الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الماركسية بلا قناع-نقد فون ميزس ممثل الليبرالية الجديدة للماركسية في الميزان

عبدالرحمن مصطفى

2023 / 4 / 10
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


لودفيغ فون ميزس هو ممثل الليبرالية الجديدة الأبرز وهو استاذ فريدريك فون هايك ومن أبرز رواد المدرسة النمساوية في الاقتصاد ،فون ميزس يهودي من النمسا ومثل الكثير من المثقفين الألمان والنمساويين خصوصا اليهود هاجر من النمسا بعد وصول هتلر الى الحكم ،فون ميزس يمثل أقصى اليمين الليبرتاري وهو يتبنى وجهة نظر مناقضة تماما للاشتراكية والماركسية بل للدولة بشكل عام ،لميزس كتاب عن الماركسية بعنوان (الماركسية بلا قناع أو marxism unmasked ) وفي هذا الكتاب تبنى ميزس خطاب ليبرتاري معادي ليس فقط للماركسية بل لأي فكر يشكك في قدرة السوق على تنظيم ذاته ،لهذا لم يقتصر النقد على كارل ماركس بل شمل أيضا كينز وبسمارك وعدد من الشخصيات التاريخية الوازنة ..وفي عصر تفكك الايديولوجيا تغدو قراءة ميزس أو هايك مثيرة وأكثر وضوحا بعيدا عن الصراعات والنزاعات الأيديولوجية ،فالنقد في زمن الحرب الباردة لم يكن يبارح الرؤية الايديولوجية التي كانت تتمثل في المعسكرين المتصارعين ؛فالنقد كان ينحصر بالصراع القيمي أو الأخلاقي بين رؤيتين كونيتين للعالم وكيف ينبغي أن يكون ..لهذا لم تكن هناك قراءة نقدية لنصوص الاقتصاديين والفلاسفة الليبراليين بقدر ما كان هناك نفور قيمي من هذه النصوص ،فتكفي الإشارة الى منابت هؤلاء المفكرين أو منشأهم الطبقي للتقليل من قيمة أعمالهم ،أما بعد انهيار الشيوعية وانتصار معسكر واحد فلا قيمة للنقد الايديولوجي بقدر ما للفحص النقدي لكل نص ..فوجهات نظر المفكرين الليبراليين ليست متشابهة وفي حالة ميزس مثلا ؛سنجد أنه معارض لنزعة ترييض الاقتصاد أو تحويل الاقتصاد الى علم دقيق كالفيزياء مثلا فهو من قال مثلا بأن الاقتصاد القياسي econometric هو لعبة أطفال لاتساهم بأي شيء في توضيح الواقع الاقتصادي وهو بذلك يعارض كل النزعة الحديثة من تحويل الاقتصاد الى نماذج مغلقة من المعادلات الرياضية والتركيبات الاحصاءية الخ ..وهو بذلك محق فمن المستحيل تحويل الاقتصاد كواقع مجتمعي الى نموذج مغلق ..المثير أن هناك العديد من الليبراليين من يستشهدون بكتابات ميزس أو هايك لنقد النظرية الماركسية وفي نفس الوقت يحتجون على الاقتصاد الماركسي بأنه قديم بالنسبة للنماذج الحديثة وهم بذلك يتبنون وجهة نظر ايديولوجية صرفة لأنهم يأخذون وجهات نظر من مدارس فكرية مختلفة ومتناقضة وبهذا يتضح الموقف الايديولوجي ؛فهم لايتبنون وجهة نظر متماسكة ترتكز على نظام فكري متناسق ومترابط.

وفي هذا الموضوع أعرض نقد ميزس للماركسية ورؤيتي لهذا النقد دون أي رؤية ايديولوجية قيمية ودون الاستشهاد بالنصوص الماركسية كما يفعل الأرثوذكسيون..

للميزس العديد من الكتب التي يصوب فيها سهام نقده على الماركسية سواء كواقع وتطبيق أو كنظرية ..وفي كتابه الماركسية بلا قناع يحاول ميزس أن ينقض الأسس النظرية للفلسفة الماركسية والنظرية الاقتصادية الماركسية ،وهو يتبنى منهج كشف التناقضات ،فهو نذر نفسه لكشف تناقضات الماركسية النظرية أو بين النظرية الماركسية والواقع الممارس ؛كمثال يعترض ميزس على محورية الطبقة البروليتارية في النظرية الماركسية في وقت أن مؤسسي النظرية هم من الطبقة الوسطى أي كارل ماركس أو الطبقة الثرية بالنسبة لفردريك انجلز .فيفترض أن تكون البروليتاريا طبقة مكتفية بنفسها ولاتحوز على المعونة الفكرية من الطبقات الأخرى وميزس يربط هذا النقد بالفكرة الماركسية التي تنظر الى الفكر كإنعكاس للواقع ،أو أن هناك طبقية أو تحزب في المجال الفكري ،فمثلا مصطلح الفكر البرجوازي يشير الى الرؤية البرجوازية للعالم وهو بطبيعة الحال قد لايعني أنها رؤية مقصودة أو تم اختيارها من الأفراد بمحض الإرادة ..بل هي رؤية أعمق من هذا توجد في صميم اللاشعور والعقل الباطن ،فالبروليتاريا بهذا النقد ينبغي أن تملك وعيها بذاتها من نفسها ..لكن هذا لم يحدث فالفلاسفة الاشتراكيون من سان سيمون مرورا بفورييه وبردون وحتى فلادمير لينين هم أبناء الطبقة الوسطى ،أي أن الفكر البروليتاري مقحم على الطبقة من مفكرين مستقلين يتبنون تصورات طوباوية للعالم وما ينبغي أن يكون عليه ، لكن نقد ميزس يتجاوز حقيقة أن البروليتاريا قد لاتكون حاملة لفكرة الصراع الطبقي رغم واقع حالها ..فماركس ميز بين البروليتاريا كما هي والبروليتاريا الواعية لنفسها والمدركة لحالها ..فليس بالضرورة أن تكون البروليتاريا مدركة لواقع حالها وصراعها مع الطبقة البرجوازية ..لكن في واقع الحال يتصرف النظام الرأسمالي كإستقطاب بين الطبقات وهذه مسألة منفصلة عن وعي الطبقات لهذا الإستقطاب ..ثانيا يرفض ميزس فكرة أن الفكر يمكن أن يوجه الإنسان بدون شعوره فهو ينظر للإنسان ككائن عاقل يدرك كل غرائزه ورغباته وبهذ يلتقي ميزس مع النقد الرومانسي الذي كان سائدا في العديد من الجامعات الأوروبية وخصوصا الألمانية في القرن التاسع عشر للعلوم الاجتماعية ،فهذه العلوم تنفي عن الانسان الإرادة الحرة أو هكذا يفترض وتحول الانسان الى آلة يمكن تحديد العوامل المؤثرة بها سواء كانت نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية الخ..الغريب أن ميزس يحتج على الماركسية لتبنيها هذه الفكرة (أن الافكار يمكن أن توجه الإنسان دون وعي منه) لكنه في نفس الوقت يثني على فرويد الذي يلتقي مع ماركس بفكرة أن هناك عوامل تتحكم في سلوك الانسان وقد لايعيها الانسان ..

وبطبيعة الحال من وجهة نظري أن المجتمع المعاصر ينقسم الى طبقات وأمم بطريقة قد لا تلتقي مع رؤية ماركس (بروليتاريا وبرجوازية) كما كان سائدا في القرن التاسع عشر ،فالمجتمع الحديث شهد تغيرات وتبدلات كبيرة ،ففكرة الدولة مثلا لم يكن لها بروز كما كان عليه الحال في القرن التاسع عشر والطبقة الوسطى والطبقة الادارية لم تظهر بقوتها وفاعليتها قبل النصف الأول من القرن العشرين ..والمجتمع الآن معقد بطريقة لايجوز فيها اختزاله الى التقسيم القديم بروليتاريا وبرجوازية ..فموظف مأجور قد يتقاضى أجراً أعلى من صاحب منشأة صغيرة توظف عمال مأجورين وبفارق كبير ! لاينفي هذا الطابع الرأسمالي عن صاحب المنشأة الصغير ..لكنه في نفس الوقت يفتح المجال لاعادة قراءة واقع العمل المأجور في عالم اليوم ..وكون طرق الاستغلال تجددت وأخذت أشكالا أكثر معاصرة مما كان عليه الحال في ظل رأسمالية القرن التاسع عشر ..فينبغي دراسة واقع الأثرياء الجديد فهناك طبقة مديرين وهناك طبقة ملاك دون اغفال المزج بين هاتين الطبقتين كما هو الحال بالنسبة للكثير من الرأسماليين الكبار ..ان هذا لاينفي التقسيم الماركسي القديم بل يبني ويوجه دراسة المجتمع منحاً جديداً متجاوزاً للرؤية القديمة دون أن ينفيها ..ففهم المجتمع المعاصر وتقسيماته الطبقية لايمكن أن تنحصر برؤية عمومية تتجنب الغرق في التفاصيل وبالتعقيد الذي بلغه المجتمع المعاصر ..

ينتقد ميزس أيضا فكرة العلاقة بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج ؛ففي رأيه أن ماركس كان يتصور المجتمع كآلة كبيرة توجه ميكانيكيا دون أي دور للبشر ،فتبدل قوى الانتاج يقتضي تبدلا لعلاقات الانتاج وبهذا يكون الانسان مجرد ترس في قوى الانتاج! هذا النقد يمكن أن نعممه على العلوم الاجتماعية ككل ولايقتصر على الماركسية ،لأن العلوم الاجتماعية تفترض أن هناك عوامل تحدد وعي الانسان وتحركه في اتجاهات مختلفة بغض النظر عن طبيعة العوامل الاقتصاد أو الدين أو السياسة أو قوة العادات والتقاليد الخ ..فمتى نقول أن الانسان يتحكم في سلوكه دون أن نخرج عن القوانين الاجتماعية ؟ ان هذا يكشف طبيعة العلوم الاجتماعية التي تسعى لتفسير الانسان؛فالانسان ليس كالآلة أو الطبيعة الجامدة الذي يمكن حصر سلوكه في قوانين محددة بصرامة ،الانسان قادر على أن يكسر القوانين المتحكمة به وبذلك يخلق قواعد جديدة منافية للقديمة لكن لايمكن تصور وجود المجتمعات دون قوانين فبهذا ستنتفي كل آليات التخطيط من سياسات اقتصادية نقدية ومالية وانتاجية وتخطيط العلاقات الدولية الخ..كل انسان يتصور أن هناك قواعد وقوانين في اي شيء يواجهه وعلى أساس هذه يبني سلوكه ،مع هذا لاينفي ذلك وجود العديد من الماركسيين المتبنين لوجهة نظر ميكانيكية صرفة والتناقض هذا ماثل في الصراعات التي شهدتها الحركة الاشتراكية ،فالمناشفة والاشتراكيين الديمقراطيين كانوا يرون أن قوى الانتاج لها السبق في تحديد علاقات الانتاج بينما البلاشفة رأوا العكس فعلاقات الانتاج يمكن أن تكسر من جمود قوى الانتاج ..وعلى اساس هذا أقاموا ثورتهم ..وميزس ينتقد قول ماركس أن نابليون جاء كمطلب لظروف عصره فلو لم يظهر نابليون سيظهر شخص آخر وميزس يرى هذا كنفي لدور الفرد في التاريخ ..لكن ميزس هنا يعود للنقد الرومانسي مرة أخرى الإنسان موجود في عالم منفصل تماما كعالم روبنسون كروز ويستطيع أن يتصرف كما يشاء! نابليون جاء استجابة لظروف تاريخه نعم ولو لم يظهر ستكون فرنسا مخيرة بظهور شخص آخر لديه القدرة والصلاحيات على مواجهة حال التفكك والتشرذم التي كان يعيش فيها المجتمع الفرنسي أو سيلاتشى هذا المجتمع من الوجود! والاحتمال الثاني صعب التحقق ..إن المجتمع الفرنسي كان في حالة من التشرذم والتمزق لدرجة أن ظهور شخصية كنابليون كان بمثابة ظهور المسيح المنتظر بالنسبة لليهود! فالتفكك والتشرذم بحاجة الى ضبط ونظام ومركزية وهذا ماكان يتحقق في شخصية كنابليون وهو رجل عسكري قيادي لم يأتي من الفراغ ..والسبب الذي جاء لإجله سيعزز من تماسك سلطته ..هذا لاينفي تفرد نابليون وفرادة شخصيته فقبل نابليون جاءت عدة شخصيات حاولت أن تضبط حالة التشرذم التي واجهها المجتمع الفرنسي بعد الثورة لكنها فشلت كحالة روبسبيير ومارا مثلا ومن المعروف أن هذه الشخصيات كانت صارمة وسعت لضبط المجتمع الفرنسي كلا على طريقته..لكن هؤلاء فشلوا بما نجح به نابليون أي يشتركون بغاية واحدة تمليها عليهم ظروف مجتمعهم ..وهذا ما لم يفهمه ميزس ..

لم يكن ميزس أمينا في نقده لماركس ،فهو يفتري على ماركس في العديد من نصوص كتابه كعزوه قانون الأجور الحديدي لكارل ماركس والقانون هو أن الأجور تتوافق مع الحد الادنى من حاجيات الانسان وأي زيادة عن هذا الحد تسبب في حدوث تضخم وانخفاض للأجور مستمر ودون مستوى قيمة الحاجات الاساسية وأي نقصان عن هذا الحد ينجم عنه انكماش وبالتالي ارتفاع في البطالة وأن ماركس بهذا يناقض فكرته عن أن الراسمالية ومع التقدم التقني تترافق مع هبوط مستمر في مستويات معيشة السكان فكيف تكون الأجور ثابتة لاتزيد ولاتنقص في قيمتها بينما يهبط مستوى معيشة السكان مع تقدم الرأسمالية! ..وهذا القانون لا علاقة لماركس به لأن القانون مناقض لمنهجه بالتحليل وهو نقد لاسال على هذه الفكرة ..القانون يعود الى ريكاردو ومالثوس وميزس يفتخر بهذا النقد ويقول انه الوحيد وبعد مرور وقت طويل اكتشف هذا التناقض ..وهو بذلك يرتكب مغالطة فاحشة وافتراء معيب ..فلم يتطرق احد لكشف هذا التناقض لانه غير موجود وليس لغفلة الكتاب والنقاد ..وميزس يرتكب العديد من المغالطات المماثلة لهذا فمثلا ينسب الى ماركس فكرة الدولة العالمية وأن ماركس كان يتصور أن الدول والشعوب ستتحد في ظل حكومة واحدة وهذا الشيء يصعب تصوره مع اختلاف اللغات والثقافات ! وماركس لم يتطرق بتاتا لفكرة الحكومة العالمية! وهي فكرة الفلاسفة الليبراليين كبرتراند راسل ..

يعرج ميزس على فكرة أن الرأسمالية مع تقدمها تستبدل العمل الماهر بالعمل الغير ماهر ..فمن وجهة نظره أن العمالة الماهرة أصبحت أكثر ارتفاعا بالنسبة للعمالة الغير ماهرة وهذا يخالف رؤية ماركس ..هذه الإشكالية موجودة مع اعتبار أن ماركس كان مدركا أن تقدم الرأسمالية التقني يقتضي زيادة في نسبة العمالة الفنية والادارية الماهرة لكن ما نسبة هذه للعمالة الغير ماهرة ؟ والرأسمالية تعيش اليوم في ظل وجود نسب مرتفعة من البطالة ..وارتفاع نسبة العمالة الماهرة في الدول الغربية يقابله ارتفاع في نسبة العمالة اليدوية في الدول النامية كالصين والهند والبرازيل الخ ..في ظل عولمة رأس المال ومع انتقال الفلاحين الى المدن في هذه الدول ..بل ما نسبة العمالة الغير رسمية نسبة الى العمالة الماهرة عالميا ؟ وفي دول كالهند والبرازيل سنجد نسب مرتفعة من الفلاحين الذين يعملون في المدن كعمالة غير رسمية ..

هناك العديد من الأفكار الطريفة والمثيرة في هذا الكتاب ،كفكرة أن معارضة ماركس للنقابات الانجليزية في الأممية الأولى دليل على تنافض فكر ماركس فكيف بماركس ان يناقض مصالح العمال الانجليز ..وميزس ينسى أنه كان هناك تناقضات بين النقابات الانجليزية والفرنسية والالمانية الخ..وميزس ينسب اوجست كومت مؤسس علم الاجتماع الى الاشتراكية! بدليل أنه قال بأن الحرية كانت ضرورية في الماضي حتى يحصل كل فرد على قسطه في اكتناه الحقيقة وبعد أن اكتشف كومت الحقيقة لم تعد هناك حاجة للحرية! وأن ماركس كان يؤيد الاشتراكية حتى يحكم وأن هدف كل اشراكي هو وصوله للحكم وأفضل طريقة هو أن يحتكر أحقية الحديث باسم البروليتاريا وهذا سبب رفض ماركس لحكم بسمارك مع أن دولة بسمارك اشتراكية من وجهة نظر ميزس ! لأن بسمارك هو أول من اختراع نظام التأمين الاجتماعي ومن المثير هنا أن ميزس يناقض بعض الرؤى التي تعزو نظام التأمين الاجتماعي للرأسمالية كرأسمالية و ادعاءات من قبيل ان الاشتراكيين يتبنون الاشتراكية للوصول للحكم قد توجد في حالة بعض الشخصيات التي تستخدم الماركسية كوسيلة للوصول للحكم كما انها قد تستخدم الليبرالية والرأسمالية فالديكتاتورية ليست اشراكية فقط كما يتصور ميزس فما أكثر النظم المستبدة التي تبنت ايديولوجيا السوق الحر كحالة بونشييه في التشيلي والنظم العسكرية في البرازيل والارجنتين وموبوتو سيكو في الكونغو وسوهارتو في اندونيسيا وديكتاتوريات الخليج والدول العربية الخ .. ولميزس أراء قد لاتتفق مع النظام الدولي الاقتصادي القائم كتأييده لمعيار الذهب مقابل الدولار بدلا من تعويم الدولار ..وهو يرى أن توسعة الدين هو السبب في الأزمات المالية والاقتصادية وزيادة الانفاق وتوسعة الدين تعود الى تدخل الحكومات في الاقتصاد..وهو بهذا يتجاهل التطورات العامة التي طرأت على الاقتصاد ..فالتضخم لم يكن موجودا في القرن التاسع عشر لكن مع تطور القطاعات الخدمية المدنية كالمستفيات والمدارس والجامعات والمكتبات والمطاعم الخ..(أي كل وسائل حياة واعاشة الطبقات الوسطى) ظهرت وازداد حجمها مع بداية القرن العشرين وهذه القطاعات لم تتطور بواسطة القطاع الخاص بل من خلال دور الدولة ومع الحرب العالمية الاولى التي جاءت كنتيجة لتنافس القوى الامبريالية تضخم القطاع العسكري الممول من الحكومة أيضا ..هذه التطورات كانت مستحيلة أو شبه مستحيلة في ظل ربط العملة بالذهب ..فمع الحرب العالمية الأولى تم تعويم العملات والاستعاضة عن تحديدها بالذهب ..وتم اعادة هذه العلاقات بصورة تامة في عام 1944 وحتى بداية السبعينيات ..ولعل هذا كان عاملا حاسما في تضخم نفقات الحكومات الغربية وتطور اقتصاداتها مما انعكس سلبا على واقع الاتحاد السوفيتي في ظل المنافسة الشرسة التي كانت بينه وبين المعسكر الغربي ..ولعل من المفيد التذكير هنا بأن سياسة تعويم العملة قد تكون سياسة كينيزية أكثر من كونها نيوليبرالية ..فكينز مع النفقات الزائدة وهذا ما يتيسر فعله في ظل نظام الدولار المعوم ..وبالطبع دور الحكومة والبنك المركزي (كملاذ أخير للإقراض) كان عاملا حاسما في الخروج من الازمات المالية والاقتصادية ولانعاش الاسواق الراكدة كما وضح هيمان مينسكي..


الليبرالية الجديدة هي نظرة للاقتصاد والحياة تختلف جذريا عن الماركسية،ميزس كان أحد روادها ومن المنادين ببطلان الماركسية،يمكن اعتبار ميزس من الطبقة المتوسطة فهو كان استاذا جامعيا ..لكنه كان متمردا على السلك الأكاديمي الذي كان يغرق في عزلته ونخبويته عن العالم..ميزس والمدرسة النمساوية في الاقتصاد أقرب للعالم الواقعي من الاقتصاد النيوكلاسيكي الذي يوظف الرياضيات وبصورة مبسطة وساذجة في بناء نماذج خيالية للاقتصاد ..ميزة ميزس أنه يتبنى وجهة نظره بطريقة واضحة وصريحة ودون أن يضطر للاختباء خلف الرسومات البيانية والمعادلات الرياضية لتبرير وجهة نظره كما يفعل الكثير من أقرانه الاقتصاديين ..وقراءة كتبه مفيدة ليس بالمعنى المباشر بقدر ما هو بالمعنى الغير مباشر المتمثل بشحذ الذهن وحس النقد ..ولعل هذا يكون اكثر من قراءة كتب الماركسية الارثوذكسية التي لا تعمل النقد في ما تطرحه من أفكار وبالطبع بالرغم من هفوات ميزس الا انه يصيب في نقده لتصنيفات الماركسيين للعلوم والفلسفات كبرجوازية وبروليتارية وهذه التصنيفات تغرق في لج التعميمات اللاهوتية بين خير وشر ..فقراءة كتب الماركسيين والنيوليبراليين الجدد ممن يطرحون رؤاهم بصورة مباشرة دون لف أو دوران والكينيزيين هي مفيدة فما أبعد عالمنا عن الرؤية المغلقة التي تستند الى فلسفة واحدة ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كتاب: الطريق الى العبودية / فردريك هايك
منير كريم ( 2023 / 4 / 10 - 20:48 )
الاستاذ المحترم عبد الرحمن مصطفى
رواد المدرسة النيوكلاسيكية الاقتصادية النمساوية ( اوجن فوم بوهم باورك) فند الاقتصاد السياسي الماركسي وقدم القيمة الاستعمالية للسلعة كمعيار لقيمة السلعة بدلا من المفهوم المجرد الغامض بتحديد قيمة السلعة بالعمل حسب المدرسة الكلاسيكية التي ينتمي لها ماركس
وكتاب فردريك هايك الطريق الى العبودية كشف عن الاساس الاقتصادي المشترك للشيوعية والفاشية وهو سيطرة الدولة على الاقتصاد وتسييره وما ادى ذلك الى نظم شمولية استعبادية
اما الدحض الكلي للماركسية ياتي من الفلسفة التحليلية التي تخطيء النظم الميتافيزيقية كافة ومنها الماركسية
لاسبيل الى بعث الحياة من جديد في الماركسية وتجربة اكثر من قرن تثبت ذلك
شكرا


2 - الفلسفة التحليلية
عبدالرحمن مصطفى ( 2023 / 4 / 11 - 11:01 )
تحياتي منير كريم ..
فكرة المنفعة لتحديد قيمة السلعة هي فكرة ذاتية ..فأذواق الناس مختلفة ..نظرية القيمة هي امتداد لمساهمات الكلاسيكيين من ادم سميث وريكاردو وبمقتضاها يمكن تحديد قيمة السلعة من عناصر الانتاج التي ساهمت في انتاج السلعة ..

بالنسبة للفلسفة التحليلية ..المشكلة أنها انقسمت الى عشرات الأقسام فمنها التحليل المنطقي واللغوي ومنها الديني اللاهوتي واللاديني الخ...من وجهة نظري أن المادية الجدلية والفلسفة التحليلية هي فلسفات مبنية على وجهات نظر ذاتية أكثر من كونها عاكسة للواقع ..الديالكتيك قد أفهمه بالنسبة للمجتمع والتاريخ الانساني لكن اشكالية تطبيقه تظهر بالنسبة للعالم الطبيعي..

تحياتي مرة أخرى..


3 - الفلسفة التحليلية ضد الميتافيزياء
منير كريم ( 2023 / 4 / 11 - 18:07 )
تحية
القيمة الاستعمالية مقياس عملي لسعر السلعة القيمة التبادلية لاتفسر كل الحالات والماركسية تعتبر قيمة السلعة معتمدة على عمل الاجير وليس عوامل الانتاج (العمل وراس المال والادارة )
اما المقصود بالفلسفة التحليلية فهي التجريبية -الوضعية كما عند هيوم وامتدادها فلسفة برتراند رسل , هذه الفلسفة التي استاصلت الميتافيزياء من مجال العلوم وغدت فلسفة العلوم
الامر المضحك في الماركسية هو التحزب الفكري الذي يقسم الفكر الى بروليتاري وبرجوازي وبرجوازي صغير . بينما يصنف الفكر الى علمي ولاعلمي
شكرا لك
تقبل تحياتي


4 - القيمة الاستعمالية
عبدالرحمن مصطفى ( 2023 / 4 / 12 - 01:05 )
تحياتي منير كريم مرة أخرى .

هل يمكن قياس القيمة الاستعمالية ؟ النيوكلاسيكيون يقولون أن المنفعة مقياس لقيمة السلع هل يمكن تحديد المنفعة؟! وعندما نسأل عن سعر سلعة لماذا هو مرتفع ؟ ستقول لي أن السبب هو رغبة المستهلك ! ماذا عن الاحتكار وماذا عن تأثير دعايات الاعلان التي تجعل المستهلك يدفع سعر السلعة مهما كان مرتفعا ..فكرة المنفعة لاتفسر شيء باستثناء انها تعطي تبرير للمنتجين الكبار ..

بالنسبة للماركسية عوامل الانتاج تعود للعمل ..نعم هناك كلفة للمواد الاولية واهتلاك الالة لكن بالتحليل يعود كل هذا الى العمل هذه فكرة الماركسية..

مشكلة الفلسفة التحليلية أنها تخترع مشكلات من لاشيء ..مثلا مشكلة وجود العالم الواقعي ..أي عالم أو انسان سيأخذ بهذا التحليل هل من المعقول أن نشك بوجود العالم الخارجي؟ هذه هي الميتافيزيقيا بحد ذاتها ..

تحياتي..


5 - سؤال
حميد فكري ( 2023 / 4 / 12 - 06:46 )
تحية للسيد الكاتب عبد الرحمان وللسيد منير
سؤال للسيد منير ؛ هل الفلسفة التحليلية ،فلسفة أم علم ؟
سلامي


6 - الفلسفة ليست علما
منير كريم ( 2023 / 4 / 12 - 17:07 )
الاستاذ المحترم حميد فكري
الفلسفة والعلم مختلفان بالموضوع والمنهج والنتائج
والفلسفة التحليلية طبعا ليست علما
انها فلسفة علوم فهي تدرس القوانين العلمية والمفاهيم العلمية وتفسر نتائج العلوم
معيار الحقيقة فيها هو ان الاحكام صحيحة اذا كانت قابلة للتحقق تجريبيا او رياضيا
بهذا المنهج فقد نقضت الفلسفة التحليلية النظم المثالية والميتافيزيقية الكبرى كانظمة ديكارت وهيجل وماركس لانها تقوم على فرضيات غير محققة وعلى تخمينات محضة
فنظرية القيمة حسب العمل للسلعة هي مجرد فرضية لا اثبات لها وكذلك الحتمية التاريخية وغيرها من المقولات المفترضة
شكرا


7 - المنطقية الوضعية ،هي أيضا تحمل تصور أيديولوجي
حميد فكري ( 2023 / 4 / 13 - 08:25 )
تحية طيبة الأخ منير
1- اعتبار الوضعية المنطقية ،فلسفة ،يعني ببساطة أنها رؤية فكرية ،وهو ما يجعلها تحمل في طياتها أيديولوجيا بالضرورة .
2- واذا ما طبقنا معيارها للحقيقة على العلوم الإجتماعية ،فالنتيجة لن تكون هناك أية علوم اجتماعية .،لا الماركسية ولا الليبرالية البورجوازية.
مثالك عن (القيمة الاستعمالية للسلعة كمعيار لقيمة السلعة بدلا من المفهوم المجرد الغامض بتحديد قيمة السلعة بالعمل حسب المدرسة الكلاسيكية التي ينتمي لها ماركس)
أولا هل،استندت هذه (النظرية ) على التجربة والرياضيات أم على ماذا؟
ثانيا ،تخطأ حين تعتقد أن الماركسية تقول إن (السلعة معتمدة على عمل الاجير وليس عوامل الانتاج )
نعم السلعة عند الماركسية تعتمد على العمل ،والعمل نوعان عمل العامل المباشر ،والعمل المخزن في وسائل الإنتاج ،لأن هذه الوسائل هي بدورها نتاج العمل .

اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين في جامعة -أورايا كامبس- بولاية كولوراد


.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي




.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ




.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا