الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الثقافة السياسية

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 4 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


منذ مدة طويلة ، وأنا أتابع عبر اليوتيوب YouTube تدخلات البعض مِمّنْ يسمي نفسه معارضا ، ويطلق على نفسه الجمهوري الذي يشتغل من اجل الجمهورية ، دون تحديد آليات الوصول الى النظام الجمهوري . فرغم قلتهم ، وعددهم الضعيف ، وشخصنة الصراع الخاوي بينهم ، ومن دون استشعار بأهمية الظرف ، منهم من يدعو الى الثورة ، والانتفاضة ، ومنهم من يدعو الى تدخل الجيش . طبعا كل هذه الدعوات من وراء الحاسوب ..
وكمثقفين يهتمون بالشأن العام ، قررنا نشر هذه الدراسة لتزيل عن الاعين الغشاوة ، وتبرز الطريق الصحيح المستقيم ، لان الثورة فن ، وليست عفن ، وكل من يجهل قوانين الثورة ، ويدعو اليها ، يكون بمن يتصيد في الماء العكر ، ويكون عبارة عن طفيلي لا يفقه فن الثورة ، لأنها اكبر منه . ففرق بين من يهرج ، وبين من يمسك العصا من الوسط (الملكية البرلمانية ) ، وبين من يشتغل على موضوع ، لا علاقة له به ، لا من قريب ، ولا من بعيد ( الجمهورية ) .. ومساهمتنا البسيطة هذه ، لا تعني اننا نبارك الثورات من قبل شعب جاهل ، ولا نؤيد الانقلابات العسكرية المؤدية الى الدكتاتورية العسكرية ، ولا ندعو الى ثورة تجيز وتمكن الرعايا والمنافقين من الاستيلاء على النظام .. فمساهمتنا كمثقفين ، هي مساهمة في توسيع دائرة المعرفة ، بتغليب الثقافي على السياسي ، رغم ان اصل البحث هو سياسي لا غير ..
1 ) الشعار السياسي :
ان القيادة التكتيكية الصحيحة هي التي ترفع شعارات ، وتعتمد أشكالا نضالية تتفق والمرحلة التاريخية الراهنة ، ممّا يمكن القيادة الثورية من كسب الفقراء ، والكادحين ، وعموم الشعب المُستضعف الى صفها ، ومن ثم حشدهم في صف الثورة . ان الشعارات السياسية لا تسير ببطء وراء الأحداث ، بل يتم تكييفها وفقا للأحداث بمجرد وقوعها .
ومن أجل تفجير الطاقات الثورية للجماهير وللشعب الكادح ، ومن أجل تمكينها من إعداد نفسها للكفاح السياسي ، فإنه لابد من تقديم شعارات سياسية ، وتوجيهات يسهل عليها فهمها ، وهي شعارات خاصة بالمهام النضالية العاجلة والراهنة .
ويولد جيش الثورة السياسي الجماهيري في خضم النضال ، بمجرد ان تقتنع الجماهير بسلامة شعارات القوى الثورية ، وخطها السياسي . أما فتح نار معركة سياسية قبل اقتناع الجماهير بضرورة هذه المعركة ، وقبل استعداد الجماهير لخوض غمار هذه المعركة والتضحية في سبيلها ، فإن ذلك يؤدي الى عزلة القوى الثورية عن الجماهير ، مما يفضي الى هزيمتها المؤكدة . ومن هنا ، فإن إقناع الجماهير بسلامة سياسة القوى الثورية ، يقف بين أهم تكتيكات الثورة . ويتم اقتناع الجماهير بهذه السياسة ، بقدر صدق تعبيرها عن مصالح الشعب والجماهير . ان مراعاة ضرورة الاقتناع الجماهيري هذه ، هو الضمان لقيادة سياسية صحيحة ، لا تلهث وراء الجماهير ، ولا تجري أمامها ، بل تتقدم معها خطوة بخطوة .
وعلم الشعار السياسي هو علم الأحداث الجارية ، والشعار الذي كان بالأمس صحيحا ، قد يغدو اليوم خاطئا ، ويتم هذا التمييز بملاحظة ما في اللحظة الراهنة من جديد ، وحصر ملامحه الأصلية .
وكل حقبة تكون متجانسة نسبيا ، وتمثل سمة مميزة أساسية ، تجعلها مختلفة اختلافا نوعيا ، عن الحقبة السابقة . ان الاستجابة للجديد تتطلب نبض الأحداث ، مما يتطلب كفاءات فائقة الحساسية ، بما يمكنها من تغيير التكتيك ، توافقا مع ما استجد من ظروف ، وبدون تأخير . لأنه ، إذا لم تتغذى الثورة بالثورة المضادة ، فإنها ستفاجأ بأنها ضمن أطباق مائدة غداء الثورة المضادة .
2 ) التكتيك ليس مراوغة ولا ديماغوجية :
التكتيك ليس مرادفا للمراوغة والديماغوجية كما يحلو للبعض ان يستخدمه ابتذالاً ، بل هو تعيين خطة سلوك القوى الثورية ، خلال مرحلة قصيرة نسبيا ، مرحلة مدّ الحركة او جزرها ، نهوض الثورة او هبوطها ، والنضال من اجل تطبيق هذه الخطة ، بتبديل أشكال النضال والتنظيم القديمة ، بأشكال جديدة ، وبالتوفيق بين هذه الأشكال .. الى آخره ، فإنْ كان الهدف الاستراتيجي هو كسب الحرب مثلا ، فان التكتيك يأخذ على عاتقه أهدافا أقل شأنا ، إذ انه يسعى لا لكسب الحرب بمجموعها ، بل لكسب هذه او تلك من المناوشات ، او المعارك ، او الحملات . ان التكتيك هو جزء من الاستراتيجية ، جزء خاضع لها ، ووظيفته ان يخدمها .
ويقصد بالتكتيك عادة ، سياسة القوى الثورية التي تفصل بنود خطتها العامة ، وتعنى بحل المشاكل الملحة ، وتطرح أشكال وأساليب النضال المختلفة عبر المراحل والزمن المنظور .
والتكتيك لكي يكون مبينا على أصول علمية ، عليه مراعاة ميزان القوى بين الطبقات كافة ، وبالتالي مراعاة الدرجة الموضوعية لتطور هذا المجتمع ، والعلاقات بينه وبين سائر المجتمعات .
3 ) التكتيك بين اليميني الانتهازي واليساري المتطرف :
التكتيك هو تنظيم قيادة الصراع الثوري في المرحلة الثورية ، بين مد وجزر ، تقدم وتراجع ، نصر وهزيمة ..
إنه الاساليب ، إنه الاهداف القريبة ، ،نه المتغير ، إنه سياسة المدى القصير .
ترتبط التكتيكات بالهدف الاستراتيجي ، وتعمل في خدمته . ويجب الاّ يجري الاعلان الصاخب عن الهدف الاستراتيجي ، لتبرير وتغطية تكتيك خاطئ ، وتملي الرابطة بين الاهداف التكتيكية والهدف الاستراتيجي ، واجبات كل معركة .
تمارس التكتيكات بمرونة ، بينما يبقى الحسم مقترنا بالاستراتيجية ، فالمرونة في مجال الاستراتيجية ، ليست الاّ التفريط بعينه .
يقصر الانتهازي اليميني عمله على التكتيك ، ويسقط الاستراتيجية من حسابه ، ليبرر بذلك تراجعاته ، والتنازلات التي يقدمها لعدو الشعب والجماهير .
بينما يقفز المتطرف اليساري الى الاستراتيجية متخطيا التكتيك ضجرا ، متعجلا الوصول الى الثورة . فهو يريد ان يجني الثمرة حتى قبل ان يزرع البذرة والنواة .
4 ) التكتيك والمرونة :
إنّ على القوى الثورية أن تراعي أكثر المرونة ، من خلال اختيارها وتطبيقها لتكتيكاتها ، وأنْ تتفنن في استخدام هذه التكتيكات ، وأنْ تكون متهيئة لاستبدالها ، بسرعة قصوى وفجائية . وانْ تجمع بين اشكال النضال العلنية والسرية ، وانْ تعمل حيث توجد الجماهير . كما انّ عليها استغلال التناقضات ، ومواطن الضعف في معسكر الاعداء .
ان الستاتيكو والميل للاستسلام ، مرفوضان في العمل السياسي الثوري . لذا المرونة الضرورية في المعركة ، هي القدرة على التكيف السريع ، مع شروط المعركة السريعة التغيير ، وتجنب مواجهة عدو أرقى ، وأمتن ، وأقوى تجهيزا ، وأكبر حجما ، والإفادة من عجزه من المناورة ، لمهاجمته في المكان والزمان الأقل توقعا من جانبه .
انه من الخطأ ان تعتمد القوى الثورية على الصدام وحده . انّ عليها الاستعداد لكافة الحالات ، والتقلبات ، والمفاجئات . فلا يمكن تصور الثورة نفسها ، بشكل عمل وحيد ، إذْ انّ الثورة ستكون تعاقبا سريعا من الانفجارات أكثر ، أو أقل عنفا ، تتناوب مع فترات من الهدوء الاكثر أو الاقل عمقا . وبعبارة اخرى ، فان صراع الطبقات يتجلى كحرب ، حرب طويلة ، يتناوب فيها العنف الكامن المخفف ، مع العنف المكشوف ، وتختلف هذه الحرب عن الحروب العادية فقط ، في كونها أصعب وأشرس بمئة ضِعف ، وأطول وأكثر تعقيدا من أشرس الحروب بين الدول ...
5 ) انحصار الحركة الثورية :
إن انحصار الحركة الثورية ، يعني أن هناك أزمة ثورية . فماذا تعني الازمة الثورية ؟ هل الفشل ؟ هل الافلاس ؟ أم تعني ماذا ؟
في هذا التثقيف الايديولوجي والسياسي ، نعتبر الازمة الثورية ، الناتجة عن الانحصار الحركي الثوري ، خلال مرحلة معينة ، ومدة معينة ، أنها ليست فشلا ، ولا إفلاسا ، لكنها مرحلة عابرة تتغير بتغير الظروف ، وتغير الموازين التي تتحول مع مرور الزمن والصراع ، من القوة الى الضعف ، ومن الضعف الى القوة .
ان الازمة الثورية هي قبل كل شيء ، حركة شعبية عميقة وقوية ، لأنها تهز المجتمع من تحته الى رأسه ، من علاقاته الانتاجية ، الى افكاره ، ومؤسساته التنفيذية ، والتشريعية ، والقضائية .
انها تحدد نهاية حقبة وبداية أخرى ، وعندما تصبح العودة الى توازن ما قبل الازمة مستحيلة .
فبهزيمة الثورة ، يحل توازن أشد ميلا لصالح الثورة المضادة ، والعكس صحيح . فعندما ينسد طريق الازمة الثورية الظرفي ، فإنه يفسح المجال أوتوماتيكيا للجديد ، كي يشق طريقه عبر القديم .
في حصول الازمة الثورية ، يلعب الفكر والوعي السياسي دورا حاسما ، وينمو دورهما باضطراد ، كما ان اسلوب التعامل ، يكون بالحسم ، فيلتحم الاستراتيجي بالتكتيكي ، ويترادفان ، وتتم رؤية القريب من خلال المنظور البعيد .
هنا على القوى الثورية ، المرتبطة عضويا بالجماهير، وبالشعب المقموع ، المُبنّج ، والمُخدّر بدعايات الاجهزة الايديولوجية للدولة ، أن ترتقي الى مستوى المرحلة . فعوض الاطناب في الاستعراض الفلسفي ، للمصطلحات السياسية التي يجهلها الشعب بفعل الامية ، على التنظيمات الثورية ان تستلهم خطاب الاسلاميين البسيط ، الذي جلب لهم المئات ، بل الآلاف من المنتسبين الجدد . فعلى الاحزاب الثورية اللجوء الى الشعارات البسيطة المؤثرة ، من قبيل الاسلام ، الارض ، الخبز ، العيش ، الكرامة ، الشغل ، التطبيب ، السكن ، الرعاية ، وكل الحقوق المادية والمعنوية ، والارتباط بالقضايا القومية التي تثير أحاسيس الشعب ، من قبيل القدس ، فلسطين ، سبتة ومليلية والجزر الجعفرية .. الخ .
6 ) الازمة الثورية :
خلال المعارك الطبقية ، خلال المعارك الاجتماعية ، تحتدم التناقضات الطبقية والاجتماعية ، أكثر فأكثر . ومع وصول الصراع الطبقي والاجتماعي ذروته ، فإن أزمات ثورية تظهر فجأة من دون إخبار ، ولا إعلام .
والتنظير لأيّ ثورة ، يكون من قبيل المستحيلات ، بدون حصول أزمة ثورية . انّ مؤشرات هذه الازمة التي ستفجر الوضع الراكد :
1 – عجز الطبقات السائدة عن الاحتفاظ بالسلطة ، فيحصل تعدد مصادر القرار ، دون فرز جهة أساسية لهذا الإصدار ، حيث يسود اللبس والغموض المفضيان الى التّيه ، وفقدان بوصلة الاتجاه الصحيح ، ودخول الجميع في دوامة ستعجل ، او هي الازمة بحد ذاتها .
2 – تفاقم بؤس الطبقات المقهورة ، ومعاناتها من الجوع ومن الامراض المختلفة ، خاصة المزمنة و المستعصية عن العلاج .
3 – تعاظم حركة الجماهير ، ورفضها الاستمرار تحت سلطة النظام الحاكم ، الذي سيصبح بهذا الرفض الجماهيري ، مغتصبا للدولة ، وناهبا للثروة .
على أنّ الثورة ، وأية ثورة ، لا تنفجر إلاّ إذا أضيف الى العوامل الثلاث السالفة الذكر ، العامل الذاتي . ونعني به الطبقات الثورية الموحدة ، القوية ، وكتلتها او جبهتها الثورية الصلبة ، المُحْكمة ، والتي تنجح في لفّ الجماهير الشعبية العريضة من حولها ، وقيادتها في النضال الثوري . فنضوج الوعي الثوري ، يتطلب نضوج الأداة الثورية ، وبدون نضوج هذه الأداة ، تستحيل الثورة .
ان الازمة الثورية ، تهز المجتمع من بناه السفلي ، الى بناه العلوي ، من علاقاته الإنتاجية ، الى أفكاره ومؤسساته التشريعية . فالأزمة الثورية هي قبل كل شيء ، حركة شعبية ، عميقة ، وقوية .
ان الازمة الثورية ، هي وحدها المؤهلة لتحديد نهاية حقبة ، وبداية حقبة أخرى . وعندما تصبح العودة الى توازن ما قبل الازمة مستحيلة ، فبهزيمة الثورة ، يحل توازن أشد ميلا لصالح الثورة المضادة ، والعكس صحيحا .
في الازمة الثورية ينسد الطريق ، مما يفسح المجال للجديد المنتظر ، كي يشق طريقه عبر القديم الى الامام .
وحتى تفيد الكتلة التاريخية التقدمية التي يجب ان تكون مفتوحة لكل قوى التغيير ، او الجبهة التقدمية الديمقراطية ، من ظرْف الازمة الثورية ، فان عليها ككتلة او جبهة ، اللجوء الى قرارات وشعارات بسيطة ، ممكنة ، ومكثفة . مثل السلام ، الخبز ، الأرض ، العدل ، المساواة ، عدم الإفلات من العقاب ، والمسؤولية بالمحاسبة ... الخ .
في ظرف الازمة الثورية ، يسود أسلوب التعامل بالحسم ، ويلتحم الاستراتيجي بالتكتيكي ، ويترادفان ، وتتم رؤية القريب من خلال المنظور البعيد .ان السمة الرئيسية للثورة الحقيقية ، هي في الزيادة الخارقة في عدد السكان ، الذين ينجذبون للمشاركة في الحياة السياسية .
ويلعب الفكر والوعي السياسي دورا حاسما في الازمة الثورية ، وينمو دورهما باطراد . وتنضج الازمة ، ويتضمن هذا النضج تأثيرا متبادلا بين الموضوعي والذاتي . وما انْ يتحدد الذاتي ، حتى يصبح هو العامل الحاسم . فالوعي المزود بالمعرفة ، يصبح سلاحا فتاكا .
يتحدد نشاط الكتلة التاريخية ، او الجبهة التقدمية الديمقراطية في الازمة الثورية ، باعتباره عاملا ذاتيا ، فيغدو واقعا موضوعيا ، فيغير مجرى الاحداث نحو حسم مسألة الحكم . ومن الناحية الاستراتيجية ، فان الكتلة التاريخية او الجبهة التقدمية ، تستعد الاستعداد الكامل ، لمواجهة الازمة الثورية .
أما من الناحية التكتيكية ، فان الكتلة او الجبهة ، تعتني بكل لحظة ، بكل تفاعل ، بالنجاح والفشل ، بوثبات وانتكاسات الحركة الظاهرة او الواقعة ، وبالانتصارات الاجمالية او المحلية ، بالهزائم وسواها . وتتجه الشعارات على أساس الوضع الراهن ، الى انضاج الازمة ، وتقدم حلولا ثورية في جميع المجالات : الاقتصادية ، والاجتماعية ، والسياسية ، والفكرية ، وسواها . بيد ان الشعارات وحدها لا تكفي . فتنظيم النضال في جميع المجالات ، هو وحده الذي يحسم الامر ، كما يقول ضباط الجيش المحترف الكبار .
هكذا ، نرى انّ ثمة ديالكتيك للازمة الثورية . وتندمج الكتلة التاريخية او الجبهة التقدمية في هذا الديالكتيك ، باعتباره عنصرا جوهريا .
فكلما ازداد الوضع تفاقما ، كلما ازدادت الاحداث ، وحركتها ، ارتباطا بالكتلة او بالجبهة . ففي هذا ، وعبره ، يصبح الوعي ، والمعرفة ، والفكرة أفعالا ، وثمرة عملية .
وعلى تحليل الوضع ، يتوقف تحديد الحلقة الرئيسية من السلسلة التي ينبغي شدّها ، مثل سحب مجموع الحلقات ، وذلك في عقد الاحداث والاشكال .
في الازمة الثورية ، كما في العركة الحربية ، ثمة ظرف زمان ، و ظرف مكان ، ووضع مناسب . وهي أمور اصطلح على تسميتها مجتمعة ، باللحظة الثورية ، تلك التي يتحتم على كتلة او جبهة الثورة ، انْ تعيها، وتتحرك بالسرعة القياسية ، بلا تأخير او تقديم ، للإفادة منها .
وبالرغم من أنّ اللحظة الثورية هي أزمة ثورية ، فان الازمة الثورية ليست ، بالضرورة ، لحظة ثورية . إذ يفتقر ظرف الأزمة أحيانا ، الى العامل الذاتي المؤهل ، الى الكتلة او الجبهة الثورية ، والطبقة الثورية ، والجماهير المهيأة للثورة .
كما ان في ظرف الازمة الثورية ، يستطيع النظام السياسي الدكتاتوري والبوليسي ، انْ يجد دائما ، بدائل للمحافظة على الوضع القائم ، كمسرحية تعديل الدستور لتجنب التغيير ، او يتظاهر بتغيير جلده ، بغية الاحتفاظ بالحكم والسلطة ، وتفويت الفرصة على القوى الثورية . في حين لا تقبل اللحظة الثورية بديلا عن الحسم ، بانتصار أحد المعسكرين المتصارعين انتصارا ساحقا .
فعلى الكتلة التاريخية او الجبهة التقدمية ان تستجيب للحظة الثورية ، حين يشبهون انتصار الثورة " طُنّاً معلقاً بشعرة " ، حين يكون العدو في أسوأ حالاته ، ضعيفا ، مفككا ، وحين يكون نشاط القوى التقدمية الديمقراطية من الشعب في أوجه .
وينبغي على المناضل الثوري ان يفيد من أبسط مظاهر الاحتجاج ، ضد النظام الحاكم المعادي القائم ، ويجدلها ( جدول ) جميعا في " حزمة العمل ضد هذا النظام " . وبالرغم من الحاجة الماسة الى الدعاة ، فان صحف الكتلة التاريخية او الجبهة التقدمية الديمقراطية ، هي الأداة الأفضل في الدعاية الثورية ، من اجل فضح النظام المعادي ، تمهيدا لتدميره ، بعد فض الحلفاء من حوله ، وتبصير من ضللهم بكلامه المعسول .
عندها تقفز الثورة الجماهيرية الشعبية الى رأس السلم الأولويات ، في جدول اعمال الكتلة التاريخية ، او الجبهة التقدمية .
7 ) الثورة :
الثورة هي أعلى اشكال الصراع الطبقي والمجتمعي ، وهي أيضا ، وباختصار ، إطاحة طبقة بحكم طبقة ، او إطاحة النظام من قبل الشعب ، اذا تراصت صفوفه ، وتقوت عزيمته ، وهي أيضا ليست مؤامرة ، او انقلابا تقوم به حفنة من الثوريين النشطين ، تبقي القديم على حاله . ولكنها عمل كفاحي ، ونضال جماهيري ، تتقدمه الجماهير والشعب ، وتقوده الكتلة التاريخية ، او تقوده الجبهة التقدمية الديمقراطية .
ان هذه الثورة ، هي أولا نتاج منطقي لاستفحال التناقضات الطبقية في الدولة ، وثانيا نتيجة الازمة العامة على نطاق الامة ، وهي ثالثا بسبب انفجار السخط الشعبي . انها تعني استعداد الجماهير للقيام بأعمال تستهدف الإطاحة بالمُستغِلين ، وإقامة سلطة ، ونظام ، وحكم الكادحين على أنقضها .
إنّ كافة التغييرات التي تقع في المجتمع ، وأيّ مجتمع ، تعود في الأساس ، الى تطور التناقضات الداخلية فيه، وهي التناقضات بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج ، والتناقض بين القديم والجديد كصراع الأجيال .
ان تطور هذه التناقضات ، هو الذي يدفع المجتمع الى الامام ، ويصبح حافزا للقضاء على المجتمع القديم ، ليحل المجتمع الجديد محله . وهكذا ، حين تنتصر الثورة ، فإنها تحسم التناقض بين قوى الإنتاج الجديدة ، وعلاقات الإنتاج القديمة . انها هدم بالعنف لبناء فوقي سياسي قديم ولّى عهده ، وأدى تناقضه مع علاقات الإنتاج الجديدة ، في لحظة معينة ، الى افلاسه . أي ان الثورة تغيير عنيف ، واسع ، شامل ، وجذري للبنى الاقتصادية ، والاجتماعية ، والسياسية .
ومعنى هذا كله ، هو ان الثورة ثمرة تطور موضوعي ، يتم وفق قوانين موضوعية . فالأمور رهْنٌ بأوقاتها ، حيث تنضج المسائل في وقت بعينه ، وتتغير الظروف ، وتنضج الطبقات المؤهلة على حسم الامر . فللعنصر الذاتي دور إيجابي ، بقدر ما يتمثل هذه القوانين ويفيد منها .
ومن هنا ، لا بد للثورة من كتلة تاريخية ثورية ، او جبهة تقدمية ديمقراطية ثورية ، مسلحة بالنظرية الثورية . اذ لا يتم انجاز الثورة تلقائيا ، عفويا ، بدون تدخل الثوريين ، وارتكازهم الى الظروف الموضوعية وحدها .
والثورة ليست معركة واحدة ، بل هي سلسلة من المعارك الاقتصادية ، والسياسية ، والعسكرية ، تمر خلالها الثورة بسلسلة من الانتصارات والاخفاقات .
8 ) ثورة واحدة وسيناريوهات مختلفة :
تختلف صور إنجاز الثورات من بلد الى آخر ، ومن مرحلة لأخرى . وهذه الثورة الاشتراكية تنتصر في بلدان عدة ، ولكن بسيناريوهات مختلفة .. مثلا أزمة وزارية ترافقها احتجاجات ، واجتماعات ، ومظاهرات متصلة بالشارع ( ربيع براگ ) ( بولونية ) ، ( المانية ) الشرقية ، رومانية .... الخ ، حرب تحرير شعبية طويلة الامد ، تشتعل انطلاقا من البادية ( الصين ) ، ثورة عمالية في العاصمة ( بتروگراد ) ، نزول الشعب الى الشارع ( ايران ) ، مفاوضات دبلوماسية بين حلفاء ، استندت الى القوة الحاسمة للجيش الأحمر ( بلدان اوربة الشرقية ) ، حرب عصابات مستقلة ووطنية ( كوبا – الفيتنام – الكمبودج – نكراگوة ) ، انتفاضة وانقلاب الضباط الاحرار باسم الثورة ( مصر جمال عبد النصر ، انقلاب الضباط الوطنيين الاحرار في المغرب في انقلاب 1971 ، انقلاب ثورة الفاتح من سبتمبر ليبيا سنة 1967 )... الخ . ولا تشكل ، وحسب ، نماذج متميزة من القيادات الثورية ، وأسلوب عمل وحياة ، وطرازا معينا من تحقيق الذات بالنسبة للجماهير ، تختلف بحسب الحالة ، وإنما تحدد ، كذلك ، طبيعة التحالفات الطبقية ، وهوية القوة الاجتماعية التي تلعب ، فعليا ، دور الطليعة ، وتحدد الدور المهيمن للجيش ، او الكتلة / الجبهة ، او جبهة الأحزاب في قيادة الدولة .
9 ) السلطة هدف الثورة :
وأيا كانت الصورة التي تنجز بها الثورة ، فان هدفها يظل واحدا ، وهو : السلطة ، الوصول اليها ، والاحتفاظ بها ، والدفاع عنها . وغني عن القول بأن امتلاك السلطة لا يكون لذاته ، بل من اجل تنفيذ برنامج الكتلة التاريخية الثورية ، او الجبهة الوطنية التقدمية الديمقراطية .
وانتصار الثورة رهن بمستوى اليقظة وسط الجماهير والشعب ، وبمستوى حركة الكتلة او الجبة ، التنظيمي والكفاحي ، وبالموقف السياسي في الداخل كما في الخارج .
وعند دراسة مسألة الاستيلاء على السلطة ، فان على الكتلة او الجبهة ان تحتل موقع القوة القائدة المبدعة ، القادرة على قيادة الجماهير .
اما الاحتفاظ بالسلطة ، فانه يتطلب عملا أيديولوجيا ، ودعائيا ، وتنظيميا نشطاً ودؤوباً ، من اجل جعل الجماهير الشعبية ، واعية تماماً بالأهمية التاريخية للثورة ، ومنجزاتها ، والمكاسب التي تحققها للطبقات الكادحة .
وبقدر ما تقترب طبقة مضطهدة من امتلاك السلطة ، بقدر تزداد عقبات استلام السلطة امام طلائع هذا الطبقة . فحشد الجماهير الشعبية في كتلة تاريخية او جبهة تقدمية وطنية وديمقراطية سيعقبه ، في القطب الاخر ، تجمع القوى الرجعية ، الأسرع والأفضل تسليحا ، خاصة وانها تمتلك آلية الدولة ، وهذا التجمع حتمي ، فليس من المعقول تصور الفعل دون رد الفعل .
وينتج الانتصار عن عمل سياسي متراكم ، في شكل خبرة الكتلة او الجبهة ، ونمو منظماتها ، واتساع دائرة جماهيرها ... الخ .
ولا ثورة بدون عنف . فمن وجهة النظر الطبقية ، تتضمن الثورة استخدام القوة ، وتعمل الكتلة او الجبهة على تحصين الشعب بهذه الروح . فمن الطبيعي الا تتخلى البرجوازية عن سلطتها طواعية ، وحتى بعد ان تمنى بالهزيمة ، فان تآمرها على السلطة الوليدة لن يتوقف ، ويتسم تآمرها هذا بالدموية والشراسة .
وخلال الكفاح ، فان العنصر السياسي لا ينعزل ، قط ، عن لاقتصادي والاجتماعي . وفي الفترات الهادئة نسبيا ، يسيطر الاقتصادي على الاجتماعي والسياسي .. انه يحددهما . ثم تأتي فترة ازمة طويلة او قصيرة . وعندئذ يحدث العكس . فالعمل السياسي ، الذي حددته الازمة على انه هزة وأزمة في الأساس ، يحدد بدوره ، العامل الاقتصادي ، ويصبح أساسياً ، آنئذ ، في الشكل الاقتصادي – الاجتماعي. اذ يندمج في تاريخه ، سواء حلت الازمة حلا ثوريا ، او حدثت نكسة .
10 ) الانتفاضة :
وعندما يلح قرار تفجير الانتفاضة ، فان على قيادة الكتلة التاريخية او الجبهة ان تبادر باتخاذ هذا القرار ، دون تبكير او تأخير . وتبقى بعد ذلك خطة الانتفاضة ، الخطة التي تتعامل مع الانتفاضة باعتبارها فناً ، ككل الفنون ، له قوانينه وأصوله .
وكلما اتسمت خطوات الكتلة اة الجبهة بالثقة والباسلة ، كلما امكن شل ذبذبة القوى الوسيطة ، لصالح الثورة ، وكلما ازدادت الطبقات الحاكمة ارتباكا وفزعا .
ولا تتوفر الثقة والبسالة للكتلة او الجبهة بدون اتسامها بالتجانس الفكري ، والصلابة ، وبدون ميل ميزان القوى لصالح الثورة ، وامتلاك الكتلة او الجبهة قيادة ثورية جريئة .
وتتطلب الانتفاضة قيادة سليمة ، مرنة للجماهير ، وخطة محكمة ، ويقظة ، واندفاعا ثوريا .
وبعد اتخاذ القرار بتفجير الانتفاضة ، يبقى على الكتلة او الجبهة ان تقاتل بالجماهير ، معها ، وعلى راسها . فلا يجب اللعب ابدا بالانتفاضة ، قبل التحضير لها ، ان يكون هناك استعداد لمواجهة عواقبها . فالانتفاضة معادلة ارقامها غير محدودة اطلاقا ، وقد تتغير كل يوم ، لان القوى المعادية تتفوق على المعارضة ، من حيث التنظيم والانضباط ، واشتغالها تحت أوامر السلطة .
فمتى بدأت الانتفاضة ، فيجب العمل بأشد الحزم بالمبادرة الى الهجوم . فالدفاع موت كل ثورة مسلحة . فيجب مباغتة العدو حين تكون صفوفه مشتتة ، مبعثرة ، ويجب اليقظة لأحراز انتصارات جديدة ، وان كانت طفيفة ، شرط ان تكون يومية ، مع ضرورة الحفاظ على التفوق المعنوي الذي تم اكتسابه في اول حركة للثورة تكللت بالنجاح . كما يجب ابعاد العناصر المترددة ، والعمل على اكراه العدو على التراجع .. فالجرأة .. الجرأة اليوم ، والجرأة ابداً .
وبالنسبة لخطوات الانتفاضة وواجبات الثوار فيها ، الإسراع بتشكيل هيئة اركان حرب لفصائل الثوار ضمن الكتلة التاريخية او الجبهة التقدمية ، وتنظيم اتصال ، سلكي ولا سلكي ، مع كافة فصائل الثورة ، وتوجيه القوات الأشد اخلاصا نحو اهم المراكز الحساسة في الدولة ، لتطويقها واحتلالها ، واعتقال رموز الدولة وحكامها من سياسيين وعسكريين ، مع السيطرة ومراقبة مداخل العاصمة ، وقطع طرق الامداد عن القوات المعادية ، وتعبئة الجماهير المسلحة ، والعمل على ضم القطاعات العسكرية الى الثورة ( ايران ) ، من خلال النشاط الثوري المتصاعد ، من إضرابات ، مظاهرات ، اعتصامات ، وصولا الى العصيان المدني الذي يعجل بقلب نظام قديم وخلق نظام جديد . فمعارك الشوارع ستغدي وستحفز العصيان المدني الذي يعتبر اخر شوط في الاستيلاء على الحكم .
وتصبح حرب الأنصار شكلا نضاليا لا مفر من خوضه وممارسته ، خلال الانتفاضة الشعبية الجماهيرية . ولا يجب ان يفزع المناضل الثوري من حرب الشوارع التي قد تتطور الى الحرب الاهلية ، بل عليه ان يفهمها في اطار فهمه لطبيعة الصراع الطبقي .
ان من يقر بالصراع الطبقي لا بد وان يسلم بضرورة الحروب الاهلية . حيث هي في كل مجتمع طبقي ، الامتداد الطبيعيّ ، التطور الطبيعي ، التفاقم الطبيعي ، للنضال الطبقي والتي هي ، في بعض الظروف ، الامتداد المحتوم ، التطور المحتوم للصراع الطبقي .
الخلاصة :
--- لا تكفي المقدمات الاقتصادية لتفجير الثورة ، فالامر يحتاج أيضا ، الى وضع ثوري .
--- لا تقع الثورة بالصدفة ، كما لا تصنع حسب الطلب ، ولا يمكن إنجازها بواسطة حفنة من " المناضلين " المعزولين عن الجماهير الشعبية ، بالأحزاب الثورية والديمقراطية والتقدمية المشكلة للكتلة التاريخية او المشكلة للجبهة التقدمية التي تقود الجماهير .
--- الثورة لا تصدر ، بل تنضج داخليا .
--- والثورة لا تنجز تلقائيا ، بل بانتفاضة مسلحة تخطط لها أحزاب الكتلة التاريخية او الجبهة التقدمية ، وتقودها ، وتنفذها الجماهير .
الانتفاضة فن لا بد من استيعاب قوانينه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا قال النائب الفرنسي الذي رفع العلم الفلسطيني في الجمعية


.. لا التحذيرات ولا القرارات ولا الاحتجاجات قادرة على وقف الهجو




.. تحديات وأمواج عاتية وأضرار.. شاهد ما حل بالرصيف العائم في غز


.. لجنة التاريخ والذاكرة الجزائرية الفرنسية تعقد اجتماعها الخام




.. إياد الفرا: الاعتبارات السياسية حاضرة في اجتياح رفح