الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب شمس الرجاء (14) --- الفصل الثاني عشر --- القصة الثانية عشر: رجاء المتروكين

توماس برنابا

2023 / 4 / 8
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


- يا أستاذ أمجد، أنت الصديق المُقرب لسعيد زوجي في الغربة.. من فضلك قل لي؛ أين سعيد؟ لقد انقطعت أخباره منذ ثلاث أشهر.. طمأنني أرجوك.. هل حدث له مكروه؟

كان سعيد قد حصل على عقد عمل مع اثنين من أصدقائه لصالح شركة هولندية تُصنع الأدوات الصحية المنزلية ومستلزمات السباكة منذ أكثر من عامين.. كان سعيد يرسل لزوجته عفاف بإنتظام مبلغ 250 يورو شهريًا لتقتات منه مع ابنيها.. ومنذ ثلاث أشهر وهي لا تدري عنه أي شيء.. لقد انقطع عن الحديث معها عبر تطبيق Messenger للفيسبوك، وأيضًا لم يُرسل لها أي نقود في خلال هذه الأشهر الثلاث المنصرمة..

- قلت لكِ أنه بخير وفي أحسن صحة وحال..

- لكن لماذا لا يتصل بي؟ لماذا لا يُرسل لي مالًا؟ نحن في أشد الحاجة إلى المال، فعليّ إيجار للشقة، والمصاريف المدرسية، والمصاريف اليومية المعتادة.. أَنسى زوجته وولديه؟!

- لا يا سيدة عفاف، كل ما في الأمر أن سعيد يعيش حياته الآن على أكمل وجه!

- كيف هو هذا الوجه الأكمل الذي تتحدث عنه دون زوجته وولديه؟ أتريد أن تقول أن أخلاقه في الغربة قد فَسدت؟

- نعم هذا ما أردت أن أقوله، بل وأكثر! وقد أكد لي هو شخصيًا أنك حينما تسألينني عنه – لأنك تفعلين ذلك دائمًا حينما يتوقف عن الإتصال بك – أن أخبرك أنه لن يرجع لمصر أبدًا! ولا يُريد أن تستمر علاقته بك!

- وولديه؟ أيتخلىّ عنهما بهذه البساطة؟ وأنا الذي انتظرته كل هذه الشهور لأربي ولديه، صابرة وحدي على هذا العناء حتى يُحقق هو نفسه في الغربة، ليأتي ويبدأ مشروعه الخاص الذي كان يحلم به.. أنا من تركت أهلي لأتزوجه، فقد كانوا غير راضين أن أتزوج بسباك، وأنا خريجة كلية الخدمة الاجتماعية!

- أنا أسف يا سيدة عفاف.. ولكنها الحقيقة ويمكنك التأكد من صدق كلامي من صديقنا أشرف..

- لا عليك يا أستاذ أمجد.. وشكرًا لك! لقد أزعجتك كثيرًا الشهرين السابقين حتى أجبت على إتصالاتي أخيرًا اليوم بعد العديد من المحاولات..

ولكنني أريد أن تُرسل له رسالة وهي؛ "خائن أهله، من هجر زوجته وأولاده، لا يمكن أن يحصد سوى الهجر واليأس والشقاء!" أما أنا فسأكافح وأعمل وأعيل ولديَّ ولن أحتاج إليه أبدًا! وطلاقنا الرسمي سيكون قريبًا إن شاء الله..

*****

قرأ مدحت هذه القصة وتعجب كثيرًا من اختلاف طبائع البشر.. فهناك من يتمنى زوجة، وهناك من يتمنى أن يُرزق حتى بطفل واحد فقط! وهذا الرجل، حتى يستمتع بحياته خارج مصر، يترك زوجته وطفليه! ياله من زمن هذا الذي نعيش فيه!

بعد قراءته لهذه القصة، ذهب مدحت لغرفته ليبدأ في قراءة بعض المراجع في تدريس اللغة الإنجليزية ليستعد للعام الدراسي الجديد.. وحينما حل المساء ودق جرس المنبه على الساعة السابعة، كما ضبطه مدحت على ميعاد حواره مع الأستاذ نشأت، قام مُسرعًا إلى جهاز الكومبيوتر ليجد الأستاذ نشأت نشطًا وفي إنتظاره ودار بينهما هذا الحوار:


حوار الليلة الثالثة عشر


- مساء الخير يا أستاذ نشأت

- فَليَسّعَد مساؤك يا صديقي العزيز..

- ما رأيك في قصة اليوم؟

- رائعة كالعادة يا صديقي.. سَلُمت أناملك.. وليطل عمرك لتُسعد قراؤك.. إن نسبة المرأة المُعيلة في مصر تزداد يومًا بعد يوم.. هل هذا يَنُم عن تخلي الشباب عن الإضطلاع بمسؤولياتهم نحو أسرهم أم ماذا حدث في دُنيانا؟

- إنه عصر ندرت فيه الأخلاق يا صديقي مدحت.. حتى أن الناس لتتعجب حينما ترى أخلاقًا أمامها، فقد كانت تراها فقط في الأفلام السينمائية القديمة ذات الأبيض والأسود!

- ما السبب وراء هذا التردي الأخلاقي يا أستاذ نشأت في رأيك؟

- هناك أسباب كثيرة؛ منها أسباب ترجع إلى سوء الأحوال الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية... لكن أهمها وأكثرها تأثيرًا هو انخفاض الوازع الأخلاقي لدى الشباب. هذا الوازع الذي كان لدى أهالينا منذ مائة عام مضت، وكان هذا الوازع ينتصر دائمًا رغم ضنك العيش وضيق ذات اليد ورغم الفاقة بكافة أشكالها ومهما بلغ أوج انتشارها بين فئات المجتمع المختلفة..

في هذه القصة، تخلى الزوج عن واجباته نحو زوجته وطفليه حتى يعيش حياة تخلو من الأخلاق المصرية الأصيلة في أوروبا..

مؤسسة الزواج في مصر مهددة، يا صديقي، بسبب تأثير الغرب وقيمه التي تسببت في فساد وفشل هذه المؤسسة.. هل تعلم أن معدلات الطلاق والإنفصال وصلت لأعلى معدلاتهما في مصر.. وأن نسبة المرأة المصرية المُعيلة وصلت 35% في عام 2019م .. وهذا أمر يستدعي منا الإنتباه والأهتمام..

أنا مع عمل المرأة بجانب الرجل ومساعدتها له في إعالة الأسرة، لكن أن تعمل الزوجة، دون الرجل بسبب بَطالته أو بسبب إنفصاله عنها، لتعيل وحدها الأسرة لهو أمر شاذ عن مجتمعنا المصري، وضد ما عاهدناه من أخلاق متأصلة في وجدان الشعب المصري منذ فجر التاريخ..

أما هذه الزوجة عفاف، فلها رجاء في الحياة ويمكنها أن تواصل حياتها بعيدًا عن هذا الزوج الخائن.. بل يُمكنها أن تتزوج مرة أخرى مَنْ يقدرها هي وولديها.. أو أن تتفرغ لرعاية ولديها، ليكونا هدفًا من أهداف حياتها وتحقيقًا لذاتها..

وأوجه إليك يا صديقي نصيحة؛ حين تنكسر لن يُرممك سوى نفسك، وحين تنهزم لن يُنصرك سوى إرادتك، فقدرتك على الوقوف مرة أخرى لا يملكها أحدًا سواك! فأي مساعدة من الغير لك دون رغبتك في مساعدة نفسك لهي مضاربة للريح بلا أي طائل!


- شكرًا يا صديقي العزيز نشأت.. لقد أفدتني كثيرًا! وما أحلى حديثك! وما أبلغ أثره في نفسي! أشعر وكأنك تنتشلني تدريجيًا من مستنقع وجدت نفسي فيه مُرغمًا.. فبوركت كثيرًا يا صديقي!

والآن جاء وقت أن أطلب منك أن تعطيني لمحة عن القصة التالية..

- ستكون عن شاب هجرته خطيبته بسبب حادثة وقعت له مما تسببت له في إعاقة مستديمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت