الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا نحن متفائلون؟

ضيا اسكندر

2023 / 4 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


هل يحق لنا مصافحة التفاؤل بعد سنين طويلة من الخيبات والإحباطات والإخفاقات؛ نتيجة هيمنة القطب الواحد على المسرح الدولي، ذاقت خلالها شعوب العالم الويلات جرّاء تجاهل الدول الإمبريالية للقانون الدولي واعتماد الغطرسة والبلطجة في علاقتها مع الدول المستضعفة؛ من يوغسلافيا إلى أفغانستان إلى العراق، ثم جاء ما يسمى بـ "الربيع العربي"؛ ما أدّى إلى التدخل الغربي في شؤون ليبيا واليمن وسورية وغيرها.. وترافق ذلك بنشوء منظمات متطرّفة سامت شعوب المنطقة بألوانٍ من العذاب والقتل والدمار والخراب، فضلاً عن انتشار الكثير من الأوبئة والأمراض (أنفلونزا الطيور والخنازير وإيبولا وكورونا..) ولا ندري ما إذا كان محضّراً لشعوب العالم أمراض أخرى أكثر فتكاً من سابقاتها.
ومع هذه الصورة السوداوية التي ذكرنا بعض عناوينها، هل يمكننا القول إننا أمام عصرٍ جديد، سنودّع خلاله نظام القطب الواحد الظالم، وننتقل إلى عالم آخر متعدد الأقطاب أكثر عدلاً، كما يرى الكثير من المراقبين والمحللين؟

دعونا نقرأ آخر المستجدات السياسية التي حصلت في الآونة الأخيرة، ونبدأ من 24 شباط/ فبراير عام 2022، تاريخ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا التي قامت بها حفاظاً على أمنها، وما نتج عنها حتى الآن.
فبعد أن باءت كل الدعوات التي أطلقتها موسكو لتنفيذ اتفاق مينسك عام 2014 لحلّ الأزمة الأوكرانية بالفشل، وتبيّن فيما بعد – حسب ما اعترفت به أنجيلا ميركل وفرانسوا أولاند – أن المماطلة في تنفيذ الاتفاق كانت الغاية منها الاستعداد العسكري الأوكراني بالتعاون مع حلف الناتو لتوجيه ضربة قاصمة لروسيا وصولاً إلى إضعافها وتطويعها وتقسيمها وإبعادها عن حليفها الصيني المستهدف الثاني بعد روسيا.
وعَقِبَ أيام من بداية العملية العسكرية الروسية مباشرةً، تم فرض كل أنواع العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية والمالية عليها، في سابقة لم تحصل تاريخياً مع أي بلد في العالم، وجنّد حلف الناتو كل قدراته العسكرية بدولِهِ الثلاثين لدعم أوكرانيا في مواجهة روسيا.
وماذا كانت النتيجة؟
باختصار أدّت العملية العسكرية إلى تحطيم أوكرانيا وتدمير منشآتها الحيوية العسكرية منها والمدنية، وتكبيدها خسائر فادحة، على الرغم من كل المساعدات العسكرية التي تلقتها، وما زالت تتدفق إليها من حلف الناتو.
أما بالنسبة لروسيا؛ فقد كان للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها دور معاكس، حيث أصابت الاقتصاد الغربي بجملة من المآزق والمشكلات، وأدّت إلى تدهور الكثير من مصانعها وإفلاس العديد من بنوكها.. بينما ارتفعت قيمة الروبل الروسي بعد أن اشترطت موسكو على الدول المستوردة لمشتقاتها النفطية التسديد بالروبل بدلاً من الدولار، وأبرمت العديد من الاتفاقات مع دول لها شأن في عالم الاقتصاد بخصوص التبادل التجاري بالعملات الوطنية، وقد حذت حذوها الصين (الاتفاق البرازيلي – الصيني) ودول أخرى عديدة (الروسي – الإيراني) و(الروسي – الهندي) و(الروسي – التركي) و(الروسي والصيني – السعودي) و(الإمارات – الهند)، بالإضافة إلى عدد من الدول الأفريقية التي أخذت تستبعد الدولار في المبادلات التجارية فيما بينها، وتعتمد مع الدول الصاعدة على العملات الوطنية.
ولا ننسى منظومة "البريكس" التي أعلنت عن نيتها إطلاق عُملة جديدة موحدة لدول المجموعة، في القمة القادمة آب القادم، والتي تشمل كلاً من (الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا)، علاوةً على تقدّم العديد من الدول بطلبات انضمام إلى منظومتَي (شنغهاي والبريكس)؛ ما سوف يؤدّي لا محالة، إلى هبوط الدولار عن عرشه الذي تربع عليه منذ عام 1944 وحتى الآن.
ومعروفة قوة ارتباط الاقتصاد بالسياسة، فقد نجم عن هذه التغيّرات المتسارعة الآنفة الذكر، انفضاض دول كانت ــ تاريخياً ــ تسبح صاغرةً في الفلك الأمريكي (السعودية والإمارات وتركيا ومصر.. وغيرها) وبدأت تدير آذانها الصمّاء للإملاءات والإيعازات الأمريكية.
ويكفي التذكير بطريقة استقبال الرئيس الأمريكي لدى زيارته إلى السعودية ورفض طلبه بزيادة إنتاج النفط بغية تخفيض سعره، مع طريقة استقبال الرئيس الصيني في زيارته الأخيرة إلى ذلك البلد.
ويُعَدّ الصلح السعودي – الإيراني الذي جرى في بكين مؤخراً بوساطة صينية، والذي تمخّض عن الاتفاق على عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين والتطبيع الكامل على الصعد كافة، خير مؤشر على بروز جمهورية الصين الشعبية على المسرح الدولي كلاعبٍ لا يُشقّ له غبار؛ ما سوف ينعكس إيجاباً على العديد من الملفات العالقة والشائكة في المنطقة والعالم، وفي مقدمتها الملف اليمني.

إن تراجع الدور الأمريكي وضعف نفوذه والذي بدأ منذ سنوات، وتحديداً منذ عام 2018؛ انعكس سريعاً على عددٍ كبيرٍ من الدول، لا سيما في أمريكا اللاتينية؛ فقد نجح اليسار في الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي والمكسيك وبيرو ونيكارغوا وكولومبيا، وصمدت كوبا والرئيس نيكولاس مادورو في فنزويلا، على الرغم من كل المحاولات للإطاحة به. وأخيراً وليس آخراً فوز لولا دي سيلفا الزعيم اليساري في انتخابات البرازيل والمعروف بتوجّهاته الصريحة والمعادية للسياسة الأمريكية.

أما حليفة أمريكا التاريخية "إسرائيل"، فإنها ترزح اليوم، تحت أزمة لم يسبق لها أن واجهت مثلها، وتعاني من عدم الاستقرار السياسي بأجلى صوره، فخلال الأربع سنوات الأخيرة، قامت بتغيير أربعة رؤساء وزراء، والتحالفات الحزبية فيها هشّة وقابلة للتفكك في كل لحظة، ولأول مرة تشهد العلاقة الأمريكية الإسرائيلية توتراً بهذا الحجم.
أما ما يسمى بـ "الناتو العربي" الذي كانت "إسرائيل" خلف الترويج له، والذي تنحصر مهمته في مواجهة إيران، فقد دُفِن إلى غير رجعة، وتوقفت عجلة التطبيع التي كان قادة "إسرائيل" يأملون اتساع رقعتها لتشمل بلداناً عربية أخرى عديدة.
وفي المقابل، فإن الجهات المعادية لـ "إسرائيل" باتت أكثر قوة (إيران، وحزب الله، وحماس والجهاد الإسلامي، وأنصار الله، والحشد الشعبي) وجعلت "إسرائيل" تعدّ للعشرة وتحسب ألف حساب لأيّ معركة قادمة مع خصومها في المنطقة. كما أن النهوض الجديد لمجموعات فلسطينية (عرين الأسود) داخل "إسرائيل" وقيامها بالعديد من العمليات الفدائية الواعدة، أضحت تمثّل رعباً حقيقياً للمجتمع الإسرائيلي.
ولا بدّ من أن نعرّج إلى المشروع الإسلاموي الذي كان يقوده أردوغان وعزمه على بسط الإسلام السياسي من المغرب إلى بحر قزوين، فقد تعثّر هو الآخر وانكفأ، واضمحلّت المنظمات الإرهابية المتشددة كتنظيم داعش وجبهة النصرة ومن في حكمهما، وأصبح وجودها يقتصر على محافظة إدلب وشمال غرب حلب وبعض الفلول الداعشية في البادية السورية.

والسؤال: هل ستنعكس هذه الانفراجات وهبوب رياح التغيير السياسي في أكثر من منطقة في العالم، على الشأن السوري لجهة حل الأزمة سياسياً وفق القرار (2254)؟
بتقديري؛ لا يمكن أن تكون سورية في منأى عن هذه التغيّرات، وما الاستعصاء الذي كان حاصلاً للحل السياسي بسبب المعرقلين، سواء في الداخل السوري أو في الخارج، إلا تعبيراً عن توازن القوى الصفري للدول المتدخّلة في الشأن السوري الذي كان سائداً لسنواتٍ خلت.
أما وقد بدأت كفة الميزان تميل لصالح القوى الصاعدة والتي من مصلحتها نشر السلام والاستقرار في المنطقة والعالم، فإن تباشير الحلّ السياسي الذي طال انتظاره قد بدأت تلوح في الأفق.
والتحركات الأخيرة: (مساعي الصلح السوري – التركي بوساطة روسية إيرانية)، وزيارة بعض وزراء الخارجية العرب لدمشق، وزيارة الأسد لكلّ من عُمان وموسكو وأبو ظبي، والتسريبات عن قرب عودة العلاقات بين السعودية وسورية.. واحتمال عودة الأخيرة إلى مقعدها في الجامعة العربية، وإمكانية حضور الأسد للقمة العربية في أيار المقبل في الرياض.. فضلاً عما يجري من اتصالات ومفاوضات غير معلنة.. تشير جميعها إلى اقتراب التسوية السياسية للأزمة السورية.

هل نتفاءل على الصعيد المعيشي؟
بكل أسف، لـ..لا!
لأن تحسّن البيئة الاقتصادية لا يمكن أن يتم إلا بتغيير البنية السياسية الحاكمة في البلاد، والتي ستورّث - في حال رحيلها - لمن يعقبها من حكومات، ترسانة من مشكلاتٍ كبرى ليس من السهل حلّها، وتحتاج إلى سنوات لمعالجتها والتخلص من آثارها.
أخيراً، يمكنني القول وبثقة؛ إننا محظوظون بمعاصرة هذه التطورات على الصعيد العالمي وما كنا نحلم به ونُعِدّه بعيد المنال وفي أقاصي أحلامنا، فقد كنا نقول دائماً في سرّنا: «ربما يحصد أحفادنا ثمار ما عملنا من أجله عبر عقودٍ من الزمن».
لكن ها نحن نشهد ما حلمنا به ونبصره بأعيننا التي ما برحت تتطلّع إلى عالمٍ جديدٍ أقل ّقسوةً وظلماً مما نعيش فيه.
وإن غداً لناظره لقريب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصل جديد من التوتر بين تركيا وإسرائيل.. والعنوان حرب غزة | #


.. تونس.. مساع لمنع وباء زراعي من إتلاف أشجار التين الشوكي | #م




.. رويترز: لمسات أخيرة على اتفاق أمني سعودي أمريكي| #الظهيرة


.. أوضاع كارثية في رفح.. وخوف من اجتياح إسرائيلي مرتقب




.. واشنطن والرياض.. اتفاقية أمنية قد تُستثنى منها إسرائيل |#غرف