الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عصر الدكتاتورية العالمية يتمدد إلى علم التاريخ

ثائر دوري

2006 / 10 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


هل دخلنا في عصر محاكم التفتيش ثانية ؟
هذا السؤال يجب طرحه بجدية تامة بعد القانون الذي يجرم من يشكك بإبادة الأرمن ، و الذي أقره البرلمان الفرنسي . لست قانونياً لأعرف بدقة ما هي أركان جريمة الإبادة ، و هل تنطبق على ما جرى للأرمن في الحرب العالمية الأولى . مع ملاحظة أن ما جرى تم في سياق حرب عالمية ( الصحيح حرب امبريالية ، أوربية غربية) راح ضحيتها ملايين البشر من كافة الملل و الأعراق ، إما بالقتل المباشر في سياق الأعمال الحربية ، أو من خلال النزوح القسري و هجرة السكان ، و سوء التغذية و المجاعة و الأمراض التي فتكت بالمدنيين ، و الأمر المؤكد أن كل شعوب البشرية قد عانت ، و إن بنسب متفاوته من تلك الحرب التي يطلق عليها الحرب العالمية الأولى في حين أنها صراع بين ضواري الغرب الإمبريالية ، بين قوى استعمارية صاعدة كالألمان و الطليان و قوى استعمارية مستقرة كالفرنسيين و الإنكليز ، وقد دفعت شعوب أوربا و آسيا و أفريقيا الثمن .
لقد تعرض الأرمن كباقي شعوب الأرض إلى مآسي مروعة في تلك الحرب ، و أنا أتمنى على الأخوة الأرمن أن يناقشوا ما جرى معهم في تلك الحرب بهدوء ليستخلصوا منه العبر التاريخية كي تتحول تجربتهم المؤلمة إلى ذخيرة إيجابية لكل الإنسانية ، و أول خطوة على هذا الطريق هي أن يسحبوا ورقة معاناتهم من يد القوى الإمبريالية التي تريد أن تستغل آلامهم و عذاباتهم في صراعاتها و مصالحها المادية الضيقة ، كحال الفرنسيين اليوم .
في عام 1997أقر البرلمان الفرنسي قانوناً يعتبر أن ما تعرض له الأرمن في الحرب العالمية الأولى هو جريمة إبادة ،و هذه الخطوة نصب بها البرلمان الفرنسي نفسه مشرعاً لكل البشرية ، فمن المعلوم أن البرلمان الفرنسي يمتلك سلطة على الأمة الفرنسية ، و يحق له إبداء الرأي في أمور تخص الأمة الفرنسية التي انتخبته ليمثله أما أن ينصب نفسه مشرعاً للبشرية كلها ، و بمشكلة لم يكن الشعب الفرنسي طرفاً بها ، فهذه سابقة تاريخية لم يسبقهم لها سوى الأمريكان ، ففي التسعينات أقر الكونغرس الأمريكي قانون داماتو الذي يعاقب الشركات غير الأمريكية التي تستثمر في قطاع الطاقة الإيراني بأكثر من عشرين مليون دولار ، و ذاك اليوم احتج الأوربيون و على رأسهم فرنسا على هذا القانون ،لأن الكونغرس الأمريكي لا يحق له أن يشرع لبقية البشرية بل يحق له فقط أن يفرض تشريعاته على ما هو أمريكي فقط ، فإذ بهم بعد حين يرتكبون نفس الإثم الأمريكي ، و في مجال أخطر هو مجال التاريخ الذي هو علم بكل معنى الكلمة ، و من العبث مناقشته في البرلمانات و عبر إقرار قوانين ،فدراسة التاريخ يجب أن تترك للمؤرخين و المختصين الذين يدلون برأيهم بحدث تاريخي ما ، و يحصل نقاش حول هذا الأمر ، و لا يحتاج الأمر لقانون ، فإذا اقتنع الناس بالرواية التاريخية سلموا بها و صارت بديهية بالنسبة لهم و إلا بحثوا عن رواية أخرى .
في العام 2006 أكمل البرلمان الفرنسي ما فعله قبل عشرة أعوام ، فأقر قانوناً يجرم التشكيك بإبادة الأرمن ، التي أقرها هو بقانون سابق . و هذا القانون مقتبس من قانون سابق سيء الصيت يجرم كل من يشكك بالمحرقة ، و قد حوكم بسبب هذا القانون و سجن مؤرخون لأنهم شككوا بما يسمى المحرقة ، و أشهرهم غارودي ..
إن هذا القانون الفرنسي يظهر العقلية الإمبريالية التي تعتبر نفسها وصية على التاريخ البشري ، و يظهر كم أن الفروق بين الإمبريالية الفرنسية و الإمبريالية الأمريكية زهيدة للغاية لدرجة لا تكاد تلحظ معها بالعين المجردة ، فإذا كانت الإمبريالية الأمريكية تعطي نفسها حق الوصاية على العالم اقتصادياً و عسكرياً ، فتقرر من هو الطيب و من هو الشرير ، فالإمبريالية الفرنسية تكمّل الدور الأمريكي ، فتطرح نفسها وصية على تاريخ العالم ، و من البداهة أن يتم ذلك من زاوية مصالحها الخاص .
كان أجدر بالنواب الفرنسيين الذين يملكون هذا الفائض الإنساني أن يراجعوا تاريخهم قبل أن يراجعوا تاريخ الشعوب الأخرى ، و يصدروا أحكاماً أخلاقية تخصهم لا سيما و أن التاريخ الفرنسي يحتاج إلى المراجعة في مفاصل كثيرة منه لا سيما في الهند الصينية التي أدخلوها في حرب طاحنة أكلت الحجر و البشر ، و في الجزائر التي أبادوا مليوناً و نصف المليون من سكانها ،و في هايتي التي أباد نظام ثورة الإخاء و المساواة ، نظام الثورة الفرنسية ، ثلث سكانها دفعة واحدة لأنهم طلبوا الإخاء و المساواة ! هذا عدا عن مذابح رواندا المليونية التي لم تجف دماء ضحاياها بعد ، و الدور الفرنسي في حدوثها واضح وضوح الشمس في منتصف النهار .
إن دموع التماسيح التي يذرفها النواب الفرنسيون على عذابات الأرمن لم تعد قادرة على خداع أحد ،فالجميع يدرك أن في خلفية المشهد تقبع المصالح و الصراعات الضيقة و الهواجس العنصرية ، فتركيا التي تتكون من ستين مليوناً من المسلمين لا مكان لها في أوربا حسب الفكر اليميني العنصري الذي يتعاظم نموه في أوربا ، و يتمدد كبقعة الزيت من الأحزاب ذات الاتجاهات العنصرية الصريحة ،كحزب ماري لوبن ،إلى أحزاب اليمين الديغولي ( اقرأ تصريحات ساركوزي ضد أبناء الضواحي ) . ففي خلفية المشهد يقبع فكر عنصري يرغب بالحفاظ على أوربا مسيحية نقية ، لكن أوربا تلعب بالنار فتركيا لن تبق واقفة ذليلة تطرق أبواب الإتحاد الأوربي المقفلة في وجهها ، أو التي تطالبها بالخروج من جلدها كي تفتح لها الباب ، كما هو حالها اليوم ، و لن تتحمل طويلاً الاحتقار و الإذلال المقصودين ، كما يعاملونها اليوم ، فبين الأترك يتبلور سريعاً خيار العودة إلى شرقهم إن لم يكن لقيادته ، فرافعة من روافع نهوضه ، أو على الأقل كطرف أساسي في بنائه ، و عندما يكتمل هذا الخيار فإن تركيا هي من سيغلق الباب في وجه أوربا ، و عندها ستقف أوربا على باب تركيا المشرقية المسلمة طويلاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معرض -إكسبو إيران-.. شاهد ما تصنعه طهران للتغلب على العقوبات


.. مشاهد للحظة شراء سائح تركي سكينا قبل تنفيذه عملية طعن بالقدس




.. مشاهد لقصف إسرائيلي استهدف أطراف بلدات العديسة ومركبا والطيب


.. مسيرة من بلدة دير الغصون إلى مخيم نور شمس بطولكرم تأييدا للم




.. بعد فضيحة -رحلة الأشباح-.. تغريم شركة أسترالية بـ 66 مليون د