الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث البيدق / شيفرة التاريخ و أزرار الحقيبة النووية.1/4

نورالدين علاك الاسفي

2023 / 4 / 3
مواضيع وابحاث سياسية



لم يكن من الغرابة في شيء أن تأخذ لحظة الوداع بين شي جين بينغ و بوتين زخما عابرا للقارات بكل لغات العالم؛ لكن حال من تابع أجواء القمة تحت قرع كؤوس النخب؛ و حين سيطلع على البيان المشترك؛ سيستشعر بأنفاس مقبوضة مرارة ما تجرعته أروقة الغرب. فهمس الوداع لم يفوت عن المراقبين خلفية زيارة الرئيس الصيني إلى موسكو. فقد باتت للمتتبع المناصر تاريخا فارقا؛ و أرهقت المناوئ ذلة حانقة.
ليتذكر الجميع سخرية السيناتور الأمريكي جو بايدن، قبل عقود من تحذير مسؤولين روس له من التقارب بين روسيا والصين إن لم يتوقف الناتو عن الزحف شرقا. ففي أواخر التسعينات، تحدث بايدن الذي كان عضوا في مجلس الشيوخ آنذاك مع مسؤولين روس هددوا بـ"تكوين صداقات مع الصين" إذا واصل الغرب توسيع حلف الناتو شرقا. ردا على ذلك تمنى بايدن ساخرا "النجاح للروس، ونصحهم في حال فشلهم بذلك بتكوين صداقات مع إيران". الآن واشنطن لا تعرف للضحك طعما مستساغا. روسيا نجحت بتشكيل محور مع إيران والصين، و في الولايات المتحدة صاروا يعتبرون ذلك تحديا رئيسيا لواشنطن.
فرئيسها الحالي؛ و بعناد ذاكرة خرفة يقر: "موقفي من الصين ليس متساهلا، وموقفي من روسيا ليس متساهلا، لكنني أعتقد أننا نبالغ في الأمر إلى حد كبير. ومنذ 3 أشهر أسمع أن الصين تعتزم البدء بتوريدات الأسلحة إلى روسيا... وهي لم تقم بأي شيء".و تابع في استدراك مخجل"هذا لا يعني أنهم لن يقومون بذلك، ولكن حتى الآن لا". و ليطمئن نفسه على واقع يمور تحت رجليه؛ أكد أن واشنطن "نجحت في تشكيل تحالفات" و "ليس لدي موقف متساهل من الصين وروسيا وما تقومان به، ولكن دعونا ننظر إلى الأفق البعيد المدى. نحن من يوحد التحالفات".(1)
لكن شي جين بينغ صدع بما بيت؛ و كلمته قلبت العالم المعاصر كله رأسا على عقب؛ و بدأ معها الغرب أخيرا يدرك عاقبة فعلته؛ فعند توديع بوتين قال:الآن هناك تغييرات لم نشهدها منذ 100 عام ، عندما نكون معاً نقود هذه التغييرات للأفضل. ليجيبه القيصر بأريحية تخفي ابتسامة نكرة: أوافق. تلقى شي ما أمله و نبس بهمس: اعتن بنفسك ياصديقي العزيز. ليختم بوتين اللقاء برد حاسم بجرعة زيادة: أتمنى لك رحلة موفقة.
هذا ما تبادلاه زعيما دولتين تنظران إلى مجموعة المشاكل العالمية برمتها من التجارة إلى المشاكل السياسية بالطريقة نفسها تقريبا. وهما متحمستان بالقدر نفسه لعملية إنشاء نظام عالمي جديد، أكثر عدلاً من النظام الذي كان موجودًا من قبل. و قد باتا يدركان أكثر من السابق أن المجتمع الدولي يدرك جيدا أنه لا توجد دولة في العالم تتفوق على جميع الآخرين. لا يوجد نموذج عالمي لإدارة الدول ولا يوجد نظام عالمي يمتلك فيه الكلمة الفصل بلد بعينه. الشيء الذي جعل بوتين بعد محادثات مع شي جين بينغ يشهر إقرارا بالتحدي: روسيا والصين وضعتا أهدافا وغايات طموحة للمستقبل. و بذلك تقبر ذكرى شق الجدار التي عملت عليه أمريكا عقودا لهد كيان الاتحاد السوفياتي. على زمن اجتياحها للأفغان و ما حيك حينها من استراتيجيات كان زبيغنيو بريجنسكي حابك خيوطها.
فبعد سنوات عديدة من غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان في أواخر عام 1979 ، كشف زبيغنيو بريجنسكي وروبرت جيتس عن العديد من التفاصيل السرية سابقا فيما يتعلق بمساعدات إدارة كارتر لمقاتلي المقاومة المجاهدين قبل الغزو. أظهر هذا الإفصاح أن البيت الأبيض استدرج الاتحاد السوفيتي عمدا إلى فخ موبوء بالمتمردين في أفغانستان؛ و مصمم لمنح موسكو حرب فيتنام خاصة بها. فبريجنسكي خرج حينها بأكثر الاكتشافات استفزازية، اتهم على إثرها لاحقا من قبل الكثيرين بالتحريض على الحرب بمفرده. و العمل على توريط السوفييت في "مستنقع فيتنامي" في أفغانستان إذا قرروا التدخل. فتم تنفيذ المساعدة السرية للمجاهدين لمحاصرة موسكو . ليتضح لاحقا بأنه كانت لدى بريجنسكي أسبابا إستراتيجية وأخرى شخصية لمساعدة المجاهدين. فقد شرع في تلقي معلومات واضحة تماما من أصول وكالة المخابرات المركزية في موطنه الأصلي بولندا بأن الوضع هناك على وشك الانفجار. دفعته هذه التطورات إلى تحويل أفكاره نحو الأزمتين في وقت واحد، بهدف نهائي هو تطوير إستراتيجية من شأنها حماية وطنه بأي ثمن. في التحليل النهائي ، كان بريجنسكي محقا في تقييمه بأن مساعدة المجاهدين و فتح باب النار على السوفييت في أفغانستان سيمنع الكرملين لاحقا من إرسال قواته إلى بولندا من أجل سحق الحركة العمالية المزدهرة المعروفة باسم التضامن(2).
و كان أن فتح باب النار؛ فبددت على عتبته أحلام السوفييت على مرأى من دعم غربي هجين. بقي رهينة له؛ و يرعاه بغطرسة. لاحقا ستطلق الولايات المتحدة عاصفة الصحراء، كما غزت الصومال، وقصفت بلغراد عاصمة يوغسلافيا، وغزت أفغانستان واحتلت هذا البلد لعشرين عاما بعد أن دعمته؛ لتضطر إلى الخروج منه مدحورة خائبة؛ بعد إجبار مكلف للجميع على ضرورة النظر إلى العالم عبر عدسة النظام القائم على القواعد؛ يروج له بلا هوادة لخدمة المصالح العالمية لواشنطن. و العمل على تشكيل منصة أيديولوجية لمحاربة تلك الدول التي تضع عليها النخبة السياسية الأمريكية علامة (الأنظمة الاستبدادية)، وهي أولا وقبل كل شيء: روسيا والصين. (3)
لينتهى التيه بمهندس هذا المسار الاستراتيجي قارا "الخطر يكمن في أنَّنا إذا بقينا نثق لفترة أطول بالحلّ العسكري فستزداد أكثر وأكثر القوى التي تقاومنا" (4)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟