الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب السياسي ( 4 )

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 4 / 6
مواضيع وابحاث سياسية



الخطاب الإسلامي :
لقد اصبح من البديهي ان انتشار الحركات الإسلامية ، واشكال التطرف الديني ، قد شكل نتيجة منطقية لفشل حركة " التحرر الوطني العربية " ، في صياغة المشروع المجتمعي وتحقيق البديل التاريخي ، إضافة لاعتبارها ظاهرة افرزتها التحولات الاجتماعية التي عرفتها المجتمعات العربية في بنياتها الأساسية .
ان تعامل الفكر " التقدمي " العربي مع المسألة الدينية ، تميز بتأرجحه ، بين موقفين ، يتمحور الأول منهما حول استعادة بعض الاطروحات الفكرية الاوربية ، ماركسية كانت ام غيرها ، بصدد الدين . ويتمثل الموقف الثاني في الخطابات الداعية لاستحضار الجوانب ( المشرقة ) في التراث العربي – الإسلامي . ان كلا الموقفين إضافة لتصورهما النقدي يتصفان بلا تاريخيتهما .
ذلك ان التعامل مع المسألة الدينية ، قد اتخذ الأوربي الحديث طابعا خصوصيا . فعصر الانوار وما صاحبه من انتشار للفلسفات الالحادية ، وخصوصا في القرن الثامن عشر ، ارتبط بالصراع الأيديولوجي الذي خاضته البرجوازية الناشئة ابتداء من القرن السابع عشر، والذي تبلورت بداياته مع المشروع الفلسفي الديكارتي Descartes .. ان نضال البرجوازية ضد الكنيسة ، تزامن مع سعيها لتحقيق مشروعها التاريخي الهادف لإرساء دعائم المجتمع الرأسمالي الليبرالي ، وسوف تعمل البرجوازية لاحقا ، بعد ان استكملت أهميتها ، على استرجاع اللاهوت المسيحي من اجل خصومها الطبقيين .
لقد تأثر التقليد الماركسي الى حد كبير بهذه الخصوصية ، كما استلهم المكتسبات الفلسفية السابقة في هذا المجال ، وخصوصا نقد " فيورباخ " Feuerbach للديانة المسيحية ، وتأسيسه لأطروحة " الاستيلاب " Aliénation عن الدين .
لقد اقر ماركس Marx بصلاحية الطرح الفيوبارخي على المستوى النظري ، وتتمثل اضافته المركزية في ضرورة تثوير القاعدة الأرضية المولدة لظاهرة الاستيلاب الديني ، بعدف حذف التناقضات المنتجة لمختلف اشكال الاستيلاب . في حين ان المقاربة اللينينية للمسألة الدينية تثير ملاحظتين أساسيتين ، تتعلق الأولى بما هو ذو طبيعة نظرية ، ذلك ان مجمل الكتابات اللينينية حول الدين ، لم تتجاوز بضعة عشرات من الصفحات ، مقارنة الى التراث الضخم الذي ابدعه لينين بصدد العديد من القضايا .
اما بالنسبة للملاحظة الثانية ، فتتعلق بالموقف اللينيني من المسألة الدينية من الناحية العملية ، والذي عبر عنه لينين بمناسبة مطالبته القس المسيحي بالانتماء الى الحزب البولشفي . لقد الح لينين على ما هو أساسي ، أي تقبل برنامج الحزب ، واعتبر مسألة الاعتقاد قضية شخصية . ان التعامل الستاليني لا حقا مع نفس المسألة ، كان قائما على الاكراه والإرهاب الفكري ، وان امدادات هذا الموقف على مستوى اوربة الشرقية ، ابانت عن عقيمة ذاك . ان فئات من المجتمع المدني ستتمثل قيم الكنيسة الكاثوليكية كوسيلة للخلاص من هيمنة البيروقراطية واحادية الفكر ، مما يجسد تهافت الممارسة الستالينية على المستوى النظري ، وافلاسها على المستوى السياسي .
ان الإقرار بتقاعس الفكر " التقدمي " العربي في التعامل مع المسألة الدينية ، هو إقرار كذلك بقصوره النظري أولا ، والذي يتضح من خلال النقل الميكانيكي لبعض الطروحات الماركسية ، دون مراعاة خصوصية المجتمعات العربية الإسلامية ، وخصوصية الديانة الإسلامية التي شكلت اطارا عاما تفاعلت داخله مختلف المكونات ، اطارا لم يمنع العقل من مسائلة العالم ، وتأسيس المقولات ذات النزوع العقلاني .
ان العديد من مكونات الفكر التقدمي ، لم ترتق الى حدس " جوهر " الطرح الماركسي اللينيني ، الذي تم تشويهه بمقولة " الدين افيون الشعوب " . ونادرا ما كان يتم الانتباه الى الدلالة العميقة للقول الماركسي بان الدين آهة الانسان المقهور .
اما الإقرار الثاني فيتحدد بكون الموقف الذي يدعو الى استلهام الجوانب " المشرقة " من التراث ، موقفا لا تاريخيا ، وذلك من منطلق استحالة اقتطاع جوانب واستلهامها ، واستبعاد جوانب أخرى . فالتراث كُلّ واحد ، حكمت تجلياته شروط تاريخية محددة ، بلورت مجموعة مهام وتساؤلات ، تختلف في نوعية والتساؤلات التي تفرزها شروطنا التاريخية الحاضرة .
--- إن منطلق الخطاب الإسلامي يقون على ثنائية الكفر و الايمان . ان هذه الثنائية يجب مساءلتها في المرحلة الأولى على المستويين التاليين :
1 – اذا كان مفهوما الكفر والايمان يستندان الى مرجعية المعتقد الديني – الإسلامي متمثلا في النص الديني ، فان هذه المرجعية وضعت حدودا بين الايمان والكفر ، إلاّ ان هذه الحدود لم تمنع من تدخل الممارسة التأويلية الإنسانية ، والتي تجلت منذ المرحلة الأولى لتشكل الفكر العربي الإسلامي في الخلاف الذي نشب بين الفرق الإسلامية ، بصدد مسألة الخلافة وحكم " مرتكب الكبيرة " ، وبالتالي الخلاف حول تحديد مفهوم الايمان .
وباعتبار ان الممارسة الإنسانية هي ممارسة تاريخية ، فإنها تتأثر بمتطلبات المرحلة التاريخية ، وتشتغل بتساؤلاتها . فبهذا المعنى نفهم اليوم ان السؤال العقائدي الذي شغل الفرق الإسلامية الأولى ، كان في جوهره سؤالا سياسيا ، ذلك ان نفس الفرق إذ تختلف بصدد المسألة السياسية ، فإنها ترجع للمعتقد الديني ، بهدف تأويله لحمله على إضفاء الشرعية الدينية على مواقفها السياسية .
2 – من هذا المنطلق تتوضح مجازفة الخطابات الإسلامية ، وضح الحدود الفاصلة بين " الكفر " والايمان . ان ما يطلب هذه المجازفة ، هو واقع تعدد هذه الخطابات نفسها ، بل وتعارضها ، ممّا ينزع عنها احقية الانفراد بتحديد شروط كل من " الكفر " والايمان ، حيث انّ هذا الحق مشاع بين بين سائر المسلمين بالمعنى الديني والثقافي . كما ان الإسلام في جوهره ، لا يتوافق مع المؤسسة الدينية المُوزّعة لشهادة الايمان وصكوك الغفران .
--- " يفسر " الخطاب الإسلامي وضعية التأخر التاريخي التي تميز واقع المجتمعات الإسلامية ، بانحرافها عن التعاليم الدينية ، في حين يعجز عن تفسير تقدم المجتمعات الأخرى والغربية منها على وجه الخصوص . وهكذا يتصور هذا الخطاب ان إمكانية تجاوز وضعية التأخر ، تقتضي العودة الى " الايمان " الصحيح ، والاحتكام الى التشريع الإسلامي بصدد سلوكات الافراد والجماعات . وبهذا المنظور المبسط ، يختزل الخطاب الإسلامي الإشكالية المجتمعية في المسألة الأخلاقية ، وبالتالي تبقى قضايا التحرر والديمقراطية ، وتجاوز وضعية التخلف ، قضايا عالقة ، وذلك بالركون الى القول إنّ الدين مصدر كل الحلول ..
--- يعتبر الخطاب الإسلامي ان علاقة الدين بالتاريخ الإنساني ، هي علاقة تطابق ، في حين ان هاته الوحدة المنشودة تعارضها وقائع التاريخ الفعلي للمجتمع الإسلامي ، وتدحضها صيرورة الفكر العربي – الإسلامي ذاته . ذلك ان البحث عن مشروعية الممارسة الإنسانية التاريخية باسم الدين ، أدى دائما الى الاختلاف سواء تعلق الامر بالصراعات الاجتماعية ، او الممارسة الفكرية . والاّ كيف يمكن مثلا فهم تعارض الفريقين الكلاميين المعتزلة والاشعري ، والذي وجد له امتدادا في حقل الفلسفة ، بشكل من الاشكال ، بين الغزالي مكفر العقل ومكفر الفلاسفة ، وابن رشد مُتبّث مشروعية الفلسفة . ؟
ان الخطاب الإسلامي ، إذ يسعى لدمج الدين بالسياسة ، يفصح عن افتقاده للتصور الخاص بالمشروع المجتمعي . وان ما يشكل اليوم عناصر قوته في مخاطبته الأخلاقية للجماهير ، هو ما سيشكل غدا عناصر ضعفه . ذلك ان نفس الجماهير ستستعجل تلمس الإجابات عن انشغالاتها الأساسية وطموحاتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي صلاحيات رئيس الجمهورية في إيران؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. هيئة الانتخابات الإيرانية تعلن عن جولة إعادة بين بزشكيان وجل




.. الداخلية الإيرانية: تقدم بزشكيان مؤقتا يليه جليلي


.. الداخلية الإيرانية: تقدم بزشكيان على جليلي بعد فرز 19 مليون




.. مقتل عشرات الفلسطينيين وإصابة آخرين في قصف إسرائيلي على مناط