الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقوط بغداد ...هزم صدام شعبه فهزمه الامريكان

نسيب عادل حطاب

2023 / 4 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


واحدة من أكبر خطايا العراقيين التي لايمكن أن يلاموا عليها أنهم صدقوا أو بالاحرى أقنعوا أنفسهم من باب قلة الحيلة أن امريكا ستنزع جلدها هذه المرة وتتنكر لكل تاريخها القبيح وتتعامل مع المشكلة العراقية بحرص على أشاعة الديمقراطية و رفع الظلم عن العراقيين ..لقد فكروا هكذا .. بما أن صدام لايمكن أزاحته ألا بتدخل خارجي أذن لا مانع ان يكون الخلاص من ريق الديكتاتورية على يد أمريكا فلا أحد غيرها يستطيع أو يجرأ على أستعمال شرعية القوة لرسم التغيير الذي تسعى اليه في ملعبها الشرق أوسطي وأرغام الاطراف الدولية الاخرى على قبول نتائج هذا التغيير ...ليكن مايكون دعنا نخلص من هذا الكابوس هكذا كان العراقي يحدث نفسه في تلك الايام التي سبقت الغزو . تلاشت حساسية العراقيين من العودة الى عهد الاحتلال الاجنبي وهم الذين ناضلوا بلاهوادة وعانوا كثيرامن أجل الاستقلال والدولة الوطنية .أصبح الهاجس الرئيسي للمواطن العراقي كيف يتخلص من الديكتاتورية ومن حكم هذه العائلة الفاسدة دون الالتفات الى الثمن .لم يستطيع العراقيون أن يميزوا الحدود الفاصلة بين الوطن أوالدولة وبين السلطة. فالديكتاتوريات عموما تختزل هذه الحدود وتصادر الدولة لتلحقها بالسلطة لتكون النتيجة أنهيار الدولة برمتها حالما تحل الهزيمة بالديكتاتورية في أي مواجهة خارجية ومالم تتم هزيمة الديكتاتورية وانجاز التغيير داخليا وعلى يد قوى وحركات وطنية تحرص على المحافظة على الاستقلال السياسي للدولة و عدم المساس بملامحها الوطنية..................................................
في الايام والاسابيع التي سبقت الغزو كانت بغداد تبدو مثل فاتنة مكسورة الجناح مستسلمة لقدرها ومصيرها أدمنت الاسر والاذعان لأرادة مغتصبها وسلطانه الارعن الغبي وأصراره أن يحتكر الدفاع عنها برجولة زائفة لم يكن يمتلكها أصلا .من كان يتجول في بغداد تلك الايام كان لايكاد يرى أي شيء أستثنائي أو تحضيرات وترتيبات دفاعية تتناسب وحجم التهديد وقوة الخصم وكأن النظام كان مطمئنا لنتيجة الحرب ولبقائه في السلطة وهو مايهمه قبل كل شيء . ولآن كل الديكتاتوريين أغبياء وقصيرو النظر مهما بلغت درجة بطشهم فأني أميل للاعتقاد ان صدام كان قد امتلك قناعة مسبقة وتوهم الى حد كبير أن امريكا لن تفرط به ولن تجد أحدا غيره قادرا على التعامل مع الداخل العراقي ولجمه ورسم سياسة العراق وفق رغبتها وتلبية مطالبها واعطائها ماتريد عند الضرورة مثلما يفعل هو . جهله بطريقة عمل السياسة الامريكية و قياساته البدوية ونمط تفكيره دفعه للاعتقاد أن الجيش الامريكي سيتوقف عند أبواب بغداد وستنتهي الحرب بمفاوضات وشروط أمريكية سيقبل بها مهما كانت مجحفة ومذلة مادامت لا تزيحه عن دست السلطة .مثل هذه القناعة التي اّمن بها صدام لم تأت من لاشيءأنما وصل اليها من خلال تاريخ طويل من التعامل المباشر معها وسلسلة من المواقف التي أبدتها أمريكا تجاهه في أوقات سابقة ومنذ السنين الاولى لانقلاب تموز 1968 والتي حرصت فيها على مساندته في مواجهة خصومه السياسيين وتصفيته لهم وترسيخ سلطته رغم كل البروبوغندا والشعارات الفارغة التي كان يرفعها صدام عن معاداة الامبريالية أيدت ذلك التقارير التي كشفت لاحقا عن وجود مركز رسمي للمخابرات الامريكية في بغداد منذ أواخر سبيعينات القرن الماضي .. ثم تأكد هذا الموقف فيما بعد خلال الحرب العراقية الايرانية حيث القت امريكا بكل ثقلها الاستخباري لمساندة صدام في تصدية للمحاولات الايرانية التي استهدفته ونظامه وتكرر ذلك أيضا أبان حرب تحرير الكويت حينما أوقفت أمريكا اندفاعها في العمق العراقي وفسحت له المجال لوأد أنتفاضة أذار وعادت أمريكا مجددا لتوكيد الامر من خلال كشفها لكل المحاولات الانقلابية التي استهدفت صدام لاحقا أبان عقد التسعينات.............................................
حين كنت أبوح له عن عدم اقتناعي بان يتم التغيير خارجيا و امريكيا بالذات كان صديقي المناضل القومي نزيل قصر النهاية السابق والقريب الى نفسي يعقب قائلا .. كفى عسى أن يتم التغيير أسرائيليا وعلى يد شارون نفسه .. أحار في الجواب ويتوقف لساني عن الرد فانا نفسي متحمس لان يتم التغيير حتى لو كان على يد الشيطان نفسه لكن ماذا عن تلك المقدمات الوطنية واليسارية التي نبتت في تفكيرنا وصارت عندنا مسلمات لاتقبل الشك تدعمها الواقع والاحداث أوضحها أن امريكا نفسها هي من مكنت صدام من أن يذل العراقيين الى هذا الحد وهي من مكنت ولاتزال اسرائيل من أضطهاد الفلسطينيين والسلسلة تطول... يبدو انني لست وحيدا في هذه الحيرة فقد كان أخي الكبير يحاول أن يصل الى جواب أعياه مثلما أعياني ..يســألني .. هل انت فرحان للزوال المتوقع للنظام ..!! ليجيب نفسه ويسمعني ..دي أمريكا يابه ... حينها تذكرت ما كان يردده وقاله أحمد فؤاد نجم عقب اتفاقات كامب ديفيد ...ياخوفي من يوم النصر .ترجع سينا وتروح مصر ولسان حالي يقول ..ياخوفي من هذا الغزو يطيرون صدام ويوكلونا حـوّ...................................
... كانت أمريكا تعرف شعور العراقيين جيدا حين وضعت خططها العسكرية و خططت للغزو فقد عملت طوال عقد التسعينات وحتى تاريخ الغزو بجد للوصول الى هذه النتيجة أذ ساهم الحصار الذي أصاب العراقيين بالاملاق والجوع ولم يتضرر منه صدام وعائلته واركان نظامه بتجريد النظام من بقايا حاضنته الشعبية ..بدورها المجازر البشرية التي اعقبت الانتفاضة وأساليب العقاب الجماعي والانتقام الاعمى الذي مارسه النظام أمام أنظار القوات الامريكية وبقبول منها قضت تماما على ماتبقى من أي رصيد للتعاطف معه ... انهيار العملة وارتفاع نسبة التضخم وتفكك الجهاز الاداري وتردي الخدمات البلدية و الصحية والتعليمية وتفشي الرشوة أضعفت بدورها الولاء للنظام . كل هذه العوامل مع الحرص الامريكي على حماية النظام من السقوط حتى اللحظة المناسبة ساعدت الامريكان في القطاف وسهلت لهم مهمتهم في الاحتلال . على ان الملام الاول في كل ذلك هو النظام نفسه فقد ساعد الامريكان على نفسه وعلى شعبه فبدلا من ان يتصالح النظام مع ناسه ومع معارضية من القوى الوطنية و يحول المعركة الى معركة وطنية ومعركة الشعب بأسره وبمختلف أطيافه السياسية والاثنية والطائفية أصر بعقلية البداوة والتخلف على احتكار الدفاع دون ان يتيح حتى لأجهزة الدولة ومؤسستها العسكرية أن تأخذ دورها وتمارس أختصاصها .كان يفضل ان يتعامل مع الامريكان ويعقد صفقة معهم على أن ينفتح على شعبه ويشاركه التدبير... باختصار لقد عمل على تحييد الشعب والجيش واخراجهما من المعادلة ودفع الناس للتفكير بأن هذه المعركة هي معركة النظام وليست معركتهم .... وبظني ان غياب الغيرة والشعور الوطني لدى العراقيين كان هو السقوط الكبير الذي مهد لسقوط بغداد في يدي الغزاة ولكل ماحصل لاحقا وماوصلنا اليه الأن ... مازالت ملامح وصوت ذلك الفلاح الشاب بائع الخضار في اليوم الاول للسقوط وهو يرى الدبابة الامريكية تتموضع في رأس جسر الجادرية في خاطري ..حين علق قائلا بعفوية صادقة ... على عيني أرى هذه الدبابات تحتل وطني دون أن اتصدى لها لكن من أجل ماذا أموت ..أمن أجل عدي.. هكذا باختصار سقطت بغداد . لقد هزم صدام شعبه فهزمه الامريكان..........
وللموضوع تتمة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد قضية -طفل شبرا- الصادمة بمصر.. إليكم ما نعرفه عن -الدارك


.. رئيسي: صمود الحراك الجامعي الغربي سيخلق حالة من الردع الفعال




.. بايدن يتهم الهند واليابان برهاب الأجانب.. فما ردهما؟


.. -كمبيوتر عملاق- يتنبأ بموعد انقراض البشرية: الأرض لن تكون صا




.. آلاف الفلسطينيين يغادرون أطراف رفح باتجاه مناطق في وسط غزة