الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب شمس الرجاء (19) --- الفصل السابع عشر --- القصة السابعة عشر: رجاء الحيارىّ

توماس برنابا

2023 / 4 / 13
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


أبي وأمي:

صحيح إنني ابنكما الوحيد وقد رضيتما، ولا زلتما، أن أكون في أفضل حال في حياتي الحالية والمستقبلية..

ولأجلكما درست وتفوقت في الثانوية العامة، والتحقت بكلية الهندسة التي طالما أراد أبي أن التحق بها حتى أكون له شريكًا في شركته ووريثًا له بعد عُمر طويل..

لكني يا أبي، وأنا في كلية الهندسة، لم أشعر أبدًا بالرضا عن نفسي أو بأني بذلك أحقق ذاتي.. لقد شعرت بغربة وأنا في هذه الكلية. وبدأت أشعر وكأن كتب ومراجع الهندسة طلاسم لا استطيع، بل لا أريد، فك رموزها!

يا أمي، تعرفين عني أني منذ صغري وأنا أعشق الموسيقى والغناء.. ولم تُمانعي إطلاقًا ممارستي لهذه الهواية.. ولكنها ليست هواية يا أمي بالنسبة لي، إن الموسيقى في دمي. وأرى فيها ذاتي! وقد وددت أن أحقق ذاتي فقط في هذا المجال. وقد رفض أبي، وأنتِ أيضًا، أن أكمل مسيرتي المهنية في هذا الإتجاه.. والآن، أنا مُعذب وأنا في كلية الهندسة، ولا استطيع أن أواصل دراستي فيها.

لذا أكتب هذه الرسالة وأنا مملوء يأسًا وكآبةً، وأنوي أن أنهي هذا العذاب بطريقتي الخاصة.. فوداعًا يا أبي وأمي!

ابنكما المُعذب،

شوقي
*****

وجدت هذه الرسالة على مكتب شوقي بعد سماع الأخبار عن انتحار طالب جامعي بكلية الهندسة من على برج القاهرة في صباح اليوم التالي..


قرأ مدحت هذه الرسالة القصيرة والمؤلمة عن هذا الشاب طالب الهندسة، وشعر بالأسىّ على موت مثل هذا الشاب الغض، وبالأسف على تصلف والده في اختياره مصيره المهني..

في تمام الساعة السابعة من مساء هذا اليوم، كان لمدحت هذا الحوار مع الأستاذ نشأت:


حوار الليلة الثامنة عشر

- مساء الخير يا أستاذ نشأت..

- عُمت مساءً يا صديقي مدحت. كيف حالك اليوم؟

- إنني في أفضل حال بفضلك يا أستاذي. وأشكرك على كل تعبك معي!

- هل قرأت قصة اليوم؟
- بالطبع يا صديقي.. إنها قصة قصيرة ومؤلمة.. فكيف يتقبل المجتمع أن شاب وحيد لوالديه أن يموت مُنتحرًا؟!

- أليس الانتحار أمرًا مؤلمًا ومآساويًا يا مدحت؟! فكم أنفق الوالدين من الألم والسهر والسهاد والعرق والجهد والمال لإنجاب وتربية مثل هذا الشاب؟ وكم أنفق المجتمع عليه حتى يصل إلى هذه المكانة التعليمية؟ فبالطبع إنها خسارة ما بعدها خسارة أن يضيع هذا الشاب بنهاية مثل هذه!

- لكن يا نشأت، اليأس كافر ولا يرى الأمور بمنظور إيجابي أبدًا!

- بالطبع يا صديقي اليائس غالبًا ما لا يرى سوى سوادًا وسوداوية في نفسه وفي من وما حوله..

- على مَنْ يقع الخطأ في هذه القصة المآساوية يا أستاذ نشأت؟

- يقع الخطأ، وربما الخطيئة، على جانب الوالدين قبل أن يقع على جانب الابن المُنتحر.

فيجب أن يُشجع الوالدين ابنهما على مواصلة مسيرته المهنية وفق ميوله ورغباته وقدراته هو وليس هما! فلم يكن الابن ولن يكون أبدًا نسخة مكررة عن أبيه! إنه أبداع وخلق جديد، بعقل وفكر وتوجه مخالف، ويجب أن يشجعه الوالدين على أن يكون نفسه حتى يسعد في حياته.. فحينما يعمل ما يحب، سيبدع أيما إبداع!

أما على جانب الابن، فكان لا بُد له أن لا يسمح بالكآبة تسود قلبه بهذا الشكل.. فلكل مُشكلة حل بإذن الله. وكان يُمكن له، مَرضاةً لوالديه، إكمال دراسته الجامعية بقدر ما يستطيع مع متابعة ممارسة هوايته.. ولا داعي أبدًا له التكسب أو التربح من ممارسة هذه الهواية الموسيقية.

لقد نجح في الثانوية العامة بتفوق.. لذا من المؤكد إمكانية متابعته لدراسته الجامعية الهندسية، فلن يكون ذلك صعبًا عليه بالمرة! لكن المشكلة هي مشكلة تقبل الواقع الذي وجد نفسه فيه.. وكان يُمكنه بذكاء أن يوائم بين رغبة والديه المُلحة وطموحه في مجال الموسيقى..

أما بخصوص المجتمع، فيجب أن يُقدم الدعم النفسي والتدريب الحياتي للشباب على مواجهة الضغوط وكافة صنوف المشكلات التي قد تواجههم.. فلن تجد مخلوقًا واحدًا على الأرض لا تواجهه مشكلات من نوع خاص، ولذا يجب أن يتم تدريب الشباب على حل المشكلات وتوفير بل خلق الحلول والبدائل المتاحة أمامهم لكل ما يواجهونه..

- صدقت يا صديقي.. ولقد أنرت أنت عقلي من ظلمة اليأس منذ أيام.. وها أنت تدق على نفس الناقوس ثانيةً! وأعاهدك أن أقلع عن هذه الفكرة البغيضة في الانتحار التي سادت نفسي وفكري..

- لا عليك يا صديقي.. كلنا لبعض كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا!

- كنت قد بدأت يا نشأت أن أفقد الثقة في الناس من حولي.. لكن بك استعدت الثقة بأن الخير ما زال موجودًا في قلوب الناس..

- يا مدحت دائمًا هناك، ولو شخص واحد، في حياة كلَّ منا يجعلنا نرى الأمل والرجاء في هذه الحياة وسط هذه الفوضى الأخلاقية التي تسود فيما حولنا.. وقد كنت مثلك يا مدحت، لكنني تعلمت أن لا ألعن الظلام بل أن أضيء شمعة لعلها تنير لي الطريق أمامي أنا نفسي أولًا ثم لبعض الناس المتواجدين من حولي..


- بوركت يا أستاذ نشأت أيما بركة في عقلك وصحتك وكافة أمور حياتك.

- شكرًا يا صديقي.. أنا ممنون لذلك!

- بخصوص الغد، هل يمكن أن تترك لي لمحة عن ماذا ستكون القصة التالية؟

- ستكون عن أم وزوجة فقدا شابًا بطلًا في الحرب ضد الأرهاب والأرهابيين على حدود البلاد..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -