الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهاية الأضداد وبداية الإعلام غير المحايد

هويدا صالح

2006 / 10 / 23
الادب والفن


" لقد اختلطت الأضداد وتداخلت في أيامنا حتى أعلن جان بودليار " نهاية الأضداد " ، نهاية تضاد الجميل والقبيح في الفن ، واليسار واليمين في السياسة ، والصادق والزائف في الإعلام ، والموضوعي والذاتي في العلم ، بل ونهاية تضاد " هنا وهناك " أيضاً بعد أن كاد " طابع المكان " أن ينقرض وقد سلبته عمارة الحداثة خصوصيته وتميزه . إنها بالقطع ، وبكل المقاييس ثورة مجتمعية عارمة "
هكذا يقول الدكتور نبيل علي في كتابه " الثقافة العربية وعصر المعلومات " ومن تضاداته التي انتهت ، نبدأ حديثنا عن الإعلام العربي ـ بصفة عامة ـ الذي بات يلهث في الفترة الأخيرة وراء الخبر والإثارة والمفارقة ، وسوف نركز حديثنا حول قناة الجزيرة بصفة خاصة ، تلك القناة التي تبث من دولة صغيرة كقطر ، وتحاول أن تصدر للعالم أجمع أنها حيادية وموضوعية في تناولها للقضايا العربية والعالمية ـ وإن اختلفت الآراء حول مدي حياديتها ـ إلا أنها تحاول أن تبدو حيادية ، ركزت الجزيرة في السنوات الأخيرة علي عرض الرأي والرأي الآخر ، المؤيدين والمعارضين ، الذين يوافقون والذين يشجبون ، الذين يتدافعون بالكلمات ـ وقد تصل المدافعة بالأيدي أحياناً دون الحرج من عدسات التلفزيون التي تلتقط وتسجل ـ
أنتجت تلك القناة عدداً من البرامج الإخبارية والحوارية مثل : " أكثر من رأي " و" الرأي و الرأي " " حوار مفتوح " " الاتجاه المعاكس "
وسوف أتناول بالنقد والتحليل ـ بشكل خاص ـ برنامج " الاتجاه المعاكس " الذي يعده ويقدمه الدكتور فيصل القاسمي ، اعتمد فيه المعد علي فكرة الإثارة والمفارقة في عرضه للقضايا التي يثيرها ، وسوف أعرض لحلقة الثلاثاء الموافق 13 من ديسمبر 2005 ، والتي أوقفها الدكتور علي قضية الانتخابات العراقية التي كان من المفترض لها أن تبدأ بعد يومين ، أي يوم الخميس الموافق 16 من ديسمبر ، وله التميز في ذلك فلم ينتظر إلي أن تحدث الانتخابات ثم يتناولها بالنقد والتحليل ، بل حاول أن يقدم خطوة استباقية ويناقش ضيوفه في حدث يتوقع له الحدوث ولم يتمّ بعد ,
من أول " تتر" البرنامج يطرح فريق العمل رؤيتهم ، فيبدأ التتر بأسهم تتقاطع وتتشابك و تختلف وتتباعد ، وحين يبدأ البرنامج تدخل الكاميرا " كلوز أب " علي وجه المقدم وهو يتلو أسئلته المفارقة بطريقة مسرحية يقول :
1 ـ أليس العراق في طريقه إلي ولاية جديدة علي ا لطريقة الأمريكية ؟
2 ـ ألم تُصبح الانتخابات ألعوبة في يد السيستاني ورجال الدين ؟
3 ـ ألا يتبارك العلمانيون أمثال الجلبي وعلاوي و الجعفري بعباءة رجال الدين؟
4 ـ كيف صار العراق في وجود الحوزة الدينية ؟
في المقابل أو في الاتجاه المعاكس طرح المقدم أسئلة تناقض تماماً المجموعة الأولي فقال :
1 ـ هل من ا لعيب أن يكون للمرجعية نفوذ ، أ لا يلعب اللوبي المسيحي دوراً محورياً في الانتخابات الأمريكية ؟
2 ـ ألم يلعب الدين دوراً مهماً في آخر انتخابات في مصر ؟
3 ـ أليست الديمقراطية الإيرانية أفضل آلاف المرات من الديمقراطية التي تقوم عليها الأنظمة العربية ؟
دعونا نتريث قليلاً مع هذه الطريقة التي يقوم عليها البرنامج فبعد أن يهيئ ذهن المشاهِد إلي الاقتناع بوجهة النظر الأولي التي يتمّ طرحها ، إذا به يقلب الوضع بضربة قلم واحدة في طرحه للمجموعة الثانية من الأسئلة ، فيتذبذب شعور المشاهِد بين مؤيد ومعارض ، وخاصة لو أنه وجد وجهتي النظر جديرتين بالتفكير .
يبدأ في طرح السؤال الرئيسي علي فاضل الربيعي ( هل يتجه العراق نحو الديمقراطية ) ؟
يجيب الربيعي ـ في عبارات لا تخلو من الانفعال والسخرية في آن واحد ـ : أن هذه الديمقراطية وهؤلاء الديمقراطيين المزعومين إنما جاءوا علي ظهور الدبابات الأمريكية بمباركة من المرجعية الدينية ، ديمقراطية رعاة البقر .
بدأ يهاجم بشكل لا حضاري المخالفين له في الرأي في ولائهم و أخلاقهم ، وجاء دور الضيف الآخر فؤاد السماوي الذي قال :
أنا أعتقد أن العراق وضع نفسه علي الطريق الصحيح بعد أن ظل سنوات طويلة لا يشارك في الاستفتاءات التي كان يقيمها نظام صدام .
مداخلة لابد منها ـ وإن بدت مقحمة علي السياق الجاد لنقد برنامج إخباري ـ نعود لنؤكد أن هذا الاستفتاء ونتائجه التي تصل دائماً إلي ( 99 ، 9 من عشرة في المائة ) إنما هو حال كل الحكومات العربية ، وهذا ليس رأي السيد فؤاد السماوي وحده ، فكل العرب يدركون هذه الحقيقية ، كل الشعوب العربية هي نسبة الواحد في العشرة الباقي علي إتمام النسبة المئوية ، أعتقد أن سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم نفسه أو حتي السيد المسيح بجلالة قدره ، لو رشح نفسه أمام أحد الحكام العرب ، لفاز السيد الحاكم المبجل علي السيد النبي ، رغم أن النبي يسانده المولي عز وجل ، والحاكم يسانده خبراء تزوير النسب المئوية الراسخة رسوخ بقاء الحاكم في الحكم .
قبل أن نستطرد في التعرض بالنقد والتحليل لعناصر تكوين البرنامج التلفزيوني من ديكور وإضاءة وموسيقي ومضمون ، تعالوا نتخيل ، نجرب كتم مفتاح الصوت لجهاز التلفزيون ورؤية الضيوف والمقدم وهم يتحاورون ، يتناقشون ، يتقاذفون بقنابل ليست نووية بأية حال من الأحوال ، بل هي مجرد فرقعات هوائية ، معذرة ـ أقصد كلامية ـ لا ولن تؤثر في أحد ، فالجلبي والعلاوي وغيرهم سيظلون متربعين علي عرش العراق وكاتمين لأنفاس أهله مهما فعل الحاقدون أمثال معدي برامج الجزيرة وغيرهم ، أعود لأقول تعالوا نكتم الصوت ونتفرج علي الشخصيات التي تتحرك أمامنا علي الشاشة ، أعتقد أنها تبدو كوميدية لآخر لحظة في عمر البرنامج الذي يستمر لمدة ساعة نرجع إلي بقية عناصر عرض البرنامج ولنبدأ بالموسيقي التي جاءت ملائمة لفكرة الإثارة فهي تلك الموسيقي التي توحي بالخطر والإثارة .
أيضاً الديكور جاء ملائماً لموضوع الحلقة ، فنجد في الخلفية وراء المقدم والضيوف خريطة العراق ، أما الضيفان فيجلسان في اتجاه معاكس لبعضهما ، أحدهما علي يمين فيصل القاسمي والآخر علي يساره ، وأرجو ألا أكون مبالغة قليلاً في التأويل إذا قلت أن الربيعي يجلس علي يمين المقدم ، لأنه يميل إليه في الرأي ، لأن مقدم البرنامج بالفعل لم يكن محايداً تماماً وهو يتيح الفرصة لضيفيه للنقاش فعندما يتحدث الربيعي نجده يعطيه فرصة ويطلب من السماوي عدم المقاطعة أما حين يتحدث الربيعي يعطيه الفرصة كاملة ، وقد يؤيده أحياناً في بعض ما يقول .
أما عن الإضاءة فقد كانت موزعة بشكل جيد علي وجوه الضيوف ، وكثيراً ما ركزت الكاميرا علي وجه أحد الضيفين ، ورصد انفعالاته حين يكون الآخر يتحدث . أما عن مدة عرض البرنامج فقد كانت غير كافية للرد علي كل الأسئلة من كلا الضيفين ، ومعرفة نسبة الاستطلاعات التي يجريها البرنامج بالإنترنت ، والاتصال بضيوف من الخارج أو استقبال أحد اتصالات المشاهدين ولذلك ألغي المقدم استقبال اتصالات المشاهدين ، وأبقي فقط علي آراء الضيوف والاستطلاع عبر شبكة الاتصال الدولية .
طريقة عرضه لسؤال الاستطلاع توحي بشكل ما إلي المشاهدين باختيار إجابة معينة دون غيرها .
خاتمة البرنامج جاءت أيضاً مثل المقدمة ، هي نفس الأسهم المتقاطعة والمتعارضة والتي تؤكد الطرح الأولي للبرنامج ، اتجاه يعارض آخر ، ومقدم يُفترض فيه أن يكون موضوعياً إلا إنه لم يكن كذلك فهو يؤيد وجهة نظر علي حساب أخري . نقطة أخري تؤيد القول بعدم موضوعية البرنامج ومقدمه ، فهو حين يميل إلي رأي ، يأتي بضيفه الذي يؤيد رأيه ، يحرص علي أن يكون ذا قدرة علي الحوار ، و صاحب شخصية قوية ، وفكر منظم ، ومصداقية لدي الجماهير العربية ، وهذا ما فعله مع فاضل الربيعي الذي يميل لتبني وجهة نظره ، فقد كان عقلانياً ، وأكثر خبرة وتركيزاً ، ولديه قدرة علي إدارة حوار ، والرد علي الأسئلة ، أما الضيف الآخر الذي يعارض وجهة نظر الدكتور فيصل فيحرص علي أن يكون انفعالياً وليست لديه الخبرة ، وهذا ما كان عليه وضع فؤاد السماوي فقد كان صاحب صوت عالٍ ، يقاطع ويضحك كثيراً دون أن يضيف شيئاً ، ويبدو مهزوز الشخصية وغير عقلاني .
هويدا صالح
القاهرة
ديسمبر 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-