الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب شمس الرجاء (18) --- الفصل السادس عشر --- القصة السادسة عشر: رجاء المضطرين

توماس برنابا

2023 / 4 / 12
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


- أنا زعلانة منك يا ماما سناء!

- لماذا يا حبيبتي؟ ماذا حدث؟!

- لأنك لم تأتي يوم الأثنين الماضي.. فذلك اليوم كان عيد ميلادي، ولم استطع الإحتفال به، لأن ليس لي أب ولا أم! وكنت أحب أن نحتفل به أنا وأنت لأنني أحبك يا ماما سناء..

ضمت سناء هذه الطفلة ذات الخمسة أعوام إلى صدرها وأغرورقت عيناها بالدموع وقالت لها:

- متأسفة جدًا يا ليلىّ! لن أنسى هذا اليوم أبدًا مرة أخرى يا عزيزتي.. ما رأيك أن نحتفل به سويًا الآن؟

- يالفرحتي! ياللسعادة! تعالوا يا بنات! تعالوا يا أولاد! سنقوم بعمل عيد ميلاد مع ماما سناء..

ذهبت السيدة سناء لمقصف الملجأ، وأشترت الكثير من الحلوى والكيك الجاهز، وبدأت هي والأطفال في الإحتفال بعيد ميلاد العزيزة ليلى الخامس..

كان الأطفال يتصايحون ويتراقصون ويغنون أغاني أعياد الميلاد، ويأكلون الحلوى والكيك.. أما السيدة سناء فرجعت بذاكرتها إلى خمس أعوام مَضت..

كانت قد تعرفت إلى شاب، وأحبته حُبًا جَمًا بعد تشوق للجنس الأخر دام لسنين طويلة فقد بلغ عُمرها حينذاك الثلاثين دون زواج.. وسقطت معه في الخطيئة دون خطوبة ودون زواج!

وبعد أن كانا يختليان ببعضهما البعض خِلسةً مرارًا وتكرارًا طوال شهر كامل، فرغت شهوة هذا الشاب منها وهجرها، بل أبغضها بقدر ما أحبها..

وندمت سناء إذ سلمت نفسها إليه بهذه السهولة.. وها هي آنذاك خالية بلا زواج، وقد فقدت أعز ما لديها، وقد أبغضها الشاب الذي أحببته، وهجرها بلا رجعة، فوقعت فريسة ليأس وكآبة شديدين..

ولكن هذا الأمر هين بالمقارنة مع ما اكتشفته بعد القليل من الأيام التالية، إذ وجدت نفسها حامل! ماذا ستفعل آنذاك؟ أَتُجهض الجنين؟! هذا جُرم أقبح من ذنب الزنا! ماذا سيقول الناس عنها إذا ما أكتشفوا أنها حامل؟! وإذا أبقت الحمل، بِمَنْ سَيُسَمَىّ الطفل؟ من سيكون أبوه؟ فهذا الشاب سينكر أي علاقة له معها.. وهذا ما حدث بالفعل حينما حاولت الإتصال به، فقد أمرها أن تُجهض الجنين ولا تتصل أو تتواصل معه مرة أخرى بأي طريقة..

وبعد تفكير عميق، أصرت أن لا تُغضب الله بذنب أخر، فقررت الاحتفاظ بالجنين حتى يولد.. ثم تضعه في ملجأ من ملاجئ محافظة بعيدة، وتواصل بعد ذلك حياتها.. لذلك أخذت أجازة من عملها لمدة عام، سافرت فيه بعيدًا عن الأنظار، حتى تلد طفلتها ليلى.. ثم أودعتها ملجأ في نفس المحافظة التي عاشت فيها طوال ثمانِ أشهر، ثم عادت إلى القاهرة لتواصل حياتها وعملها..

وها هي الآن، دون زواج ودون أهل فهي وحيدة أبيها وأمها اللذان ماتا من سنوات عديدة، تقف مُحتفلة بعيد ميلاد هذه الطفلة التي لا تجرؤ على الإفصاح عن إنها أمها الحقيقية.. دَمعت عينيها وهي تُغني أغاني عيد الميلاد لليلى الجميلة..
*****

قرأ مدحت هذه القصة المشوقة المؤثرة في دقائق معدودات، فقد شدَّته بطلة القصة.. فبرغم من إرتكابها من محارم لا يرتضيها المجتمع، شعر بالأسىّ نحوها ونحو الطفلة البريئة الصغيرة..

ترك مدحت جهاز الكومبيوتر، والتقط كتابًا من الكتب التي أهداه إياها الأستاذ نشأت، وطفق يقرأ فيه إلى أن حلت الساعة السابعة مساءً، وكان هذا الحوار مع صديقه نشأت عبر الأنترنت:

حوار الليلة السابعة عشر

- مساء الخير يا مدحت..

- مساء النور يا أستاذ نشأت.. أتمنى لك أن تكون بخير وسعادة وأفضل حال!

- شكرًا جزيلًا يا صديقي.. هل أعجبتك القصة؟

- قصة في مُنتهىّ الواقعية لمجتمعنا المصري.. فهي تحمل بين ثناياها عدة مآسي..

- صَدِقت يا مدحت! ففي هذه القصة ثلاث قضايا تؤرق مجتمعنا:

أولًا؛ قضية تأخر سن الزواج لأسباب لا عدد لها ولا حصر، مما اضطر الشباب للزواج العُرفي أو العلاقات المُحرمة خارج إطار الزواج.. لذلك يجب على المجتمع أن ينظر بعين الرحمة والرأفة للشباب المُتَحّرِق للزواج والعلاقات مع الجنس الأخر، وأن يُراعي الاسراع في تزويج هؤلاء الشباب بطريقة شرعية يرتضيها الجميع..

ثانيًا؛ مشكلة الاجهاض.. إن الاجهاض العارض أمر لا مفر منه، أما الاجهاض العَمْدي فقد يتلاعب لأجله العديد من الناس والأطباء. فأحيانًا تكون حياة الأم في خطر بسبب الحمل، وأحيانًا الطفل يكون مُعوق، ورحمةً به وبالوالدين يتم اجهاضه.. وهناك، وهم كُثر، مَنْ يُجهضن لا لشيء سوى أنهن لا يرغبن في الجنين لأسباب متنوعة.

وهناك من حَرَم الاجهاض العمدي قطعيًا، وهناك من حرمه في إطار شروط، لكن ظل التلاعب بأسبابه بين الكثيرين..

ثالثًا؛ أطفال الملاجىء.. وُجِدت الملاجىء أساسًا لهؤلاء الأطفال الذين مات والديهم، أو مَنْ عجزوا منهم على رعاية أطفالهم.. لكن الشاذ أن نجد الأب أو الأم تُوُدِع ابنها أو ابنتها الملجأ لأسباب خاصة بهما.. ويُحرم الأطفال من حنان ورعاية الوالدين الذين لا زالوا أحياء يرزقون! فما ذنب هؤلاء الأطفال من هذا العذاب والحرمان؟

واجه الغرب مثل هذه المشكلات.. وبعيدًا عن الأديان والشرائع، قاموا بوضع حلول للبعض منها؛ فتقبل المجتمع عندهم العلاقات خارج إطار الزواج بين Boyfriend وGirlfriend! وعند حدوث حمل لفتاة على علاقة حميمة بصديق لها، كانا يتوافقا فيما بينهما، هل يتزوجا أم لا.. وفي معظم الحالات كان يتم زواجهما من أجل الطفل، ولكن إن لم يتزوجا، فالفتاة حرة أن تجهض جنينها أم أن تستبقيه..

وهنا جاء دور Single Parent أو الأم العازبة في رعاية وتربية الطفل وعدم الاستغناء عنه.. والمجتمع راضي كل الرضى عن ذلك السلوك بل راضي عن تسمية الطفل باسم عائلة الأم!

وقد تمادى المجتمع الغربي في مسألة الأمهات العازبات حتى أنهم أصبحن– لعدم رغبتهن في الزواج مع توفر الرغبة في الانجاب- يبحثن عن رجال أصحاء يؤجرونهن ليكونوا معهن على علاقة حميمة لفترة زمنية معينة حتى يتمكن من الانجاب منهم.. أو على الأقل دفع المال لهم ليتبرعوا لهم بحيواناتهم المنوية Sperm donation لينجبا بواسطتهم بعمليات الحقن المجهري!

بل تمادت بعض النسوة الذين لديهم مشكلات في إنتاج البويضات في البحث عن فتيات صحيحات ليتبرعن لهم ببيوضاتهم، بجانب حصولهن على حيوانات منوية من رجال أخرين، وبواسطة الحقن المجهري يحملن بأطفال ليسوا هم أمهاتهم بيولوجيًا!

- هذه الأمور في غاية العجب، يا أستاذ نشأت.. وبالطبع لا يستندون في ممارساتهم هذه لأي شرائع..

- نعم يا مدحت.. ولكنهم وجدوا بإسلوبهم الخاص حلولًا لمشكلاتهم حتى لا يُعاني الشباب ولا الأطفال من الكبت والحرمان.. ولهم في ذلك عُلمائهم، الحائزين على جوائز نوبل، الذين يشجعون مثل هذه السلوكيات..

- ولكننا لا نستطيع أن نفعل هذه السلوكيات في مجتمعنا.. إنهم بذلك ضد كافة الأديان..

- يا صديقي ينبغي علينا، على الأقل، أن نفكر في حلول لمشكلات الزواج المتأخر، ونجد حلول لأطفال الملاجىء ودور الأيتام.. فما العيب أن تَكْفُل أسرة- خاصة تلك التي حُرمت من نعمة الإنجاب- بطفل من أطفال الملاجىء؟

الطفل يرنو إلى أب وأم يحنوان عليه ويغدقون عليه بالحب والرعاية والحنان، ولا يهدف أبدًا لميراث أو اسم! فلِيُسمه المجتمع كيفما شاء! لكن يجب أن يكون له أسرة تحنو عليه.. ما الحرام في ذلك؟

ويجب أن يتقبل المجتمع الشباب هذه الفئة خريجو دور الأيتام والملاجىء.. فهناك من يرفض تشغيلهم أو تزويجهم، فينتهي بهم الحال ليصبحوا إما أفراد سيكوباتيين عدوانيين ضد المجتمع أو مُنتحرين!

- هُناك جملة من المآسي في هذه القصة يا نشأت؛ فهناك اضطرار سناء للجنس خارج نطاق الزواج، واضطرارها لإيداع طفلتها الوحيدة في ملجأ، بالرغم من مقدرتها على رعايتها ولكن المجتمع لا يرتضي تربيتها دون صلة شرعيه بها، واضطرار الطفلة أن لا تعيش في كنف والديها لا لذنب اقترفته بل رضوخًا لما يريده المجتمع..

وكيف يكون الرجاء المُرتقب لهؤلاء المضطرون يا نشأت؟

- الله لا يترك أحدًا يا مدحت، طالما تقبل قضاء الله وصبر على مُبتلاه.. فتوبة سناء مُتاحة ويمكنها متابعة حياتها مع من تُحب فيما بعد، مُتعلمة مما أجتزته من خبرات..

وما الذي يمنعها من كفالة هذه الطفلة بأي اسم- فهذا لن يُضير ليلى في شيء البتة! وبذلك تتمتع ليلى برعاية أمها الحقيقية دون داعي أبدًا لذكر هذه الحقيقة..

ثم تعيش الطفلة حياتها الطبيعية في المجتمع بقبوله لها قلبًا وقالبًا، ودون معايرتها بأنها لقيطة أو ابنة زنا! فليس لها في ذلك أي ذنب أمام الناس ولا أمام الله..

- بالفعل يا صديقي.. إن إثارتك لمثل هذه القضايا ربما يوقظ ضمير المجتمع على معاناة هؤلاء المضطرون..

حان الوقت لتخبرني يا صديقي عن ماذا ستكون القصة التالية؟

- ستكون عن طالب جامعي بكلية الهندسة أنتحر لعدم إمكانيته إشباع موهبته للفن والموسيقى بسبب معارضة والديه لذلك.. فإلى اللقاء!

- ألقاك غدًا يا صديقي العزيز..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!