الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمالية النص والتمرد في -دفاتر المطر- ليلى السايح

رائد الحواري

2023 / 4 / 3
الادب والفن


جمالية النص والتمرد في
"دفاتر المطر"
ليلى السايح
نصوص كتبت ما بين1973 و1978، بمعنى أنها كتبت في زمن كان أدبية النص هي المعيار في الحكم على النص، وليس من يدفع المال، أعتقد أن مثل هذا الكتاب يستحق أن يُدرس لما فيه من صور أدبية وللغة المستخدمة فيه، ولأنه يحمل أفكارا تتناول الممنوع/المحظور، الجنس والسياسية، فهذا منح المجموعة ميزة أخرى، وإذا علمنا أن من يتناول هذه الممنوعات امرأة، نكون أما حسنة أخرى تضاف للكتاب.
ولم تقتصر الجمالية على النصوص بل نجدها حاضرة في العناوين كذلك: "كي يكون حضورنا صارخا بحجم الغياب، لماذا لا يفتح الوطن لنا حقوله، ما قيمة كل شيء ... إذا لم يشبهنا، أنك تمنح أيامي رموزهاـ أعرفك حرما في خاطري، أنت حريتي، أبحث فيك عن المواسم، هذه الأكوان المقفرة، في أي جزر تتنهد رغبتك؟، أحلم تحت الظل الأزرق، أستعير دفئك لصقيع أيامي، كلمة.. تمنحني إليك، صراخ صامت في ابتهال المطر، لكتابة في غيبة الجسد، لنا ميراث كل المحرومين والعشاق، وبتأوه نستريح، أحترق لأكون حقيقة، هل كان عمري بمستوى سموك، يجزئني حبك، أتوسد صمتي، أنت الإجابة على سؤالي، يوميات هادئة ..لأيام معتقلة" فمثل هذا العبارات يعتبرها بعضهم (قصة قصيرة جدا) لما فيها من جمالية وأبعاد يمكن أخذها وتفكيكها ليكتب عنها صفحات من التحليل، وبما أنها جاءت بصوت امرأة فقد منحها هذا لمسة ناعمة تضاف إلى ما فيها من جمال.
سنحاول التوقف قليلا عند ما جاء في هذه النصوص لتبيان ما فيها من فنية وجمالية وتمرد، ونبدأ من "أنت والوطن" حيث تجمع الوطن بالحبيب:
"أرى وجهك يقترب
ليضيء أعماقي ويدفئني
أي صفة أحمل إن لم تكن صفة الانتماء إليك
...
فتتوهج كل الطيوف لتستعيدك... حنوك.. مشوقا.. إلي فابتسم.. وأنام
...
تحميني حتى من نفسي
وأضم انتصاري إلى انتصارك متحدية كل الأمواج
متوحد أنت .. ساكن
..
وددت لو أتحول إلى أثير لأتسلل إليك وأهمس بشوقي
عائدة أنا..
عائدة إلى النبع الذي منه أستقي معين الحياة" ص45و46.
اللافت في هذا المقطع الثنائية، فنجد صوت المرأة وحاجتها للرجل، وصوت الفلسطينية وحاجتها للوطن، فهناك تداخل بين الحاجتين وتشابك، وهذه الثنائية هي ما تميز المقطع، فكما فعل شعراء الرمزية عندما نسبوا/جمعوا الوطن بالمرأة، فكانوا يتغنون بالوطن وبالمرأة، المرأة التي تسكنهم في العقل الباطن، وكانوا يتلذذون ويستمتعون وهم يتحدثون عنها، (موهمين القارئ أنهم أعلى من أن يتحدثون عن الحب/عن المرأة) مع أن داخلهم يتغنى مستمتعا بما يأتي عنها، فعلت "ليلى السايح" لكن بصوة (مكشوفة) فهي تتحدث عن رجل وعن وطن، وعلى القارئ أن يعرف الفاصل بينهما.
وإذا ما توقفنا عند ما جاء في المقطع نجد أن هناك صوت أنثى حاضرا في: "ليضيء أعماقي ويدفئني، تحميني حتى من نفسي، عائدة إلى النبع الذي منه أستقي معين الحياة" فصوت الأنثى واضح في المقطع الأول، حيث نجد حاجتها للعاطفة/للحنان، والمقطع الأخير نجد حاجتها لجسد الرجل/للماء دون أي لبس، ولكن نجد أيضا حاجتها للوطن كفلسطينية كلاجئة من خلال: "أي صفة أحمل إن لم تكن صفة الانتماء إليك" فالكاتبة كانت صريحة بطرحها وبالحديث عن مشاعرها تجاه الرجل وتجاه الوطن، ولم تخفي حاجتها الجسدية والروحية للرجل، فكانت أكثر جرأة من الأدباء الرجال الذين يخفون مشاعرهم وحاجاتهم خلف ستار الوطن/المرأة.
في نص "عيدنا الأول متى يأتي؟" تأخذ صفة "عشتار" التي تنتظر "تموزي/البعل" ليعم الخصب الأرض ومن عليها:
"أن تداخل وتلاحم جسدينا يعلن العيد الأول دائما
..أن عيدنا يدين الكأبة والحزن
العتمة والظلام.. في هذا الكون الكبير
أحس بأن القوانين الحقيقية التي يخضع لها
الشجر
النهر
الجبال
العشب
طيور الماء
عواصف الثلج في الأمكنة النائية
كلها عناصر تقف إلى جانبنا
فنشعر بالقوة
نحس بحيوية الاتصال بيننا وبينها
ـ ليس صدفة أن تناديني الأرض ـ الأم العطشى إلى مائك
ـ وليس صدفة أن أكنت السماء الحانية على سهوبي الظمآى
من منا في لحظة العشق يعرف نفسه وما يكون...؟
من منا يعرف أأخذ أن أعطى؟" ص48و49.
عشتار وتموزها/بعلها حاضرون بكل جلاء في هذا النص، واللافت أن الكاتبة تتحدث عن حاجتها العاطفة والجسدية، بمعنى أنها امرأة من لحم ودم، وليست قديسة ولا ربة، لهذا تكشف ما تريده من بعلها/تموزها: "نحس بحيوية الاتصال بيننا، الأم العطشى إلى مائك، السماء الحانية على سهوبي الظمآى، من منا يعرف أأخذ أن أعطى" أليست هذه الجرأة كافية لنقول أننا أمام ثورية امرأة متمردة تتحدث عن حاجاتها/غريزتها دون أن تحسب حساب أحد؟، فهي تتناول أحد المحرمات اجتماعيا (الجنس)، وبما أنها امرأة فهذا يجعل تمردها/ثورتها مزدوجة، ثورتها على المجتمع، وثورتها كامرأة في مجتمع ذكوري.
تأخذنا إلى تفاصل اللقاء بينها وبين حبيبها/رجلها في: "أنك تمنح أيامي رمزها":
" تمنيت أن أكتب عن فرحي بك
...
لحظة تذوب الروح في أختها عندما تلتقي شفاهنا
...
كم أشتعل بالرعبة في أن تقرأها الآن
ويحتويني صدرك بعدها
ويحتويك صدري
كم أشتعل بالرغبة.
أقول: إنك تمنح أيامي رمزها
أحببت أن يكون جسدي لك حديقة
أحببت أن يلتقي النقيضان" ص54و55.
هذا هو الصوت المثير، الصوت الذي يجمع جمالية اللغة مع جمالية الفكرة، فكرة تمرد المرأة وحديثها عن مشاعرها/حاجاتها/رغباتها فهي تحدثنا عن ثورة/تمرد وكيف يجب أن نقوم بها/به، فهي لم تعد تطيق السكوت والكبت، فأظهرت ما فيها وما تريده وما تحتاجه وما ترغب فيه بكل جلاء، فكان صوتها صوتا مدويا يهز جدار الممنوع/المحظور، فيا لها من امرأة معلمة.
كتبت النصوص في واقع قاسي، حيث كانت الحرب الأهلية في لبنان قائمة وكانت الثورة الفلسطينية وحركة التحرر العربية تتعرض لأكبر تهديد على يد الأنظمة الرجعية والقوى اليمينية اللبنانية وانتهازية الثورة، من هنا سنجد تناول لهذا الواقع، تقول في "مجد الكلمات الصعبة":
" نحتاج إلى البساطة:
ـ في حيفا وحدها يُقاتل العدو
ـ في بيروت وجه لعدو آخر
ألا ترون كل الساعات في المدن العربي:
تشير إلى زمن فلسطيني واحد؟
بيان إلى كتاب الملصقات:
إنكم تعيشون على دماء الشهداء
يسقط المقال لترتفع أسهمكم
تختفي ملامح الشهداء لتظهر ملامحكم" ص 25و26.
إذا ما توقفنا عند ما جاء في هذا المقطع نجده يشمل الحالة الفلسطيني واللبنانية والعربية، ويبن/يوضح البوصلة التي يجب الاسترشاد بها، "فلسطين" تكمن أهمية هذه الكلام في الزمن الذي قليت فيه، حيث كان المد الثوري متقدم ومتصاعد، ومع هذا نجد من ينقد هذا الواقع (الثوري)، وهذا يشير إلى وجود انتهازية تعمل على تخريب الثورة، ويشير أيضا إلى وجود الأنقياء الذين كانوا يفسحون المجال أمام النقاد ليدلوا بدلوهم، لكي يتم تنظيف الثورة وتظهيرها من الأوساخ التي علق بها.
من هنا كان الأمل حاضرا عند الأدباء وعند الناس، فرغم حجم المؤامرة والعدوانية التي مارسها الأعداء (والأشقاء) ضد الثورة والثوار إلا أن الأمل/الحلم استمر في وجدانهم: تقول في "نجوم باهتة":
سنقف الآن محدودين بهذا الشبق الجنوني
لعام لن يجيء
وبهذا الرغبة الممتلئة سنرسم وطنا
سنرسم وطنا بشواطئ ومدن وأرياف على الورق
ونسافر
نسافر في كل عام مشدودين لأحلامنا" ص38و39، نلاحظ ثقل الزمن/الوقت من خلال: "عام لن يجيء" والتمسك بالأمل من خلال تكرار: "سنرسم، وطنا، نسافر" فنجد الإصرار حاضرا في "مشدودين" حيث تتكون من ستة حروف، وكأن "ليلى السايح" تؤكد تمسكها بالأمل لأطول وقت ممكن حتى تحقق حلمها/أملها، وأيضا نجد تكرار حرف الدال يخدم فكرة الاستمرار والثبات الإرادة والإصرار، وعندما أعطت تفاصيل عن حلمها/الوطن أعطت حياة وصورة واقعية لما تريد.
الكتاب من منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1979.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث