الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرح الشارع_الوجود والوعي

حسام الدين مسعد
كاتب وقاص ومخرج وممثل مسرحي ويري نفسه أحد صوفية المسرح

(Hossam Mossaad)

2023 / 4 / 3
الادب والفن


حين يصادفك،وانت تسير في شوارعنا العربية ،و دون علمك بموعد مسبق لعرض من عروض مسرح الشارع التي اختفت تماماً إلا ما ندر وجوده في التظاهرات المسرحية العربية المزدحمة بالضيوف المتكررة،والوجوه الثابتة،والتي لا يعنيها سوي وضع الفواصل الحديدية بين عروضها،وبين المجتمع الذي تستهدف أفراده اللذين بات يشغلهم سلبية التفكير في الإحباطات اليومية الراهنة،بطرحهم السؤال علي أنفسهم بإستخدامهم إداة الإستفهام " لماذا"؟،ولأنك واحد منهم،شعورك يماثلهم تستخدم ذات الأداة الإستفهامية حين يجذبك عرض الشارع لتغوص في أعماقك المحبطة لتلفظ السؤال، لماذاعاد "المحبظاتية"الممثلون الجائلون الينا في مثل هذا الوقت الشاذ؟الذي نحتاج فيه الي تجاوز الحدود بكافة أبعادها الإجتماعية ،والدينية ،والإقتصادية، فلو استبدلت أداة الإستفهام ب(ما) وبدْلت السؤال ليكون، ماهي اسباب اختفاء عروض مسرح الشارع ؟ فإن السؤال سيكون أكثر نفعاً كونه يركز علي الأهداف المستقبلية بدلاً من تركيزه علي أخطاء الماضي .
- في الحقيقة ليس هناك شئ يختفي تماما من الوجود،فالوجود هو،القدرة على التفاعل مع الواقع بشكل مباشر،أوغيرمباشر،لكن ما هي القدرة التي تٌعيننا علي احداث مثل هذا التفاعل مع الواقع ؟
لاشك أن قدرة الوعي بالذات، هي التي تعبر عن ملاحظة المواقف التي نمر بها،والبحث عن الأنماط المختلفة في طرق التفكير التي نميل إليها ،بالإضافة الي كيفية تفسير الأشياء لأنفسنا وفهم العالم من حولنا.
-يقول سيجموند فرويد "من الممكن الإستمتاع بإحساس الحرية عندما نكون قادرين علي ترك سترة المنطق"
لكن الآن تركنا كل ملابسنا،واصبحنا عراة سجناء في هذا العالم العبثي ،لأننا تربينا علي عدم تجاوز الحدود،فأصبحنا نسخة واحدة خاوية من التأمل،و الإبتكار،والتجديد.
فهل تأملنا طبيعة الفضاء الذي نستهدفه في عروض مسرح الشارع؟ وهل استطعنا أن نتجاوز الحدود مع متلق هذا الفضاء ؟أم مازلنا نتعكز علي أطروحات الآخر في مشروعاتنا الثقافية،والمسرحية ؟
- أن التداخل بين المجتمعات ذات البنية التقليدية ومفهوم الدولة الحديثة التي تستمد شرعيتها من بنية تقليدية ونظام سياسي حديث، لكنه يتبنى النمطين معاً، الشكل والمظهر الخارجي، لكن نمط التسيير والتدبير "باتريمونيالي"، أي يعتمد على علاقات المحسوبية والولاء للسلطة المركزية،قد ادي الي
تشكل الوعي لدى جمهور المتلقين، فالحمولة التي يتضمنها، على المستوى الواقعي اليومي وعلى المستوى الرمزي، تطبع إلى حد بعيد، تصور المواطن للنظام السياسي، وجوهره وطبيعته، وعلاقته بالسلطة،او النظام السياسي المهيمن علي الفضاء العمومي العربي والذي يتحكم في مزاولة اومنع ممارسة هذا الفن،مما ادي إلى تكريس سلوك العزوف وانعدام الثقة في المؤسسات و الكيانات السياسية المهيمنة علي العملية الإنتاجية للمسرح في وطننا العربي،وأدي ايضاً إلي انعدام ثقة المتلقي العربي في الخطاب المسرحي، فعزف التلقي النقدي العربي عن ملاحقة عروض مسرح الشارع التي لا يسمح بمزاولتها إلا بناء علي تصريح مسبق من السلطة السياسية،فضلا عن عدم تراكمها،وإستمراريتها .
-لاشك أن مجتمعاتنا العربية يصعب فهمها دون الرجوع للفعل والممارسات كمعطيات،ودون الاستناد الي التكوين النفسي،والإجتماعي فقط في وصف تجارب الناس،ومع ذلك فالعودة إلي الحياة اليومية من شأنها خلخلة الكثير مما نعرفه عن عالمنا العربي، فالبحث النقدي الذي ابتدعه "ويليام ديلثي "يري اننا نتحول بفضل الخبرة التي ترغمنا علي النظر،وإعادة النظر،في شكل الوجود الذي نلاقيه،وهو ما يضعف من سلطة التقاليد ايا كان نوعها،لذا فمن المحال فهم الوجود العربي لعروض مسرح الشارع، إلا من خلال المحادثة،فذلك الوجود يأتي الي داخل اللغة بواسطة الحوار،اوالمحادثة ، فاللغة هي المرآة التي يقابل المرء نفسه فيها أو يقابل نفسه في الآخرين، فمرآة المحادثة تجدد نفسها في الهدف من وراء ما يقال،لكن قبل شروعنا في المحادثة أو الحوارهل لدينا العلم الكافِ بلغة التعلم الحواري ؟او مشروع (مجتمعات التعلم ) (١)والذي أسسه البرازيلي "باولو فيراري "؟
إنه مشروع تعليمي، يسعى إلى التحول الاجتماعي، والثقافي، للمراكز التعليمية ومحيطها من خلال التركيز على الحوار المتساوي بين جميع أفراد المجتمع، لإن عمليات التعلم، بغض النظر عن أعمار المتعلمين، تعتمد بشكل أكبر على التنسيق بين جميع التفاعلات، والأنشطة التي تحدث في أماكن مختلفة من حياة المتعلمين، على هذا المنوال، يهدف مشروع «مجتمعات التعلم» إلى مضاعفة سياقات التعلم والتفاعلات بهدف وصول جميع الطلاب إلى مستويات أعلى من التطور عن طريق الحوار .
وهل الحوار في مجتمعاتنا العربية متساوٍ بين أفراد المجتمع الذين لا يؤمنون بثقافة الإختلاف أو تقبل الآخر ؟
إن الإجابة علي مثل هذا السؤال تستدعينا لمعرفة كيفية فهم افق الحاضر الذي تحدده ضروب التحيز في موقف المفسر ،فوفقاً لما قاله "مارتن هيدجر "(٢)أن الفهم يحدث باعتباره انصهار الأفقين أي أفق الماضي الذي ينقل التقاليد ،وافق الحاضر الذي تحدده ضروب التحيز في موقف المفسر.
لذا فإن "الكفاية التجريبية "التي وصفها "جادامر"(٣) مشيراً إلي فض مثل هذا التوتر الجدلي بين الكشف عن شئ ما وبين تأكيد ماهو معروف سلفاً عن طريق الحوار التعددي (المناقشة المجتمعية الموسعة)، التي تشجع علي إحداث تغيير للتقاليد من خلال النقد الذي هو عملية تنتمي الي العقلانية لا الي المجتمعات التي يتولون فحصها مما يحقق إدراك معني الحياة الإنسانية.
،والمسرح ليس إلا حدث يعتمد علي الحضور الفعلي للجمهور، ويصنع علاقة بين العرض ،و الجمهور.تشكل المجال النقاشي والحجاجي العقلاني ،و قد تكون هذه العلاقة في شكل إستجابة عاطفية ، تشكل المعني بين مرجعية المشاهد الخاصة، ومرجعية العمل.
وهنا يثار السؤال هل ما يقدم في شارعنا العربي من أشكال فرجوية يتسق ومفهوم المصطلح ؟

-ينبغي علينا أولا أن نقسم الأشكال الفرجوية التي تقدم في الفضاء المادي الطارئ العربي الي ثلاثة أقسام :-
١عرض مسرحي جاهز :-وهو العرض المسرحي الذي كان يعرض في فضاء تقليدي ثم تم نقله بذات الكيفية ليقدم في الفضاءات المادية الطارئة التي ليست وظيفتها الأصلية إستقبال العرض المسرحي، محاكياً الفضاء التقليدي والعلبة الإيطالية في منظوره الأحادي عبر فتحة البروسينيوم ووضعية المتلقي في المشاهدة .
٢ عروض تخرج بنصوص جاهزة لكنها تطوعها طبقاً لما توحي به مفردات المكان الجديد..." وهي درجة متقدمة من المسرحة يبذل فيها المخرج جهداً في التقريب بين النص والمكان الذي يقدم فيه نوع من المآلفة بينهما وحتى لا يبدو النص والمكان كلاهما غريب عن الآخر…
٣ عروض تخرج بنصوص مكتوبة خصيصاً للمكان وتستوحي موضوعاتها من المكان ذاته.
-وبالتالي فإن كل قسم من الأقسام الثلاثة السالفة يستهدف جمهور من المتلقيين يختلف ويصنف حسب الخصوصية التي فرضتها طبيعة المكان علي شكل العرض والعملية الإتصالية مع المتلقي المتواجد في فضاء الطارئ، والتي لا يمكنها خلق مجال حجاجي ونقاشي مع هذا المتلقي إلا إن كانت هذه العروض خرجت بنصوص مكتوبة خصيصاً للمكان،وتستوحي موضوعاتها من الدراسات الديموجرافية،والسيسيولوجية،والسيكلوجية للمتلقي المستهدف لذات المكان،بأن تطرح قضيته اليومية عن طريق "الإشتباك الديالكتيكي "الذي هو خلق للحالة الجدلية التي تزج بالمتلقي حوارياً أو فكرياً للنقاش،والمحاججة مع رسائل العرض خالقة بذلك الفضاء العمومي الذي يفعل الوظيفة النقدية،ومن ثم تشكل الرأي العام الغير رسمي ،وهذا ما لا يتسق والوجود العياني لعروض مسرح الشارع في عالمنا العربي،إذ باتت أغلبها تنقل العرض المسرحي بذات الكيفية التي يقدم بها داخل قاعات العرض المسرحي الي الفضاء المادي الطارئ دون مراعاة لطبائعه الجغرافية،والمعمارية،والإنفلاتية.
التلقي النقدي لمفهوم مصطلح مسرح-إنا الشارع في وطننا العربي يعاني عدم الإتساق بين المفهوم اللفظي والكتابي للناقد المتلقي،وبين الوجود العياني لعروضه التي تقابلها معوقات كثيرة أهمها عدم إتاحة الفرصة الي تشكل فضاء عمومي حجاجي،ونقاشي غير رسمي يكون رأي عام ،فهل يعود ذلك للمتلقي العربي الذي لم يتربي علي طبيعة الفضاء العمومي ؟أم أن السبب يعود إلي أعمال النقل،والترجمة عن الغرب؟ التي ضيعت هيبة المصطلح في النزاعات الشكلية و أفقدته كل طاقاته الإجرائية، فسقط في تبسيطية دون مراعاة للخصوصية التي يفرضها هذا الفضاء الطارئ علي طبيعتي الأداء،والتلقي،فنلحظ دور المتلقي ينحسر فيما جُبل عليه من وضعية المشاهدة الثابتة داخل قاعات العرض التي لا تسعي إلي تحريره الي الوضعية الجديدة التي تسمح بتكوين علاقة جديدة معه،و دون خلق المجال الحجاجي النقاشي معه،ام أننا نحتاج الي تجاوز الحدود بالتفكير،والتأمل،والوعي الذاتي؟ الذي يجنبنا إتخاذ المواقف الدفاعية ضد النقد ،وبذل الجهد لتقبل التغذية الراجعة عن طريق تعلم أشياء جديدة كالتأمل،والتفكير،انني أري أننا بحاجة إلي ترك سترة المنطق كما أشار فرويد ،ولن نتركها إلا بتجاوز الحدود بأن تنطلق صناعة العرض الشارعي من دراسة الفضاء المادي الطارئ،ومتلقيه،وتحديد القضية اليومية التي تسمح بإشتباك هذا المتلقي في حوار أو محادثة او،حتي أن نطلب منه كما فعل اوجيستو بوال بتغيير النهاية او،تعديل المشهد،مع إتاحة الحرية له بالتحرك في فضاء التلقي لإختيار وضعية المشاهدة التي يتمكن من خلالها بالتأمل ،من أجل إكسابه الوعي الذاتي لا من أجل أن نرسخ لوضعية مماثلة لوضعيته التي جُبل عليها داخل قاعات العرض المسرحي . .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #كريم_عبدالعزيز فظيع في التمثيل.. #دينا_الشربيني: نفسي أمثل


.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع




.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو


.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع




.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا