الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جلال باباي..شاعر تونسي كبير..عرفته في زمن مفروش بالمواجع..وعلمني أبجديات الصمود

محمد المحسن
كاتب

2023 / 4 / 4
الادب والفن


للقصيدة حياة وروح من روح شاعر يغوص في عمق محيط ظلامه دامس ليطفو على سطحه ويعانق خيوط الشمس،فبين الظلمة والنور،يتنقل الشاعر بحرفية اللغوي المتمرس والمتمكن من ريشة الرسام البارع، ليُلقي المعنى الحي في روع الصورة ويحدث شرخا بين عالمين يصعب تجاوزه..بين من يكتب الشعر انطلاقا من واقع الخيال،ومن يكتب الشعر انطلاقا من خيال الحقيقة.
للواقع-الزائف-ظلمة وللحقيقة نور يجعل للمعنى تجليات،وللصورة الشعرية حركة وحس على أرض قصيدة تصبح آهلة بأرقى المشاعر وأصدقها تتفاعل وتتأثر في كل من يكون بين يديها،تسكن وجدانه فيشعر بروعة جمال الصورة وعذوبة حلاوة معنى له نماء في عقل وفكر يعزف لحن شاعر تتهادى على إيقاعه قوافل القوافي لتقول لنا هذا أنا..جلال باباي شاعر التحدي والصمود في وجه الليالي العاصفات..والمواجع المبكيات…
الشاعر التونسي القدير جلال باباي شاعر معاصر له الكثير من الإنتاج الأدبي الموسوم والمميز بنفس الشاعر وبأسلوبه المختزل المختزن الذي لا يستغرق زمنا طويلا في قراءته،لكنه يحتم على القارئ الوقوف طويلا عند الإبحار في عالمه وخياله ودلالة معانيه،فهو قليل كثير،وسهل ممتنع،يستعصي على غير المكتنزين بذلك المعجم اللفظي والدلالي والأسلوبي للشاعر،فقصيدته في كثير من الأحيان ومضة بارقة تبعث حكاية البارق النجدي عند الصوفيين في المخيلة حين يمتزجون ويتحدون مع الذات الإلهية وفق تعبيرهم ومعتقدهم.
ويسعى الشاعر (جلال باباي) في بعض قصائده إلى لغةٍ شفافة تعتمد على الوضوح والواقعيَّة؛فهي لغة تكاد تكون خاصة بالشاعر،لغة تنطلق من الواقع ومن وعي الشاعر بأدواته الفنيَّة،فالنظر في التجربة الشعوريَّة وفَهم الحالة الذهنية لقصيدةٍ ما يتطلَّب القدرة على الانغماس في العالم النفسي للشاعر واستحضار حالته النفسية من خلال كتابته لهذه القصيدة،وفَهمُ الحالة الذهنية تَعني القدرة على استعادة الجوِّ الشعوري ومُعايَشتِه من جديد،ولا يتم ذلك إلا إذا استطاع الناقد أن يُمعِن النظر في الظروف والوقائع التي أدَّت إلى ولادة القصيدة، وبدون ذلك قد تُنزع القصيدة عن سياقها النفسيِّ وتَبقى تراكمًا لغويًّا وشكلاً دون معنى،وتفقد الحسَّ الشعري..
لقد وصف النقاد الخيال الشعري بأنه قوة سحرية وتركيبية تعمل مع الإرادة الواعية،فهو مصحوب دائما بالوعي،وفي داخله يتم التوحد بين الفنان وبين المعطيات الخارجية،وعن طريق تجمع هذه المستوعبات والمشاعر يعمل الخيال على خلق بناء خيالي متكامل،ومن المنطلق السابق نجد شاعرنا القدير-جلال باباي- يثور أحيانا على الصور البلاغية التقليدية والعبارات العاطفية،ويحاول استبدالها بالصور الشعرية المهموسة،أستمع إليه يقول-تاركا للقارئ الكريم حرية التفاعل والتعليق- :

برعم بدم الغزال

إلى الصديق الشاعر : ناصر قواسمي / من وحي قصيدته

” هي المرأة أمّي”

إلى كلّ أمّهاتنا في فلسطين الصّامدة…
و…
…تخليدا لذكرى يوم الأرض الفلسطيني

كانت أمّه قبالة جدران مهشّمة
هناك فم مفتوح تحت سقف غيمة عارية
تطعمه ربّة البيت قطاف ربيع قريب
تلملم نثار الأحجار الباقية
وتتكئ على برعم بدم الغزال وتروي:
” خذ ولدي ما تيسّر من صهيل ودبيب
واحتفــظ بخفقات صدرك
ساخنة مثل الرصاص
تدوّي نبضاتها الحمراء جدران الجلاّدين الواهيــة
كن باسلا وارتفع مثل سنابل العنقاء
تقتات ملح التراب”
هو ذا وجه الطفل يعلو
يحدّق في عيني مرضعته
يرتشف نبيذ زهرة من حليب
يهذي شامخا:
” لا تبتئسي أمّاه وامسحي غشاوة الوجه الكئيب
ستشرأبّ أصابعنا نحو مسجد الأقصى
سيمتدّ عشق البلاد أزكى من عطر الحبيب
وتنأى بنا الأقدام إلى أناشيد القدس الخالدة
تقتلع ما التصق من أمشاج آهة
وتحشرنا صيحات الشهادة في معترك اللّهيب”
فلتمطري أيتها السماء ..
نيازك نخوتنا…..و لتدوّي قويّة عاصفــة النصر القريـــــب.


( جلال باباي)
وهتا أقول :
الشعر صنو المعاناة،فهما روحان في جسد واحد،جسد الشاعر الذي يعيش لحظات المعاناة ليعكسها شعراً ينبجس من قلبه ووجدانه.
والشاعر بحكم تكوينه النفسي،وحبه العميق للتعبير عن وجوده وتفاعله مع الحياة، يعيش دائماً مع المعاناة،ويتصالح معها،لأنه إنسان ذو إحساس رقيق وشعور مرهف..يستطيع أن يصنع من هذه المعاناة شعراً خلاّقا يداعب الذائقة الفنية للمتلقي،ويدفع به-قسر الإرادة-إلى حلبة الرقص على إيقاع الكلمات..
وهنا أضيف : لا تولد القصيدة وفي فمها ملعقة من ذهب، بل تأتي من رحم المعاناة،إذ يبث كاتبها الروح فيها بعد عناء، فتلتقط أولى أنفاسها على يديه، ويحرص على ألا تخرج إلى الدنيا إلا وهي في أبهى حلتها، بعد تنقيح وتعديل،وتغيير وتبديل،لتكون ثمرة مواقف وتجارب، وخلاصة دقائق مليئة بالانفعالات،وأيام متخمة بالمشاعر،وأشهُر،أو حتى سنوات، مزدحمة بالتدفق العاطفي الشاعري.
وبهذا تنطلق القصيدة متكاملة العناصر،تنطلق إلى عالم الشعر كالدرة،لتزيد الكون جمالاً وشاعرية وأحاسيس.
هوذا الشاعر التونسي الفذ جلال باباي ذاك الذي عرفته في زمن مفروش بالمواجع..وعلمني أبجديات الصمود
على سبيل الخاتمة :
تتجاوز مهمة الشاعر رصف الوحدات اللسانية بالطريقة،التي تتحقق بها السلامة المعنوية، وتتعدى اللغة الشعرية حدود القواعد النحوية لتتبنى منطقا جديدا هو منطق اللغة الشعرية،لأن المنطق الذي يخرق المألوف ويقتحم عوالم المجهول لأنّه يؤلف بين دوال متباعدة،لا تلتقي في نظام اللغة−المعيار أي اللغة المتداولة التي لا تسعى إلى تحقيق ما أطلق عليه جاكبسون ″الوظيفة الشعرية″. وإذا كان الشاعر لا يتعامل مع اللغة تعاملا بريئا،لأنّه يستدعي الألفاظ وينسجها بطريقة مقصودة (الشاعر التونسي القدير جلال باباي نموذجا )،فإن القارئ مطالب بأن يكون حاذقا في فك شفرات النصوص بالدفع بكل كلمة إلى مجال تنكشف فيه الدلالات الخفية التي لا تتمظهر على سطح النص،ويؤول الأمر في النهاية إلى قراءة القراءة وإلى دلالة الدلالة.
وهو ما يستدعيه النّص الأدبي،حتى يبقى ديناميا ومفتوحا على التأويل.
ونرجو من الله التوفيق في استيعاب وفهم الدلالات والإيحاءات الإبداعية في قصائد شاعرنا التونسي الفذ جلال باباي.
ختاما أقول : دواوين الشاعر التونسي السامق جلال باباي (أزعم أني اطلعت على جلها) من النصوص الشعرية التونسية ذات الجمالية المبهرة من حيث التصوير والكتابة.
نصوص عميقة،نحتت من أجل الخلود في عالم الكتابة الإبداعية.
ومن هنا أدعو إلى ترجمة أعمال هذا الشاعر إلى الفرنسية والإسبانية والأنجليزية..إلخ إكراما وإكبارا وإجلالا -لجلال باباي-.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حصريا.. مراسل #صباح_العربية مع السعفة الذهبية قبل أن تقدم لل


.. الممثل والمخرج الأمريكي كيفن كوستنر يعرض فيلمه -الأفق: ملحمة




.. مخرجا فيلم -رفعت عينى للسما- المشارك في -كان- يكشفان كواليس


.. كلمة أخيرة - الزمالك كان في زنقة وربنا سترها مع جوميز.. النا




.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ