الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدالة الانتقالية بين الواقع والمطلوب،القسم الثالث والاخير

سربست مصطفى رشيد اميدي

2023 / 4 / 13
دراسات وابحاث قانونية


حالة العراق وإقليم كوردستان.
بعد تأسيس الدولة العراقية فقد نشاء نظام الحكم في العراق على اساس نظام الحكم الملكي، واعتمد نظام الحكم البرلماني، مع إعطاء صلاحيات كبيرة للملك بخلاف الانظمة البرلمانية. وقد كانت فترة الحكم الملكي هادئة ولم تقترف الكثير من الانتهاكات ضد مبادئ حقوق الانسان بحق العراقيين قياساً بالفترات اللاحقة، بعد انتهاء الملكية بانقلاب سنة ١٩٥٨. على الرغم من ان نظام الحكم في تلك الفترة كان يضيق مجال حرية التعبير امام الحركات اليسارية والمطالب القومية والاجتماعية ولم يكن يتهاون معها.
لكن بعد تغيير نظام الحكم سنة ١٩٥٨ فقد تم حكم العراق بموجب دساتير مؤقته وحكومات استبدادية ولمدة ٤٥ سنة، حيث على الرغم من تخلل هذه المدة فترات هادئة نسبيا، لكن سمة الدكتاتورية والقمع والترهيب كان من اهم سماتها خاصةً بعد انقلاب ٨ شباط عام ١٩٦٣ ولغاية ٢٠٠٣. حيث ان عمليات القتل والسجن والتعذيب والترحيل، والعمليات العسكرية المنظمة والتطهير العرقي، اصبحت وسيلة لنظام الحكم في قمع العراقيين وضمان استمرارهم في السلطة.
لكن بعد اسقاط النظام البعثي سنة ٢٠٠٣، فقد استقبل المواطنون العراقيون ذلك بفرح وتفاءل كبير، على الرغم من ان دول الجوار لم تتحمل هذا التغيير في حياة العراقيين، ذلك فقامت بفسح المجال امام الارهابيين لدخول العراق، واصبحت اراضيهم محطات للتدريب والتسليح والانتقال الى العراق. لكن من الناحية الدستورية وبعد اقرار الدستور العراقي سنة ٢٠٠٥ الذي نقل الكثير من مواده من قانون ادارة الدولة العراقية المؤقت، فقد نص في عدد من مواده على أهم اسس العدالة الانتقالية. كالمادة 102 حول تشكيل هيئات مستقلة، والمادة 132 التي نصت على التعويض بالنسبة للشهداء والسجناء السياسيين واسرهم، والمادة ١٣٤ التي اعتمدت استمرار المحكمة الجنائية العليا بالنسبة للجرائم التي اقترفها البعث، والمادة ١٣٥ بالنسبة لهيئة اجتثاث البعث الذي تغير اسمها لاحقاً الى هيئة المسائلة والعدالة، والمادة ١٣٦ بخصوص هيئة نزاعات دعاوي الملكية. وعلى أثر ذلك صدرت العديد من القوانين التي اعتمدت المواد الدستورية لتنظيم احكام المواد اعلاها في القوانين حيث اسست على ذلك (مؤسسة السجناء السياسيين) ومؤسسة الشهداء) و(هيئة حل نزاعات الملكية) و(هيئة المسائلة والعدالة)، و(مفوضية حقوق الانسان).
وفي اقليم كوردستان مثلاً صدرت قوانين مهمة على أثرها تأسست هكذا مؤسسات في اقليم كوردستان على غرار تجربة الحكومة الاتحادية، وتشكيل وزارة باسم (وزارة الشهداء والمؤنفلين). مع اصدار قوانين أخرى مهمة في الإقليم بعد 2003، كالقانون رقم ١٩ لسنة ٢٠٠٣ (قانون ازالة اثار الاجراءات القسرية لتنفيذ سياسة التطهير العرقي " التعريب" في كوردستان)، والقانون رقم ١٨ لسنة ٢٠٠٣ (قانون تحديد الوضع القانوني لأعوان النظام الدكتاتوري البائد).
وحسب المهام التي اوكلت لهذه المؤسسات فكان يفترض فيها وغيرها ان تتكفل بتحقيق اهم عناصر واهداف العدالة الانتقالية، وهي تقصي الحقائق، وضمان دفع التعويضات للمتضررين، وضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات، وتحقيق العدالة والمساواة بين الضحايا وبقية شرائح المجتمع، واستتباب السلم الأهلي والمجتمعي. لكن التطبيق العملي لم تؤدي الى تحقيق مثل هذه الاهداف على الرغم من تحقيق بعضها جزئيا او كليا، فلم تعلن عمليات التقصي للمجتمع العراقي حقيقة ما حدث وماذا كان دور الافراد والمؤسسات في هذه الانتهاكات الكبيرة، فكثير من الجناة والجلادين تقمصوا دور الضحايا او المحققين عندما انضموا الى الاحزاب الحاكمة سواء في العراق او إقليم كوردستان. وعملية التعويض أيضاً أصبحت تعتمد اقرار ملفاتهم على الولاء الحزبي للأحزاب الحاكمة. وان عملية الاستيلاء على مقدرات الدولة ومؤسساتها من قبل الأحزاب الحاكمة، ونتيجة عملية المحاصصة والفساد المالي المستشري والذي يزكم الانوف، فقد جعلت من عملية امكانية تكرارها ظاهرة واضحة، حيث نلاحظ هذه الانتهاكات ضد حقوق الانسان، وجرائم الخطف والاغتيال، وقتل المتظاهرين، وكم الافواه، وملاحقة الناشطين والاحرار من سمات الحكم (الجديد) في العراق.
اما قضية المسائلة والعدالة فعلى الرغم من أهميتها فإنها اصبحت سلاحا قويا بيد الاحزاب الحاكمة في العراق، حيث ان من أنتمي لأحزابهم فقد اخذ صك البراءة ولبس ثوب الطهارة، ويدخل المنافسة الانتخابية، وقد يفوز بها، اما الاخرون الذين فضلوا عدم الولاء لمختلف الاحزاب، فان المسائلة اصبحت سيفا للحاكم لوأد حياتهم ولربما جز رقابهم كلما أرادوا ذلك.
لكن لابد من الاشارة الى ان الجناة وقادة الاجهزة القمعية في عهد النظام السابق لم يبادر أحدا منهم الى اعلان اعتذارهم للشعب العراقي او ضحاياه، لما اقترفت اياديهم الاثمة من جرائم وانتهاكات بحق ابناء الشعب العراقي. والذي لم يتوانوا من استلموا الحكم في العراق بعد ذلك بإعادة تطبيق نفس النهج من ملاحقة المحتجين والرافضين لسياساتهم، وممارسة الاعتقالات وقتل والتعذيب وتشويه السمعة، والتهجير، والاختطاف، والاغتيال، وغيرها، وهذا كان واضحا من تعامل الحكومة العراقية وأجهزتها والاجنحة المسلحة للأحزاب الحاكمة مع ثوار انتفاضة تشرين سنة 2019.
العدالة الانتخابية وقوانين الانتخابات:
ضمن قواعد وتطبيقات مبادئ العدالة الانتقالية، فان القوانين الانتخابية في بعض الدول تتضمن نصوصا تحرم القادة السياسيين، وقادة الاجهزة الامنية والحكومية، والمنظمات التابعة للترشح للمجالس النيابية والمحلية لفترات معينة او لفترة غير محددة. حتى لا يفسح المجال لهم لتسلق سلم السلطة مرة ثانية، ولجبر خواطر الضحايا، والحفاظ على السلم الاهلي في البلاد. مثلا نلاحظ في العراق بان القوانين الانتخابية سواء لمجالس المحافظات او لمجلس النواب تمنع عضو حزب البعث من درجة عضو فرقة فما فوق من الترشح، حسب قانون المسائلة والعدالة، ولو ان تطبيقات تنفيذ هذا الشرط من قبل هيئة المساءلة والعدالة فيها الكثير من الانتقادات، بسبب ازدواجية المعايير، والسماح للبعض للترشح مثلا ومن ثم العودة ومنعه من الترشح في انتخابات لاحقا، حسب توجهات ومصالح النخبة الحاكمةً.
وفي الجزائر فان القانون الانتخابي يمنع كل من حمل السلاح وحتى أبنائهم ضد الثورة الجزائرية من سنة ١٩٥٤ لغاية ١٩٦١، من الترشح في الانتخابات، وهذا الشرط ساري النفاذ لحد الآن.
أما في اقليم كوردستان فعلى الرغم من ان اصدار القانون رقم ١ لسنة ١٩٩٢، قد جاء بعد سنة واحدة فقط من اندلاع انتفاضة آذار المجيدة في قصبات وقرى كوردستان، وان نظام البعث وجيشيه واجهزته القمعية قد اقترفت جرائم كبيرة من اجل قمع هذه الانتفاضة. وانه طوال فترة حكم البعث وقبل ذلك أيضا، فان الانظمة الحاكمة في العراق قد استعملت كل الأسلحة المتاحة لديها، وحتى الممنوعة دولياً كالسلاح الكيمياوي، وقنابل النابالم، والقنابل العنقودية ضد شعب كوردستان، وان اجهزته الأمنية القمعية قد اقترفت عشرات الآلاف الجرائم، من القتل، والاعتقال والتعذيب، والاختطاف، والتطهير العرقي، والحجز والاغتيالات، والتهجير ومصادرة الأموال وغيرها. لكن قادة الجبهة الكردستانية عندما شرعوا القانون رقم ١ لسنة ١٩٩٢(قانون انتخابات المجلس الوطني الكردستاني)، فانهم قد وضعوا شرطا خجولا في حينه للمرشح لعضوية المجلس حسب الفقرة السادسة من المادة ٢١ من القانون، وهو ان المرشح يجب انه لا يكون قد شارك في الجرائم التي خططت لها السلطة القمعية او ارتكبتها في كوردستان. لكن نتيجة عدم وجود تفاصيل لكيفية تطبيق هذه المادة، وعدم تحديد الدرجات والمناصب التي قلدها هؤلاء والاجهزة والمشمولة بذلك، ولعدم وضع آلية لتطبيق هذه الفقرة، في ظل عدم وجود مؤسسات حكومية في حينه يتم الاستناد الى تقاريرها من قبل الهيئة التي ادارت الانتخابات لتحقيق هذا الشرط، فقد بقي ذلك حبرا على الورق للأسف. حيث ان العديد من قادة الجحوش، والبعثيين الكبار، وقادة مفارز الاستخبارات، ومنتسبي الاجهزة القمعية، قد تسلقوا المناصب لدى الاحزاب الكردستانية، عدا بعض الاستثناءات طبعاً، وشاركوا في الانتخابات وتقلدوا المناصب الحكومية بعد ذلك.
وبعد عملية التغيير في العراق سنة 2003 فان برلمان كوردستان قد أصدر قانوناً مهما، وهو قانون رقم ١٨ لسنة ٢٠٠٣ (قانون تحديد الوضع القانوني لمسؤولي وأعوان النظام الدكتاتوري البائد). الذي نص في الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون، بأن يحرم اعوان النظام السابق من الترشح للانتخابات العامة، أو المجالس المحلية، والجمعيات والنقابات، ومجالس إدارة الشركات العامة والمختلطة، ولمدة خمس عشر سنة. وان تعريف (اعوان النظام السابق) واسع في هذا القانون حسب المادة الثانية منه لتشمل قادة حزب البعث من عضو فرقة فما فوق، والوزراء ومن كان بدرجتهم، والعاملين في الاجهزة القمعية، ومستشارو افواج الدفاع الوطني ، وكل من ارتبط بالأجهزة القمعية حتى لو كان أستاذاً جامعياً او مدرساً او معيدا، او انتمى لتشكيلات فدائي صدام، أو شارك في فرق الإعدامات، او كان عضواً في المجلس الوطني العراقي، او المجلسين التشريعي والتنفيذي في كوردستان، او عمل في السلك الدبلوماسي العراقي، او ثبت استمرار نشاطه في حزب السلطة بعد انتفاضة آذار ١٩٩١، او كان عضواً قيادياً في الاحزاب الكارتونية المناصرة لحزب البعث المنحل. وعلى الرغم من الاحكام الجيدة في هذا القانون، لكن مع الاسف لم يتم تطبيق هذا الشرط لكون الكثير من هؤلاء كما أشرنا قد تقلدوا وانضموا في المنظمات الحزبية للأحزاب الكردستانية.
النتائج:
1 - ان اهم قواعد تطبيق العدلة الانتقالية هيا لتقصي والتحقيق، لمعرفة ما حدث من انتهاكات بحق الافراد والجماعات من قبل الاجهزة القمعية والافراد. لكن للأسف في العراق واقليم كوردستان لم تتم ذلك بشكل منهجي من قبل الاجهزة الحكومية المختصة، وان حدثت جزئيا فقد شابها الكثير من العيوب.
2- ان عمليات التعويض أيضاً وان تمت بشكل ما، لكن لم تتوفر فيها قواعد العدالة والمساواة، كما هو الحال بالنسبة للسجناء السياسيين مثلا، بوجود العديد من الاسماء غير الحقيقين فيها، وحتى اختلاف الامتيازات الواردة في قانون السجناء السياسيين في العراق بشكل أفضل بالنسبة لنفس الامتيازات عما وردت في قانون السجناء السياسيين في الإقليم، ومدة تطبيقها أيضا. وعدم جدية الاحزاب الكردستانية خاصة في بداية فترة الحكم الجديد بعد 2003 من ضمان تعويض متضرري العمليات العسكرية، وعمليات الانفال، وضحايا القصف الكيمياوي في حلبجة، وبهدينان، وباليسان وغيرها من سكان اقليم كوردستان.
3- ان النصوص الدستورية والقوانين التي شرعت العراق، لم تؤد الى الحلول دون اعادة اقتراف الجرائم والانتهاكات بحق المواطنين والعراقيين، خاصةً بحق المخالفين لنظام الحكم، من اعتقالات، وتعذيب، ومطاردة، وقتل، واختطاف، وتهجير، واغتيال.
4- ان تطبيق قواعد المنع بالنسبة للترشح وتقلد الوظائف العامة لمقترفي الجرائم، يجب ان تكون مؤقتة كما ورد في القانون رقم ١٨ سنة ٢٠٠٣ في اقليم كوردستان، حيث حددت فترة ١٥ سنة فقط. لكن قانون المسائلة والعدالة في العراق أصبح سلاحاً مهما بيد الطبقة الحاكمة لمنع مخالفيهم ومعارضيهم من الترشح لعضوية مجلس النواب او مجالس المحافظات بحجة الانتماء لحزب البعث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاقم أزمة النازحين في بيروت وسط جهود حكومية للاستجابة


.. تنديد دولي بعد إطلاق إسرائيل النار على بعثة الأمم المتحدة في




.. سفيرة أمريكا بالأمم المتحدة تنتقد سياسة إسرائيل في غزة


.. العفو الدولية تقول إن إسرائيل أصدرت إنذارات وخرائط مضللة لإخ




.. مسؤولة في هيومن رايتس ووتش: التصويت على تمديد مهمة البعثة يظ