الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتى لا نخون الوطن بسبب طاغية: صدام نموذجاً

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2023 / 4 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


لا شك أن التاريخ في مجمله قد صنعه طغاة من أصناف ودرجات شتى. وعلى الرغم من انحسار قبضتهم في عدد من بلدان العالم المعاصر لكنها عبر المنطقة العربية خاصة والشرق الأوسط عامة لم تَكِّل أو تضعف، بل تزداد قوة وبطشاً بفضل التقدم المطرد في تكنولوجيا أدوات الرصد والملاحقة والقمع من كافة الأنواع المرئية وغير المرئية. الأمر الذي يترك مواطنيهم الطامحين إلى نسيم الحرية والانعتاق من نير الاستبداد والظلم والتخلف في وضع حرج، حيث لا قدرة لهم ولا أمل في مواجهة هذا الطاغوت المتسلح بأحدث ما تنتجه الترسانة العسكرية العالمية من أسلحة خبيثة وفتاكة. هذا، تقريباً، كان الوضع الذي وجد فيه المعارضون العراقيون أنفسهم إزاء رئيسهم المستبد الفظ وقاسي القلب صدام حسين أثناء الفترة الموصلة إلى الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003.

هل طغيان الحاكم يعطي الحق لمواطنيه المعارضين لحكمه، بسبب ما يلحقه بهم من اضطهاد وتعذيب وتنكيل وقتل خارج القانون، للاستعانة بحكومة دولة أجنبية من أجل التخلص من هذا الطاغية، خاصة إذا كانوا يعجزون بمفردهم وبوسائلهم الذاتية عن القيام بذلك؟

نعم، وبالتأكيد. ببساطة لأنه هو ذاته لا يمارس ديكتاتوريته مكتفياً بقدراته الذاتية الخاصة، بل يستعين بكل الوسائل الممكنة والمتاحة التي تعضد طغيانه أينما وجدها وأمكنه الحصول عليها، ولو من شركات أو دول معادية.

وكما يستعين الطاغية بأدوات ووسائل ومساعدات ومعونات وأشكال أخرى من الدعم والمساندة من مصادر أجنبية- لكن مع شرط جوهري، دون الاستعانة بأفراد أو جيوش أجنبية- من آخرين خارج الوطن، مثل شركات ومجموعات ودول أجنبية، يحق كذلك لمواطنيه المعارضين لحكمه أن يفعلوا الشيء نفسه، حتى لو نعتهم "خائنين" وحاكمهم وأعدمهم على ذلك. هم ليسوا خونه، لأنهم لم يفعلوا أكثر مما فعله هو نفسه. وإذا كان هناك من خائن سيكون الحاكم أولاً، لأنه هو من سبقهم واستقوى بمجهودات ومساعدات آخرين أغراب لكي يقمع بواسطتها بني وطنه. البادئُ، في هذا الصدد، دائماً أَخْون. وهو من بدأ وسَنَّ هذه السُنة القبيحة، التي إذا انقلبت ضده لا يلوم إلا نفسه.

وعليه، ينبغي هنا ضبط مدلول لفظة "الاستعانة"، خِشيَّة من أن تجاوز حدودها قد يؤدي- أحياناً دون قصد وبحسن نية- إلى لفظة أخرى أشد فظاعة وإيلاماً في عواقبها النفسية والاجتماعية والقانونية: "الخيانة". مدلول الاستعانة في هذا السياق واسع وفضفاض يكاد لا يستثني شيئاً عدا شيء واحد- الاستعانة بخدمات هؤلاء الأجانب أو الأغراب أنفسهم، وليس تكنولوجياتهم وثرواتهم ودعمهم المادي والمعنوي فحسب. في عبارة أخرى، استعن بمن شئت وبما شئت في مقاومتك لطاغيتك، إلا أن تستعين بغير ساعديك أنت نفسك وسواعد بني وطنك المناصرين لقضيتك والطامحين إلى ما تطمح إليه.

هل استعان صدام حسين بجيش أجنبي- أو أفراد أجانب- ليمارس بهم وبواسطتهم طغيانه على شعبه؟

لا، وبالتأكيد لم يفعل. بل كان الرئيس العراقي يمارس قسوته وجبروته وغرامه بالتنكيل والقتل بحق مواطنيه العراقيين من خلال قوات مسلحة وأجهزة أمنية كل أفرادها وعناصرها من أبناء العراق أنفسهم، ولو كانوا يستعملون أسلحة وتجهيزات مستوردة جميعها من الخارج، ومن الولايات المتحدة ذاتها.

إذن، صدام حسين لم يكن خائناً لوطنه ولا يجوز نعته كذلك، رغم كل ديكتاتوريته ودمويته. كان حاكم مستبد وظالم، لكن ليس خائناً لوطنه.

في المقابل، هل يحق لمعارضيه العراقيين بغرض التخلص من هذا الطاغية أن يستعينوا بأفراد أو مجموعات أو جيوش من غير العراقيين- أجانب- خاصة إذا كان بطش الطاغية يحرمهم حتى من حق الحياة في أوطانهم، فكيف لهم أن يجمعوا جيشاً ضده؟

لا، وبالتأكيد لا يحق لهم. وهم عندئذٍ- عند الاستعانة بجيش أجنبي لاحتلال وطنهم بهدف التخلص من الطاغية- يخرجون أنفسهم من حدود مدلول لفظة "الاستعانة"، بمعنى حشد الدعم والمساعدة والمناصرة بكل أشكالها لمجهودهم الذاتي والمنفرد الرامي إلى الإطاحة بالطاغية لكن مع شرط جوهري أن يكون ذلك بسواعدهم أنفسهم ويكونوا هم أصحاب الفعل الأصليين والوحيدين على الأرض داخل حدود وطنهم. بتعبير آخر، كان يحق للمعارضة العراقية، في سبيل الإطاحة بصدام، الاستعانة بالدبابات والطائرات والصواريخ، ولو الإسرائيلية والأمريكية المنشأ- شرط أن يستخدموها بأيديهم أنفسهم لا بأيدي الأمريكان أو غيرهم. حينئذً، هم يستعينون بوسائل دعم وإسناد مقدمة لهم من غيرهم- أجانب- تماماً كما يفعل صدام نفسه، لكنهم في الوقت ذاته يخوضون حربهم التحريرية اعتماداً على سواعدهم أنفسهم ويدفعون ثمنها بدمائهم. في مسألة تحرير الأوطان، الإِكْراء (تأجير غيرك ليأخذ لك ثأرك) خيانة، بينما التضحية بالنفس استشهاد وشرف.

إذن، كل عراقي أو مجموعة معارضة عراقية حرضت أو ساعدت بالفعل دولة أجنبية، في هذه الحالة الولايات المتحدة على وجه الخصوص، على غزو بلدها العراق يمكن نعتها بلفظة "خائنة". لكن، من جهة أخرى، هذا النعت الشائن لا ينسحب إلى كل عراقي أو مجموعة معارضة عراقية لم تحرض أو تساعد دولة أجنبية على غزو بلدها، لكنها في الوقت نفسه لاذت بالصمت والتزمت السلبية ولم تدافع عن تراب وطنها ضد هذا الغازي الأجنبي. هنا تقاعسها وعدم دفاعها عن وطنها لا يعد جريمة، لأنها في الأصل تعارض النظام القائم وتسعى من أجل رحيله. ولا يجوز نعتها بالخيانة لتقاعسها عن الدفاع عن وطنها ضد عدوان المعتدي طالما استمرت الحرب مشتعلة.

لكن، بمجرد أن تُحسم الحرب لصالح القوى المحتلة ويختفي الطاغية الوطني من المشهد، عندئذٍ يولد واقع جديد يمكن في ضوئه الحكم على هذه القوى الوطنية المعارضة والمتقاعسة في السابق إن كانت فعلاً وطنية ومخلصة لوطنها بحق. هل سترضى بالاحتلال وتتعاون معه وتساعده لكي يبقى ويدوم، أم ستنتهج من الوسائل والحيل الممكنة- إلى حد المقاومة المسلحة والتضحية بالنفس عند الضرورة- ما يُعجل برحيله من دون أن يؤدي إلى تفجير لحمة الوطن بما يهدد وجوده؟ وعندئذٍ يتم تفعيل القاعدة ذاتها التي كانت حاكمة من قبل: وطنُ تحت الاحتلال- مثلما كان تحت الطاغية- أفضل من لا وطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ايتام الاتحاد السوفيتي
منير كريم ( 2023 / 4 / 3 - 22:27 )
الانقلابات العسكرية والنظم العسكرية في منطقتنا دعمت بالسلاح السوفيتي ومعاهدات الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفيتي ابتداءا من عبد الناصر حتى علي عبد الله صالح وكلهم كانوا احباب واصدقاء كاسترو
ولما سقط الاتحاد السوفيتي اصبحوا ايتاما وبالتدريج سقطوا
ولما سقطوا نشأ فراغ لم تستطع القوى الديمقراطية ملاه
شكرا للاستاذ المحترم عبد المجيد الشهاوي


2 - ألوطنيون العراقيون جابهوا صدام وكل العالم وانتصروا
لبيب سلطان ( 2023 / 4 / 4 - 07:37 )
الاخ عبد المجيد
في السبعينات صنف السوفيت حكم البعث بالنظام التحرري الوطني التقدمي
في الثمانينات اضيف لهم الغرب والعرب ، اليسار واليمين وكل العالم معه ولم تكن صرخات الالم العراقية انه ديكتاتور دموي وطاغيىة وورط شعبنا بحرب لاناقة لنارفيها ولا جمل بل وليست غير اسرائيل رابحة منها، ولكن العالم ممعها جميعها مستفيد، الاتحاد السوفياتي يورد سلاح ويقبض دولار ، امريكا تريد تنتقم من اية الله عن الرهائن، ملك حسين جنى المليارات، الخليج يهلهل، وملك حسين جنى المليالارات.،والعراقيون حصدوا نصف مليون عائلة بدون معيل وطاغية يصفق له الشرق والغرب ويتهم الوطنيين المطالبين بالديمقراطية انهم خونة
بعد التسعينات اكلتها دول الخليج ووعت من هو صدام..بدل القدس توجه للكويت وقبلها لعربستان والاميركان بغزوهم اسقطوه فعليا ولم يحاربهم لا الجيش العراقي ولا الشعب لانهم مع اسقاطه وهؤلاء هم الوطنيون

اخر الافلام

.. هل تتقرب سوريا من الغرب على حساب علاقتها التاريخية مع طهران؟


.. حماس: جهود التوصل لوقف إطلاق النار عادت إلى المربع الأول




.. هل تنجح إدارة بايدن في كبح جماح حكومة نتنياهو؟


.. الجيش يوسع عملياته العسكرية على مناطق متفرقة بشمال قطاع غزة




.. مقتل العشرات في فيضانات جرفت قرى بولاية بغلان بأفغانستان