الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العالم بتغيّر

عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)

2023 / 4 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


العالم يتغيّر بشكل جذري.
لقد اختفى النظام العالمي ثنائي القطبية منذ سقط جدار برلين. وانفردت الولايات المتحدة الأمريكية بالعالم لمدة ثلاثين عامًا. وبزغ خلال السنوات القليلة الماضية نظام عالمي متعدّد الأقطاب، ثم بدأ بالتشكّل على نحو واضح مع إنشاء مجموعة "بريكس" ككيان اقتصادي يسعى لتغيير قواعد النظام الدولي، ونقله من منطق الهيمنة إلى منطق التعاون، حتى تستطيع البشرية مواجهة التحديات البيئية والجيوسياسية والاقتصادية والمجتمعية والتكنولوجية.
فهذه التحديات التي تواجه البشرية قاطبة، تتجاوز الحدود والثقافات ومجالات النفوذ. ولذلك ولدت مجموعة ال"بريكس" مختلفة تماما عن بقية التكتلات الرأسمالية والمنظمات والأحلاف العسكرية الاستعمارية التي تحكمت في الساحة الدولية منذ آواخر القرن التاسع عشر.

هذه الدول الخمس: روسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا والبرازيل، متباعدة جغرافيا ومختلفة حضاريا فيما بينها. وتشترك جميعها في كونها لا تنتمي إلى دائرة "الحضارة الغربية"، بل تُشكِّل مزيجاً متميزاً من حضارات مختلفة: الحضارة الشرقية العريقة الهندوسية. حضارة الصين البوذية. الحضارة السلافية الأرثوذكسية المتميزة عن الشرق والغرب معاً في روسيا. الحضارة اللاتينية البرازيلية المتميزة عن الجميع. والحضارة الأفريقية في جنوب أفريقيا.
أما الرابط السياسي الذي نشأت على أساسه هذه المجموعة المتفرقة جغرافيا، فهو حتمًا رفض الهيمنة الغربية، التي تسببت في إغراق البشرية في أزمات وحروب ومآسي لا تُحصى ولا تُعدّ.

منذ عام 2014، بدأت مجموعة البريكس في إنشاء مؤسساتها المالية الخاصة، البديلة عن عناصر النظام الدولي الحالية. فدشنت "بنك التنمية الجديد" برأس مال ابتدائي قدره 50 مليار دولار كبديل على البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. ثمّ أنشأت "صندوق احتياطي للطوارئ" لدعم الدول الأعضاء التي تكافح من أجل سداد الديون، وتجنّب النّهب الذي عانت منه تحت وطأة برامج التقشف القاسية التي فرضها صندوق النقد.

من الناحية الدبلوماسية، رسمت الحرب في أوكرانيا خطا فاصلا بيِّنًا بين روسيا المدعومة من الشرق من جهة، وبين الغرب من جهة أخرى. ولقد رأينا كيف نأت دول مجموعة "بريكس" بنفسها عن السياسة العدوانية التي انتهجتها الولايات المتحدة والاتحاد الأروبي. فلم تشارك في تطبيق العقوبات التي فُرضت ضد روسيا. بل ارتفعت مستويات تجارتها مع روسيا إلى معدلات غير مسبوقة خاصة الهند والصين.

ملاحظة أخرى جوهرية تدعو للتّأمّل، وتوحي بأن هذه المجموعة لا تحمل مشروعًا مُربحًا لأعضائها فحسب، بل تحمل مشروعا للإنسانية، هي انتصار البُعد السياسي على البُعد الرّبحي المباشر، بدليل التباعد الجغرافي، والتفاوت الاقتصادي الكبير بين هذه الدول. فللصين 64.5٪ من إجمالي الناتج المحلي لبلدان مجموعة البريكس. والهند (14.07٪)، والبرازيل (11.06٪)، وروسيا (8.22٪) وجنوب أفريقيا (1.88٪) فقط.
وهذا يعني أن الغاية البعيدة هي إنهاء الهيمنة الغربية، وإعادة توزيع جديد للقوى في العالم، وتأسس نظام دولي آخر، تُشكِّل "بریکس" أحد أهم أقطابه ومحددات تطوره في اتجاه إحداث نوع من التوازن، وخلق سياسة عالمية جديدة تقوم على التعاون والتنمية، بدل سياسة النهب وعسكرة العالم وإشعال الحروب.

ولأن مجموعة "بريكس" ليست كيانا عدوانيا، وليست معادية للغرب، بقدر ما هي مناهضة لسياساته. فهي بمثابة منتدى لتحقيق مزيد من السيادة والاستقلال. فالذي يعني بلادنا في هذه المتغيرات الكبرى، هو أن وجود عالم متعدد الأقطاب سوف يصبُّ في مصالح الدول الضعيفة.

في مارس الماضي، قالت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا "ناليدي باندور" إن الاهتمام العالمي بمجموعة "بريكس" أصبح "هائلا"، مشيرة إلى أن هناك 12 رسالة من دول أبدت رغبتها بالتعاون مع المجموعة. وقالت بأن "السعودية ضمن هذه الدول بالإضافة إلى الإمارات ومصر والجزائر والأرجنتين والمكسيك ونيجيريا. كما أضافت أنه "بمجرد تشكيل المعايير الخاصة بالإقراض، سنتخذ القرار بعد ذلك".

في هذا السياق، أمضت تونس سنة 2018 على اتفاقية الانضمام إلى مبادرة "الحزام والطريق"، وهذه المبادرة هي الأساس المادي الذي يقف عليه القطب الجديد. وفي إطار الأزمة الاقتصادية التي باتت تُهدّد تونس تهديدا جدّيًّا، سيما في ضوء الضغوط الغربية الرّامية لمزيد ارتهان البلاد لصندوق النقد الدّولي، من المهمّ أن تُقدّم السّلطات التونسية، على غرار الجزائر، رسالة انضمام لمجموعة البريكس، مصحوبة ببرنامج تنمية شامل للبلد، دون الدّخول في مواجهة مع أيّ طرف. فتونس قادرة بحكم موقعها الجيواستراتيجي بين عالمين، أن تستفيد في كلّ الحالات، ومن كلّ الأقطاب، شرط أن تتمسّك بسيادتها الوطنية، وتعرف كيف تُخاطب العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تأخذ استراحة بشكل صحيح؟ | صحتك بين يديك


.. صياد بيدين عاريتين يواجه تمساحا طليقا.. شاهد لمن كانت الغلبة




.. أمام منزلها وداخل سيارتها.. مسلح يقتل بلوغر عراقية ويسرق هات


.. وقفة أمام جامعة لويولا بمدينة شيكاغو الأمريكية دعما لغزة ورف




.. طلاب جامعة تافتس في ولاية ماساتشوستس الأمريكية ينظمون مسيرة