الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزء السابع عشر من رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعمالي الروائية الاخيرة 2020م غير المنشورة

أمين أحمد ثابت

2023 / 4 / 4
الادب والفن


***
- صخر . . صخر . . اصح . . بهدوء ، تشطف وبدل على ما أجهز البن
، نخرج دون أن يحس احد .

نهضت سريعا فرأسي لم يغف حتى اللحظة وإن كان السهر قد اثقل بكاهله علي فارضا دخول في نعاس اغمض عيني قسرا لفترة تقل عن نصف ساعة قبل إيقاظ قاسم لي – الساعة كانت الخامسة إلا ربع فجرا . . حين انبأني على سؤال عن الوقت – عصف ذهني بكثير من الصور وسيناريوهات تخيلية تقاذفتني خلال تلك الليلة الاخيرة ، منذ عدنا الى المنزل بسيارة قاسم في الحادية عشرة والنصف ليلا بعد قضاء يوم وداع اخير بيننا – لازم ننام بدري ، تصل المطار غير مرهق ومتنبه ، . . لا تنسى أن تعمل كل ما قلته لك في النهار – تفحصنا عدم نسيان شيء من اغراضي ، فقط الملبس الذي سأغادر بها واعلاها البالطو الخاص بي – كان قد ابتاع فنيلة صوف ثقيلة . . تركني أنتقيها وبعد قياسها بارتدائي لها ، وايضا حذاء جلديا جديدا وحقيبة ملابس قماشية تحمل باليد – لم يتوقف تكراره في تطميني بعدم وجود ما يخيف ، خذ الامور ببساطة وكن طبيعيا ، اهم شيء لا توحي بأنك هارب من شيء . . عند بنش اليمنية للتأكد من الحجز النهائي ووزن العفش الذي تحمله . . فجميعهم من الامن الوطني ، خذ حرصك . . عناصر الامن المصري في المطارات مدربين بشكل خاص على قراءة الملامح وحركات الشخص . . إذا بدا عليه ما يلفت – انت انسان عادي . . شاب . . لن يهتم بك احدا . . سترى – لن أغادر المطار إلا بعد عبورك الجوازات . . ودخولك صالة المغادرة . . وتأشيرك لي بذلك ، . . طالما دخلت صالة المغادرة . . لم يعد هناك أي مشكلة تخاف منها ، لا يترك كل مسافر أن يدخل صالة المغادرة . . إلا بعد فحص دقيق شامل لخلوه من أية شبهات .

ارتشفنا من زجاجتين ستيلا في منتزه جلسنا فيه على طاولة مستديرة مغطاة بقماش زهري مورد . . مظللة بمظلة اعلاها ، كان الوقت عصرا بعد الرابعة والنصف من مغادرتنا البلد وحمل تذكرة السفر بحجزها النهائي الى دمشق – طال الحديث بيننا ، كان ممتعا . . انساني حدس الخوف من المراقبات التي كنت اشعر بها و . . ذلك القادم في السفر على متن طيران اليمنية – قطع ورقة من مفكرته التي يحملها دائما ، كتب عليها عنوان مقر اتحاد الطلاب العربي في دمشق في الصالحية مع تخطيط لطريق الوصول ، تحت الصفحة اسم رئيس اتحاد الطلاب العرب وسكرتير اتحاد الطلاب العالمي . . حاتم المرادي ، ممثل اشيد . . من الجنوب ، إلى جانب عنوان سفارة الجنوب في الاوتوستراد . . حي السفارات و . . اسم السفير – لا تضيعها – اكتبها الان بنسخة اخرى – وضعت الاولى في محفظة الجيب الجلدية والاخرى في الجيب الاخر الداخلي للبالطو على أن اضعها في الجيب الخلفي للبنطلون عند ارتدائي له قبل مغادرتنا المنزل فجرا .

- على فكرة ، لا يعني الجانب المصري إذا جوازك قارب على الانتهاء بيوم ،
، ربما يسألونك في مطار دمشق ، اخبرهم أنك ستجدده في السفارة ، وانك
جيت في زيارة لقريبك حاتم المرادي رئيس اتحاد الطلاب العالمي .

شربنا كاسي البن ونهض قاسم من مقعده لبدء المغادرة والوصول في وقت مناسب الى المطار – لن اسافر ، عندي احساس بعدم الامان ، . . اعرف هذا الشعور و . . يكون صادقا دائما معي – نظر قاسم إلي بغيظ . . منفجرا بانفعال مشادة كلامية . . لم اتوقع منه ذلك ، كان التقدير العالي يحكم علاقتنا ببعض – هو لعب جهال . ما فيش امكانية للتأخر ، ستكون نهايتك و . . لن يستطيع احد يعينك ، جوازك سينتهي بعد ثلاث ايام ، ما عندك فلوس ولا احد سيعطيك لشراء تذكرة طيران اخرى ، . . حتى على اليمنية ، فالغرامة المقرر دفعها يمكن لا اقدر عليها و . . ربما تدخلنا في عرقلة استمرار فتحا الى دمشق ، . . ما عندك احد ثاني . . تعقل – اعرف كل ما تقوله ، وانت ما قصرت بل زدت عن الواجب معي ، . . لكني اعرف شعور الحذر هذا ، الذي عندما يحضرني منذرا . . يصدق مع ما سيأتي لاحقا ، . . لن اسافر على هذه الرحلة – انت تبالغ في نفسك ، يبدو انه صحيحا ما يراه البعض بأنك مغرور . . متوهم بأهميتك وخطورتك بشكل جنوني ، يا رجل . . كبار السياسيين وحتى من القادة الحزبيين المطلوبين من انظمة عربية اخرى . . لا يصلون إلى ما تتوهم به ، . . لن يقبل احد أن يستضيفك . . بعد الان ، حتى وجودك غير قانوني بجواز منتهي . . يعرضك للسجن ومن يأويك ، هذا إذا لم يقبض عليك كحالة اشتباه من امن الدولة – عملت ما عليك ، اتركني اذهب للجحيم ، ليكن ما يكون . . اهون علي من احتجازي من الامن الوطني في الطائرة وتزفيري مع رحلة ذاهبة مباشرة الى صنعاء . . مقبوضا عليه – ما عندي كلام اخر ، اتكل على الله وخلينا نلحق . . ما في شيء مما تتوهمه من تخوفات – ساد الصمت بيننا ، حتى أن كل واحد منا كان مشيحا برأسه عن الاخر – كنت اتمتم بحالة من الهذيان بعدم رغبتي في وجود أي احد لمساعدتي ، لن اذهب الى احد و . . لن ابقى هنا ، انتظر طلوع الصباح . . حتى اجد تاكسي – كان القهر يعصر قلبي والبكاء المتعزز يزيد من حالتي الجنونية . . في المغادرة الى الشارع ولا يعرف كائن من كان اين ذهبت و . . أين يخمن المكان الذي يمكن البحث فيه عني – لم يلين كل ما هذرت به حالة الامتعاض الشديد عند المحمودي ، لم يغير من وجهه الغاضب منذ اشاحه عند بدء حديثنا الاخير – افهم حالته ، فرفض سفري طوقه في مخنق . . لا يستطيع أن يقدم أي عون اخر لي و . . يعرف بلا وجود غيره ، والانكى ما سيأتي . . في ابعاد الجميع عني . . حتى من يتألم لأجلي ويريد المساعدة . . .

بعد أن هدأت وانتشر الضوء على عموم الشقة ، نظرت الى ساعة الحائط . . كانت تشير في دخولها على السابعة صباحا ، نهضت متحركا الى المطبخ لمسح وجهي بماء الصنبور ، عدت للجلوس مجددا ولم يلتفت تجاهي المحمودي – شكرا لك . . ليس قليل وقوفك جنبي . . لن انسى معروفك ، بس اعذرني في البقاء حتى ساعة . . لأجد تاكسي عند خروجي – لم يرد ، ظل على حالته المتسمرة كتمثال يتكئ برأسه المنكس الى الارض في وضع جانبي على كف يده اليسرى المسنود مرفقها على ذراع السوفة الخشبي – رن تلفون المنزل عند السابعة وعشرة دقائق ، من يتصل بهذا الوقت ، الناس يستيقظون عادة عند التاسعة ، ظل يرن طويلا ، نظر إلي قاسم . . رد ، يمكن حد يسأل عنك م . . الاصحاب ، هيه . . يمكن تذكرك ، حد يتصل بهذا الوقت ؟!!! – لم اطرف حتى بشعرة ، خاصة وكلامه الموجع وطريقته المهينة التي قصد بها ايجاعي – توقف الرنين وعاود مرتين اخريتين دون توقف ، رفع السماعة قاسم بعد وقت من الاتصال الثالث – نعم . من معي – يا محمودي . . أين صخر عبد الواحد – من معي – مدير محطة اليمنية . ليش ما سافر صخر – اهلا استاذ . صخر سافر و . . انا وصلته الى المطار بسيارتي ، وصلنا في تمام السادسة صباح – بلاش كذب . قل له . . لو نشتي نجيبه . . سنجيبه من القمر ، . . فين يهرب من يدنا – اغلق الخط في وجه المحمودي ، كان صوت المتحدث مسموعا بوضوح إلي ، احدثت المكالمة تغيرا على وجه قاسم المتشح بالغضب والشراسة قبلا . . ليعود الى طبيعته ، حين اشار إلي بنظرة ودودة مليئة بالاعتذار في الاقتراب من موضعه لسماع ما يتكلم به الشخص المتصل . . بعد تعريف نفسه كمدير مكتب اليمنية – اخذني باحتضان طويل ، كانت دموع تنسكب مطهرة الام الوجع الذي قبض على روحينا منذ الخامسة فجرا وحتى تلقي تلك المكالمة الرخيصة . . الحاملة بالوعيد . . التهديد ونبرة الاستعلاء من فم موظف نكرة من خدم جهاز القمع البوليسي

- لم أرى في حياتي و . . لم اسمع عن انسان مثلك . . بقوة الاحساس هذا الذي تمتلكه
، لن يصدق احد بذلك ، أن ترمي نفسك في اهوال مجهول مخيف . . لتتبع احاسيسك
فيما تجعلك تراه . . كحقيقة تتوقعها قبل حدوثها ! ! !

انزاح كابوس يجثم على انفاسي . . فيما كنت ذاهب إليه من ضياع ودمار كامل مؤكد . . بمجرد خروجي من الشقة عند الثامنة كمشرد طريد ليس له مكان او انسان يعرفه – يقبل المحمودي رأسي ويشير علي أن نشرب كأس بن اخر و . . لكن بنفس اخر هذه المرة – لا تقلق ، امامنا وقت . . سنحلها اليوم ، بس نعدل الرأس اولا ، . . سنخرج بالحقائب وبدون عودة ، لا عليك إلا تسافر اليوم ، برأسي فكرة إن شاء الله تتحقق ، اقلها لك بعد خروجنا وتحركنا بالسيارة .

تناولنا دش اغتسال سريعا للمرة الثانية . . إرخاء للأعصاب والام الرأس اثر عدم النوم وحالة التوتر التي وقعنا في براثنها ، حملنا الحقائب واثناء توجهنا الى الباب . . ظهر محيي الدين مصبحا علينا – الى اين ، و . . هذه الحقائب . . مسافر استاذ صخر – لا . سأذهب عند الاصدقاء في الدقي لكام يوم ثم اودعهم للعودة الى البلاد ، أي خدمة انا مستعد – خلينا نشوفك قبل سفرك – إن شاء الله .


خروجنا من المسكن يعد مبكرا في مدينة القاهرة ، فالوقت الرسمي للعمل يبدأ من العاشرة صباحا و . . مثلها حتى المحلات التجارية ومكاتب الشركات الخاصة . . ما عدا المقاهي والمحال الشعبية لبيع الخضروات والفواكه واللحوم والاسماك والعصائر الطازجة ومواد الاستهلاك الضرورية – اكثر من ساعة ونصف . . جلسنا في منتزه شعبي مفتوح على الشارع ، تناولنا من كأس عصير فواكه وساندويتشين كباب . . ثم كأس شاي ، افضى خلالها قاسم ما في عقله من فكرة ، يعرف الكثيرون بوجود اكثر من رحلة في اليوم الواحد الى كثير من البلدان المختلفة ، واحيانا عدد منها في اليوم لخطوط طيران مختلفة – احتمال كبير توجد رحلة ثانية لليمنية الى دمشق اليوم ، وفي اسوأ الحالات تكون عند منتصف الليل او صباح اليوم التالي ، لن يتوقع احد بإعادة حجز مقعد المغادرة . . بنفس اليوم ، نعمل ذلك عند ذهابنا الى حي الزمالك ، هناك نقوم بالحجز الالي للسفر – بدون اسم ولكن برقم التذكرة – ما أحد سيتوقع سفرك ، خاصة بعد الاتصال وترددك السفر على اليمنية ، أما لو وجدت رحلة اليوم عند الظهر . . ستكون الامور غاية في الروعة ، سيكون سفرك بالكامل مهيأ وآمنا بالكامل ، حتى أن طاقم عمل اليمنية في المطار لن يكون هو السابق ، وإن بقى منه لن يكونوا إلا في حالة ارهاق وملل . . يمررون عندها كل شيء دون تركيز ، حتى مدير المحطة قد غادر المطار من بعد اتصاله للذهاب الى منزله ليغط في النوم . . تعويضا عن سهر الليلة الماضية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أين ظهر نجم الفنانة الألبانية الأصول -دوا ليبا-؟


.. الفنان الكوميدي بدر صالح: في كل مدينة يوجد قوانين خاصة للسوا




.. تحليلات كوميدية من الفنان بدر صالح لطرق السواقة المختلفة وال


.. لتجنب المشكلات.. نصائح للرجال والنساء أثناء السواقة من الفنا




.. بطريقة كوميدية.. الفنان بدر صالح يوضح الفرق بين السواقة في د