الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشراقات الصّور الشّعريّة..وتجليات التكنيك الفني في قصيدة -أخطأت يا سيًدي- للشاعرة التونسية السامقة فائزة بنمسعود

محمد المحسن
كاتب

2023 / 4 / 3
الادب والفن


أخـطــأت يـا سيًـــدي

هذه حصيلة ليلة لقاء
محصوله هزيل هذا الهوى
قبلات وكم كان عددها يا ترى ؟
لنقسم قسمة تراضي
حصيلة كلمات
زاد عددها عن الحد
صدحت كلماتك
وكسا كلماتي الحياء
كيف نتقاسمهايا ترى
قلتً أقسِّمها كمَـا أشاء
يا سيدي تلك قسـمة ضيزى
وهذه خطوات اللقاء
نامت على خط الاستواء
فليس علينا ولا لنا
فما هو ذنبي يا ترى
وهل أذنبت إن تحصّنت بالكبرياء
أخطـأتَ يا سيدي يوم اعتقدت
أننـي الأنثى
التي تمسك الشمعة وتنتظر
أوبتك بعد التدفق بين أكفّ النساء
كسرتُ المرآة التي زينت لي حبك
أفقا وسماء
ومع شظاياها دفنت حبا
ما كان عليه أن يحيا
العشق جنون والقلب طبعه خطّاء
وكم يحتاج قلبي إلى قصائد الرثاء

((فائزه بنمسعود)
يوميات مارقة - الجزء الثاني-
1/4/2023





يقف الشّعراء الحقيقيّون في طليعة المبدعين،وذلك لقدرتهم على الإبداع، الّذي يتجلى في تعلّقهم بالأحلام والحرّيّة والخيال، وخلجات النّفس والوجدان،والرّسم بالكلمات،وتشكّل الصّورةِ الشّعريّة،وسائرِ الوسائلِ الفنّيّة الأخرى، كالرمز والأسطورة والتناص والانزياح،وجماليّة المعنى والمبنى،والإيقاع الدّاخليّ،والإيقاع الخارجيّ الخ..وذلك من خلال وسيلة اسمها اللّغة، الّتي تترجم عن الخيال وتحوِّله إلى صور محسوسة أو مسموعة أو مرئية.بها ومنها تتشكّل الصّور الشّعريّة الّتي يغذّيها خيال الشّاعر،ويمدها بالتّأمُّل والانفعال،وسعة الاطلاع والثّقافة. بمعنى أن كل فكرة يستحضرها الشّاعر قبل أن تترجم إلى مفردات لفظية،تكون صورة مثالية أو متخيَّلة في نفس الشّاعر وذهنه.يقول الجاحظ (ت 255ه) في هذا السّياق "فإنما الشّعر صناعة وضرب من النسج،وجنس من التصوير"(1). فعلى سبيل المثال لا الحصر،ربَّ قائل يقول: إني أسمع وقع خطوات فصل الرّييع يغذُّ السير وهو قادم من بعيد! وقد يبالغ آخر فيقول : إني أراه قادمًا من بعيد، ووصوله أصبح وشيكًا!
ثمّة صعوبة جدية في تحديد تعريف جامع مانع لمفهوم مصطلح الصّورة الشّعريّة،وذلك لتعدّد دلالات المصطلح واختلاف وجهات نظر النّقّاد فيه.قد يُقال: الشّعر تفكير بالصّور،أو الشّاعر يفكِّر بوساطة الصّور،يعبِّر عنها بوساطة اسمها اللّغة وهكذا الشّعر فنٌّ يقوم جانب كبير من جماله على حسن التصوير،وحسن التّعبير،وعليه "فالصّورة في الشّعر هي "الشّكل الفنّيّ" الّذي تتخذه الألفاظ والعبارات بعد أن ينظمها الشّاعر في سياق بياني خاصّ ليعبِّر عن جانب من جوانب التجربة الشّعريّة الكاملة في القصيدة،مستخدمًا طاقات اللّغة وإمكاناتها في الدّلالة والتركيب والإيقاع والحقيقة والمجاز والترادف والتضاد والمقابلة والتجانس وغيرها من وسائل التّعبير الفنّيّ،والألفاظ والعبارات هما مادّة الشّاعر الأولى الّتي يصوغ منها ذلك الشّكل الفنّيّ، أو يرسم بها صورهُ الشّعريّة"(2).
وعن الصّورة الفنّيّة وهي ذاتها الشّعريّة نقرأ أيضًا الآتي "وتقف الصّورة الفنّيّة في مركز العمل الشّعريّ؛ فهي اللّغة البكر الّتي تباهي بعذريتها،وتتيه بأنّها ابنة الطّبيعة والإنسان،(وهي ابنة التزاوج الدّائم والغريب بين الطّبيعة الأم والإنسان الأب،وهي دائمة الصدود تتحدَّى كل النّقّاد الّذين يقولون هي ابنة الطّبيعة،والّذين يقولون إنها ابنة الإنسان"(3). ويقول آخر الصّورة الشّعريّة "أية هيئة تثيرها الكلمات الشّعريّة بالذّهن،شريطة أن تكون هذه الهيئة معبِّرة وموحية في آن واحد" (4). بمعنى أنها صورة جميلة مؤثِّرة وموحية،معنى ومبنى.وعرَّفها بعضهم بقوله "إنها في أبسط معانيها رسم قوامه الكلمات"(5)، ما يُسمى بـ اللّغة التصويرية في المفردات والجمل.أما الشّاعر إزرا باوند فيعرِّف الصّورة الشّعريّة على أنها "تلك الّتي تقدم تركيبة عقليّة وعاطفيّة في لحظة من الزّمن"(6).
"أخـطــأت يـا سيًـــدي" : نشير،ابتداءً،إلى أن نص الشاعرة التونسية الفذة فائزة بنمسعود الشّعريّ نص مربك لا لقرّاء الشّعر وحدهم،بل للنقاد المتخصصين أيضًا، والسّبب أننا في حضرة شاعرة مبدعة غير عاديّة ( هذا الرأي يخصني)،حقّقت إنجازًا بالغ الأهمّيّة في مجال الشّعر،مجبول بإبداع ليس له حدٌّ أو مدى،مع ما يشتمل عليه بين ثناياه من حمولات الدّلالات الّتي تقتضي قراءات معمَّقة ومتعدّدة.وقد ذهب هيرش إلى "أن القراءة فن يخضع لموهبة الفرد ولتجربته وثقافته"(7). وعليه لا يمكن قراءة نصوص فائزة بنمسعود إلا من خلال تلمُّس لغتها الشّعريّة،وما تمتلكه أو توظِّفه فيها من أبعاد وإيحاءات ودلالات،وأساليب بلاغية،ووسائل جماليّة،وأخرى فنّيّة كالرمزية والانزياح وما إلى ذلك.أما تركيز الشّاعرة في القصيدة وفي شعرها عموما،كما يبدو،فعلى الكلمة الّتي تعتمدها ركنًا أساسيّا في صناعة النص الشّعريّ.
من القصائد الّتي استرعت انتباهي ولطالما استوقفتني،لدرجة أنني كنت أعيد قراءتها المرّة تلو الأخرى كلما سنحت لي الفرصة بذلك،قصيدة "أخـطــأت يـا سيًـــدي". وأما السّبب فأعزوه إلى جماليّة النص والصّور الشّعريّة منه تحديدًا،وما يكمن وراءها من احتمالات تبعث على الدهشة والمتعة والقيمة المضافة.قراءة سابرة للقصيدة،لا تدع مجالًا للشك بأن عتبة العنوان "أخـطــأت يـا سيًـــدي" هي المحور الأساس الّذي تدور من حوله القصيدة من البداية حتّى النّهاية. إلى ذلك، فإن العنوان يجسِّد معنيين في الوقت ذاته.المعنى الأول لغويّ أي معجمي،والثّاني تشكيلي أي تصوير شعريّ.
بالنّسبة لأسلوب القصيدة فإنّه يمكن تصنيفه كالسّهل الممتنع،الّذي يمتاز بسهولة الألفاظ ووضوح المفردات وسلاستها،وتفنن في المعاني،وتلاعب بالألفاظ،أسلوب متجانس شكلًا ومضمونًا.ذلك بأن مثل تلك الأغراض الشّعريّة الّتي لامستها القصيدة لا تتحمَّل المفردات الفخمة،أو التراكيب الصّعبة،مع التّأكيد على أنه أسلوب درامي سردي بامتياز.الأمر الّذي جعل تلك البنية الدّراميّة تغني النص على نحو مثير ومؤثِّر.وقد جاءت ملامسة النص لسردية النّثر واضحة للعيان،ففي المفردات والعبارات الكثير من لغة النّثر،أو تقترب من لغة النّثر في أقل تقدير.وهو أمر يمكن أن ينسحب على معظم قصائد فائزة بنمسعود تقريبًا.
ثمّة قصائد لشاعرتنا-فائزة- تبدو كأنّها أقرب ما تكون إلى النّثر. يقول أبو حيان التوحيدي "أحسن الكلام ما رقَّ لفظه، ولطف معناه، وتلألأ رونقه، وقامت صورته بين نظم كأنّه نثر، ونثر كأنّه نظم"(8).
ختاما،ولا يفوتنا أن نذكر أنه ومن خلال صور فنّيّة متخيَّلة بصريّة وأخرى سمعيَّة،ترسم الشّاعرة لنفسها آفاقًا ومثلًا عليا،تحلم بأن تراها تتحقّق على أرض الواقع،لكي تحياها،أو أن تصل إليها في أقل تقدير.
الصّورة الشّعريّة أو الفنّيّة تشبه إلى حدّ كبير اللوحة التشكيليَّة،وهي لا تكون إلا ترجمة لفكرة متخيَّلة أو محاكاة لواقع ما في الطّبيعة،لكنها تكون أكثر تأثيرًا وأثرًا كلما كانت أكثر إدهاشًا وغرائبية..!
صفوة القول : تغدو قصيدة "أخـطــأت يـا سيًـــدي"،وربّما الشّعر عامّة،بالنّسبة لفائزة بنمسعود، عنوانًا كاملًا متكاملًا،أو هُويّة للذات الشّاعرة!
تُرى هل هي القصيدة؟ هل هو العشق الذي يقودنا إلى سدرة المنتهى؟ هل هي مرحلة الشباب التي توارت خلف الغيوم؟ هل هو الزوج الحاضر بالغياب..؟
ويظل السؤال حافيا،عاريا ينخر شفيف الرّوح..
لك مني يا-فائزة -باقة ورد..تعبق بعطر الإبداع..


الهوامش :

1) الجاحظ: الحيوان، ج3، ص132، تحقيق وشرح عبد السّلام هارون، دار الجيل، بيروت، 1992.
2) عبد القادر القط: الاتّجاه الوجداني في الشّعر العربيّ المعاصر، ص435، دار النهضة العربيّة، بيروت، 1978.
3) نصرت عبد الرّحمن: الصّورة الفنّيّة في الشّعر الجاهلي، ص21، مكتبة الأقصى، عمان، 1982.
4) شاذل طاقة: المجموعة الشّعريّة الكاملة، جمع وإعداد سعد البزاز، ص25، وزارة الإعلام العراقية، بغداد، 1977.
5) سيسيل دي لويس: الصّورة الشّعريّة، ترجمة أحمد ناصيف الجنابي، مالك ميري، سلمان حسن إبراهيم، مراجعة عناد غزوان إسماعيل، ص21، مؤسّسة الخليج العربيّ للطباعة والنّشر، الكويت، 1982.
6) عز الدّين إسماعيل: الشّعر العربيّ المعاصر، قضاياه وظواهره الفنّيّة والمعنوية، ص86، دار الكتاب العربيّ للطباعة والنّشر، القاهرة، 1967.
7) مجموعة مؤلفين: بحوث في القراءة والتلقّي، ص17، ترجمة محمد خير
8) أبو حيان التوحيدي: الإمتاع والمؤانسة، ج2، ص254، اللّيلة الخامسة والعشرون، دار الأرقم للطباعة والنّشر والتوزيع، بيروت، 2016. بها قدَّم محمود درويش لديوانه "كزهر اللوز أو أبعد".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حصريا.. مراسل #صباح_العربية مع السعفة الذهبية قبل أن تقدم لل


.. الممثل والمخرج الأمريكي كيفن كوستنر يعرض فيلمه -الأفق: ملحمة




.. مخرجا فيلم -رفعت عينى للسما- المشارك في -كان- يكشفان كواليس


.. كلمة أخيرة - الزمالك كان في زنقة وربنا سترها مع جوميز.. النا




.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ