الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب المجلس بولول فوه الكتاب المقدس لقبائل الكيشي مايا

رائد الحواري

2023 / 4 / 10
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


كتاب المجلس بولول فوه
الكتاب المقدس لقبائل الكيشي ـ مايا
ترجمة صالح علماني
أهمية هذا الكتاب تكمن في تبيانه أن الغزو الأوروبي لأمريكيا كان يمثل محو/إزالة حضارة وأمة لها ثقافتها الخاصة، وأن تلك الأمة كانت تمتلك من المعرفة والثقافة ما يؤهلها لتبقى وتعطي الحضارات الأخرى، كحال بقية الأمم، وما يبثه الغرب من أفلام سينمائية ما هو إلا تشويه الحقيقة وتزيف لها.
هذه المعطيات يؤكد الكاتب من خلال مقدمة المترج "صالح علماني" التي يقول فيها: " فالمايا بشكل خاص، كانوا يمتلكون معارق دقيقة حول حركة الكواكب، ولديهم تقويم دقيق وكفاءة مذهلة في مجال الأعمال الأدبية والفنية، ولقد كان لحروب الفتح الأسبانية آثار تدميرية كبيرة، ذلك أن مدنا مزدهرة مثل مكسيكو أو تينوتشتيتلان دمرت تماما على يد الفاتحين، وعاصمة شعب الكيشية في غواتيمالا، المسماة أوتاتلان أو غوماركاء، اندثرت مع ملوكها في لهب الحرائق، وأخضع سكانها للعبودية"ص7،إذن ما جاء عن استكشاف الغرب لقارة عيش فيها شعوب متخلفة ليس له أساس من الصحة، فهناك كانت أمم لها ثقافة وآداب وفنون ومعارف تميزها عن غيرها، وبما أن هناك كتابة فهذا يؤكد الرقي الحضاري لتلك الأمم: " كانوا يمتلكون نظاما خاصا للكتابة يمكن تصنيفهم معه بأنهم متحضرون فعلا" ص8، من هنا يعتمد هذا الكتاب على ما بقى من تلك الحضارة التي دمرها الغزو الغربي لأمريكيا، فالكتاب لوحده كاف لإدانة الغرب/الإسبان تحديدا، وتأكيد أنهم مستعمرون/غزاة دمروا وخربوا وأحرقوا وقتلوا واستعبدوا شعوب وأمم أخرى، ولم يقدم لها إلا الخراب والموت والتشرد.

الدين وفكرة الخلق
سندخل إلى "الكتاب المجلس" وهو كتاب ديني في الأساس، لكننا نجد فيه إضافة إلى التعاليم الدينية أدبا وقصص وخيال ما يجعله قريب من الملاحم التي أنتجتها الأمم الأخرى.
ونبدأ من الأفكار والمعتقدات الدينية فهناك تقارب بين رؤية الرواية الدينية في الكتاب المقدس وما جاء في "بوبول فوه" حيث يقول عن بداية نشوء الكون وكيف كان: " ...كان كل شيء راكد، كل شيء كان ساكنا، صامتا، كل شيء بلا حراك، وكيف كانت امتداد السماء خاوية،.. لم يكن ثمة إنسان ولا حيوان، ولا طيور،... السماء وحدها كانت موجودة...ما كان من شيء منتصبا، كان الماء وحده ممددا، البحر الوديع، وحيدا وهادئا، ...لا شيء سوى الثبات والصمت في العتمة، الخالق وحده، والصانع تيبو، وغووكوماتز، والأسلاف كانوا في الماء محاطين بالضياء... ليكن هكذا! ليمتلئ الفراغ! لينحسر هذا الماء ويخلي (الفضاء)، ولتظهر الأرض وتتصلب، هكذا قالت فلينتشر الضياء وليبزغ الشروق في السماء والأرض، ولن يكون من مجد ولا عظمة في خلقنا وتكويننا إلى أن يوجد المخلوق البشري، الإنسان المتكون، هكذا قالا:
ثم خلق الأرض على يديها..ـ أيتها الأرض! قالا، في الحال كانت قائمة
كسديم، كغيمة، وكعجاج كان الخلق، عندما بزت الجبال في المال، وفي الحال انتصبت الجبال،...في البدء كونوا الأرض... وما أن تم خلق جميع ذوات الأربع والطيور، حتى قال الخالق والصانع والأسلاف لذوات الأربع والطيور، تكلمي، اصرخي، زقزقي، نادي، ليتكلم كل منكم حسب جنسه" ص21-23 إذا عدنا إلى ما جاء في الملحمة السومرية "في العلا عندما" وإلى ما جاء في سفر التكون سنجد ما يتماثل مع هذا الطرح، وهذا التلاقي يشير إلى أن هناك حضارة/ثقافة دينية، كانت موجودة عند الكيشيين، وما تقاربها/تماثلها مع الأفكار الدينية في أمكان تبعد عنها آلاف الكيلو مترات إلا تأكيدا لوجود (أشخاص/رسل) أوصلوا تلك الأفكار لهم، بمعنى أخر أن هناك أنبياء/رسل تم إرسالهم إلى تلك الأمم كحالنا في الشرق.
فالتماثل نجده في حالة الظلام السائدة، وفي الماء الذي يعم الكون، وفي بداية الخلق التي كانت بالضوء/الضياء، وانحسار الماء وبروز اليابسة، ثم خلق بقية المخلوقات.
ونلاحظ التركز على كلمة الخالق في عملية الخلق: "قالا" وهي أيضا موجودة وحاضرة في العديد من الديانات، خاصة السماوية منها، كل هذا يجعلنا نقول أن هناك أمة/شعب كان موجودا في أمريكيا حتى أن الله خصه برسل وأنبياء كحال بقية الأمم الأخرى، وإلا كيف جاء هذا التقارب/التماثل في أفكار عن خلق الكون!!.
أما عن خلق الإنسان فجاء في الكتاب: "من تراب، من طين، صنعوا اللحم (البشري)، ... كيف نتفق صنع من سيعبدوننا ويبتهلون إلينا ونخرجهم على أحسن صورة؟" ص25، وهذا تأكيد يضاف إلى أن فكرة الخلق مصدرها واحد، هو الله، وأن أمة/شعب الكيشي ذات مستوى حضاري/ثقافي رفيع، لهذا احتفظت بما أنزل عليها من أفكار/معتقدات/تعاليم في كتاب "بوبول فوه".
شجرة الجنة
من مخلفات السومريين الفنية وجود لوحة تمثل رجل وامرأة وخلفهما حية متسلقة على شجرة، وهي فكرة وجدت في العهد القديم وفي القرآن الكريم، ونجدها أيضا في كتاب "بوبول فوه": "ـ آه، هتفت قائلة ـ أية ثمار هذه التي تنتجها هذه الشجرة؟ أليس مثيرا للعجب رؤيتها وقد غصت بالثمر، هل سأموت، هل سأضيع لو أني قطفت أحداها؟
...
ـ نعم أشتهيها، أجابت الصبية
ـ حسنا ـ قالت الجمجمةـ مدي يدك اليمنى بهذا الاتجاه.
ـ حسن، ردت الشابة، ورفعت يدها اليمنى، ومدتها نحو الجمجمة.
وفي هذه اللحظة نفثت الجمجمة رذاذا من اللعاب سقط مباشرة في راحة يد الصبية" ص57، مثل هذا التماثل في القصة والتشابه يشير إلى وجود مصدر واحد علمها/أنزلها، من هنا وجدناها لدى أمة/شعب لم نكن نعرف عنه أي شيء، وهو بعيد عن الشرق الذي عرف القصة منذ أكثر من خمسة آلاف عام، فوصولها له تأكيدا لوجود رسل/أنبياء حملوا هذا القصة/الفكرة لهؤلاء الناس، ولذلك المكان.
مريم العذراء
في كتاب "بوبول فوه" نجد قصة المرأة العذراء التي تحمل دون رجل بهذه صياغة: "ـ ابنتي حبلى أيها الأسياد، لقد تدنست، هتف كوتشوماكيك عندما مثل أمام الأسياد.
ـ حسناـ قال هؤلاء، أجبرها على البوح بالحقيقة.
ـ ممن هذا الأبن الذي تحملين في أحشائك يا ابنتي؟ وأجابت هي: لا ابن لدي يا سيدي الوالد، فأنا لم أعرف ذكرا بعد.
...وقالت لهم: ـ لا يمكن أن تقتلوني أيها الرسل، لأن ما أحمله في أحشائي ليس عارا" ص58و59، قصة المسيح التي جاءت بوقت (متأخر) تشير إلى أن كتاب "بوبول فوه" نزل/وجد بعد السيد المسيح، من هنا جاءت قصة العذارء التي تحمل وتلد دون رجل.
الصيام
الصيام عباد عرفتها غالبية الشعوب المتحضرة، الشعوب التي أرسل إلها/أنزل عليها رسل وأنبياء، وشعب "الكيشيين" من تلك الشعوب التي عرفت الصيام ودونه في كتابها "بوبول فوه": "لم يكن الأسياد عظماء لهذا السبب فقط، بل أن صيامهم كان عظيما أيضا، ..لقد كانوا يصومون لوقت طويل ويقدمون القرابين أثناء ذلك للآلهة" ص155، هذا المقطع يؤكد بصورة قاطعة أن هناك رسل/أنبياء نزلوا/أرسلوا إلى "الكيشيين" في مايا وما وجود الصيام وذكره إلا من باب وجود رسالة سماوية تم إيصالها لهم.
الجحيم/العذاب
العديد من الكتب الدينية تحدثت عن العذاب الذي يقع على الكفار/الأشرار، وبما أننا أمام كتاب ديني فكان لا بد من تناول أفكارا عن العذاب الذي يقع على الكفرة والأشرار: "كانت أساليب شيبالبا في التعذيب متعددة، وكان تعذيبا بوسائل عديدة، البيت الأول كان بيت العتمة، ...ولم يكن بداخله سوى الظلام، الثاني هو بيت الرجفة، ...في داخله برد شديد، ريح باردة لا تطاق تهب في جنباته." ص55، هذا الكلام يأخذنا إلى وجود كتاب/أفكار دينية سماوية، كانت منتشرة عند شعب "الكيشي" الذي احتفظ بها ودونها في كتب "بوبول فوه".

إشارات إلى الرقي الحضاري والثقافي
بالتأكيد عندما يكون هناك أدبا مدون، موسيقى، تعاليم أخلاقية، أفكار عن الخلق والكون فهي مؤشرات على أن هناك شعب/أمة راقية، وليست بدائية، جاء في كتاب "بوبول فوه": لقد لقنت جميع الفنون لهونباتز وهزنتشوين، ابن هون ـهوناهبو، غكانا عازفي مزمار، ومغنيين، ورامين بالسير باتانا، ورسامين، ونحاتين، وصائغي ذهب وفضة... ينهمكان في اللعب بالنرد والطابة فقط" ص49، في هذا المقطع نجد شعب راقي يعزف الموسيقى، يرسم، ينحت، ويلعب (الطابة) بمعنى أنه في رخاء وازدهار، حتى أنه يجد الوقت للهو واللعب.

الفنية في صياغة الكتاب
الجميل في هذا الكتاب طريقة تقديمه، فهو لم يأتي بطريقة جامدة، بل بطريقة شيقة وممتعة، حتى أننا نجد بعض المقاطع فيه وكأنها حكاية ألف ليلية وليلة: "بعد ذلك سنرى كيف هزم هونباتز وهوتشوين على يد كل من هوناهبو واكسبالانكية" 51، فالكتاب هنا يحفز القارئ على معرفة ما سيكون عليه حال الصراع بين المذكورين، فمثل هذه الفقرات تجعل القارئ متابع ومتشوق لما يقرأ.
وفي نهاية الفصل الثاني نجد هذه الفقرة: "...سمعت صبية بالقصة العجيبة، وسنروي الآن كيف كان مجيئها" ص56، فهنا التشويق كان متقدم، بما سيكون على الحال من أحداث جديدة، وليس في تفاصيل معروفة نتيجتها كما هو الحال في المقطع الأول، وهذه الصياغة كافية لتأكيد أن من وضع هذا الكتاب يعرف الطريق والأشكال الفنية والأدبية لجذب القارئ للكتاب.
ونجد قصة "القملة" التي تحمل رسالة من الجدة إلى الأحفاد التي عليها إيصالها خلال سبعة أيام، فيقابلها الضفدع ليحملها في فمه حيث كان اسرع منها، ثم يقابل الضفدع الحية التي تبتلعه لأنها اسرع منه، ثم يأتي الباشق لحمل الحية ويطير بها ويوصلها إلى الأحفاد، وهناك يتم انزال الحية، التي تخرج الضفدع، والضفدع الذي يخرج القملة، اعتقد أن مثل هذه القصة وما فيها من فنية تشير إلى تطور الكايشيين أدبيا، حيث استطاعوا أن يوظفوا الخيال بطريقة متسلسلة في أدبهم.
الكتاب من منشورات دار منارات للنشر، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 1985.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر