الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاولة في تأطير أشكال المشاركة السياسية البديلة للنساء ضمن مسارات بناء السلام

صفوان قسام
اختصاصي وباحث في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي

(Safwan Qassam)

2023 / 4 / 4
السياسة والعلاقات الدولية


1. المشاركة السياسية للنساء:
ورد في استنتاجات تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، عام 2014؛ أن "حقوق المشاركة السياسية والعامة، حقوق واسعة النطاق، وتمتد من الحقوق الانتخابية إلى حق الوصول على قدم المساواة إلى الخدمات العامة، وأشكال المشاركة المباشرة وغير المباشرة في تسيير الشؤون العامة على جميع المستويات من المحلي إلى الدولي" (1) . وهذا يعني أن المشاركة السياسية تشمل المستويات الدولية حتى غير المباشرة أو البديلة منها. أما المشاركة السياسية للنساء فعُرفت بكونها: "نشاط طوعي تقوم به النساء عموما، بقصد التأثير في عملية صنع القرارات الحكومية، وسنّ السياسات، وإدارة الشؤون العامة، واختيار القادة السياسيين أو الإداريين أو الحكوميين، أو الترشح لمناصبهم/ن أو شغلها فعليا؛ محليا أم وطنيا، بشكل فردي أو جماعي، منظم أو عفوي، متقطع أو متواصل، سلمي أو عنفي، شرعي أو غير شرعي، فعال أو غير فعال، ناجح أو فاشل" (2). ويلاحظ أن هذا التعريف يستثني النساء اللاتي كن يتعيشن من هذه المشاركة لسقوط القدرة على اثبات أن النشاط كان طوعيا، كما أنه حسب تقرير المفوضية يتجاوز الحدود السياسية للدولة والوصول إلى الشؤون السياسة الدولية المعنية بها، سواء بشكل تقليدي أم غير تقليدي.
وفيما يتعلق بثبات المفهوم تعتقد كل من الدكتورتان نور ونوف أن: "ارتباط مفاهيم المشاركة السياسية للنساء بتمثيل النساء في المواقع الرسمية لصنع القرار، أثر كبير على فهمنا لمعاني السياسة والسياسة النسوية. وتسبب ذلك بلغط كبير ما بين العمل السياسي النسوي والعمل السياسي النسائي" وهو ما يسلط الضوء على تمثيل النساء صوريا فقط، دون النظر إلى العدالة التقاطعية في الهيكلية السياسية جذريا بوصفها افراز مجتمع ذكوري وجبت إعادة النظر فيه؛ وهذه الهيكلية السلطوية تمحي وتطمس المبادرات غير التقليدية للمشاركة السياسية؛ وهو ما يفسر رغبة النساء بالعمل خارج الأطر الرسمية للسياسية (3). وهو ما يتقاطع مع إضافة تقرير المفوضية أن: "مفهوم المشاركة السياسية والعامة مفهوم يتطور، وقد سلّم عدد من الآليات الدولية لحقوق الإنسان بأن حقوق المشاركة يمكن أن تفهم الآن على أنها تشمل حق المرء في أن يُستشار وأن تتاح له الفرص على قدم المساواة وبصورة فعلية للمشاركة في عمليات صنع القرارات المتعلقة بجميع شؤون الصالح العام" (4) . مما يعني على غرار كل المفاهيم الاجتماعية أن مفهوم المشاركة السياسية وحتى السياسة نفسها أنها مفاهيم تطورية وقابلة للتغيير؛ وعلى ما يبدو أنها تتجاوز بكل تأكيد الشكل الرسمي والحدود السياسة للدولة لتأخذ أشكالا غير تقليدية وتصل إلى المسارات الدولية. وما يهمنا هنا هو التعريف الاجرائي للمشاركة السياسية والذي سنطلع عليه بعد مناقشة مفهوم الأشكال البديلة وغيرها.

- الأشكال البديلة للمشاركة السياسية:
سنحاول في هذه الفقرة تحديد موقع الأشكال البديلة للمشاركة السياسية، حيث يقسم إبراهيم أبراش أنواع المشاركة السياسية التقليدية إلى ثلاثة مستويات هي:
- المشاركة المنظمة: والتي توجد في إطار المؤسسات أو التنظيمات القائمة، وتصل بين المواطنين/ات والنظام السياسي.
- المشاركة المستقلة: التي يقوم بها المواطن/ة بصفة فردية حرة "مبادرة"، فيحدد/تحدد نوعها ومجالها ودرجتها.
- المشاركة الظرفية: في المناسبات وتضم غير الناشطين/ات وغير المؤطرين/ات سياسيا (5).

بينما تكون مستويات المشاركة السياسية:
- المستوى الأول: وهم ممارسي/ات النشاط السياسي، كالمشاركة في الحملات الانتخابية، أو العضوية في منظمة سياسية. إلخ.
- المستوى الثاني: المهتمون بالنشاط السياسي، كالمصوتون/ات في الانتخابات، والمتابعون/ات بشكل عام لما يحدث على ساحة السياسية.. الخ.
- المستوى الثالث: الهامشيون في العمل السياسي: هم من لا يهتمون بالأمور السياسية والعمل السياسي.. الخ.
- المستوى الرابع: المتطرفين/ات سياسيا: كالذين/اللواتي يعملون/ن خارج الأطر الشرعية القائمة، ويلجؤون/ن إلى أساليب العنف، ويشعرون/تشعرن بعداء تجاه المجتمع بصفة عامة، أو تجاه النظام السياسي بصفة خاصة، وهؤلاء يكونون/يكن أمام سيناريوهين: إما الانضمام للمستويات أعلاه، أو تبني شكلا من أشكال العنف (6).

وتنقسم قنوات المشاركة السياسية إلى:
- عملية التصويت والأنشطة الانتخابية والاستفتاءات.
- الانتماء التنظيمي والنشاط الاجتماعي، كالعضوية في التجمعات السياسية والاجتماعية.
- المبادرات الفردية والجماعية عن طريق الاقتراح والاعتراض الشعبي (7).
وهؤلاء كلهم/ن يقومون/ تقمن، بالمشاركة السياسية وفق شكلين للمشاركة:
- الشكل التقليدي للمشاركة السياسية: وهي عبارة عن الأنشطة المعتادة ومن أبـرز ملامحهـا الترشح والتصويت في الانتخابات والاشتراك في الندوات والمؤتمرات والانضمام للأحزاب السياسية.. الخ.
- الشكل غير التقليدي للمشاركة السياسية: والتي يلجأ إليهـا المواطنون/ات للتعبير عن مطالبهم/ن، أو للاحتجاج عندما تسد الطرق الرسمية والتقليدية، كالمظاهرات وتخريـب الممتلكـات والتطـرف والاغتيال والحروب الأهلية والانقلابات. وهي تظهر أكثر في الدول التي تعاني مـن غياب قنوات التعبير الشرعي.. (8)

ومن المؤكد أن للمشاركة السياسية دور هام في صنع القرار السياسي، والذي يصنف حسب الهدف منه إلى: قرارات استراتيجية، وتكتيكية، وتشغيلية أو تنفيذية؛ وحسب نطاقه إلى: سياسي داخلي، وسياسي خارج؛ وبالتالي فإنه سواء أكان استراتيجيا أم خارجيا أم كلاهما معا؛ سيعتمد بشكل مباشر أم غير مباشر على المشاركة السياسية، والتي يحتمل أن تأخذ في حسبانها عند صنع القرار المشاركة البديلة أو غير التقليدية (9).

إلى هنا يمكن لنا فهم ما يلي: إن الأشكال البديلة للمشاركة السياسية هي مشاركة غالبا ما تكون مستقلة وظرفية، وغير تقليدية، وتعبر عن احتجاج على شيء ما، لعدم القدرة على التعبير عنه والحصول عليه، بشكل رسمي وتقليدي، وت/يقوم به عادة المهتمون/ات بالسياسية، وحتى المتطرفون/ات سياسيا.
من هذا كله يتضح أن اصطلاح "الشكل البديل عن المشاركة السياسية" هي عبارة تُخرج المشاركة البديلة عن المشاركة السياسية وبالتالي كان من الأفضل القول: "أشكال المشاركة السياسية البديلة"؛ وهنا يجب الإشارة إلى أن المشاركة السياسية بشقيها: الرسمي "التقليدي - النمطي" وغير الرسمي "اللاتقليدي - غير النمطي - البديل" يصل إلى التأثير المباشر وغير المباشر بكل مسارات العملية السياسية.

- مسارات عملية بناء السلام:
نتيجة للانقسامات الثقافية والأمنية والاجتماعية والفكرية بين الأطراف المتصارعة والفاعلة، وتباين مواقفها واحتياجاتها، تظهر لدينا مجموعة من المسارات التي تسير فيها عملية بناء السلام؛ وهي ثلاث مسارات مستقلة لكنها متكاملة ويجب أن تكون متفاعلة بين بعضها؛ وتعتبر هذه المسارات امتداد لمفاهيم عالم الاجتماع النرويجي "يوهان غالتونغ" الذي يعتبر أهم مساهم في دراسات بناء السلام؛ حيث يرى أن هناك مثلث للحل يكمن في: صنع السلام، حفظ السلام، بناء السلام؛ التي يجب أن يضطلع بها المجتمع الدولي (10)؛ ويجزئ المسارات إلى:
- المسار الأول: وهي الأطراف المتفاوضة مباشرة في بناء وصنع وحفظ السلام، كالمسؤولون/ات الحكوميون/ات، ومبعوثي/ات الأمم المتحدة والجهات الفاعلة دوليا، وفرقهم/ن وقادة الأطراف المتصارعة، ويسمى المسار الدبلوماسي أو دبلوماسية الدولة.
- المسار الثاني: وهي منظمات المجتمع المدني المحلية والوطنية، والمنظمات غير الحكومية الدولية؛ ومسؤولون/ات حكوميون/ات حاليون/ات أو سابقون/ات يتصرفون/تتصرفن بصفة فردية وغير رسمية، والقادات الاجتماعية، والوسطاء/الوسيطات المستقلون/ات أو الدوليون/ات الحياديون/المحايدات، والخبراء/الخبيرات، والمواطنين/ات..
- المسار الثالث: هي الجهات الفاعلة على مستوى القاعدة الشعبية، كالناشطون/ات والمواطنين/ات والمجتمعات المحلية الراغبة في التأثير على مفاوضات السلام (11) (12).

وللتميز بين هذه المسارات وتصنيفات أخرى لمسارات في بناء السلام "والتي لا نقصدها بالطبع في بحثنا هذا"، نورد هنا ما يشير إليه معهد الدبلوماسية المتعددة حول ثلاث أنواع واسعة النطاق لبناء السلام وهي:
أ. بناء السلام السياسي: ويشمل المفاوضات الرسمية، والدبلوماسية من أجل الوصول إلى الاتفاقات حول القضايا القانونية..
ب. بناء السلام الهيكلي: ويشمل إعادة بناء الاقتصاد، والجيش والشرطة والأمن، والمجتمع والإعلام الداعم لثقافة السلام والبنية التحتية، من خلال التوعية، ونزع السلاح وبناء المدارس، والتنمية المؤسساتية..
ج. بناء السلام الاجتماعي: وهو يشمل توضيح وبناء العلاقات والتعامل مع مشاعر الخوف والكره والحقد، والمواقف السابقة، والآراء، والمعتقدات، والقيم، من خلال الحوار وعمليات بناء المجتمع المحلي (13).

المراجع:
1- مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، التقرير السنوي للمفوضية 2014 ، العوامل التي تعوق المشاركة السياسية على قدم المساواة بين الجميع والخطوات اللازم اتخاذها للتغلب على هذه التحديات، الأمم المتحدة، الجمعية العامة، مجلس حقوق الإنسان، الدورة 27، البند 2 و 3 من جدول الأعمال،2014، البند 89.
2- صفوان قسام، العنف ضد النساء في شمال غرب سورية وعلاقته بمحدودية مشاركتهن السياسية: دراسة بحثية معمقة، مركز شأن للدراسات وأبحاث النساء/ منظمة عدل وتمكين، https://ee-sy.org ، شباط 2022، ص 8.
3- نور أبو عصب، نوف ناصر الدين، المشاركة السياسية من منظور تقاطعي: أدوات عملية لخلق حراكات نسوية سياسية عابرة للأوطان، مركز التنمية والتعاون عبر الأوطان CTDC، https://ctdc.org/ ، أيلول 2020، ص 11.
4- مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، التقرير السنوي للمفوضية 2014، مرجع سابق، البند 89.
5- ثناء فؤاد عبد الله، في آليات التغيير الديمقراطي في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1997، ص 110.
6- أحمد سعيد تاج الدين، الشباب والمشاركة السياسية، (مصر، الدار المصرية اللبنانية)، (د.ت.ن)، ص12.
7- فيليب برو، علم الاجتماع السياسي، ترجمة: محمد عرب صاصيلا، بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1998 ،ص 300.
8- أحمد سعيد تاج الدين، الشباب والمشاركة السياسية، (مصر، الدار المصرية اللبنانية)، (د.ت.ن)، ص - ص 13 - 14.
9- سناء بقدور بن عطية، المشاركة السياسية ودورها في صنع القرار في الجزائر، أطروحة معدة لنيل درجة الماجستير في العلوم السياسية، جامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم، قسم العلوم السياسية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، الجزائر، 2020، ص - ص 26 - 33.
10 - Tom, Woodhouse, Le Maintien De La Paix et De La Résolution De Conflits 1 Internationaux, Université De Bradford, Royaum-Uni, 2016, p21.
11- ليزا شيرك، استراتيجيات بناء السلام، تر: هايل جمال وزميله، مراجعة الأصداء جمعية الأمل العراقية: د. أحمد الكاظم، سلسلة بناء السلام 3، دار الثقافة، مصر، 2011، ص - ص 94 - 102.
12- BELA KAPUR, SYRIAN WOMEN IN POLITICAL PROCESSES: THE PARTICIPATION OF SYRIAN WOMEN IN POLITICAL PROCESSES 2012–2016, LITERATURE REVIEW PUBLISHER: LINDA SÄLL, COMMISSIONED BY THE KVINNA TILL KVINNA FOUNDATION, Stockholm, May 31st 2017, p - p 15 - 16, p - p 18 - 19.
13- Dan Smith, Getting Their Act Together: Towards a Strategic Framework for Peacebuilding (Oslo: International Peace Research Institute, April 2003, p15.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بهجمات متبادلة.. تضرر مصفاة نفط روسية ومنشآت طاقة أوكرانية|


.. الأردن يجدد رفضه محاولات الزج به في الصراع بين إسرائيل وإيرا




.. كيف يعيش ربع سكان -الشرق الأوسط- تحت سيطرة المليشيات المسلحة


.. “قتل في بث مباشر-.. جريمة صادمة لطفل تُثير الجدل والخوف في م




.. تأجيل زيارة أردوغان إلى واشنطن.. ما الأسباب الفعلية لهذه الخ