الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تصريحات الخارجية اليمنية بين المشترك الثقافي وهندسة المصالح

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2023 / 4 / 6
السياسة والعلاقات الدولية


في لحظة تاريخية شديدة التدافع في المنطقة العربية والعالم؛ طرحنا في مصر مشروعا ثقافيا يهدف إلى لملمة الوجود العربي واستعادة اللحمة العربية وتجاوز التناقضات المتعددة التي تفجرت في مستودع الهوية العربي، وذلك بعنوان مشروع "المشترك الثقافي العربي"، وطرحنا منه ثلاث حلقات حتى الآن دارت حول المشترك الثقافي بين مصر والسودان في سبتمبر 2021م، ثم المشترك الثقافي بين مصر وتونس في مارس 2022م، ثم المشترك الثقافي بين مصر واليمن في فبراير 2023م.

المشترك الثقافي العربي
والمشاريع الإقليمية والدولية البديلة
والحقيقة أن المشروع الذي طرحناه للعمل في مجال السياسات الخارجية الإقليمية العربية وما في تخومها للتأسيس لمتن عربي جديد، تواجهه عدة مشروعات ومتون إقليمية منافسة منها المشروع المدعوم إماراتيا المسمى "هندسة المصالح" والذي يميل لمشروع صفقة القرن والاتفاقيات الإبراهيمية (وأمريكا وإسرائيل)، ثم هناك مشروع المركزية السوداء العنصرية "الأفروسنتريك" الذي اخترقت به أثيوبيا حركة عموم أفريقيا ونضالها التحرري التاريخي، وتسعى من خلاله لضرب مصر عبر بعض النخب السودانية الغاضبة من بعض الصور النمطية التاريخية، ثم هناك مشروع العثمانية الجديدة والتمدد التركي الجديد، وكذلك المشروع الشيعي الإيراني وتمدده، بالإضافة إلى الحضور الصهيوني المباشر وتمدده من خلال الاتفاقيات الإبراهيمية.. مع الإشارة إلى حضور القوى الدولية الشرقية الجديدة والغربية كذلك.

جغرافيا ثقافية رافعة
وجغرافيا طبيعية وسياسية آملة
في واقع الأمر يأتي المشروع المصري الثقافي الذي طرحناه في السياسة الخارجية محاولة لرأب الصدع العربي وتجاوز التناقضات، وتفعيل المشترك الثقافي العربي في الجغرافيا الثقافية العربية، تمهيدا لتفعيل الجغرافيا الطبيعية وتبادل موارد التنوع الجغرافي والطبيعي بين الدول العربية على المستوى الاقتصادي والتجاري والصناعي، وصولا إلى تفعيل الجغرافيا الثقافية والتقارب في السياسات والرؤى الاستراتيجية الخارجية والإقليمية بين البلدان العربية.

المشترك الثقافي بين مصر واليمن
رؤى جديدة للمتون العربية
وفي واقع الأمر أيضا أننا –لتونا- قد انتهينا من مؤتمر "المشترك الثقافي بين مصر واليمن.. رؤى جديدة للمتون العربية" في فبراير قبل أقل من شهرين، حيث وضع الباحثون المصريون واليمنيون –والعرب- المشاركون في المؤتمر وكتاب أبحاثه لبنات قوية في تفعيل "المشترك الثقافي" بين البلدين على كافة المستويات.. وهو المؤتمر الذي استضافت السفارة اليمنية احتفالية تدشينه في السادس من شهر أكتوبر الماضي يوم الانتصار المصري والعربي المشهود، واعتبرنا أن المؤتمر سيكون دفعة للعلاقات بين البلدين على كافة الأصعدة والمحاور..
لذا كانت الصدمة قوية حينما تلقينا أنباء تصريحات السيد وزير الخارجية اليمني في أثيوبيا، والتي تحمل في طياتها دعما صريحا لمشروع المحبس الذي تضعه أثيوبيا على مياه مصر وحق الشعب المصري في الشرب والزراعة والحياة المسمى "سد النهضة"...!

مصر هي ثقافة جامعة
وليست عرقية أو قبلية متطرفة
مصر لم ولن تكن جماعة مغلقة على نفسها، مصر هي تركيبة ناعمة وثقافة شعبية موروثة عبر التاريخ، كانت وستبقى تستقبل الجميع وترحب بهم، كما تفعل الآن مع الإخوة من اليمن والسودان والعراق وسوريا والصومال وكافة الدول العربية والأفريقية، دون شرط أو قيد سوى صون العشرة وقول كلمة الحق، حقيقة كان الأمر صادما لنا، لقد استقبلت وزارة الخارجية اليمنية خبر مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر واليمن بكل ترحاب، ودعت الباحثين اليمنيين إلى المشاركة في المؤتمر على الموقع الرسمي للوزارة، فهل كان ذلك تحصيل حاصل ومجرد تسويد لأوراق بل معني ولا مبنى، بلا شكل ولا مضمون..!!

التأكيد على الأمن القومي
المصري واليمني
وتبادلت أنا شخصيا وسعادة السفير اليمني السابق/ محمد الهيصمي التأكيد على المصالح المشتركة والحضور التاريخي بين البلدين، وأهميته للأمن القومي لكل منهما حيث تشرف مصر على مدخل البحر الأحمر من الشمال وتشرف اليمن على مدخله من الجنوب، واستقبلنا السفير اليمني الدكتور/ محمد على مارم أحسن استقبال وطرحنا عليه عدة مشاريع للتعاون بين البلدين، طبق بعضا منها مؤخرا في عرض للتراث اليمني المصري المشترك بين مجلس العمال اليمني ومنصة مصرية مهتمة بالتراث المصري.. لذا كانت تصريحات وزير الخارجية اليمني صادمة لنا حقيقة.

ضرورة الاختيار بين هندسة المصالح الجديدة
وصون "المشترك الثقافي" والتزاماته
الإمارات تتحرك في ملف سد النهضة وتدير شبكة مصالح لا تقف كثيرا مع حق الشعب المصري في الحياة، والإمارات تحضر بقوة في الملف اليمني نفسه، لكن لم يكن من الحصافة أبدا أن يورط وزير الخارجية اليمني بلاده في تصريح يدعم مشاريع إقليمية أخرى ترفع شعارات "إعادة هندسة المصالح" وغيرها، وتقف ضد حق الشعب المصري في الحياة معتبرة أن ذلك درجة في سبيل ترقيها الإقليمي وبناء شبكة نفوذها!

السد الأثيوبي محبس سياسي
ضد الجماعة المصرية
سعادة وزير الخارجية اليمني مشروع سد النهضة ليس ملفا سياسيا فقط، هو مشروع وجودي يستهدف كسر إرادة الشعب المصري، هو مشروع ليس موجه ضد الدولة المصرية ومؤسساتها، وليس موجها ضد النظام السياسي المصري وطبقته العليا، هو مشروع لكسر الاحتمال الوجودي للشعب المصري وقدرته على التصدي لمحاولات الهيمنة الخارجية والإقليمية برمتها، هو مشروع يسعى لتطويع مصر وكسر إرادتها لتقبل بصفقة القرن وهدم الأقصى واستيلاء دولة الاحتلال على مدينة القدس برمتها، هو مشروع يهدف لكبح مصر عن التواصل مع المغرب العربي والتأكيد على المشترك الثقافي مع دوله ورفده بكل السبل، هو مشروع يكسر قوة مصر في مواجهة المد الشيعي/ الإيراني الذي تشتكون أنتم منه!!

لا تشدوا قوسا
سيرتد في صدوركم
أنتم لا تضربون مصالح الجماعة المصرية فقط، أنتم تهددون الأمن القومي العربي، وتهددون الأمن اليمني القومي، لأن مصر حتى ولو كانت في أقصى مراحل التراجع الحضاري فهي الاحتمال الممكن للنهضة والدفاع عن مستودع الهوية العربي بكامل التزاماته، فرجاءا لا تساهموا في حصار الحصن العربي الأخير، لا تمنحوا العدو السلاح الذي أول ما سيصيب سيصيب صدوركم أنتم.
مصر في مفترق طرق تاريخي؛ ونحن نحاول أن ندفع في اتجاه استعادة الذات العربية ولم الشمل، وعلى الجميع أن يكون بالوعي الكافي لتجاوز التناقضات والمشاريع الإقليمية الأخرى المتنافسة مع احتمال الذات العربية الكامن في استعادة نفسها، ومواجهة المتون الأخرى المتنافسة معها إقليميا ودوليا.

تفعيل الحضور اليمني في القرن الأفريقي
لصالح "المشترك الثقافي العربي" وليس ضده
إن من يرى نفسه في سياق التبعية وهيمنة الآخرين، لم يقرأ دروس التاريخ جيدا، لم يشاهد طائرة الهليكوبتر الأمريكية في سفارة فيتنام تترك عملاءها خلفها القرن الماضي، وكذلك طائرة النقل الأمريكية العملاقة وهي ترتفع في السماء مغادرة مطار كابول ويتساقط منها المتعشمون في حلم "العم سام" في نهاية عام 2021م في واقعة لم يمر عليها عامان بعد.
سعادة وزير الخارجية اليمني، نرجوا منكم أن تستخدموا القوة الناعمة اليمنية والانتشار اليمني/ العربي التاريخي في القرن الأفريقي لصالح "المشترك الثقافي" العربي وحق الشعب المصري في الحياة، لا أن تتحولوا إلى شوكة في الحلق وخنجر في الظهر.
سعادة وزير الخارجية اليمني، مصر كانت وستظل مفتوحة للجميع، لكن لا تحرقوا غصنا في الشجرة التي يستظل الجميع بها، كان الصمت أولى بكم، وكان عليكم صون العشرة و"المشترك الثقافي" لا أن تدعموا من يبحثون عن ترقية موقعهم الإقليمي عبر "إعادة هندسة المصالح" على حساب حق الشعب المصري في الحياة.

ويبقى الأمل
لكن يبقى الأمل في أن العديد من المنابر الرسمية والشعبية اليمنية رفضت تصريحات الأخ وزير الخارجية، ويبقى الأمل في تزايد مساحة "المشترك الثقافي" والتأكيد على الجغرافيا الثقافية بين البلدين، تمهيدا للمزيد من التواصل على مستوى الجغرافيا الطبيعية وتبادل الموارد الطبيعية والاستفادة من تنوعها، وصولا إلى منصة الجغرافيا السياسية وتقارب الرؤى والسياسات العامة بين البلدين وكافة الدول العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك


.. إسرائيل -مستعدة- لتأجيل اجتياح رفح بحال التوصل -لاتفاق أسرى-




.. محمود عباس يطالب بوقف القتال وتزويد غزة بالمساعدات| #عاجل


.. ماكرون يدعو إلى نقاش حول الدفاع الأوروبي يشمل السلاح النووي




.. مسؤولون في الخارجية الأميركية يشككون في انتهاك إسرائيل للقان