الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذات العربية والكيان الاسرائيلي

خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد

(Kalil Chikha)

2006 / 10 / 23
مواضيع وابحاث سياسية



لا أظن أن هناك قومية على الأرض تحمل أعباء ووطأة الخيبة و الشعور بالضياع كما تحمله الذات العربية ، هذا الإحساس القاتل أتى على مراحل و دفعات وأخذ يتفاقم في احتكاك هذه الذات بالحضارة الغربية ، ومن جراء هذه العلاقة تكونت صورة ازدواجية للأوروبي ، فكان المعلم المبدع و النموذج الإنساني وكان أيضا المستعمر الناهب للخيرات ومشعل الحروب بين الأخوة. هذه الازدواجية ولدت انفصاما في الشخصية العربية لأنها أوجدت هذا التضارب الثقافي والفكري ، نتج عنه الخلل بكل أشكاله ، وغدت الذات العربية في وضع مهتز غريب يسيطر عليها الشعور بانعدام الأمان واضحي عامل الزمن بالنسبة لها كالسيف الذي يهدد بالموت . نبت هذا الانفصام من عاملين ، الأول يكرس اللجوء إلى التاريخ كمنفذ وحيد لاستعادة الثقة المفقودة والآخر يضع الغربي و الأمريكي نموذجا خالصا في مجالات الحياة الفكرية والأخلاقية .
- الذات الصهيونية والإسرائيلية :
منذ أن وجدت إسرائيل كدولة وكيان، والذات العربية تنحى من السيئ الى الأسوأ ، فقد اكتفت بان تتعامل مع الجسم الغريب بالرفض دون فهم هذا الكيان والبحث عن السبل العقلية لمواجهته . حتى الحروب كانت عشوائية وغير مركزة أوقعتنا في أخطاء استغلتها إسرائيل لترسيخ دولتها ، وأخذ العربي يفكر بحماية حدوده غير أبه أن رؤيته لفلسطين بدأت تكللها السحب وتتوارى شيئاً فشيئاً . كان الزمن بالنسبة لإسرائيل جزءاً من وجودها فتعاملت معه بفهم وحذاقة ، فأنشأت مراكز دراسات لتاريخ و سلوك العربي تماماً كما فعلت أوروبا قبل غزو المنطقة العربية ، بينما جلسنا نحن نقص على أطفالنا مقتطفات عتيقة وهي بأن إسرائيل لا تتعدى كونها(بعبع)من الممكن اصطياده أو قتله وتنتهي القصة كما كانت الجدات تنهي حكايات ألف ليلة وليلة . افتقر وطننا الشاسع الواسع لمؤسسات تدرس بجدية للكيان الإسرائيلي ، ما هو وكيف نشأ وما هي نقاط ضعفه و قوته ؟
كيف باستطاعتنا محاربة عدو نجهل لغته ، عاداته و سلوكه .
وغالبا ما اعتمدنا في فهم إسرائيل على المستشرقين الأوروبيين و خاصة اليساريين منهم ، علما أنهم ساهموا ولحد ما ، في كشف بعض الجوانب الغامضة في الظاهرة الصهيونية ، إلا أنهم اكتفوا بالنظر إليها على إنها استيطانية أوروبية مثلها مثل الاستيطان في جنوب إفريقية أو الجزائر.
لكن إسرائيل أكثر من مجرد استيطان ، فذاتها تجمع ما بين الأسطورة و الحقيقة، يذوب فيها ضدين شبه متنافرين، تحتوي العلمانية والبرغماتية في تسيير الحاضر وبنائه وهذا عمودها الفقري ، وهناك أوهام الماضي ويكمن فيها ( الفانتسي ) الذي ترى من خلاله الحاضر ليس إلا امتدادا طبيعيا للذات الصهيونية وهذا أحد نقاط ضعفها الذي سيساهم في تحطيمها في المستقبل ،لان قمة الحلم وذروته هو امتلاك الأرض من النهر الى النهر ، وهذا الهدف مستحيل التحقيق ليس لأنه يعتمد في سياسته على القوة فقط ،بل لان مسالة السيطرة على هذه الأرض الشاسعة من الوطن العربي محاولة وهمية فإن على إسرائيل في هذه الحالة أن تبيد شعوب المنطقة كليا أو تهجرهم، وعليها أن تستعيض بيهود جدد وهذا يتطلب عدد كبير من اليهود الذين يمثلون أقلية صغيرة في العالم . وقد نوه المستشرق ( مكسين راديسون ) في كتابة (إسرائيل كدولة استيطانية إلى هذه الظاهرة الصهيونية والتي ربطها كليا بأنها إفرازات القومية الأوروبية ، ونتيجة لتطلعات الاستعمار الحديث . ويظل هذا الكلام صحيحا، لكن لا يستطع المرء أن يغفل عن العنصر الديني في أيجاد الكيان الإسرائيلي ، وقد نعتمد على دراسات كهذه إلا أنه من الواجب خلق مؤسستنا الخاصة للقيام بهذا العمل الجاد. وقد اثبت الواقع أن الاستيطان الفرنسي في الجزائر قد تقهقر ونفس الشيء يحدث في جنوب أفريقيا. فالخلاف هنا في الطبيعة النفسية للاستيطان . رغم أن الغالبية أوروبية، لكن ما يميز اليهودي هو تلك المكونات النفسية التي تفصله كليا عن مجتمعه، بحيث يعيش في قوقعة أفكاره وأوهام ماضية، هذه القوقعية خلقت المكونات العدائية والسادية تجاه الغير. فقد احتوت النفسية اليهودية حقد السنيين الطوال ضد المجتمعات الأوروبية التي رفضت وجودهم فيها وخلقت منها الشخصية التائهة القلقة التي فصلته عن قوميات المجتمع المنتمي إليها فعرّف نفسه بأنه يهودي قبل كل شيء . فقد قبل أن يكون بارز وذو هوية مغايرة عن الوطن الذي يعيش فيه، وأكل من خيراته ونتج عن ذلك صراع ما بينه وبين الآخرين أدى في مجمله إلى مجازر ضده على مر العصور. وكون وجود اليهودي أقلية مهمشة سياسيا واجتماعيا ، لجأ إلى عوامل أخرى يستعيد هذا التوازن المفقود . فكان بحثه في كل السبل عن سيطرة بديلة، ومن الطبيعي أن يكون الاقتصاد هو عصب الأمة، فركز على هذا العامل وبالغ فيه حتى عرف بالتاجر الجشع وبائع المجوهرات الفظ وصاحب البنوك الكريه، وهذا الإنسان المليء بالحقد على ماضيه وعلى الأوطان التي عاش فيها تحول إلى كتلة من الانتقام وشعلة من الثأر ضد العربي والفلسطيني. نحن العرب لم نستطع تفسير هذا الحقد المبالغ فيه من يهود إسرائيل الذين ارتكبوا المجازر ضدنا دون أدنى سبب. فالعرب المسلمون هم الوحيدون من الشعوب الذين أعطوا اليهود كيانا اجتماعيا مرموقا وهم الذين استقبلوهم في آخر نفس وقد جزر فيهم أخوانهم الأوروبيون . لم يكن هناك تفسيرا عقلانيا لما فعله اليهود بأهلنا في فلسطين. أنو حاقدين على كل ما هو أوروبي محتفظين بحق الانتقام عندما كان هذا الأوروبي بعيدا قويا. إلا أن هذه الأحقاد انفلتت على إنسان العربي الفلسطيني الذي لم يكن له علاقة بما حصل. كان اليهودي الذي عاش طوال عمره يعاني من الجبن والتخاذل في مجتمعه . ترك كومن انتقامه ضد العربي الذي لا يستطيع أن يرد حيال السكاكين المتكاثرة على رقبته.
ينفلت هذا الحقد في كل مجالات الحياة حتى الأدبية منها . فيقول الشاعر الإسرائيلي (ابشلوم كور) بعد اجتياح لبنان وهو يقدم كما يعتقد أدبا :
لو كنت قائدا
في جيشنا الأسطورة
جيشنا العظيم .. ووقفت عند أبواب المدينة
المحاصرة .. المختنقة
مدينة المخربين
مدينة الفلسطينيين
لزرعت الدمار والموت
في كل المنازل والشوارع
في الساجد والكنائس
لا مسكن لهم عندنا ولا رحمة
سنسفك الدماء الكثيرة
ونقتل الأطفال والنساء والعجائز
ولو كنت قائدا لجيشنا الأسطورة .. لما تركتهم يرحلون
وهنا إذا أردنا أن نختزل الكيان الإسرائيلي في شخص واحد لقدمنا هذا الشاعر الحاقد. فالذات الإسرائيلية تكمن في كلمات ابشلوم، هذه الكلمات تختصر تاريخا سماكته أكثر من ثلاثة ألف سنة من الحقد والضياع . الغوص في أدبيات اليهود متشابهة. فهم يقدمون أدبا ممسوخا يفتقد العامل الإنساني . يدور معظمه أو قل كله في دائرة الضياع والحقد وأوهام الماضي.
- الذات العربية والتطبيع :
وهكذا فقد واجهت الذات العربية أعداء شرسين في مطلع هذا القرن، أشرسهم على الإطلاق الكيان الإسرائيلي، أصبح العربي أكثر قلقا من ذي قبل وانغمس في غربة ذاته مرافقا في كل ذلك انهيار في الصف العربي لانعدام الثقة بالنفس ولوقوعه بين فكي كماشة الغرب صاحب الماضي الاستعماري وإسرائيل السرطان الجاثم على القلب. وأضيف إلى الهزائم الثقافية هزائم حربية تركت في الذات شرخا من الصعب أن تلتئم أو أن يستعيد توازنه.
واعتمادا على أسباب فردية أو ظروف تاريخية ، انخرطت بعض الأنظمة في معاهدات مع إسرائيل محطمة الحاجز الجليدي ، كما يقول الأمريكيون، إلا أنهم ظلوا وحيدين في الحوار دون أن يتبعهم الشعب، وخير مثال على ذلك هو رفض وحتى هذه اللحظة الشعب المصري والأردني على التطبيع. هذه المعاهدات التي تكتب على الأوراق ليست إلا مجرد هدنة ريثما تتمزق في تغير الظروف ويعود الصراع كما كان.
وبأي حال من الأحوال ، لن تكون مسالة صحية بالنسبة للذات العربية كما يعتقد البعض ،بل ستعمق الشعور بالدونية حيال إسرائيل التي ستطلق يدها في خيرات الوطن بلا رقيب . وان كان بعض رموز هذه الأمة قد انهار أمام الأضواء البراقة التي توجهها إسرائيل فهذا لا يشمل الشعب الفقير الذي يدرك بفطرته بان الكيان الذي أسسته الصهيونية هو غريب عن جسد الأمة ، غريب في دينه ، وتاريخه ،ولغته و أخلاقه .
في ظروف كهذه تتكشف المشاعر في الضعف وتتقهقر الثقة أمام آلة إسرائيل الإعلامية ، فالتقرب منها من جانب العربي يخلق جوا واحدا وهو الاستسلام الكلي لما ستمليه إسرائيل من سيطرة اقتصادية وثقافية وحتى سياسية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلجيكا ترفع دعوى قضائية ضد شركة طيران إسرائيلية لنقلها أسلحة


.. المغرب يُعلن عن إقامة منطقتين صناعيتين للصناعة العسكرية




.. تصاعد الضغوط على إسرائيل وحماس لإنهاء الحرب| #غرفة_الأخبار


.. دمار واسع طال البلدات الحدودية اللبنانية مع تواصل المعارك بي




.. عمليات حزب الله ضد إسرائيل تجاوزت 2000 عملية منذ السابع من أ