الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث البيدق / شيفرة التاريخ و أزرار الحقيبة النووية.2/4

نورالدين علاك الاسفي

2023 / 4 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


نورالدين علاك الاسفي.
[email protected]

و تركت روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي تلعق جراحها ؛ بالرغم من أنها الدولة الوحيدة التي لديها قدرة نووية مماثلة لأمريكا. و الصين ليس لديها مثل هذه الإمكانات. و إذا صادقت الصين روسيا، فإن في قولها للأمريكيين أنه لا ينبغي الدخول في حرب ضدها سيكون أكثر إقناعا. لذا جاء ردها سريعا على محاولة عزل الغرب لروسيا، و شهيته في فتح قضية جنائية ضد الرئيس الروسي شخصيا، كما تمنى شي جين بينغ أن يفوز بوتين في الانتخابات المقبلة. و هو رد مبطن على رهان الغرب على هزيمة روسيا وتدميرها؛ وقد شهر خنجر أوكرانيا في حربه بالوكالة.
و بخطوتها نحو السلام،المعلقة إلى حين بين روسيا و أوكرانيا؛ و مفعلة واقعا بين إيران و السعودية بضمانة صينية. اتخذت المملكة العربية السعودية خطوة جريئة وغير متوقعة؛ غادرت فيه المعسكر الأمريكي ظرفا، إلا أنها لم تدخل رسميا بعد إلى المعسكر الصيني. و هي مسألة وقت في أقصى تقدير، ذلك أن محاولات الولايات المتحدة المستقبلية لحرمان الصين من النفط الخليجي لن تترك للرياض والخليج بأسره الحرية في اختيار الجانب الذي سينضم إليه. فالسلام بين المملكة العربية السعودية وإيران هو فقط أول الأمور المدهشة التي كانت حتى عهد قريب مخندقة في باب المستحيل .
و لما مشت الأمور على هذا النحو من الغرابة؛ وقّع بايدن مشروع قانون أقره الكونغرس ليصبح قانونًا يطالب مجتمع الاستخبارات برفع السرية عن البيانات المتعلقة بأصل فيروس كورونا.
جاءت التحذيرات الأولى قبل أسابيع قليلة، عندما كانت وكالات الاستخبارات الأمريكية تتحدث عن مختبر في مدينة ووهان الصينية". كانت مسألة وقت. من الواضح أن الأمريكيين كانوا يحاولون مساومة وترهيب الصين. لكن الأخيرة لم تشعر بالخوف. وكما تحقق عيانا، قام الرئيس الصيني بزيارة روسيا.
ظاهر إذن أن الإدارة الأمريكية الحالية باتت لها خصوصية التفاعل مع الإشارات ببطء، متأخرة عن الصحافة وقيادات الدول الأخرى. بل، ويمكن أن تختلف التصريحات عن ردة الفعل الحقيقية بشكل جذري. لكن المهم بالنسبة للولايات المتحدة ليس ما هو مكتوب في بيان بوتين وشي الختامي، بل ما استشعرته واشنطن من قلق حول قائمة أهم القضايا التي تطابقت حولها مواقف البلدين. قد لا تتمكن أمريكا من الصمود في مواجهة متزامنة مع روسيا والصين.
ليعود الحديث من جديد مذكرا بما اجتهدته الولايات المتحدة لتنفرد بقيادة العالم، ولكنها ساعدت أيضا في خلق وحش جيوسياسي جديد. فبعد مرور 100 عام على ميلاد الحزب الشيوعي الصيني، وهي الذكرى المئوية التي احتفل بها الرئيس شي جين بينغ بالتعهد بأن أعداء الصين سوف «تتحطم رؤوسهم دامية على جدار فولاذي ثقيل». كما يصادف التاريخ أيضا الذكرى السنوية الخمسين للحظة الأكثر تفاؤلاً في العلاقات الصينية الأميركية: وهي رحلة هنري كيسنجر السرية إلى بكين في عام 1971. حيث أنهت الاجتماعات بين مستشار الأمن القومي للرئيس ريتشارد نيكسون آنذاك، ورئيس الوزراء الصيني تشو إن لاي، جيلاً من العداء ومهدت الطريق أمام شراكة إستراتيجية تاريخية بين البلدين.
واليوم، فيما تندفع الصين والولايات المتحدة نحو المواجهة، من المغري أن ننظر إلى الانفتاح على بكين باعتباره بداية لما يقرب من 50 عاماً من الانخراط الخاطئ إزاء قوة معادية بالأساس. ولكن من الجدير بنا أن نتذكر أن الانفتاح بدأ باعتباره سياسة ذكية وبالغة الصرامة، تلك التي ساعدت في الفوز بالحرب الباردة وغيرت علاقة الصين مع العالم بأسره.
و الحال؛ فعن عمر 97 سنة، ما يزال في جعبة كيسنجر ما يقوله لرئيس تحرير بلومبرغ نيوز: "تنجرف أمريكا والصين الآن بشكل متزايد نحو المواجهة، وهما يمارسان دبلوماسيتهما بطريقة المواجهة، ويكمن الخطر في أن تحدث بعض الأزمات التي ستتجاوز الخطب الرنانة إلى صراع عسكري حقيقي. فالصين في توصيفه تعد أكبر مشكلة للولايات المتحدة والعالم بأسره بسبب ضخامة القدرات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية؛ بشكل يفوق بشدة حالة الاتحاد السوفياتي السابق الذي كان قوة عسكرية فقط، ولم يصل إلى القوة الاقتصادية والتكنولوجية التي وصلت إليها الصين. كما أضاف بحسرة في أن التقدم التكنولوجي النووي والذكاء الاصطناعي يزيدان مضاعفة خطر نهاية العالم، وخلص من تشخيص هذه المعضلة إلى دعوة حكومة بلاده إلى أن تبقى حازمة في المبادئ وأن تطالب بكين باحترامها، مع الإبقاء على حوار مستمر وإيجاد مجالات للتعاون معها. إذن لا يريد كيسنجر أن تندفع بلاده في حرب باردة جديدة مشابهة لنظيرتها السابقة بين العملاقين الأميركي والسوفياتي، ويريد ضبط الصراع بما لا يتجاوز الخطوط الحمر التي يصعب السيطرة عليها. و لم يسقط من باله انه كتب يوما إن الصينيين "منظّرين آيديولوجيين شرسين يختلفون معنا تمام الاختلاف حول مسار العالم".
أما الذي دفعه لهذا فكان عدم ثقتة في نهج التصعيد عموماً فهو يخشى فشل رؤيته لاحتواء تزايد التصعيد، فالرجل يتحسب لمسائل غياب الاستقرار وعدم الأمن وارتفاع معدلات المخاطر، وهذا هو المفتاح الأساس الذي يفسر قلق كيسنجر وعدم تحبيذه التصعيد مع الصين، وليس ما طرحه البعض من أنه يسجل عدم ارتياحه لمخالفة النهج الذي بدأه بالانفتاح على الصين.
فقد عرف عن كيسنجر الأكاديمي ولعه الشديد بالتاريخ وبمرحلة محددة من تاريخ الصراع الدولي، وهي مرحلة القرن التاسع عشر، والذي كان عدم الاستقرار وتحولات القوى وسعي أطراف عديدة للحلول محل الأخرى سبباً في تعدد الحروب وانتهائها بالحرب العالمية الأولى، التي قادت نتائجها إلى ظهور النازية والفاشية ووقوع الحرب العالمية الثانية. و عند هذا المفكر المحافظ فإن المخاطرات الناتجة عن التصعيد ضد الصين تنطوي على مغامرات غير مأمونة العواقب، وأن الأفضل تطبيق سياسات الحوار المستمر والتفاهمات.
ولم يفته ما كان محط تنويه حينها؛ حيث يتردد الحديث حول "سياسة احتواء الصين" التي اشتهر بها كيسنجر في عهد الرئيس نيكسون في منتصف سبعينات القرن الماضي، والتي كانت تهدف لعزل الصين عن الاتحاد السوفييتي مقابل فتح الأسواق العالمية لمنتجاتها الصناعية الكبيرة والهائلة، والتي كانت دون المستوى في الأسواق العالمية آنذاك، مما دفع الصين لقبول سياسات كيسنجر، لكنها عدلت عنها تماماً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وبعد أن اكتشفت أن الأسواق العالمية المفتوحة لها أشبه بالأغلال التي تقيدها وتجبرها على قبول سياسات واشنطن رغما عنها، وعادت الصين لتتحالف مع روسيا ضد الولايات المتحدة، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وانطلاق الحملة الأمريكية على الإرهاب.
و هذا ما يدفع إلى النظر في أن سياسة الاحتواء هذه لا تصلح مع روسيا التي تفوق طموحاتها الاستراتيجية والسياسية طموحاتها الاقتصادية، والتي لا تملك الإنتاج الصناعي الضخم الذي تملكه الصين، والتي ليست لديها طموحات كبيرة للأسواق العالمية مثل الصين، فروسيا لا تستطيع أن تتخلى عن طموحاتها لأن تصبح قوة عظمى عالمية لها مكانتها ومصالحها التي يجب على الجميع احترامها، ولا يهمها في ذلك أن تكون قوة اقتصادية كبيرة مثل الصين واليابان وألمانيا؛ و التي رغم زخمها الاقتصاد العالمي؛ تفتقد الفاعلية السياسية الدولية وظلت تابعين للولايات المتحدة التي تمتلك النفوذ القوي على الأسواق العالمية، ولهذا اضطر العملاق الاقتصادي الصيني أن يحتمي خلف روسيا سياسيا حتى لا تضيع مصالحه ولا يخضع للابتزاز الأمريكي، بينما روسيا التي لم تكن يوماً ما عملاقا اقتصاديا، اكتسبت صفة الدولة العظمى والقطب العالمي الثاني بفضل قوتها العسكرية والنووية. (5)
فحتى إلى وقت قريب، لم تكن واشنطن تؤمن بإمكانية قيام تحالف استراتيجي بين موسكو وبكين، وكانت تأمل في أن يكون هناك الكثير من التناقضات بين البلدين. و أظن أن الغرب ما زال يمني النفس بألا يحدث ما يباغته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط


.. ما رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار في قطاع




.. الجيش الاسرائيلي يعلن عن مقتل ضابط برتبة رائد احتياط في غلاف