الدار، وكتبت لـه عـنوانـه، واتفقـنا على أشياء عـامة، وعند المساء، جـاءني سعيد فـانوس، فاستصحبتي بسيارتـه " البيك أب " الصغيرة، أنـا وحقـيبة سفري، وقضيت تلك الليـلة في بيتهـم، وعـند الصباح من يوم الثلاثاء، على مـا أعتقد، بتاريخ 6 / ت1 / 1993م ، توجهـنا إلى " مطار دمشق الدولي " حيث موعـد طـائرتنـا في تمام الساعة العاشرة صباحـاً، ودّعني سعيد عـند بوابة المطار فقلت لـه : عـزيزي سعيد، لن أنسى لك كل هذه المواقف النبيلـة ، أنت وأخوك المحامي ماجـد فانوس،، وعند وصولي إلى موسكو، سوف أتصل بـكم، ثم قلت : عزيزي سعيد، أرجو أن تتقبّـل منّي " مكتبتي " التي في بيتـكم، : " هـدية أخوية " جرّاء مـاقدّمته لي من مواقف نبيلة. فقـال : مكتبتك في الحفـظِ والصون، وستبقى لك على الـدوام، وهي في بيت أخيـك، وتوادعـنا عند مدخل المطار .
* في الساعة الحادية عشر صبـاحـاً، أقلعت بنـا الطـائرة، متوجّـهـة إلى موسكو، وفي تمام الساعة الرابعـة عصراً ، كُـنّـا في مطار موسكو، وكان في انتظاري د. علي إبن الأستاذ محسن المحامي، وهـو يرأس مكتبهـم هـناك في موسكو .
من المطـار ، أقلني د. علي إلى " مكان خـاص بالطلبة الأجـانب، الوافدين للدراسة، وبعد يومين جاء لنقلي إلى مكانٍ آخر، حيث المكتب الرسمي الذي يتعاملون معـه، وهـو مكانٌ عبارة عـن " طـابقين " في السكن الطلاّبي " الأبشيشيني " العـائد إلى " معهـد الإستشراق في موسكو، والقريب من " محطة مترو كـانكـوفـا " وكان مدير المكتب هـناك هـو " د. أحمد الهـلسـا " وهـو أردني ، من بقايـا الشيوعيين القاطنين في موسكو، ورحّـب بي بشكلٍ جيّـد ، وبـدأت رحلة جـدية، بالنسبة لي، مجهـولة التفـاصيل والعيش، ولا أعرف عـنهـا أيّ شئ .
* * * يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل