الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حياة العرب الفكرية في ظلال العصر العثماني

صبري فوزي أبوحسين

2023 / 4 / 7
الادب والفن


عاش العرب في ظلال الخلافة العثمانية منذ (922)هـ، أثر زوال حكم سلاطين المماليك، وظلوا تحت حكمهم حتى خلافة السلطان سليم الثالث، السلطان الثامن والعشرين من السلاطين العثمانيين، التي شهدت استيلاء الفرنسيين على بلاد الشام ومصر (1213)هـ.
وقد وقف المؤرخون في الحكم على فكر هذا العصر وأدبه، موقفين: موقف غير موضوعي، يحكم على العصر بالجمود التام في كل مجالات الحياة! والسبب في حكمهم هذا أعجمية الحكام العثمانيين، وفرضهم سياسة التتريك على البلاد العربية.
وموقف موضوعي، يرفض تعميم الحكم بالجمود على العصر كله الذي استمر ثلاثة قرون تقريباً، فهذا الاتهام عند بحثه بحثا موضوعيا في المصادر الفكرية والأدبية في هذا العصر نجده غير مقبول على إطلاقه ويحتاج إلى الكثير من التفصيل.
فالبلاد العربية في هذا العصر شهدت منذ مطلعه حتى النصف الأول من القرن(12) هـ, ثباتا ومحافظة على الحالة الفكرية التي وجدت في العصر المملوكي, حيث الاتجاه نحو تأليف الموسوعات القيمة والإكثار من الشروح والحواشي والتزام العربية الفصيحة النقية من كل ما هو أعجمي، أو عامي تقريباً، والاتجاه نحو الموضوعات الذاتية والاجتماعية والإنسانية والاهتمام بالطبيعة في الإبداع الأدبي.

- إن العثمـانيين لا يختلفون في تاريخنا العربي عن العناصر الحاكمة السابقة. وقد شهدت البلاد العربية في عهودهم تطورا واستقرار في الفكر العربي والحضارة الإسلامية.
وها هي ذي دلائل على تلك الحقيقة عن حال الفكر والأدب في خلال حكم العثمانيين.

- أن الدولة العـربية استطاعت أن تجد شيئا من الهدوء والاستقرار في عهد سلاطين القرن الحادي عشر الهجري, مما مكن العلماء والأدباء من الرحلة بين أقطارها, والتلقي عن شيوخها, والإفادة مما أتاح للعلم والعلماء ازدهارا عظيما ونهضة شاملة. لعل أكبر دليل عليها تصفح تراث الشهاب الخفاجي, والمحبي, خصوصا في كتابه "خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر", وابن معصوم المكي. فيها النتاج الفكري والأدبي المتميز, الذي لا يقل روعته عن نتاج السابقين واللاحقين.

- أن الحكـام كانوا يستخدمون اللغة العربية في رسائلهم, من ذلك رسالة السلطان سليمان العثماني إلى فرنسيس الأول : " أنا سلطان السلاطين وبرهان الخواقين متوج الملوك ظل الله في الأرضين...".
كان السلاطين يعرفون اللغة العربية, وكانت هي اللغة الرسمية السائدة للدولة, بل كان بعضهم مائلا إلى الأدب والمحاضرات, وله شعر بالتركية, وشعر بالعربية, منهم السلطان أحمد بن محمد(ت 1026هـ), وعبد الحميد خان بن السلطان أحمد خان الذي نظم قصيدة نبوية صوفية النزعة, نقشت على الحجرة النبوية الشريفة (1191هـ), منها قوله:
يا سيدي يا رســول الله خذ بيدي ما لي سواك ولا ألـوي على أحد
يا من تفجــرت الأنهـار نابعــة من إصبعيـه فروى الجيش بالمدد
كن لي شفيعا إلى الرحمن من زللـي وامنن علـي بما لا كان في خـلدي

- وجـود طبقة من العلماء الأعاجم الذين أتقنوا العربية وألفوا بها منهم القاضي طاشكبري زاده. صاحب موسوعة (( أبجد العلوم)) وحاجي خليفة صاحب ((كشف الظنون في أسامي الكتب والفنون)). وإسماعيل باشا البغدادي صاحب(( هداية العارفين عن أسامي الكتب والفنون)). والأمير المنجكي الشركي صاحب ((الشعر العربي الرائق)).

- الاعتـزاز بالعروبة والعربية, يقول البوريني(963-1024هـ):
تعلمت لفـظ الأعجـمي وإنــني مـن العـرب العـرباء لا أتكتـم
وإن كنت بين المعجميـن فمعـرب وإن كنـت بين المعربين فمعجـم
فهو يعلن صراحة أنه عربي محض، ولا يستر ذلك.

ولم يقتصر الاعتزاز بالعروبة على ذلك العالم الشاعر العربي, بل آمن بقدسيتها غير العرب مثل عبد الرحمن التركماني, جامع ديوان الشاعر الخال الطالوي (ت1117 هـ)، والذي يقول في مقدمته: (( ....وفضل العرب على العجم، إذا أنزل القرآن الكريم بلغتهم العظيمة، فيا لها من منقبة من الغفور الودود، وجعل أهل الفضل والأدب أمناء على لسان العرب)).
- أثـرت اللغة العـربية في اللغة العثمانية, إذ أخذت منها كلمات كثيرة, كما حذا الشعراء العثمانيون حذو الشعراء العرب, وقلدوهم في منظوماتهم الشعرية في مختلف أنواعها. كما كتبت اللغة العثمانية بالحروف العربية, وجعلت قواعدها وعروضها طبقا للقواعد العربية والعروض العربي, مع تغيير فرعي يسير, حتى صارت هذه اللغة مزيجا من العربية والفارسية والتركية.

- كما بـرز خطاطون مشهورون من الأتراك العثمانيين أمثال سامي أفندي, وكتبوا المصاحف بخط رائع, كما زخرفوا العمائر التركية بكتابات عربية رائعة معظمها من آيات القرآن الكريم.

- هذا إضـافة إلى أن نصف عدد المخطوطات المحفوظة في المكتبات التركية, ومجموعها مائتان وخمسون ألف مخطوطة باللغة العربية.

لقد أزاحـت اللغة العربية أمامها في أول انتشارها اللغات المحلية,التي كان يتحدث بها شعب مقدونيا وقوصوي، بحيث لم تمض فترة وجيزة على الفتوح، حتى تصير اللغة العربية اللغة العامة في البلاد التي تم فتحها. وذلك بسبب قدسية العربية وسيطرة النزعة الدينية على المسلمين حينئذ. فنرى عددا كبيرا من الألفاظ ذات أصول عربية النجار، في لغات هذه البلاد التركية والأوروبية.....

وهكذا يتضح تهاوي الزعم القائل بأن الحكام العثمانيين كانوا أعاجم لا يغرفون العربية, ولا يقدرونها, ولا يقدرون أهلها, لقد كانت حية موجودة في دنيا التأليف والإبداع والمشافهة, واكبر دليل على ذلك كثرة الأدباء وتنوع اتجاهاتهم، وكثرة التأليف والمؤلفين في هذا العصر, خصوصا في مجال الموسوعات والشروح والحواشي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??