الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تخطيط الشرطة (3) - ملف التحقيق في الجرائم بين وزارتي العدل ومجلس القضاء الاعلى والداخلية

وليد خليفة هداوي الخولاني
كاتب ومؤلف

(Waleed Khalefa Hadawe)

2023 / 4 / 7
دراسات وابحاث قانونية


منذ تشكيل اول حكومة عراقية في عام 1921 وحتى يومنا هذا، وربما قبل ذلك التاريخ كانت الشرطة العراقية تقوم بواجبات التحقيق في الجرائم تحت اشراف قضاة التحقيق، يشاركها في ذلك المحققين العدليين إضافة الى واجبات القبض والتبليغ والمراقبة، ولا يخلو أي مركز للشرطة من غرفة او غرفتين للتحقيق. وعلى الرغم من ذلك لم يكن التحقيق من الواجبات الأساسية لرجال الشرطة، والتحقيق الذي تقوم به الشرطة ليس ملزما لقضاة التحقيق ان اقتنعوا اخذوا به وان لم يقتنعوا رموه جانبا. ما لم يكن رجل الشرطة يملك سلطة (محقق) والتي تمنح من وزارة العدل لمن يملك شهادة القانون او إذا صدر له امر من قاضي التحقيق او إذا خشي هروب المتهم. غير ان الألاف من ضباط ومفوضي الشرطة لا يملكون سلطة (محقق)، ولا يستطيعون تحليف الشاهد اليمين القانوني. وذلك ما يؤدي لفقدان الشهادة لأحد اهم أركانها وفقدانها لقيمتها القانونية.
ويعتبر رجل الشرطة واحدا من أعضاء الضبط القضائي الذين حددهم قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 33 لسنة 1971 في المادة 39 منه الفقرة (1)"1-ضباط الشرطة ومأمورو المراكز والمفوضون "اسوة بمختار المحلة ومدير محطة السكك الحديد ورئيس الدائرة والأشخاص المكلفون بخدمة عامة الممنوحون سلطة التحري عن الجرائم.
هؤلاء يقومون بأعمالهم تحت اشراف الادعاء العام ويخضعون لرقابة قاضي التحقيق وفي المادتين 49 و50 من قانون الأصول، الزم المسؤول في مركز الشرطة على تلقي الاخبار عن الجرائم (الجنايات والجنح)، وان يدون اقوال المخبر ويأخذ توقيعه على الأوراق ويرسل تقريرا الى قاضي التحقيق او المحقق. وفي المادة (50) يلزم المسؤول في مركز الشرطة بالتحقيق في أي جريمة، عند صدور امر من قاضي التحقيق او المحقق، او إذا اعتقد ان إحالة المخبر على القاضي تضيع معالم الجريمة. وفي هذه الحالة عليه عرض الأوراق حالا على قاضي التحقيق او المحقق بعد اكمالها، ومُنح المسؤول في مركز الشرطة سلطة محقق في المادتين (49،50). وقد خلى قانون وزارة الداخلية رقم20 لسنة 2016 من عبارة التحقيق في الجرائم وابتدأ بالحيلولة دون ارتكاب الجرائم وهذا هو واجب الشرطة الأساسي في منع وقوع الجرائم. كما ان المادة (51) من أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (23 لسنة 1971)، حددت من يتولى التحقيق الابتدائي بأنهم "حكام التحقيق(القضاة) والمحققون تحت اشراف قضاة التحقيق، وان حاكم التحقيق (القاضي) يقوم بالتحقيق بنفسه او بواسطة المحققين، وله ان ينيب أحد أعضاء الضبط القضائي لاتخاذ اجراء معين (م52 ف أ أصول). كما ان استمرار ممارسة الشرطة للتحقيق يحصل تداخل بين السلطتين التنفيذية والقضائية وذلك يخالف نصوص الدستور الذي تناول في المادة (47) الفصل بين السلطات.
فالتحقيق يبقى من واجبات وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى، اما واجبات الشرطة فهي:
1- الواجبات الأساسية جميع التدابير المتخذة للحفاظ على النظام العام بعناصره الثلاث (الامن العام، السكينة العامة، الصحة العامة) ويتحقق الامن العام بمنع وقوع الجرائم.
2- الواجبات التنفيذية: ما تقوم به الشرطة من واجبات تنفيذا لأحكام القوانين التي تنص عليها.
3- الواجبات المسلكية: وتتعلق بإدارة شؤون الشرطة وتدريبها وادارتها وقيادتها ...الخ.
4- الواجبات العدلية او القضائية: (الضابطة القضائية او العدلية) وتشمل كل الاعمال التي تقوم بها الشرطة وتصب في مصلحة القضاء اعتبارا من اجراء التحقيق الى تسجيل الاخبارات واجراء الكشف والتفتيش ...الخ. وهي من الواجبات الإضافية.
5- الواجبات الأخرى: عدا ما تم ذكره (الضابطة الاجتماعية).
وقد برز العديد من محققي الشرطة من الضباط، المشار لهم بالبنان، ومنهم الشهيد اللواء المحقق عبد المحسن عبد السادة مساعد وزير الداخلية لشؤون الاستخبارات واستفيد من خبرته في تركيا والجزائر (اغتيل في الدورة عام 2005)، والشهيد اللواء طارق عبد لفتة (خطف في الجادرية وألقيت جثته في مدينة الحرية عام 2007)، والشهيد العميد المحقق إبراهيم خماس (اغتيل في منطقة الزعفرانية 2003). وقد كشفوا المئات من الجرائم الغامضة، وكان معظم عملهم في مديرية مكافحة الاجرام.
وفي أحد المؤتمرات المشتركة بين ضباط الداخلية ومحققي وقضاة وزارة العدل بحضور وزيري الداخلية والعدل قبل عام 1990، طلب وزير الداخلية بوقته من وزير العدل ان يسحب التحقيق (الذي هومن اختصاص وزارتهم) من مراكز الشرطة ويحصره لدى وزارة العدل ومحققيها وقضاتها لان التحقيق أدى الى افساد ضباط الشرطة وتركهم واجباتهم في منع الجريمة والتركيز على التحقيق في الجرائم وتعرضهم لمغريات الفساد والرشى، والدعارة وحدد له موعدا عند نهاية العام. وتعرّض الكثير منهم للمسالة والمحاسبة والاتهامات والتضحية بمستقبلهم.
ورغم مرور هذه الفترة الطويلة لا زال التحقيق مركّزا في مراكز الشرطة المثقلة بالتحقيق بألاف الاضابير التحقيقية ومتابعتها وهذا ما يلهيها عن الإجراءات الوقائية المانعة للجريمة كالدوريات والكمائن والقبض وجمع المعلومات...الخ، ولا زالت وزارة العدل لا تعامل محققي الشرطة اسوة بمحققيها وتعتبرهم من أعضاء الضبط القضائي. على الرغم من كشفهم لنسبة كبيرة من الجرائم واقتصار دور القضاء على تصديق الاقوال (تليت عليه فأيدها محلفا للشاهد وبدون تحليف للمتهم).
وقد عملت كضابط تحقيق في مراكز شرطة ميدان وكنعان والعظيم وخان بني سعد في محافظة ديالى سابقا، وكنت أقوم بالتحقيق والقبض والتفتيش وتدوين اعترافات المتهمين، واقوال الشهود وتنظيم محاضر الكشف على محل الحادث وإجراءات التشخيص ثم اُسَيرهم الى قاضي التحقيق لتصديق اقوالهم. ولم يتغير شيء، رغم مرور عقودا من الزمن. ولا بد ان يضع مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل ووزارة الداخلية في أهدافها الاستراتيجية استلام ملف التحقيق من الشرطة، خاصة وهنالك الالاف من خريجي كليات القانون يشكون البطالة والأخرين يعملون كمحامين، ويمكن تعينهم كمحققين لدى الجهات المذكورة، مع انشاء البنى التحتية اللازمة لتولي هذه المهمة. وبذلك نؤمن انتقال ملف التحقيق من وزارة الداخلية الى حيث مكانه القانوني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرارة الجو ..أزمة جديدة تفاقم معاناة النازحين بغزة| #مراسلو_


.. ميقاتي: نرفض أن يتحول لبنان إلى وطن بديل ونطالب بمعالجة ملف




.. شاهد: اشتباكات واعتقالات.. الشرطة تحتشد قرب مخيم احتجاج مؤيد


.. رغم أوامر الفض والاعتقالات.. اتساع رقعة احتجاجات الجامعات ال




.. بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين تمهيداً لترحيلهم إلى رواندا