الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب شمس الرجاء (15) --- الفصل الثالث عشر --- القصة الثالثة عشر: رجاء المنكوبين

توماس برنابا

2023 / 4 / 9
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


كانت داليا تمسك بباقة من الزهور أمام سرير خطيبها سامر الذي أُصيب في حادث أثناء عمله بالمصنع الذي يعمل به كمهندس، وقد فقد عينه اليُسرىَّ أثناء إصلاحه إحدى الماكينات..

- ألف سلامة يا سامر..

- شكرًا يا حبيبتي.. لماذا أنت واقفة هكذا؟ أجلسي هنا بجانبي.

- متأسفة يا سامر.. لا بُد لي أن أذهب الآن.. وأتمنى أن تتعافى سريعًا وترجع مثل الأول بل أفضل..

تركت داليا باقة الزهور على صدره وهو ينظر إليها بكل حُب.. ثم خلعت خاتم الخطبة ووضعته في يد سامر وهو مأخوذ من الدهشة التي كادت تخلع ضلوعه!

ثم خرجت داليا من غرفة سامر بالمستشفى ومن حياته إلى الأبد!

قام سامر من على السرير وهو يمد يده التي بها الخاتم إلى إتجاه داليا.. كان عاجزًا عن النطق وعينيه تغمرهما الدموع دون حراك ودون التفوه بكلمة واحدة!

سامر؛ هذا الشاب الحبوب، لطيف المعشر، العصامي الذي بنى نفسه بنفسه رغم فقر والديه، والذي عمل أعمال كثيرة أثناء دراسته الثانوية والجامعية، الوضيع منها والمحترم، حتى يُنفق على نفسه وعلى والديه الفقيرين!

تعرف سامر على داليا منذ عام في حفل زفاف زميل له في العمل، وطار لُبَّه افتتانًا بها. وقد كانت داليا ترغب في الإرتباط بشاب طموح ذو عمل مرموق ومُبشر! وسرعان ما استجابت داليا لمحاولات سامر للتقرب منها على مدى الأسابيع التالية لهذا الحفل.

وتمت الخطبة سريعًا! وقد طلبت داليا مع أسرتها من سامر شقة كبيرة في إحدى المدن الجديدة ليتزوجا فيها.. ووافق سامر حيث كان مفتونًا بداليا أشد افتتان! وعاهد نفسه أنه سيعمل ليلًا ونهارًا في المصنع الذي كان يعمل به مُهندسًا حتى يُسدد أقساط هذه الشقة الباهظة الثمن..

وفي إحدى المناوبات المسائية له في المصنع، بدأ في إصلاح ماكينة قد تعطلت.. وقد كان سامر مرهقًا فهو كان يعمل منذ الصباح الباكر دون انقطاع، وفجأة طارت شظية مُدببه في إتجاه عينه اليُسرىَّ أفقدتها البصر تمامًا!

وقف سامر مذهولًا وفي يديه باقة الزهور وخاتم الخطبة.. وسقط مغشيًا عليه وسط غرفة المستشفى مُحدثًا جلبة عالية جلبت الممرضات والعاملين بالمستشفى إلى الغرفة محاولين بذل ما في وسعهم لإنعاشه..

*****

قرأ مدحت هذه القصة دامعًا متأسفًا على صروف ونكبات الزمان التي تحل بالشباب الطامحين المجتهدين مُقعدة إياهم في يأس وانهيار!

قرأ مدحت القصة مرات عديدة خلال الساعات السابقة لحواره مع الأستاذ نشأت في تمام الساعة السابعة مساءً.. وحينما حان الوقت بدأ حديثه معه قائلًا:


حوار الليلة الرابعة عشر

- مساء النور يا صديقي

- مساء الخير يا مدحت.. وياليت الخير يحيط بك من كل جهة! أتوقع أن تكون قد قرأت القصة.. ما رأيك بها؟

- رائعة كالعادة يا صديقي نشأت.. لقد عشت خلال الساعات السابقة ذكريات الخطبة وسنوات الزواج الأولى، وتشجيع زوجتي مرفت لي، وقبولها الدائم غير المشروط لي رغم الظروف الصعبة التي نعيش فيها.. شكرًا يا صديقي، لأنك جعلتني أرى ما أمتلكه بالفعل من نِعَمْ لا تُقدر بثمن!

- أرى أنك شُفيت يا مدحت، أو في طريقك للشفاء! لأن المشاعر الإيجابية أصبحت تسود مزاجك ووجدانك.. وصدقني إن لهذا أثر كبير على إعادة النظام والتوازن الوظيفي لكثير من الاضطرابات الفسيولوجية التي تُصيب المخ والكثير من الغدد المنظمة لكيمياء الدم الذي يسري في عروقنا..

إن السيروتونين، والإندروفينز، والدوبامين، والجريلين، والأوكسيتوسين... وغيرها هي هرمونات تؤثر كثيرًا على حالتنا النفسية والعصبية والعاطفية.. وعندما تشعر بالقلق أو الإرتياح أو السعادة أو الحب أو الأكتئاب في أي وسط أو أي مناسبة في أي مكان، سواء مُفرحة أو مُحزنة، فأعلم أن هنالك تفاعلات كيميائية تحدث داخلك نتيجة لإفرازات هذه الهرمونات..

- يا صديقي الفضل كله يرجع إليك.. فبدونك لَكُنت في حال أردأ!

- لتعش طويلًا وسعيدًا يا مدحت..

- قل لي يا نشأت، أَيُمكن أن تَقصم مثل هذه النكبات ظهور الناس مُنهيةً حياتهم؟!

- الألم مدرسة، يا صديقي مدحت، يَتخرج منها العظماء! يَدخل المتألمين المنكوبين فيها كور المشقة، ليخرجوا ذهبًا مُصفىَّ عالي القدر والقيمة والقامة وسط أي مُجتمع يعيشون فيه.. وأي نُضج قد يصل إليه العُظماء هو حصاد لتلك الأيام التي ظنوها لن تمضي!

- هل خسر سامر في هذه القصة أم ربح؟

- من الواضح في القصة أن سامر لم يكن بالنضج الكافي حتى يرتبط بشابة تناسبه.. فإنجذب لجمال الشكل لا الروح! أمثال داليا من الفتيات يرون في الزواج مَخرجًا لمشاكلهم، وضمانًا لمستقبل أفضل، ورأس مال يجب أن يَستثمروه بأفضل شكل ممكن لتحقيق طموحاتهم التي هي بلا حد، دون بذلهم لأي مجهود لنوال العُلىَّ سوى التفنن في التَزَيُن والتَجَمُل ليفتنوا الرجال! ولا يهمهم الزواج بأيّ كان طالما يصلون من خلال هذا الزواج لمآربهم!

- أَتقصد أن سامر كان مجرد جسر لها نحو مستقبل أفضل؟

- بالطبع يا صديقي، كان مدحت لداليا مجرد جسر لا غير.. غالبًا ما لا يمتلك مثل هؤلاء سوى جمالهن الشكلي، وكأنه شَرَك يسقط فيه الشباب الغض غير الناضج..


وقد تكون هذه التجربة التي ألمّت بسامر طوق نجاة ينقذه من هذه الهوة التي سقط فيها، ونكبته بذلك رحمة وليست نقمة!

- هل يُمكن أن تكون المُصيبة نعمة؟

- لا يُمكن اعتبار المصائب نِعَمًّا يا مدحت.. فالمصائب شر لا بُد منه في هذه الحياة، وقد تنزل بأي أحد، ولكن مقاصد الله من جهتها، وكيف يَنظر إليها المنكوبين تولد النِعَمْ حولهم وفيهم!

- إنني أرى سامر، بعد إصابته بهذا الحادث وهذه الصدمة العاطفية، مُهندسًا مرموقًا بعد عدة سنوات.. وقد يمتلك شركته الخاصة وستنجذب له الخيرات والنِعَمْ، وسيجد مَنْ تُقدِرَهُ كشخص وليس كبنك أو مِصعد نحو العُلىَّ!

- أحييتُ فيَّ الأمل، يا صديقي، بعد أن خبا نوره في داخلي.. أهذا واقع يا نشأت؟ أرأيت فعلًا منكوبين وقفوا على أقدامهم مرة ثانية ليواصلوا حياتهم بثقة وثبات؟!

- رأيت الكثير مما لا عدد له ولا حصر.. هذه مُجرد قصة بسيطة عن نكبة ليست بقدر النكبات الأصعب التي يَمر بها كثيرين..

- الله يُطمئنك يا نشأت.. ولتسعد في حياتك يا صديقي.. هذه الليلة هي ليلة يوم الخميس، وغدًا يوم الجمعة المرتقب! إياك أن تنسى زيارتك لي!

- لم أنسى ولن أنسى ذلك يا صديقي.. سأكون على باب شقتك في تمام الساعة السادسة بإذن الله..

- قبل أن أنسى يا نشأت.. ماذا عن قصة الغد؟

- ستكون يا صديقي عن فتاة في الصف الثالث الثانوي العام مات أبيها أثناء أدائها للامتحانات.. فإلى اللقاء!

- أراك غدًا يا صديقي..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال