الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب شمس الرجاء (17) --- الفصل الخامس عشر --- القصة الخامسة عشر: رجاء الأوفياء

توماس برنابا

2023 / 4 / 11
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


كان الأستاذ فريد يجثو باكيًا بجانب جثمان زوجته فايزة، وهو يصرخ قائلًا:

- أه! يا زوجتي العزيزة.. لن أجد في الحياة معنىّ من بعدك.. لماذا ولمن تركتي زوجك العجوز؟ أه! يا امرأة عمري، وزهرة شبابي وشيخوختي! أه! يا فايزة! أه!

استدعى صراخ الأستاذ فريد بعض من الجيران والأصدقاء، وراحوا يتهامسون فيما بينهم حينما رأوا المشهد.. فقال أحدهم لصديقه:

- لقد أرتاح الأستاذ فريد أخيرًا بعد موت زوجته العاجزة..

- بالطبع يا مُفيد! لقد أفنىّ حياته في خدمتها وهي بلا حول ولا قوة منذ أربعون عامًا مضت.. لا أعلم كيف تحمل الأستاذ فريد كل هذا العناء؟!

- ألم يكن من الأجدر له أن يتركها ليرعاها أحد أقاربها، ويتزوج هو بأخرى حتى ينجب أطفالًا بدلًا من حرمانه طوال أربعون عامًا من حضن الزوجة وحضانة الأطفال؟!

- هل تعلم يا مُفيد مِمَا كانت تُعاني زوجة الأستاذ فريد الراحلة؟!

- كانت يا فتحي تُعاني من مرض وراثي نادر، بدأ ينهش فيها وهي في العشرين من عمرها، وبعد زواجها بستة أشهر فقط! أصاب هذا المرض أطرافها الأربعة ولسانها فعجزت عن الحركة وعن الكلام في غضون أسابيع قليلة. لقد أنقضىّ الآن أربعون عامًا والأستاذ فريد بوفاء غريب يقوم على خدمتها بتفاني شديد بجانب عمله الذي خَفَضَ عدد ساعاته إلى ثلاث ساعات عمل يوميًا فقط، حتى يتفرغ لرعاية زوجته المُقعدة..

- كم أتعجب من ذلك الإنسان يا أستاذ مُفيد! دعنا نُسري عن نفسه قليلًا ونساعده على إرسال جثمان زوجته لمثواه الأخير..

فتوجه كلًا من فتحي ومُفيد للأستاذ فريد وحادثاه قائلين:

- لتتشدد يا رجل! البقاء لله وحده!

- نعم يا أستاذ فريد لقد أستراحت زوجتك من مرضها وأتعابها، وذهبت إلى عالم يخلو من الأمراض والأحزان..

نظر إليهما الأستاذ فريد والوجوم قد خيم على وجهه، فحمل جثمان زوجته الشديد النحافة، وضمه إلى صدره وهو صامت لعل حرارة جسده توقظ زوجته من برودة الموت!

وأنسابت البرودة إلى جسده شيئًا فشيئًا. بعد أن كان يُعافر ويكافح بكل قوته لخدمة زوجته الحبيبة، وبدأ يشعر بالضعف والعجز والشيخوخة تسري إلى نفسه وجسده بعد أن فَرغت الدنيا من الأحباء وهو الأن قد بلغ من العمر الخامسة والستين..

ثم نظر إلى السماء قائلًا:

- أشكرك يا الله لأنك أطلت في عمري حتى أُراعيها.. والآن لِتُطلقني أنا أيضًا من هذه الدنيا بسلام، فلم تعد الحياة ذات معنى بالنسبة لي..
*****

قرأ مدحت القصة، ثم انخرط في تفكير عميق، وراح يسأل نفسه: "أَيوجد الآن مثل هذا الوفاء؟ أم أن هذا مجرد خيال لمثالية لا وجود لها؟!

أَيُمكن أن ينتصر الوفاء على الغريزة الجنسية المشروعة وغريزة الأبوة؟!

في تمام الساعة السابعة، قام الأستاذ نشأت بالإتصال بمدحت عبر الأنترنت، ودار بينهما الحوار التالي:


حوار الليلة السادسة عشر

- مساء الخير يا مدحت..

- مساء النور يا أستاذ نشأت.. أخبرني من فضلك يا نشأت أن قصة اليوم قصة غير واقعية، وقد كتبتها أنت من خيالك الخصب حتى يرتئي القاريء لقدر ما من هذا الوفاء المثالي الذي تنادي به هذه القصة..

- لا يا صديقي.. إنها قصة واقعية ومستمدة من أحداث حقيقية وقعت بالفعل في إحدى المُدن..

- أَمعقول يا نشأت أن يصل الوفاء إلى هذا القدر من التضحية بالحقوق الشرعية المكفولة لأي إنسان؟

- هذا معقول وممكن يا صديقي مدحت.. حينما يسود الحب، تتصاغر كل الأشياء أمامه وتتضائل تدريجيًا إلى أن تختفي من نفس المُحب ليكون بعد ذلك شعلة حية من الوفاء والتضحية نحو مَنْ يُحب!

- لكني لا أرى هذا يا نشأت من حولي..

- تَغلُب المصلحة على أغلب الزيجات في مصر في هذه الأيام، لذلك تَكثر حالات الطلاق والخيانة، حينما يُصدم أحد الطرفين في عدم تحقق ما كان يصبو إليه من مصلحة في الطرف الأخر..

وهناك من يتزوج ليس لأي هدف سوى أن الزواج شر لا بُد منه، مُعتبرينه واسطة شرعية لممارسة الجنس وإنجاب الذرية ليس إلا!

وأغلب من يُحب من الشباب يتلاشى حُبهم حينما يصطدم مع صخرة الواقع من مشكلات زوجية، سواء الاقتصادية منها أم الاجتماعية، ليتحطم تمامًا! ويكون الطرفان بذلك أمام خياران؛ إما الانفصال وليتابع كلًا منهما حياته بعيدًا عن الأخر، أم أن يواصلا حياتيهما بلا أي حُب ولكن بدافع الواجب الأسري نحو الأولاد..

- ولكن يا صديقي نشأت، ربما تجد رجاء وجزاء للوفاء بين زوجين طبيعين، ولكن أي رجاء هذا لمثل الأستاذ فريد، هذا المكلوم في زوجته؟

- لقد عاش الأستاذ فريد فترة شبابه وكهولته لأكثر من أربعين عامًا في حب وعطاء أثمرا في صفاء نفسه وذهنه وصحته وبدنه.. وأنني أكاد أجزم أن مثل الأستاذ فريد قلما يُصاب بأي أمراض، وربما يطول عُمره لأكثر من عشرون عامًا إضافية، يعيشهم على ذكريات الحب مع زوجته. بالإضافة إلى أن قصته سَتُلهم المُحبين في كافة أرجاء العالم ليصبح الأستاذ فريد أيقونة للوفاء يتطلع إليها الجميع، ويصبون إلى تحقيق أكبر قدر منه في حياتهم الخاصة..


ولا تنسى أن الدنيا هي دار شقاء، والمجازاة الأبدية المُرتقبة هي في إنتظار مثل هذه الأنفس الطاهرة! وطوبىّ يا صديقي لمن لا يعيش لنفسه، بل لمُحبيه وغيرهم من الناس..

- أَخجلتني يا نشأت بالفعل.. وبالصدق أجبت! لم يَعُد لي الآن أي مجال للزيادة على ما قُلت.. ولذلك أنتظر منك لمحة عن قصة الغد..

- ستكون يا صديقي العزيز عن امرأة أخطأت وحملت سِفاحًا دون زواج.. فإلى اللقاء

- مساؤك سعيد يا صديقي وإلى لقاء الغد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: هل تستطيع أوروبا تجهيز نفسها بدرع مضاد للصواريخ؟ • فر


.. قتيلان برصاص الجيش الإسرائيلي قرب جنين في الضفة الغربية




.. روسيا.. السلطات تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة| #ا


.. محمد هلسة: نتنياهو يطيل الحرب لمحاولة التملص من الأطواق التي




.. وصول 3 مصابين لمستشفى غزة الأوروبي إثر انفجار ذخائر من مخلفا