الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعبة المستويات السردية في مجموعة(سأشتري حُلُمًا بلا ثقوب) لعبير خالد يحيي علي لفتة سعيد

عبير خالد يحيي

2023 / 4 / 3
الادب والفن


ما بين الفكرة والخيال ثمّة توجّه لاكتمال المعنى، وما بين المعنى والنضج ثمّة مهارة، وما بين المهارة والتدوين ثمّة لعبة لا يمكن ممارستها بغياب المقدرة والحافز الإنتاجي. هكذا هو النصّ الذي يبدأ بفكرةٍ شفاهيةٍ وينتهي بتدوينٍ جمالي، لا جمالية بدون مهارة اللعبة التي تقود البناء إلى مرحلة الانتهاء الكلّي من إنتاجية النص. بمعنى أن البعض يذهب إلى الفكرة كشعرٍ أو سردٍ, وينسى اللعبة التي تنتج هذه الفكرة، مثلما ينسى المهارة التي تبدأ من أوّل حرفٍ في العنوان وتنتهي بآخرٍ حرف في النهاية.
ولهذا نقف أمام عنوان مجموعة الأديبة عبير خالد يحيي المعنونة (سأشتري حُلُمًا بلا ثقوب) لنبرهن على لعبة المنتجة لقصصها الثلاثين الموزّعة على أربعة أقسام معنونة هي الأخرى (الأحلام/ السخرية/ الرسائل/ المواقف), وهي تكاد تكون هنا اللعبة الخارجية التي ينظر لها المتلقّي ليستمدّ ساعات التلقّي المقبلة لما بعد العنوان، وخاصّة وأن هذه الرؤية الخارجية تجعل من وجود الترابط التفكيكي حاضرًا.. فهي تبدأ بالأحلام, ليأتي بعدها قسم السخرية سواء من الأحلام ذاتها أو من ما تحمله من غاياتٍ مختلفة، ليكون البحث عن الرسائل التي تمنحها سخرية الأحلام ومن ثم مواقفها المختلفة سواء كانت عملية الاقتناع بها أو التوقّف عندها كجزءٍ مناوئ، ولذا سيكون العنوان الرئيس هو الناطق الرسمي باسم هذه الأقسام الأربعة، ليس من ناحية استلهامه للقصص وعنوانات أقسامها وعنوانات القصص ذاتها التي تشي بهدفية واحدة يجمعها خيطٌ ليس فكري، فحسب, بل مخيالي مجرّد، ومهارة اللعبة/ البنية الكتابية، حتى لكأن الملتقّي سيقف مثلما وقفت المنتجة بكلمة (سأشتري ) الفعلية/ المستقبلية/ الإصرارية/ المخاتلة/ الغائية/ الصعبة أيضًا، لأن ما بعد (سين) الفعل المستقبلي ثمّة ما هو مخيالي واقعي/ أمنية ليست مستحيلة، بل هي أمنية معلّقة بالتفسير (حُلُمًا) فتكتمل ليس اللعبة التدوينية للعنوان, لأنه سيفسّر ليس من شكله الخارجي وإنما ما سيأتي من قصص، بل من خلال الصعوبة والمستحيل، أو الانتهاج والتأويل، أو الارتداد والتجميل من خلال جملة (بلا ثقوب) فيبدأ التأويل من أوّل لحظة العنوان الرئيس، من يأتي ليبيع المنتجة حلمًا واحدًا وليس مجموعة أحلام، شرط أن تكون بلا ثقوب، لأنها تريد الاحتفاظ به بتفاصيله التي لا يمحوها النهار واليقظة والتخلّص من لعبة المراوغة المكانية، لأن الحلم بالأساس ليس واقعًا، فكيف تجمع بين الحلم والشراء وبين الشرط والتحقيق.
إن اللعبة التدوينية في هذه المجموعة التي تأخذ عددًا من الأبعاد. بعيدًا عن قبولنا بالفكرة, لأننا ناقش المهارة والقدرة.. اللغة والشخوص.. الحوار والتأسيس. وبعيدًا عن عتبات التقديم وما استعانت به من أقوال للمشاهير لألكسندر دوما وأوسكار وايلد وهنري فان دايك وكذلك هيلين كيلر, والتي تشي أنها حركات أفكار القصص وغايتها والقصدية التي تعتمد عليها، فهذه العتبة التوضيحية الاستعانية ليست اعتباطية، بل لتجعل الملتقّي أمام حقيقتين في هذه اللعبة. الأولى: إن الدخول لفهم الأفكار يبدأ من فهم الاستعانة بمثل هذه الأقوال. والثانية: إن هذه الاستعانة ما هي إلّا توضيح للوعي, سواء الخاص بالمنتجة أو بروحية القصص، وهذه الأبعاد التي أخذتها اللعبة الإنتاجية، لا تبدأ بعناوين القصص، بل بالأقسام الأربعة، حيث وضعت لكلّ قسم عنوانًا, ذكرناها سابقًا.. وهو ما يعني أن الاطلاع على عنوانات كلّ قسم يمكّن من الوصول إلى هدفية النصّ الذي يحمل جنبتين... الأولى: أن كلّ قسمٍ لم يكن لمجرّد وضعه، وإنما لجمع ما هو متشابه من الأفكار. والجنبة الثانية: إنها تشي بأنها متصّلة مع الأخرى ولا تقترب من ناحية الغاية، وليس من ناحية الصنعة، لأن الصنعة متشابهةٌ مثلما تكون اللعبة في اللغة متشابهة, والعلاج متشابه, وليس مجرّد جمعٍ مع الآخر بل يجمع كلّ قسم وما يفرّقه عن كل قسم.
إن اللعبة في كلّ قسم تتمّ بعد الإفراغ منه وقراءة ما يحتويه من قصص، تعتمد على خاصيّة الحكاية، مثلما تعتمد على تراتبية التدوين، فكلّ مجموعةٍ تعتمد على ثلاث فعّاليات.. الأولى: إنها تحمل أفكارها التي ترتبط بعنوان القسم. الثانية: إنها تحمل متبنيّاتها القصدية التي انوجدت من أجلها فكرة القصّة.. الثالثة: أنها تحمل خاصيّتها التدوينية في الشكل الخارجي الذي يتم فيها تبويب التدوين.
إن البنية الكتابية في هذه المجموعة لا تقودها الفكرة رغم إنها العمود الأساس، بل تقودها اللغة وكيفية التدوين، فالمنتجة تقود بحرفية الإنتاج مفاصل التدوين الداخلي، وهذه المفاصل تعتمد اعتمادًا على تدوير الحكاية لصالح الفنّ القصصي, ولا تترك الحكاية تقود المفردة، بل جعلت المفردة تقود النص، فهي تلعب لعبتها في التناوب مع ما بين سردية التدوين وروح الحكاية، تقف حيث تشاء لتبدأ الترقيم داخل النص، أو تترك التقسيم على شكل مقاطع، أو تترك النصّ يكمل قيافته كاملًا.. ولذا فهي أيضًا في الترتيب الخاص للغة، تجعل الأمر يأخذ ثلاثة طرق.. الطريق الأول: إنها لغةٌ فيها من الشعر الذي يجعل من النصّ قابلًا للتلقّي والتفكير لا قابلًا للتصديق المباشر العاطفي.. بمعنى أن الكثير من الكتّاب يعتمدون على تسويق الحكاية بطريقةٍ مباشرةٍ عبر لغةٍ مباشرةٍ تتلاءم مع القصدية التي يريدها المنتج، لكن المنتجة هنا جعلت اللّغة واحدةً من مفاتيح اللعب، بهدف الإعلاء من شأن التراكيب اللغوية التي تقرّب الصورة إلى ذهنية المتلقّي (كنتُ في السادسةِ من عمري حينما نظرتُ إلى تلك الشريطةِ البلهاءِ التي ربطتْ بها أمّي شعري الذي كنتُ أحبُّ أن يغطيَ جبهتي .. رأيتُها تسخرُ منّي! تناولتُ المزهرية النحاسية التي كانت على الطاولة المجاورة، وانهلتُ بها عليها، وأحلتُها نثارًا!) ص 56
الطريق الثاني: إنها لغةٌ تعتمد على مقدرة الإيحاء أكثر من مقدرة الشرح لتفاصيل النصّ، وهي بهذا تخرج من قالب المباشرة، لذا هي تحتاج الى متلقٍ يفكّر أكثر منه قارئ مسترخٍ على خارجية الحكاية. (أغرتْني الشمسُ بالخروجِ من كهفِ منزلي، ودعتْني للتريّض على شاطئ البحر، وشرب القهوة بحضرتهما، ولأنني تأخّرتُ بالخروج، ريثما أنهيت بعض الأعمال المنزلية) ص 81
أما الطريق الثالث: إنها لغةٌ تقود السرد، الى مناطق جريئةٍ وإن بدت روحية، لكنها حضرت لتبني روح القصة التي تحتاج الى مستويات مختلفة متداخلة مع بعضها.(لم أُكملْ حديثي مع الله، أحدهم تدخّل مفسدًا علي مناجاتي وخلوتي، كان قد سبق لي أن جلست في حضرته القدسية لثوانٍ عديدة، وكانت حياتي تنساب أمام ناظري بسلاسة، كنت خلالها أبكي على ما فرّطت، وأضحك من سعادة آنية منحنيها القديرُ بفضلٍ وكرم) ص52
ولأن القصص في الكثير منها أنتجت بطريقة المتكلّم، لكنه يخاطب الآخر سواء منه المتلقّي أو الموما إليه، الذي يرد في بعض الأحيان ذكره وتوصيفه.. اسمه وترتيبه. ولهذا فإن حاصل جمع التدوين القصصي في هذه المجموعة أخذت طريقة الإنتاج عبر ثلاثة مستويات رئيسية، مع تداخل المستويات الثلاثة الأخرى. أوّلها: المستوى الإخباري الذي يحتل الجزء الأكبر في عملية الإخبار من الذات الى الخارج. ثانيها: المستوى التصويري الذي يعتمد على فعل المفردة المباشرة أو الشعرية في غالبيتها, وهو يتداخل مع المستوى القصدي في تبيان مفاصل القص. ثالثها: المستوى الفلسفي الذي يحمل روح وهدف النصّ ككلّ من خلال بثّ بعض الأفكار سواء منها العقائدية أو حتى الفكرية المنعتقة من حبل الغاية الحكمائية مثلًا. وهذه المستويات كلّها تداخلت مع المستويين التحليلي والتأويلي، حيث تتّجه المنتجة إلى تسريب تحليلها الخاص في هذه الجزئية أو تلك من أجل خلق تأويلٍ يكون في صالحها وأن يتم تقبّلها من قبل المتلقّي.
إن المجموعة فيها مهارة القصّ التي لم تغب عنها مهارة التدوين، وبالتالي مهارة اللعبة والمقدرة على قيادة المستويات السردية لصالح الفكرة الداخلية، وليس لصالح الحكاية الخارجية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى