الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرة حياة نبي... ج3

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 4 / 8
سيرة ذاتية


نقشت على باب دارتي الموحشة من قلة من يطرقها (ليس عيبا أنني أدركت جهلي فبدأت أتعلم مثل طفل يحبو على الأرض لأول مرة، العيب أن أبقى قعيد مكاني أتفرج كيف يمشي الأخرون)، فقد عرفت بعد حين من الغرور والجهل أن الله عندما لا يكلمنا لا يريد من ذلك خبر، ولا يطلب منا عتب، بل كل ما أراد أن يقول "يا عبدي كن مثلي" صنعت الأكوان ودبرت الأمور وجعلت القدرة عنوانا بلا صوت غير صوت الكمال وصورة التمام، بلا نقص ولا زحام، فكن أنت يا عبدي على المرام صامت بعمل ومبدع بلا كلام.. فعدت للصمت من جديد ورافعة راية (حي على خير العمل).
عزلت نفسي عن نفسي وقدمت عقلي على منطقي ولساني معقود عن طلب اللذات، أو الثرثرة لقتل الأوقات وأفرغت كل ما يولد في رأس على قراطيس سفري، حرفا بعد حرف، كلمة إثر أخرى، جملة تلد جملة وبدأت أراقب هذه المواليد، حتى الضعيف منا أطيبه ليكون قويا مع غيره، من يحتاج ليد أمد له عشرا، فيبدوا أبن اليوم أجمل من أبن الأمس وكلهم أولادي، لكنني أرعى الجميع وأود الجميع وأفخر بالأول لأنه سر ما في الأخير... تماما كمالا أبتغي وهو من صنف المحال.
الأنبياء ليسوا حقيقة أبناء الله وليس لهم ولا عندهم مفاتيح أسرار الكون خلافا للعدل الرباني المطلق، بقدر ما ملكوا مفاتيح عقولهم الحقيقة فأطلعوا عليها إطلاع الواعي، وأدركوا أن حقائق التكوين ليست معاجز تلف العقول الساكنة فتغمرها بالدهشة والذهول، بل كل ما كلن في الكون أو يكون يفسر بعضه بعضا، الشمس بنورها أعطت للقمر قيمة الضياء، ولولا وجودها لم نرى القمر، ولولا وجود القمر لم نكتشف قانون النور والإضاءة، فالأول علة للثاني والثاني من يكشف لنا دلالة العلة والمعلول، هكذا أستلموا وحيهم من رب العلى، لا حظ فوق المعتاد ولا نصيب يفضل، بل فرصة فهم وأكتشاف.
وعرفت أن قصة النبوة هي قصة العقل حين يسبق الزمن ويتشاطر عليه,
وعرفت أن الإنسان عندما يتخلص من حدود زمنه ويتحرر من سطوة مكانه ويسافر في عقل التكوين، سيخترف السماوات وبنفذ من أقطارها وهو ثابت لا تهزه الحقائق، بل تدفع به بقوة للأمام حتى يصل درجة الأعتصام المانع والعصمة الممنوعة لبشر مان أكثر شيء جدلا.
وعرفت من مصاحبة الأنبياء كلهم من آدم أبي الأول وحتى أخر الفانين، أن الحياة مدرسة فقط تعلمك وتعطيك سلطة التقرير، أنت حر فيها كيف تسير يسميك السائرون، ماشي مهرول راكض أو ربما يسموك المقعد العاجز، وفي الأخر تجبرهم أن يدسوك في حفرة النهاية لترجع لنقطة البداية، لا أنت أخترتها ولا هي أختارتك، لكن قانون أهلك ومن أواك قرر ذلك، فلا تك طاغ ولا باغ ولا سائقا بلا بلاغ.
كما أدركت من خلال قراءة رسالتي للناس، أني أول المحتاجين لها ولما فيها، وأن الأنبياء كانوا أكثر الناس إدراكا لنقصهم، فأكملوا أولا قبل أن يكلموا الناس، فالناقص لا يجبر ناقص مثله بل يزيده نصبا وخسارة، فعكفت أبحث في كل شيء مني، كل طارئة وسائحة وسانحة ومثلبة، وما زلت أطارد أخطائي لأستعبدها، وأذلها لتقويم روحي القوامة بالتقويم وأرشد نفسي بالتقسيم، فالأبيض في غير موضعه أسود، والأسود في غير مكانه أبيض مشوه لا يقيم ولا يستقيم,
عند خط البداية الجديد عرفت من أنا، أنا من هو أنا ولو كنت غير ذلك ما كنت أنا، أنا القائم بأمري لذات أمري، التارك لهوى الناس وغبتهم وجمعهم، فعشت منفردا على أطراف ما يجمعون ويجتمعون بحسره ما فرطوا وأفرطوا وتفارطوا شعبا وصفوف وجماعات لا يجمعهم إلا أسم البشر، وحيدا أغني للوجود أجمل مواويل الطين وأناشيد الماء وبيدي كتاب الحياة.... وصرخت في وجههم يا أيها الناس "أنا النبي الذي لم يبعثه إله ولا يرغب به العباد ومع ذلك ما زلت أقص لكم قصص الخليقة وقوانين الأشياء"... فهل من مدكر، انا ابن علي عباس.
هذا ما يقلقني حقا أن لا يتهمني أحد بالجنون في زمن العاقل فيه نكره.... وبلسان عربي أقول للذين يزدرئون النبوة في كل وقت وفي أي مكان، القلق ممكن ومشروع دوما طالما أننا ننتظر، ليس فقط بما يقتل به المنتظرين على حدائق الوهم البعيدة... لكن فعله الذي يجرنا لمساحات بلا حدود من أمال تنتعش لتموت.. ثم تموت لتحيا في حروف سطرها في غفلة من ثمالة خيالية بلا كأس خمر ولا صوت لرائحة الفناء ..كما تخبرنا الصحف الأولى صحف قابيل وهابيل...
هكذا بدأت...
وما زلت أمشي في طريق أسوي مائله وأفرشه للسائرين من بعدي على مهل ليكون درب أنبياء قادمون يرمقون الوجود بنظره فيستخرجون معادلات كانت في خزائن الغيب من بها الله عليهم، ليكونوا وطنا للتائهين.
وما زلت ... كما كنت.... أمارس طبيعيتي وإنسانيتي بلا خداع، ولا ألبس لباس الملائكة ولا أزدري الشياطين، فكلنا تركيبة كيميائية وفيزيائية يحرص الله على أن تعمل وفق قانون "كن كما كنت لتكون كما يريد الرب".
فلا غيرت قوانين راسخة ولا أحدثت نظم ناسخه، وظيفتي الآن أن أرفع الحجارة عن طريق المارة، الذين لا يدركون أن حجارة ما قد تقتل، وحجارة أخرى فيها حياة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد رد حماس.. انفراجة في مساعي التهدئة| #غرفة_الأخبار


.. للمرة الأولى من 6 سنوات.. برزاني يجري مباحثات في بغداد| #غرف




.. رويترز عن مسؤول بالبيت الأبيض: مباحثات أمريكية فرنسية لاستعا


.. بريطانيا.. ماذا تعرف عن كير ستارمر؟ وماذا سيفعل حزبه بعد الف




.. نشطاء يرفعون علم فلسطين على جسر فولاهاف لوقف الإبادة