الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب وإسرائيل: أسمعُ جعجعة ولا أرى طحنا

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2023 / 4 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


منذُ أن اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي المسجد الأقصى، صباح الأربعاء 5 نيسان / ابريل، 2023 ، مع اقتراب عيد الفصح الإسرائيلي، واعتقلت المئات من المُعتكِفين بداخلهِ، واعتدت عليهم بالضرب، انطلقت بيانات الشجب والاستنكار العربية، لهذا العدوان الإسرائيلي، كما عادةُ العرب بالنحيب والعويل، والذي لا تقبضهُ إسرائيل بمثقال ذرة..
وهذه ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة..
وقد صدرت أشدُّ البيانات من الدول الأكثر تطبيعا وعلاقات قوية وحميمية مع إسرائيل..
والبعض هرب للأمام وطالب بانعقاد اجتماع لمجلس الجامعة العربية على مستوى مندوبين.. بدلَ أن يسحبَ مندوبَهُ من إسرائيل، أو طردِ مندوب إسرائيل من بلادهِ.. احتجاجا على هذا العدوان..
ماذا سيُقدِّم أو يؤخَر اجتماع مجلس الجامعة العربية؟
عبارة عن بيان استنكار، كرّروا عباراتهِ آلاف المرّات.. والاستغاثة بالمجتمع الدولي لحماية الأقصى، وحماية شعب فلسطين..
22 دولة عربية، وأكثر من 430 مليون نسمة، لا تُقيمُ لهم إسرائيل وزنا، ولا يستطيعون حماية شعب فلسطين، وحماية الأقصى، ولجمِ إسرائيل، وإنما كما العادة يتباكون للعالَم، ويطلبون من المجتمع الدولي، ومجلس الأمن الدولي أن يفعل ذلك، ورغم كل خذلان مجلس الأمن الدولي والمجتمع الدولي لهم، ما زالوا يناشدون مجلس الأمن والمجتمع الدولي، وهُم يعرفون سلفا أن هؤلاء لن يفعلوا لهُم شيئا..
**
الغاية واضحة، الزعماء العرب، يتوجّهون بهذه البيانات لِتسمعها الشعوب العربية، كنوع من تبرئة الذمّة، وليس لإسرائيل.. أو المتطرفين الإسرائيليين.. فهؤلاء بين الفترة والأخرى يوجِّهون أشدّ العبارات وأقذعها، ضد العرب، ولكن القيادات العربية، لا تسمع، ولا تُعيرُ ذلك اهتماما.. فمن الطبيعي أن لا يكترث أي إسرائيلي بأي غضب عربي، وأي بيان عربي.. قمة البطولة العربية هي بيان أو شكوى للأمم المتحدة..
لقد خبِروا العرب جيدا، ويعرفون أنهم يتظاهرون بالغضب أمام شعوبهم فقط، ولكنهم بذات الوقت يتحدثون مع بنيامين نتنياهو بألطف عبارات الود والاحترام.. والتأكيد على تطوير العلاقات في شتّى الميادين..
**
العرب يعيشون مرحلة الانهيار العربي منذ زمنٍ.. هذا الانهيار الذي بدأ منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية، والقُدس الشرقية، وسيناء والجولان عام 1967 ..
ثم جاءت حرب تشرين /أكتوبر، أو رمضان 1973 ، وأعادت بعض المعنويات للعرب، ولكن سُرعان ما تحطّمت هذه المعنويات، بعد الاتفاقيات التي تم توقيعها مع إسرائيل، وخرج الرئيس السادات، ليُعلِن للعالم، أن هذه آخر الحروب.. ثم ذهب باتجاه التطبيع، فكانت زيارة القُدس عام 1977 ، ثم اتفاقية كامب دافيد عام 1978 ، ثم معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 .. وذلك قبلَ أن تنسحب إسرائيل من شبر أرض عربية، خارج سيناء، أو تعترف بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولة مُستقلّة على أراضي 1967 وعاصمتها القدس الشرقية..
وبدأ شعار: اللهم أسألك نفسي.. وبلادي أولا ..
**
استمرّ مُسلسل الانهيار العربي بعد احتلال صدّام للكويت في آب 1990، والانقسام والتشرذُم العربي غير المسبوق.. والذي انعكس على العرب مزيدا من الضعف والشرذمة..
وكانعكاسٍ لهذا الانهيار كان مؤتمر مدريد للسلام بين العرب وإسرائيل عام 1991 أخطر المحطات في هذا الانهيار العربي.. وكان انقلابا كاملا على لاءات مؤتمر القمة العربي في الخرطوم في آب عام 1967 : لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوُض..
ثمّ جاءت اتفاقية أوسلو عام 1993، بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي، لتشكِّل طعنة كبيرة، وأخطر مراحل هذا الانهيار، بكلِّ ما تضمّنتهُ من تراجُعٍ فلسطيني.. ومن بنودٍ غامضةٍ يُمكن تفسيرها على عدة أوجُه..
وفي تعليقٍ لهُ، قال الوزير الإسرائيلي السابق يوسي بيلين، في آذار 2023 ، أنّ مُشكلة الفلسطينيين أنهم صدّقونا.. مُشيرا في هذا الإطار إلى أن الفلسطينيين لم يطلبوا تضمين وقفِ الاستيطان، ضِمن بنود الاتفاق، بل طلبوا تجميدَهُ فقط..
لقد عادت ذاتُ خديعة القرار 242 عام 1967، والغموض بين الانسحاب الإسرائيلي من أراضٍ عربية مُحتلّة، وبين الانسحاب من الأراضي العربية المُحتلّة..
وكما غرّد أحدهم عن اتفاق أوسلو فقال: الإسرائيليين أخذوا الأرض وملئوها بالاستيطان، وارتاحوا من تكاليف جمعِ القُمامة والتعليم، ومنحونا وكلاء أمن لإسرائيل..
وتسارعت الانهيارات، فكانت اتفاقية وادي عربة عام 1994 ، ثم الانقسامات الحادّة داخل الصف الفلسطيني، فأصبحت هناك سُلطتان وحكومتان، إحداهما في غزة، والأخرى في الضفة الغربية..
**
واستمرّ الانهيار، فكانت الاتفاقات الإبراهيمية، التي مهّدت بسُرعة كبيرة إلى قيام أوثق وأقوى العلاقات مع إسرائيل، ووصلت لدرجة قيام المناطق الحُرّة..
إسرائيل تُدرِك أن كل بيانات العرب، وكل استنكارات العرب، ما هي إلا جعجعة، موجّهة لشعوبهم فقط لا غير.. وأن العرب ليسوا أهل مواجهة وقتال وتضحية، وإنما أهلُ مناصب وعروشٍ وقصورٍ وحياةٍ مُترَفةٍ فقط.. وأن التخاذًل العربي هو من حرّض على التطرُّف الإسرائيلي ..
حتى المُقاومين الفلسطينيين أنفسهم، متمسكون بالسلطة، لآخر يوم في حياتهم.. ولذا نرى زعماء مستمرون منذ ربع قرن. لا يعطون دورا لغيرهم..
تريدون من إسرائيل أن تتوقف عن سلوكها العدواني هذا واستفزازاتها المُستمرّة، فعلى الأقل اسحبوا سفرائكم من إسرائيل، أو أبعِدوا سفراء إسرائيل من بُلدانكم، وجمِّدوا العلاقات معها، حتى تتوقف عن سلوكها العدواني.. وإلا كفاكُم سُخرية من هذه الشعوب وضحِكا عليها.. فهي تعرف حقيقتكم قبل إسرائيل..
لن تفعلوا ذلك.. ولذا فمُسلسل الانهيار مُستمرّا، ما لم تمتلك الشعوب القرار وتُصبِح سيدة نفسها، وقادرة على فرضِ إرادتها بدلَ أن تكون مدعوسة ومسلوبة الإرادة..
إسرائيل لا تخشى الحكومات والزعامات العربية، هي تخشى الشعوب العربية، وتعرف أن الشعوب العربية مكتوفة الأيدي.. وهذا ما تريدهُ ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توتر غير مسبوق في العلاقات الروسية الفرنسية على خلفية حرب أو


.. الرئيس الجزائري يجتمع مع قادة الأحزاب قبل أشهر قليلة من الان




.. ما الاستراتيجيات التي تتبعها فصائل المقاومة ضد قوات الاحتلال


.. ما طائرة -أكنجي- التركية التي استعانت بها إيران في حادثة سقو




.. -فلسطين ستعيش للأبد- .. طلاب يابانيون يطالبون بقطع العلاقات