الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشبك بين المطرقة والسندان

نعمت شريف

2023 / 4 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


مراجعة وتعليق: نعمت شريف
المؤلف: د. سعد صالح
الناشر: دار الورشة، بغداد 2022
يقع الكتاب في 300 صفحة من القطع الوسط

"يتميز الشبك الان بخصوصية الموقع الجغرافي، والطابع الديني العرفاني التصوفي، والهوية واللغة، والتاريخ الطويل، والعادات والتقاليد والاعراف، وكل هذه المميزات تجعل منهم جماعة اثنية خاصة وقائمة بذاتها، لايمكن مزجها او صهرها في جماعة اخرى."
(د. سعد صالح، ص 25)

في الاشهر القليلة الماضية قرأت كتابين عن مجموعتين بشريتين لا يختلفان عن بعضهما كثيرا من النواحي الاجتماعية والسياسية واللغوية وربما العرقية ايضا رغم بعد المسافة الجغرافية بينهما، وهما كتاب الدكتور سعد صالح باللغة العربية عن الشبك في العراق، والثاني للدكتور محمد كايا عن الزازا (الظاظا) في تركيا، باللغة الانكليزية. أترك المقارنة لفرصة اخرى انشاء الله، واعود لتبيان بعض الملاحظات في مراجعتنا للكتاب الاول. وقبل كل شئ، اود ان اسجل تقديري للباحث القدير مؤلف الكتاب لما بذله من جهود مضنية في دراسة وتحليل وتوثيق الاحداث على مدى عقدين منذ سقوط النظام البائد في عام 2003. بعد الكبت والقمع الذين داما لاكثر من ثلاثة عقود من حكم النظام البعثي. جلب السقوط انفتاحا لم يسبق له مثيل في تاريخ العراق الحديث، فهبت مكونات الشعب العراقي وكأنها طيور انفتح فجأة امامهم باب القفص، فانطلقوا في كل حدب وصوب باعلى سرعة تحملهم اجنحتهم، وسيعودون تدريجيا الى الواقع ولكن ليس الى القفص ابدا. وفي هذه الانطلاقة، عاش الشبك فترة اوجّها في الفترة موضوع البحث.
الديموقراطية في اساسها ممارسة على مستوى الفرد والمجتمع على حد سواء وجذورها تضرب عميقا في وعي الفرد والجماعة قبل ان تكون دراسة نظرية في الاروقة الاكاديمية ومراكز الأبحاث. لم يكن للعراق تقليد ديموقراطي باستثناء فترة الحكم الملكي في فترة الانتداب حيث كانت "الديموقراطية" تملى عليه، وحاله لا يختلف كثيرا عن معظم بلدان الشرق الاوسط. ولذلك ابتلى العراق بحكومات فاسدة وعمالات ولصوصية لا مثيل لها، ادت الى صراعات الاحزاب الكبيرة واهمال وحتى اضطهاد الاقليات واحزابها الصغيرة التي لا تساير سياساتها في مناطق نفوذها. وهذه الحالة مستمرة الى يومنا هذا من شمال العراق والى جنوبه والفروق في درجات لا اكثر. ولذلك نرى ان العرض الذي تقدمه هذه الدراسة المسهبة نوعا ما مهمة للمتتبع الاكاديمي والمواطن العادي من الناحية السياسة وافاق المستقبل واستخلاص الدروس والعبر منها وخاصة بالنسبة للشبك انفسهم.
رغم مرور عقدين على اسقاط النظام الدكتاتوري، لا زالت العملية الديموقراطية متعثرة في العراق رغم المحاولات الخارجية لتقديم العون والارشاد لتوطيد اركان الديموقراطية في العراق وبضمنه اقليم كردستان. من نظرة سريعة على تاريخ الحروب الامريكية نرى انها تميل الى اعادة بناء الدولة المحتلة على صورتها هي، وتتحمل بشكل رئيس تبعات قراراتها من اقتصادية وعسكرية. والامثلة على ذلك تأتي بشكل صارخ في اعادة بناء اليابان والمانيا بعد الحرب. فعلى سبيل المثال، اصبح اليابان دولة ديموقراطية وقوة اقتصادية عالمية في فترة قياسية. بالاضافة الى تقديم المساعدات لليابان، تبنت الولايات المتحدة الدفاع عنه الى يومنا هذا، حيث وفرت لليابان مبالغ ضخمة كانت لتصرف على ميزانية الدفاع. وكذلك بالنسبة لالمانيا. أما بالنسبة للعراق، فقد اختلف الموضوع تماما حيث قامت عصابات البعث بعد انهيار النظام بالتعاون مع قوى اللارهاب بما سموه بالمقاومة لاشغال الولايات المتحدة عن الهدف الاسمى وهو اعادة البناء ومضاعفة تكاليفها. هذا ليس دفاعا عنها ولا عن اهدافها البعيدة في حماية مصالحها في المنطقة، ودفع العملية الديموقراطية الى امام. الولايات المتحدة ترى في نفسها راعية للديموقراطية وحقوق الانسان. هذا ايضا ليس دفاعا عن اخطائها وجهلها بثقافة الشعب العراقي وعاداته وتقاليده وفخره بتاريخه ونضاله العريقين.
بشكل عام كان هناك تياران شعبيان، تيار "المقاومة" الذي كان يعمل على عودة النظام البائد، والتيار الذي تقبّل العمل والتعاون مع قوى التحالف، وهم في الاساس قوى المعارضة للنظام البائد، ومن ضمنهم القوى الكردية. واما غالبية الشعب وبشكل خاص المكونات الصغيرة كالشبك، لم يكن لهم في التيارين ناقة ولا جمل، ولكن الفرصة كانت مؤاتية للتحرك حيث لم تكن معاناتهم من النظام السابق باقل من قوى المعارضة الفاعلة على الساحة العراقية. في هذه الظروف المضطربة، لم تنجح القوى الاكبر حجما في تعاملها مع المكونات الاخرى كالشبك وغيرهم، وللاسف وتحولت بعضها من قوى مضطهدة (بفتح الهاء) الى قوى مضطهدة (بكسر الهاء). وبدلا من مناقشة كل جميع المكونات الدينية والاثنية، سنركز في هذه المراجعة السريعة على موضوع الكتاب، الشبك وعلاقاتهم بجيرانهم من المكونات الاخرى وبشكل خاص مع اقليم كردستان.
تمثل المناطق المتنازع عليها "خط النار" بين الاقليم والحكومات التي تعاقبت على حكم العراق. من الناحية الامنية للحكومة، كانت هذه المناطق تمثل امتدادا لكردستان ومنطقة نفوذ لها، وبالنسبة للحركة الكردية، كانت هذه المناطق ولا تزال اراض كردية يصعب الدفاع عنها لسهول اراضيها وتغلغل القوات الامنية الحكومية فيها. وفي الفترة التي اعقبت سقوط النظام البعثي، اصبحت المناطق المتنازع عليها وبضمنها قرى الشبك المحيطة بالموصل من الجهات الشمالية والشمالية الشرقية هدفا للعمليات الارهابية واصبح الشبك في قراهم وفي داخل مدينة الموصل هدفا فشلت الحكومة العراقية في الدفاع عنها كما فشلت في مناطق كثيرة اخرى، ولم يتحرك الاقليم او لم يستطع التحرك بشكل فعال للدفاع عنهم كما توقع الشبك، بل على العكس كانت سياسة الاقليم ان تستوعب الشبك من دون اي اعتبار لخصوصيتهم، وقد سمعنا الشبك يرددون مرارا لو ان الهجمات كانت على قرى في دهوك او الشيخان او المناطق المحاددة لاربيل لكان الموقف مختلفا، وهذا كان يفسر بان الاقليم غير مبال بما يجري للشبك، وانهم لا اكثر من ورقة في مفاوضات الاقليم مع بغداد وسيترك المنطقة عاجلا ام آجلا. وربما السبب الاهم في عدم اتخاذ الاقليم سياسة دفاعية حاسمة بالنسبة للشبك هو عدم وجود امتداد سكاني للشبك في المناطق المنضوية تحت حكومة الاقليم، وعلى هذا يترتب اولا عدم اطلاع حكومة الاقليم بشكل كاف على اوضاع المنطقة واحتياجاتها. لا يكفي ان يكون الشبك اكرادا ايام الانتخابات فقط. وعدم مبادرة الاقليم ولا الجهات المرتبطة بها لتاسيس مكتب دائم لشؤؤن الشبك لتفادي النقص في استطلاع الاراء والاطلاع على احتياجات المنطقة عن كثب وخاصة من النواحي الامنية والخدمية للدفاع عنها في البرلمان العراقي على اقل تقدير. اهمال الاعلام الكردي الشبك بشكل عام. اذا لم تكن هناك محطة اذاعة او تلفزيون بلهجة الشبك، فما الضير في ان تكون هناك برامج منظمة يومية او اسبوعية، فالشبك، وحتى بعد مرور عقدين على الانفتاح والاختلاط، لا تزال الاغلبية لا يجيدون ايا من اللهجتين الرئيسيتين في الاقليم. اوردنا هذه الاشارات على سبيل المثال لا الحصر.
لا يكفي ان نشير باصابع الاتهام لجهة معينة فحسب، ولكي نكون منصفين، لا بد من الاشارة بالمقابل الى بعض الاسباب ووجهات النظر في الاقليم. بشكل رئيسي يعتمد الاهتمام بالمناطق المتنازع عليها (او المناطق الكردستانية خارج الاقليم) من الناحيتين الامنية والخدمية على الاقتصاد، وفي كردستان، يعتمد على حصة الاقليم من ميزانية العراق، وواردات النفط والمنافذ الحدودية حتى في فترات ازدهار الاقتصاد الكردستاني. كردستان كانت ولا تزال تمر بفترة "بناء البيت الكردي" بعد سنوات التدمير والاضطهاد والقمع وخاصة ما مرته الحرب وعمليات الانفال القذرة. وكان على الاقتصاد الكردستاني استيعاب عملية البناء وادارة شؤون الحكومة والحياة العامة، ولذلك كانت الاولوية للاقليم، وعدم النظر في المناطق الكردستانية خارجه. هذا في الوقت الذي كانت ولاتزال ان تكون المناطق المتنازع عليها وبضمنها سهل نينوى من مسؤولية الحكومة الاتحادية، وخاصة الاعمار والخدمات ودعم اقتصادها. من وجهة النظر هذه، ربما تكون حكومة الاقليم محقة في ان تقتصر في اولوياتها على الاقليم فقط دون المناطق خارجه. واما من الناحية السياسية فلربما كان بامكان الاقليم ان يتخذ مسارا آخر وهو دعم الشبك في اختيار ممثليهم في البرلمان العراقي وتعيين المسؤولين في المنطقة من اداريين ومسؤؤلين اخرين من الشبك انفسهم دون الدخول في صراعات جانبية مع جهات اخرى لان دور الاقليم هو دور الحليف وليس المنافس. فعلى سبيل المثال لا الحصر، ما الضيرفي ان يكون للشبك اكثرممثل في البرلمان العراقي بدلا من ان ينحصر في الكوتا بمقعد واحد فقط! يتراوح نسمة الشبك بين 400 الف الى 500 الف، واذا كان لكل مائة الف مقعد، اسوة بالمكونات السكانية الاخرى، فلا بد ان يكون تمثيل الشبك باربعة مقاعد على الاقل. واما الشبك المرتبطون بجهات اخرى فلا يضر ان يترشحوا في الانتخابات على قوائم تلك الجهات.
في كتابه، يلتزم المؤلف بصفة الاكاديمي البحت ولذلك يقتصر تحليلاته على الاحداث ونتائجها على المنطقة دون التطرق الى منطلقات الاطراف المتصارعة على المنطقة وبضمنها منطلقه (اي الباحث) الفكري والسياسي. ليس مهما للحكومة العراقية واحزابها اذا كان الشبك اكرادا او لا؟ فواضح انهم ليسوا عربا. ولذلك يصبح البعد المذهبي مهما لكسبهم الى جانبهم. واما من وجهة النظر الكردية فالشبك اكراد ولذلك عليهم ان يؤيدوا الاقليم في الانتخابات وغيرها من دون عناء كثير. وان اي ادعاء بعدم كردية الشبك مرفوض تماما، ومن هنا جاء تقبل وتشجيع الحكومة للشبك كقومية مستقلة طالما يلتزمون بعراقيتهم وبمذهبهم الشيعي. (حوالي 65% من الشبك شيعة جعفرية، والباقون سنة يتوزعون بين المذهبين الشافعي والحنفي). ومن هذا المنطلق، نجد ان الشبكي الكردي ممزق نفسيا بين الانتماءين القومي والمذهبي، ولذلك تلافيا او تجنبا لهذا الشعور الداخلي العنيف يأتي الهروب الى الامام نحوالشعور بالحياد في قومية مستقلة والتفرغ للشعور بالانتماء المذهبي. ونحن نرى انه لا ضير في ذلك طالما يلتزم بشبكيته ويعمل من اجل تمثيلهم وخدمة قضاياهم من سياسية وخدمية وغيرها. واما الشبكي الملتزم بكرديته، فلا بد ان الديموقراطية المعززة بنظام الفرد الواحد اساسا في المجتمع والانتخابات، فانه يتحرر من المنغصات القومية والمذهبية وغيرها، وهنا لا زلنا في بداية طريقنا الوعر، سواءا في العراق بشكل عام او في كردستان بشكل خاص. ربما تشبه حالة الشبك هذه بما يمر به الفيليون ورغم وضوح الرؤية القومية عند معظمهم، يتوزع الكثيرون منهم في حياتهم السياسية بين المذهب (فمعظمهم من الشيعة ايضا) وبين شعورهم القومي ولذلك يعمل الناشطون منهم في تنظيماتهم الخاصة ويتعاونون بشكل جماعي (للحفاظ على خصوصياتهم والعمل من اجل قضاياهم) مع التنظيمات الكردية الاخرى.
اما الباحث نفسه فيتحدث من منطلق ان الشبك يمثلون قومية مستقلة عن الكرد رغم صغرها كاقلية ورغم هندواوروبيتهم ، وهذا مهم لانه يضفي صبغة معينة على جميع التحليلات والاستنتاجات السياسية والاجتماعية المترتبة على البحث. على الرغم من الاف الضحايا والثورات والانتفاضات الكردية في تركيا ورغم الوعود التركية والدولية بانصاف الكرد، لا يزال الاتراك لا يعترفون بكردية الكرد ولا بكردستان في تركيا لانه يترتب على ذلك الاعتراف جملة من الحقائق منها الاعتراف بان اجزاء شاسعة من جنوب شرق تركيا تعود للغالبية الكردية. ويترتب على ذلك ايضا الاعتراف بالحقوق الكردية المشروعة كاية قومية اخرى. وبذلك تتطلب العدالة والقانون الدولي اشتراك الكرد في الحكم سواء بالاستقلال او بصورة من صور الحكم الذاتي. وتنسحب نتائج المناقشة هذه على الشبك ايضا ولو بصورة مصغرة الى حد كبير. وهذا يقودنا الى ما يطرحه الكاتب من آراءعن اصل الشبك ولغتهم، وقدومهم الى المنطقة وما يتعلق بهذا الجانب من بحثه القيم.
انه لمن المعتاد في الدراسات الاكاديمية ان يقوم الكاتب بمسح للمعلومات المتوفرة عن موضوعه، وفي حالة اصل الشبك، نجد ان الكثير من المعلومات المتوفرة نابعة من خيال الكتاب والمؤرخين الذين كانوا يكتبون حسب اهوائهم الا ما ندر، والسبب الرئيسي هو الجهل التام بالشبك ، وبلغتهم، ومجتمعهم، وطبعا باصلهم. و بعضها مغرضة لاسباب عنصرية وسياسية وربما مذهبية. وفي مقال كهذا، نحن في غنى عن سرد آراء ضررها اكبر من نفعها. الشبك مصطلح يشير الى مجموعة بشرية في سهل نينوى تتكلم لغة او لهجة واحدة تؤدي وظيفة التفاهم بينهم مائة في المائة، وبضمنهم الباجلان، وبغض النظر عن اصولهم القبلية لان لمعظمهم امتدادات عشائرية بين القبائل الكردية التي تتكلم بلهجات كردية حسب مناطق سكناهم. وهناك بين الشبك عوائل عربية وتركمانية ولكنهم بمرور الزمن اندمجوا مع الشبك، كما هو الحال مع جميع الشعوب الحية. ليس الشبك لوحدهم يعانون من الغبن التاريخي، فنرى مثلا ذهب بعض المؤرخين وخاصة العرب منهم بوصف الكرد بابناء الجن الذين "كرّدهم" نبي الله سليمان الى الجبال (اي طردهم وحاصرهم). وما قيل عن الشبك فما زال ضمن المعقول، ولم يخرجهم من انسانيتهم. اما اسم الشبك، فبالتأكيد ليس كما ذهب البعض من شبك او تشابك اصابع اليدين. لا تأتي الاسماء من فراغ، ولكنها تتغير وتتطور بمرور الزمن وعلم الاتمولوجيا هو المختص باعادة الكلمة الى اصلها. وفي الاصل كانت الكلمة شاموغ، وهي مركبة من كلمتين شاه (اي الكبير، العظيم، الملك) وموغ اي الكاهن او الساحر (ومنها اشتقت كلمة السحر –ماجيك، بالانكليزية، وكلمة المجوس بالعربية) في الديانات القديمة من ميترائية وزرادشتية وتعني كبير او عظيم الكهنة او السحرة. ثم تطورت بمرور الزمن ليصبح "شبك" بما نراه في عصرنا الحاضر. وكان هؤلاء الكهنة (موغان-بصيغة الجمع) يشكلون طبقة دينية ولا شك متنفذة في حينها لانهم تركوا اسمهم في اماكن متعددة في هجراتهم وفي مناطق سكناهم. ونجد اسم الشبك في المناطق الجبلية بافغانستان، ومن ثم في ايران وتركيا في مناطق الزازا وومعظمها في المناطق التي تسكنها او مرت بها قبائل كردية اثناء هجرتها او نزوحها الداخلي بعد استقرارها في كردستان الحالية بفترة. هذا باختصار شديد عن اسم الشبك. واما عن اصل الشبك فلا يغامرني ادنى شك في انهم هندواوربيون نزحوا الى المنطقة كغيرهم من القبائل سواءا كانت كردية او مستقلة قوميا. وواضح من علوم الاجتماغ والانثروبولوجيا ان ظهور القوميات عملية تمايزاجتماعية تاريخية تستغرق مئات السنين. وسيكون لنا قولا اكثر تفصيلا في مكان آخر انشاءالله.
من حيث تصنيف اللهجات الكردية تاتي لهجات الزازا والشبك اقرب اللهجات او بالاحرى تمثل الشبكية احدى اللهجات الفرعية للزازا، واما الباجلانية والهورامانية تنتميان الى الاصل الكوراني. وكما واضح ان لجهات الشبك والباجلان والهورامان تكاد تكون متطابقة بعد ان طرات بعض التغييرات على لهجة الزازا لبعدها الجغرافي وربما اختلاطها بالتركية. (انظر عزتي ص169-168) وبناءا على دراسة الكاتب نفسه لتاريخ موجات الهجرة الكردية الى المنطقة، يعتقد ان الزازا (العشائر الدملية او الدنبلية) استوطنت مناطق شاسعة في كردستان الشمالية (تركيا) وكردستان الجنوبية (العراق) حيث كان الكرمانج يسكنون في اعالي الجبال، ولكن على مدى ما يقرب من الف سنة، كان تكاثرهم السكاني كبيرا الى درجة انهم بدأوا بتوسيع مناطقهم حتى انقطعت اجزاء من الناطقين بهذه اللهجة في الجنوب ليتكون منهم الشبك، والى الشرق منهم مجموعة على الحدود العراقية الايرانية الحالية وبذلك تكون منهم الهورامانيون، وحسب رأيه يمكن ان يفسر هذا وحدة اللهجات الثلاثة في الاصل. هناك ما يربو على الثلاثة ملايين من الزازا في تركيا، ونصفهم علويون والنصف الاخر سنّة. نمط الحياة عندهم يشبه الى حد كبير كما كان الشبك في الخمسينات والستينات من القرن الماضي نتيجة للضغوط التي تمارسها الدولة عليهم فهم مضطرون للتقوقع على انفسهم حفاظا على ثقافتهم ولغتهم وعاداتهم (انظر كايا ص 107 وص 147) وهذا ما كان يحصل للشبك في الماضي. ولذلك نجد ان البت في اصل الشبك يحتاج الى جهد ومواظبة في اجراء دراسات ميدانية وتاريخية (بالمقارنة مع هجرات القبائل الاخرى) ولغوية مقارنة ايضا باللهجات الكردية وربما الفارسية ايضا.
القومية هي الشعور الجمعي للترابط والانتماء الى مجموعة بشرية ذات صفات وخصوصية. وبالتأكيد يتمتع الشبك بهذا الشعور وخصوصية الانتماء، وهذا ما يؤكده الكاتب (ص25) ومن وجهة النظر السياسية لا بد من مراعاتها في التعامل معهم كمجموعة بشرية وليس بالضرورة انتماءا عرقيا. يمثل العرق احد المقومات المهمة للقومية، ولكن ليس بالضرورة اساسا للشعور القومي. الشبك اقلية صغيرة في محيطهم نسمة وارضا، والمجتمع الشبكي كغيرهم من الاقليات في العراق وخاصة في سهل نينوى يتميز بخطوط الصدع على صعيدي القومية والمذهب (لا يوجد بين الشبك من يدينون بأديان اخرى، ولكنهم يرتبطون بعلاقات جوار ودية وتفاهم مع جيرانهم من المسيحيين والايزيديين) رغم وحدة العرق والدين. ولذلك فان وحدة الشبك ومشاركتهم سياسيا مسألة حيوية لضمان مستقبل مشرق لاجيالهم القادمة. يتمتع الشبك بموقع جغرافي مهم، وثروات طبيعية، وسهول زراعية خصبة، ويشكلون وحدة اقتصادية تربط كردستان بوسط العراق وجنوبه. باختصار شديد، تحتاج المنطقة الى تطوير اقتصادها، والتركيز على تقديم الخدمات الضرورية للجميع بدون استثناء، وتعليم ابنائها وبناتها على حد سواء، وتطوير لغتها (او لهجتها)، ومضاعفة الجهود لتطوير وسائل اعلامها لتسهيل الترابط الثقافي فيما بينهم ومع جيرانهم.

المصادر
Izady, Mehrdad R. The Kurds, A Concise Handbook, Taylor and Francis International Publishers, Washington DC, 1992.
Kaya, Mehmed S., The Zaza Kurds of Turkey, A Middle Eastern Minority in A Globalized Society, I. B. Tauris, London, 2011.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين أنستغرام والواقع.. هل براغ التشيكية باهرة الجمال حقا؟ |


.. ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34388 منذ بدء الحرب




.. الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة


.. انطلاق الاجتماع التشاوري العربي في الرياض لبحث تطورات حرب غز




.. مسيرة بالعاصمة اليونانية تضامنا مع غزة ودعما للطلبة في الجام