الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المفكر الموسوعي عبدالغفار مكاوي

فهد المضحكي

2023 / 4 / 8
سيرة ذاتية


يُعد الدكتور عبدالغفار مكاوي التنويري أحد أبرز أساتذة الفلسفة في العالم العربي، أثرى الحياة الثقافية بترجماته ومؤلفاته، إذ عدّه الكثيرون أفضل من ترجم من اللغة الألمانية إلى العربية، فقد حصل على الدكتوراه في الفلسفة والأدب الألماني الحديث من جامعة فرايبوخ عام 1962 وترجم أهم أعمال «كانت» و«هيدجر». مكاوي المنشغل بالبحث في تيارات ومذاهب الأدب والفلسفة في الغرب سُئل ذات يوم: من هو الإنسان؟ فأجاب: الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يقاوم الموت بكل أشكاله، وهو الإنسان الذي يواجهه الموت بكل أشكاله المختلفة، ويؤكد مجد الحياة والعقل والحرية لما يبنيه من حضارة وما يبدعه من فن وأدب، وكأنه كائن يتحدى الموت دائمًا، وكانه يقول للوجود: إذا كنت سأنتهي للعدم ولكنني لست عدمًا، وسأترك ما يدل على وجودي. كتب أستاذ الفلسفة د. محمود محمد علي أن مكاوي (1930-2012) كان يؤكد دائمًا أنه لا يترجم إلا نصوصًا أثرت في وجدانه وأحبها، وكان شديد الإيمان بأن الترجمة هدفها الأساسي والوحيد هو المعرفة، ولا يمكن تذوق نص أدبي إلا في لغته الأصلية مهما كانت قيمة الترجمة، فهي في النهاية لا يمكن أن تصل إلى المفهوم المحدد للنص إلا إذا وُضع في سياقه. تعددت اهتمامات عبدالغفار مكاوي ما بين كتابة القصة القصيرة والنقد والمسرح، وكتب أكثر من كتاب في مجال الفكر مثل «مدرسة الحكمة»، و«نداء الحقيقة»، و«لِم الفلسفة»، وكان له دور بارز في مجال الترجمة فترجم «ملحمة جلجامش» عن اللغة الألمانية، و«الرسالة السابعة لأفلاطون»، و«دعوة الفلسفة»، وأسهم في تحرير مجلتي المجلة والفكر المعاصر. بدأ مكاوي حياته شاعرًا، وذلك خلال دراسته في المدرسة الابتدائية في مسقط رأسه «بلقاس»، وهي مدينة تتبع محافظة الدقهلية، وأيضًا بعد انتقاله إلى المدرسة الثانوية في طنطا، وفي القاهرة قرر التوقف عن كتابة الشعر والاتجاه لكتابه القصة القصيرة. وعن اختياره الدراسة في قسم الفلسفة يقول مكاوي: «كان المفترض أن ألتحق بقسم اللغة العربية أو الإنجليزية أو الفرنسية، ولكن الفضل يرجع الى الدكتور عبدالعزيز المليجي الذي درس لي الفلسفة في المرحلة الثانوية، فقد بهرني وسحرني في قدرته على توصيل رسالته. وقي تلك المرحلة بدأت علاقة حميمة بيني وبين أفلاطون حين قرأت المحاورات، فقد كان شاعرًا أكثر منه منظرًا، وهو من الأدباء الفلاسفة، ويقوم في داخله صراع بين المنطق والأسطورة، وبين الفلسفة والفن، وفي النهاية عبر عن نفسه في شكل محاورات، وكما قال شيشرون: إن هذه المحاورات كانت تُمثل في العصور الوسطى على خشبة المسرح. ولم أندم على دخولي قسم الفلسفة فقد درس لي زكي نجيب محمود، ويوسف مراد، ومصطفى حلمي، وأحمد فؤاد الأهواني، وعبدالرحمن بدوي».

كان «عبدالغفار مكاوي» ينطر لنفسه في مرحلته المتأخرة بأنه أديب أكثر من كونه مشتغلًا بالفلسفة، وكان يعتبر إنتاجه الأدبي الجزء الأعز بالنسبة له من بين كل أعماله، ومن ترجماته الفلسفية «نداء الحقيقة لمارتن هيدجر»، و«مقدمة لكل ميتافيزيقا مقبله تريد أن تصبح علمًا» لكانت، ومقدمة كتاب «نقد العقل الخالص»، لكانت أيضًا. كان مكاوي عاشقًا للعلم والحكمة، فهو أولى بها، إذ ينتمي إلى جيل في الجمعية الأدبية المصرية، وكان من أعضائها فاروق خورشيد، وعبدالرحمن فهمي، وعز الدين إسماعيل، وأحمد كمال زكي، وشكري عياد، وعبدالعزيز الأهواني، ورغم تخصصه في الفلسفة الغربية على كثر تياراتها ومذاهبها، فإنه اهتم بالفلسفة الشرقية لمصر القديمة ووادي الرافدين والسومريين والبابليين والآشوريين، وكان مثله الأعلى في ذلك أستاذه الدكتور عبدالرحمن بدوي، الذي كان يتقن أكثر من لغة قديمة، وفي رأيه أن المثقف الحقيقي يجب أن يكون له اهتمامات جانبية مثل الآداب والعلوم، وكان يحاور تلاميذه بلغة الأدب ويشرح لهم أعمق الموضوعات بطريقة مبسطة جدًا، وكان مغرمًا بالكلاسيكيات سواء في التراث العربي أو التراث الإنساني، وقد التمس الحكمة في الحضارة الصينية التي يعدّها أمة غامضة، وترجم كتاب «الطريق والفضيلة»، وكتابه «تجارب فلسفية» جمع فيه بعض المقالات التي كانت مشتتة، تحت عنوان «فلسفة الحياة» لأنها نابعة من الحياة، كما تعيشها ونكابدها كل يوم. كما انتقد عبدالغفار مكاويط سيطرة قيم المنفعة والمصلحة، بعيدًا عن معايشة الأسرار والأعماق والمنابع الحقيقية للحياة في تراثنا، وهي فلسفة كان على رأسها برجسون الفرنسي، وكان يرى أن مصطلح «صراع الحضارات» مفهوم استعماري خاطئ، قصد به مصلحة أمريكا والصهيونية، واستثمر في العراق في أسوأ صوره على حساب الشعب العراقي، وربما يجرّب في بلاد عربية أخرى، هذا المفهوم وراءه أجهزة الاستخبارات الغربية، ويعتبر صمويل هنتنجتون عالمًا مزيفًا لأنه يغالط في الحقائق وفي معلوماته عن الفكر الشرقي سواء كان عربيًا إسلاميًا، أو شرقيًا صينيًا، فهو مدسوس، والمخابرات الأمريكية تعمل بكتابه «صراع الحضارات»، فهناك تعاون دائم بين الحضارات، بين السومريين جنوب العراق، وبين المصريين القدماء، وهم اكشفوا الكتابة في وقت واحد تقريبًا ولم يكن هذا مصادفة.

يرى مكاوي أن البداية الحقيقية لمستقبل الثقافة العربية أن تؤمن بضرورة الثقافة، وأنها مسؤوليتنا جميعًا، وليست ديكورًا أو ضوضاء ومؤتمرات كما يقولون ويفعلون. وأيضًا هي عطش وجوع حقيقيان للحرية والعدل. والثقافة هي طوق النجاة الوحيد. هذا ما أشار إليه الكاتب والروائي محمد بركة في جريدة الأهرام. أما فيما يتعلق بالشعر، يُعد كتاب «ثورة الشعر الحديث» - الذي استغرق حوالي ست سنوات من العمل المضني - مشروع مكاوي الأكبر، فلم يقم مكاوي بالترجمة الحرفية في هذا المشروع. وقد صدرت الطبعة الثانية من هذا الكتاب بعنوان «ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحديث» كما قامت الهئية العامة لقصور الثقافة بنشره. ومن خلال مقدمة الكتاب يمكن التعرف إلى الدوافع والأهداف المرتبطة بهذا السفر الضخم الذي جاوزت صفحاته الستمائة. يقول مكاوي في هذه المقدمة: فأما عن الاختيار فقد التزمت بفترة زمنية محددة لا تتجاوز منتصف القرن العشرين، كما تقيدت بمجال معيّن لا يتجاوز الآداب الفرنسية والإسبانية والإيطالية والألمانية، والكتاب لا يفكر في تقديم لوحة شاملة أو بانوراما تضم كل أعلامه، مثل هذه المحاولة تخرج عن هذا الكتاب، ثم إنها تفوق قدرة إنسان واحد وحياته، ولذلك اكتفيت من الشعراء الثلاثة الكبار: (بودلير) و(رامبو) و(مالارميه) بالنصوص الواردة في متن الدراسة، ثم أضفت إليها في المختارات بعض قصائد من (فيرلين)، حتى تتم صورة هؤلاء الأربعة الكبار وحتى تكون المختارات تطبيقًا للمبادئ النظرية التي يعالجها الجزء الخاص بالدراسة. فالكتاب لم يستند إلى الترجمة وحدها، وإنما تداخلت معها عناصر أخرى مثل الفكر النقدي والاختيار المنهجي والقدرة على الربط بين ما هو تنظيري وما هو تطبيقي والذوق الخاص للمترجم والمؤلف.

في كتابه «جذور الاستبداد - قراءة في أدب قديم»، يشير مكاوي إلى أن الهدف من تأليفه هذا الكتاب يتلخص في أمرين: قراءة نصوص أدب الحكمة البابلية قراءة تقربها للقارئ المعاصر وتكشف له عن أعماقها الدفينة التي تراكمت عليها (طبقات) تاريخ طويل من نظم الحكم والقيم والمعرفة والوعي على مدى ثلاثة آلاف سنة أو يزيد، والنظر في جذور «اللاحرية» والظلم والقهر الذي عاناه أبناء حضاراتنا القديمة ولم تزل ظلاله وأصداؤه المعتمة تتردد حتى اليوم في صرخات الشكوى والشك والأنين التي تنبعث من تلك النصوص. وبرأيه، تأتي أعوص المشكلات التي تواجه من يتصدى لدراسة الماضي القديم تمهيدا لفهمه وتفسيره بالنسبة لمن يعيش في الحاضر ويتطلع إلى المستقبل. ولكن هل المشكلة هنا تتعلق بمعرفة الماضي في حد ذاته، أم بكون معرفتنا به وبأدق تفصيلاته غير كافية، ولا تساعد على محاولة تفسيره. في حين يعتقد أن من الواجب أن نبتعد في كل الأحوال عن تقديس الماضي وعبادته، أو الزهو به «وإن كان الزهو بالتراث وأمجاده حقًا مشروعًا تلجأ إليه الشعوب في أوقات الشدائد». فالتاريخ نفسه موجود، والاهتمام بالماضي ودراسته وإحياؤه جزء من إنسانية الإنسان ومن تكوين شعوره وشخصيته. لقد عاش عبدالغفار مكاوي في هدوء، بعيدًا عن الإعلام، إنه الأكاديمي والباحث والمفكر والناقد والأديب والمترجم، الذي وهب حياته للعلم، كان يرى أن الترجمة هي الخطوة الأولى على الطريق لما يسمى بالأدب العالمي، لا بد من تمثلها واستيعابها حتى تصبح جزءًا من تكوين الوجدان الثقافي العربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تناور.. «فرصة أخيرة» للهدنة أو غزو رفح


.. فيديو يوثق اعتداء جنود الاحتلال بالضرب على صحفي عند باب الأس




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات القصف الإسرائيلي في جميع مدن ق


.. حماس: تسلمنا المقترح الإسرائيلي وندرسه




.. طالب يؤدي صلاته وهو مكبل اليدين بعدما اعتقلته الشرطة الأميرك