الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرح اللامعقول الأمريكي

دلير زنكنة

2023 / 4 / 10
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


بقلم كريس هيدجز

طبقتنا السياسية لا تحكم. إنها تسلي. إنها تلعب دورها المعين لها في ديمقراطيتنا الوهمية ، و تنبح بغضب على الناخبين وتبيعهم.  لم يعد للكتلة التقدمية [في الحزب الديموقراطي]  نية للنضال من  أجل الرعاية الصحية الشاملة أو حقوق العمال أو  تحدي  آلة الحرب أكثر مما يناضل تجمع الحرية [في الحزب الجمهوري] من  أجل الحرية. هؤلاء السياسيين المبتذلين هم نسخ حديثة من إلمر غانتري، المخادع البارع [في رواية ]سنكلير لويس، بخيانة ساخرة للجمهور الساذج من اجل جمع السلطة الشخصية والثروة. يوفر هذا الفراغ الأخلاقي مشهدًا ، كما كتب هـ. جي. ويلز ، "لحضارة مادية عظيمة ، متوقفة ، مشلولة". حدث ذلك في روما القديمة. حدث ذلك في فايمار بألمانيا. إنه يحدث هنا الان.

الحكم موجود. لكنه غير مرئي . إنه بالتأكيد ليس ديمقراطيا . يمارسه جيوش جماعات الضغط والمديرين التنفيذيين للشركات من صناعة الوقود الأحفوري ، وصناعة الأسلحة ، وصناعة الأدوية ، وول ستريت. الحكم يحدث في الخفاء. استولت الشركات على مقاليد السلطة ، بما في ذلك وسائل الإعلام. نظرًا لتزايد الثراء الفاحش ، قامت الأوليغارشية الحاكمة بتشويه المؤسسات الوطنية ، بما في ذلك المجالس التشريعية للولايات والمحاكم الفيدرالية ، لخدمة جشعهم الذي لا يشبع. هم يعرفون ما يفعلون. إنهم يفهمون أعماق فسادهم. يعرفون أنهم مكروهون . إنهم مستعدون لذلك أيضًا. لقد عسكروا قوات الشرطة وبنوا أرخبيلاً شاسعاً من السجون لإبقاء العاطلين عن العمل والعاطلين جزئياً في قيود. طوال الوقت ، يدفعون القليل من ضرائب الدخل أو لا يدفعون أي ضريبة على الإطلاق ويستغلون العمالة في الخارج. إنهم يمولون بسخاء المهرجين السياسيين الذين يتحدثون بلغة مبتذلة وفظة للجمهور الغاضب أو بالنغمات الرقيقة المستخدمة لتهدئة الطبقة الليبرالية.

تتمثل مساهمة دونالد ترامب الأساسية في المشهد السياسي في السماح له بالقول علنًا ما كانت اللباقة السياسية تحظر في السابق. إرثه هو تدهور الخطاب السياسي إلى الخطابات الغاضبة أحادية المقطع لكاليبان شكسبير ، والتي في نفس الوقت تغيظ و تنشط مسرح الدمى المسمى بالحكومة. تختلف هذه المهزلة قليلاً عن الرايخستاغ الألماني ، حيث قوبلت الصرخة الأخيرة  من  قبل كلارا زيتكين المريضة  ضد  الفاشية في 30 أغسطس 1932 بجوقة من التهكم والإهانات والسخرية من قبل النواب النازيين.

أطلق إتش جي ويلز على الحرس القديم ، الليبراليين الطيبين الذين يتحدثون بكلمات محسوبة و يتبنون المنطق ، "الرجال غير الصريحين". يقولون الأشياء الصحيحة ولا يفعلون شيئًا. إنهم مهمون لصعود الاستبداد مثلهم مثل الفاشيين المسيحيين ، الذين احتجز عدد قليل منهم مجلس النواب كرهينة الأسبوع الماضي من خلال منع 14 جولة من التصويت لمنع كيفن مكارثي من أن يصبح رئيسًا. بحلول الوقت الذي تم فيه انتخاب مكارثي في الجولة الخامسة عشرة ، كان قد استسلم  تقريبًا لكل مطالب  قدمها المعرقلون  ، بما في ذلك السماح لأي واحد من أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435 بفرض تصويت على إقالته في أي وقت ، وبالتالي ضمان الشلل السياسي.

الحرب الضروس في مجلس النواب ليست بين أولئك الذين يحترمون المؤسسات الديمقراطية وأولئك الذين لا يحترمونها. مكارثي ، المدعوم من ترامب ومنظرة المؤامرة اليمينية المتطرفة مارجوري تايلور غرين ، مفلس أخلاقياً مثل أولئك الذين يحاولون الإطاحة به. هذه معركة للسيطرة، بين المحتالين والدجالين ومشاهير وسائل التواصل الاجتماعي و العصابات . انضم مكارثي  إلى  غالبية الجمهوريين في مجلس النواب لدعم دعوى قضائية في تكساس لإبطال النتيجة الرئاسية لعام 2020 عن طريق منع أربع ولايات - بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن وجورجيا - من الإدلاء بأصواتهم الانتخابية لصالح بايدن. رفضت المحكمة العليا   سماع الدعوى. يتبنى مكارثي الكثير من مواقف كتلة الحرية  المتطرفة،و التي تشبه تلك الخاصة بحزب البديل من اجل المانيا Alternative fur Deutschland و فيديس Fidesz في المجر . إنهم  يدعون إلى  تخفيضات ضريبية أكبر للأثرياء ، والمزيد من إلغاء القيود على الشركات ، والحرب على المهاجرين ، والمزيد من برامج التقشف ، ودفاعهم عن تفوق البيض ، ويتهمون الليبراليين والمحافظين الذين لا يصطفون وراء ترامب بالخيانة.

"أريدك أن تشاهد نانسي بيلوسي وهي تسلمني تلك المطرقة، سيكون من الصعب عدم ضربها بها".قال مكارثي في تسجيل صوتي بث على موقع يوتيوب من قبل مراسل مَين ستريت ناشفيل في عام 2021. من جانبها ،  وصفت بيلوسي  مكارثي بأنه "معتوه" ، بعد أن قال إن تفويض قناع متجدد محتمل كان "قرارًا صاغه المسؤولون الحكوميون الليبراليون الذين يريدون الاستمرار في العيش في حالة وبائية دائمة." هذا ما هو مستوى الخطاب السياسي اليوم. أتوق إلى الوقت الذي كان فيه الخطاب السياسي  موجهًا  إلى المستوى التعليمي لطفل يبلغ من العمر 10 سنوات أو شخصًا في الصف السادس أو السابع. الآن نحن نتحدث عن كليشيهات بلهاء.

أدى هذا الفراغ السياسي إلى نشوء معاداة-السياسة ، أو ما أسماه الكاتب بنيامين  ديموت   "سياسة سقط المتاع " Junk politics، والتي "تضفي الطابع الشخصي والأخلاقي على القضايا والمصالح بدلاً من شرحها/توضيحها". سياسة سقط المتاع "تزيد التهديدات من الخارج إلى أقصى حد بينما تصغر المشاكل الكبيرة والمعقدة في الداخل. إنها سياسة ، مسترشدة بالتخمينات حول أرباحها وخسائرها ، تعكس فجأة المواقف العامة دون تفسير ، وغالبًا ما تؤدي إلى انتفاخ مذهل للمشاكل التي تم تصغيرها سابقًا (على سبيل المثال: [الحرب في] العراق ستنتهي في أيام أو أسابيع ؛ الى، العراق مشروع أجيال). "

وأشار بنيامين ديموت إلى أن "أحد التأثيرات الرئيسية لسياسات سقط المتاع - فيضانها المتواصل من الإطناب البلاغي الوطني والديني والذكوري والعلاجي - ابطال الاسس العقلانية للتعامل مع المواقف واحدة بعد الاخرى".

كانت نتيجة سياسة سقط المتاع جعل الجمهور طفلًا من خلال سرد "حكايات عيد الميلاد المتفائلة على مدار العام" و إدامة الوضع الراهن. طبقة الملياردير ، التي نفذت انقلاباً مؤسسياً بطيئاً ، تواصل النهب. تستمر العسكرة الجامحة في تفريغ البلاد ؛ ويتم تقييد الجمهور من قبل المحاكم ووكالات الأمن المحلية. عندما تراقبك الحكومة أربع وعشرين ساعة في اليوم ، لا معنى لاستخدام كلمة "الحرية". هذه علاقة سيد و عبد. تعني الأسبقية الحديدية للربح نبذ الفئات الأكثر ضعفًا بلا رحمة. وبدعم من الجمهوريين والديمقراطيين ، يرفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لإبطاء النمو الاقتصادي وزيادة البطالة لكبح التضخم ، مما يفرض تكلفة هائلة على العاملين الفقراء وأسرهم. لا احد مجبر على العمل وفق ما سماه جون راسكين: "شروط الثقافة الأخلاقية "

لكن النتيجة الثانية لسياسات سقط المتاع أكثر دهاءً. إنها تعزز عبادة الذات ، والاعتقاد غير الأخلاقي بأن لدينا الحق في فعل أي شيء ، وأن نخون أي شخص ونقضي عليه ، للحصول على ما نريد. إن عبادة الذات تعزز القسوة السيكوباتية ، وهي ثقافة مبنية ليس على التعاطف والصالح العام والتضحية بالنفس ولكن على النرجسية الجامحة والانتقام. تمجد ، كما تفعل وسائل الإعلام ،السعادة السطحية ،والعظمة والأهمية الذاتية ؛ الحاجة للتحفيز المستمر، الميل للكذب ، الخداع والتلاعب ؛ وعدم القدرة على الشعور بالذنب أو الندم. هذه هي الأخلاقيات المظلمة لثقافة الشركات ،التي تحتفل بها صناعة الترفيه والأوساط الأكاديمية ووسائل التواصل الاجتماعي.

يجادل كاتب المقالات كيرتس وايت بأن "الرأسمالية هي التي تحدد الآن شخصيتنا الوطنية ، وليس المسيحية أو التنوير." ويقيّم ثقافتنا على أنها ثقافة "محكومة بالموت بشرعية مدعومة من كل من الليبراليين العقلانيين والمحافظين المسيحيين". هذه "الشرعية" تبقي على الاستغلال المنهجي للعمال. يعري كيرتس وايت احتفالنا بالنصر القومي وإطلاقنا العنان لـ "القوة العسكرية الرائعة الأكثر تدميراً" التي عرفها العالم ،بهدف مزعوم هو "حماية الحرية والسعي إليها".
"العدالة ، في ظل الرأسمالية ، لا تعمل من مفهوم اطاعة القانون الأخلاقي ، أو الضمير ، أو الرحمة ، ولكن من افتراض واجب الحفاظ على النظام الاجتماعي و" الحقوق "القانونية التي تشكل هذا النظام ، ولا سيما الحق في الملكية وحرية التصرف بها بما يريده المرء ".

"هذا هو المعيار الأخلاقي الحقيقي والمهم الذي تسعى إليه محاكمنا. الأمر هكذا: سيبدو القرار اكثر عدلاً ،اذا كان يحافظ على نظام العدالة ،حتى لو كان النظام نفسه غير عادل بشكل يومي."

والنتيجة هي مجتمع تستهلكه المادية المفرطة ، والعمل غير المجدي الذي يدمر الروح ، البنايات السكنية الخانقة الأقرب إلى "المقابر المشتركة" من الأحياء الحقيقية ، وترخيصًا للاستغلال الذي "يحكم على الطبيعة نفسها بالإبادة حتى عندما نسميها حرية السعي وراء الملكية الشخصية".

طبقة الملياردير ، في الغالب ، تفضل قناع جو بايدن ، الذي كسر بمهارة نقابات سكة حديد الشحن لمنع الإضراب  وأجبرهم  على قبول عقد رفضه غالبية أعضاء النقابة. لكن طبقة الملياردير تعلم أيضًا أن الحمقى و المحتالين في أقصى اليمين لن يتدخلوا في مسعاهم لنزع أحشاء الأمة ؛ في الواقع ، سيكونون أكثر قوة في إحباط محاولات العمال لتنظيم أجور وظروف عمل لائقة. شاهدت سياسيين هامين في يوغوسلافيا ، رادوفان كاراديتش ، وسلوبودان ميلوسيفيتش وفرانجو تودجمان ، الذين رفضتهم النخب السياسية والمتعلمة على أنهم مهرجون ، يقودون موجة مناهضة لليبرالية إلى السلطة في أعقاب البؤس الاقتصادي الواسع الانتشار. سيكون من السهل على شركات والمرت و أمازون و ابل و سيتي بنك و ريثيون و إكسون موبل و الفابيت و غولدمان ساكس التكيف . تعمل الرأسمالية بكفاءة عالية بدون ديمقراطية.

وكلما طالت مدة بقائنا في حالة من الشلل السياسي ، ازدادت قوة هذه التشوهات السياسية. كما كتب روبرت أو باكستون في كتابه " تشريح الفاشية، "الفاشية هي أيديولوجية غير متبلورة وغير متماسكة. إنها تلف نفسها حول أهم رموز الأمة ، في حالتنا ، العلم الأمريكي ، والتفوق الأبيض ، و قسم الولاء والصليب المسيحي. تحتفل بفرط الذكورة وكراهية النساء والعنصرية والعنف. إنها تسمح للأشخاص المحرومين من حقوقهم ، وخاصة الرجال البيض ، باستعادة الشعور بالقوة ، مهما كان وهميًا ، وتكرس كراهيتهم وغضبهم. إنها تتبنى رؤية طوباوية للتجديد الأخلاقي والانتقام لتلتحم حول المنقذ السياسي الممسوح. إنه عسكرتاري ،مناهض للثقافة ويحتقر الديمقراطية ، خاصة عندما تتكلم الطبقة الحاكمة القائمة بلغة الديمقراطية الليبرالية ولكنها لا تفعل شيئًا للدفاع عنها. إنه يستبدل الثقافة بفن هابط قومي و وطني. فهو يرى أولئك الذين هم خارج الدائرة المغلقة للدولة القومية أو المجموعة العرقية أو الدينية على أنهم ملوثون يجب تطهيرهم جسديًا ، عادةً بالعنف ، لاستعادة صحة الأمة. إنها تديم نفسها من خلال عدم الاستقرار المستمر ، لأن حلولها للأمراض التي تحدق بالأمة عابرة ومتناقضة وغير قابلة للتحقيق. والأهم من ذلك ، أن الفاشية لها دائمًا لون ديني ، حيث تحشد المؤمنين حول الشعائر والطقوس ، وتستخدم كلمات وعبارات مقدسة ، وتعتنق حقيقة مطلقة غير قابلة للتساؤل.

قد ينتهي ترامب سياسياً ، لكن الانحلال السياسي والاجتماعي الذي أوجد ترامب لا يزال قائماً. سيؤدي هذا الانحلال إلى ظهور ديماغوجيين جدد ، وربما أكثر كفاءة. أخشى صعود الفاشيين المسيحيين الذين يتمتعون بالمهارة السياسية والانضباط الذاتي والتركيز والذكاء الذي يفتقر إليه ترامب. كلما بقينا مشلولين سياسيًا ، كلما أصبحت الفاشية المسيحية أكثر حتميةً. هجوم 6 يناير على العاصمة قبل عامين ، واستقطاب الناخبين إلى قبائل معادية ، والبؤس الاقتصادي الذي تعاني منه الطبقة العاملة ، وخطاب الكراهية والعنف ، والخلل الحالي في الكونغرس ، ما هي إلا لمحة عن الكابوس القادم.

————————
كريس هيدجز صحفي حائز على جائزة بوليتزر كان مراسلًا أجنبيًا لمدة خمسة عشر عامًا لصحيفة نيويورك تايمز ، حيث شغل منصب رئيس مكتب الشرق الأوسط ومدير مكتب البلقان للصحيفة. عمل سابقًا في الخارج لصالح The Dallas Morning News و The Christian Science Monitor و NPR.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شيرو وشهد مع فراس وراند.. مين بيحب التاني أكتر؟ | خلينا نحكي


.. الصين تستضيف محادثات بين فتح وحماس...لماذا؟ • فرانس 24 / FRA




.. تكثيف الضغوط على حماس وإسرائيل للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النا


.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف إطلاق النار في قطاع غز




.. هل يقترب إعلان نهاية الحرب في غزة مع عودة المفاوضات في القاه