الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد يونس .. يستحق أكثر من نوبل

عبدالله المدني

2006 / 10 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


أيدي تصنع الموت و أخرى تصنع الحياة:
محمد يونس .. يستحق أكثر من نوبل

بينما كان ديكتاتور كوريا الشمالية كيم ايل جونغ يهدد جيرانه بسلاح الدمار على اثر تجربة بلاده النووية هذا الشهر، من بعد أن أفقر شعبه و أوصله إلى حافة المجاعة، كان هناك في الطرف الآخر من القارة الآسيوية من يحتفل بفوزه بأشهر الجوائز العالمية، تقديرا واعترافا بجهوده في إنقاذ الملايين من مواطنيه من الهلاك و العوز. إنها حقا مفارقة عجيبة، لئن عكست شيئا، فإنما تعكس حقيقة أنه إذا كان في العالم النامي قادة حمقى يسعون إلى الخراب و التدمير، وجماعات إرهابية تتلذذ بإسالة دماء الأبرياء وإزهاق أرواحهم، فانه في المقابل يوجد من يسعى بعلمه إلى البناء وخير البشرية.

كنت قد شاركت مع الأكاديمية الزميلة د. جميلة المحاري قبل عام في ندوة في البحرين حول موضوع مؤسسات الأعمال متناهية الصغر ودورها في مكافحة البطالة و الفقر. في تلك الندوة حرصت على استعراض التجربة الآسيوية في هذا المجال، و توقفت طويلا عند تجربة بنغلاديش الرائدة والمحفزة للآخرين و التي قادها البروفسور محمد يونس. وقتها فؤجى الحضور باسم الرجل وجهوده وإنجازاته، لكن اليوم بات هذا الرجل نفسه اشهر من نار على علم بعيد اختياره من بين 190 مرشحا لنيل جائزة نوبل للسلام لهذا العام، فيما صار "الرفيق المبجل" كيم ايل جونغ اشد عزلة و أكثر ازدراء من العالم باستثناء بعض العرب و المسلمين من هواة العنتريات والشعارات الفارغة.

و الحقيقة أن يونس يستحق أكثر من نوبل، بل يستحق أن يكون في قمة السلطة في بلاده، لأن ما أرساه و حققه من نجاح بات نموذجا يحتذى به في العالم اجمع، لجهة محاولة تخليص ملايين البشر من الفقر و البطالة و تأسيس التنمية الاقتصادية و الاجتماعية من القاعدة بجهود ذاتية وإمكانيات متواضعة. و من هنا فان قصة الرجل لا بد أن تروى و تروج بتفاصيلها الدقيقة.

بدأ يونس منذ سبعينات القرن المنصرم يروج لفكرة أن الفقراء من النساء و الشباب وربات المنازل يمكنهم أن يتحولوا إلى رموز ناجحة في دنيا المال و الأعمال إن منحوا سبيلا للحصول على الحد الأدنى من نفقات تأسيس مشاريع متناهية الصغر.

الفكرة جاءته و اختمرت في ذهنه من حكاية امرأة قروية تعمل في صناعة الكراسي المصنوعة من البامبو، كان أن صادفها في الطريق بالقرب من جامعته. و من حديثه معها عرف أنها لكي تشترى المواد الخام اللازمة لصناعة تلك المقاعد تضطر إلى الاقتراض من التجار الذين تبيع عليهم لاحقا منتجاتها. و لأنها تعتمد عليهم في الاقتراض و في تصريف بضائعها، فإنهم يتحكمون في تحديد سعري فوائد القروض و شراء المنتج، و لا يتركون لها سوى هامش من الربح لا يتعدى السنتين في اليوم، و بما لا يتيح أمامها أية فرصة لتطوير عملها و بالتالي تحسين أحوالها المعيشية.

استنتج يونس من قصة تلك المرأة البنغالية، انه لو وجدت جهة بعيدة عن الطمع والاستغلال لتمد هذه السيدة و مثيلاتها بقروض ميسرة ذات فوائد متدنية، لاستطعن التخلص من العبودية ولتمكن من توسعة أعمالهن و التحول تدريجيا إلى مصاف سيدات الأعمال الناجحات. ولكي يثبت صحة فكرته أقرض 27 دولارا من ماله الخاص لعدد من النسوة الفقراء لإعانتهن على بدء أنشطة حرفية صغيرة، و جلس ينتظر النتيجة التي جاءت مشجعة.

و لأن المصارف التقليدية التي طلب دعمها، بخلت عليه وشككت في نجاح مشروعه، فانه لجأ إلى امكاناته الذاتية، فوظف مؤهلاته العلمية و خبرته المهنية في تأسيس بنك سماه "غرامين GRAMEEN" التي تعني القرية بالبنغالية ، و وضع لهذا البنك سياسات ومواصفات خاصة تقوم على إقراض أموال بسيطة دون ضمانات للمواطنين الفقراء، لا سيما أولئك الذين لا يملكون ما يرهنونه من اجل الحصول على القروض.

هذا المصرف استطاع منذ تأسيسه في عام 1976 وحتى الآن أن يقدم 5.7 بليون دولار في صورة قروض صغيرة لنحو 6.6 مليون مواطن بنغالي ثلاثة أرباعهم من النساء و ثلثاهم من المنصفين تحت خط الفقر، و صار اليوم يملك نحو 2200 فرع في أرجاء بنغلاديش. لكن الأهم من ذلك أن فكرته نسخت في دول كثيرة و بما حرر نحو مئة مليون إنسان من الفقر. أما المشروعات الصغيرة التي مولها البنك فقد شملت إنتاج أشياء متنوعة تراوحت ما بين الفطائر والحلويات و الشموع والمظلات و شباك الصيد و الستائر وأدوات التجميل والأقلام والأثاث والهواتف النقالة أو تأسيس ورش للنجارة و الصباغة والسباكة و النقش وإصلاح السيارات. وطبقا ليونس فان 98 بالمئة من المقترضين تمكنوا من سداد قروضهم مع فوائدها في فترة قياسية بعدما نجحت مشاريعهم و كونوا فوائض تعينهم على توسعة أعمالهم. في مقابل هذا أشارت الإحصائيات إلى أن المصارف التقليدية الأخرى، و خاصة مصرف بنغلاديش للتنمية الصناعية الحكومي، لم تتمكن إلا من استرداد 10 بالمئة مما منحته من قروض، والذي ذهب معظمه إلى أناس اقل فقرا بضمان مساكنهم.

و بسبب النجاحات التي حققها يونس، انتشرت أخباره في العالم، بل أن حاكم ولاية اركانساس (رئيس الولايات المتحدة فيما بعد) بيل كلينتون أرسل في طلبه في أواسط الثمانينات و عهد إليه بمهمة إنشاء مصرف مماثل لمصرف غرامين في ولاية اركنساس لمساعدة شبابها و نسائها على تأسيس مشروعات صغيرة كمقدمة لمشروعات اكبر في المستقبل.

و يوجد اليوم في المكتبات كتاب يحكي القصة الكاملة لهذا الرجل غير الاعتيادي، عنوانه " كيف منحت ثورة محمد يونس في مجال القروض متناهية الصغر القوة للنساء .. من بنغلاديش إلى شيكاغو ". و كلمة " النساء" في عنوان الكتاب ليس إلا كناية عن كل الفئات المعطلة طاقاتها بسبب التهميش أو التمييز أو قلة الحيلة في بعض المجتمعات مثل مجتمعاتنا العربية، حيث يلعب الموروثان الديني و الاجتماعي و المجتمع الذكوري دورا في تعطيل طاقة نصف عدد السكان بصورة أو بأخرى، على نحو ما ورد في تقارير التنمية البشرية الخاصة بالعالم العربي. لكن الكتاب يروي أيضا سيرة الرجل من ميلاده في عام 1940 في تشيتاغونغ لأب (حاجي دولا ميا) كان يملك محلا للمجوهرات وأم ( صفية خاتون) كانت متفرغة لأعمال المنزل، و حتى انضمامه في عام 1972 إلى سلك التدريس في جامعة تشيتاغونغ كأستاذ للاقتصاد، مرورا بمراحل حلوله في المركز السادس بين 36 ألف طالب تقدموا لامتحانات القبول في الجامعة، وحصوله على بكالوريوس وماجستير الاقتصاد من جامعة دكا، و نيله الدكتوراه من جامعة فاندربيلت الأمريكية في عام 1969 ، و تدريسه لمدة عامين في جامعة تينيسي الحكومية، وزواجه من أستاذة الفيزياء بجامعة جهانغيرناغار البنغلاديشية أفروجي يونس.

والحال أن فوز يونس بجائزة نوبل لم تكن مفاجأة لمن راقب نشاطه عن كثب في جنوب آسيا، خاصة و انه حصل خلال العقود الثلاثة الماضية على 17 جائزة ما بين محلية وإقليمية و دولية (منها جائزة رئيس جمهورية بنغلاديش لعام 1978 و جائزة رومان ماغاسايساي الفلبينية لعام 1984 و جائزة الآغا خان لعام 1989 و جائزة منظمة الأغذية و الزراعة الدولية لعام 1994 وجائزة سيمون بوليفار لعام 1996 من منظمة اليونيسكو و جائزة سيدني الاسترالية للسلام لعام 1998 و جائزة مجلة الايكونوميست للإبداع الاجتماعي و الاقتصادي لعام 2004 و جائزة سيئول الكورية للسلام لعام 2006 و جائزة الأم تريزا لعام 2006 ). لكن الكثيرين توقعوا أن يفوز الرجل يوما ما بنوبل الاقتصاد بدلا من نوبل السلام، على نحو ما حدث في عام 1998 مع بنغالي آخر هو عالم الاقتصاد الهندي الدكتور امارتيا سين. و يبدو من توجهات مؤسسة نوبل في السنوات الأخيرة أنها حريصة على عدم حصر الفائزين بنوبل السلام في الشخصيات ذات المساهمات في حقول منع الحروب أو فض المنازعات أو حل الأزمات السياسية، بمعنى توسعة الدائرة لكي تشمل المبدعين في حقل التنمية الاقتصادية و الاجتماعية باعتبارها من وسائل تفادي الصراعات و تعزيز السلم الأهلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية بفرنسا.. ما مصير التحالف الرئاسي؟


.. بسبب عنف العصابات في بلادهم.. الهايتيون في ميامي الأمريكية ف




.. إدمان المخدرات.. لماذا تنتشر هذه الظاهرة بين الشباب، وكيف ال


.. أسباب غير متوقعة لفقدان الذاكرة والخرف والشيخوخة| #برنامج_ال




.. لإنقاذه من -الورطة-.. أسرة بايدن تحمل مستشاري الرئيس مسؤولية