الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- فاوستْ - Faust - الرجلُ الذي باعَ روحَهُ للشيطانِ-

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2023 / 4 / 16
الادب والفن


- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
هوَ الرجلُ المخضرمُ ، الذي خَبرَ الحياة ، وعاشَ مختلف خطوبها وشغف بمسرّاتها ، لكنهُ - رغم ذلك - أبى أنْ يكتفيَ بما ذاق وعرفَ أوْ رأى و أدركَ . .
حدثنا عنهُ الأديبُ المبدعُ " يوهانْ غوتهُ " في عملهِ المسرحيِ الدراميِ البديعِ، والمُؤلف منْ جزأينِ كتبهما بفارقِ 26 عاما ، مستلهماً شخصيتة الرئيسة فاوستْ Faust منْ حكاية أسطورية في الفولكلورِ الألمانيِ ، تحدثت عنْ ساحرٍ غريبٍ الأطوارِ وكيميائيٍ متمردٍ ، يبيعَ روحهُ للشيطانِ ، منْ أجلِ المزيدِ منْ أسبابِ المعرفةِ والقوةِ ، واستكشافَ المزيدِ منْ آفاقِ اللذائذِ ومرابضُ المتعةِ .
في هذهِ المسرحيةِ استخدمَ جوتهْ شخصيةَ فاوستْ ، كنقطةِ انطلاقٍ للإنسانِ نحوَ استكشافهِ الخاصِ للطموحِ البشريِ ، وأسلوبهُ في البحثِ عنْ المعرفةِ والمعنى . وذلك منْ خلالِ تعابيرَ لغويةٍ غنيةٍ ومؤثرة ، ركزتْ على التأكيدِ على العواطفِ والتجربةِ الفرديةِ ، وأظهرتْ مقدرة المؤلف المذهلةُ ، في تصويرِ دقائقِ التقلباتِ النفسيةِ في أحوالِ الإنسانِ .
منْ خلالِ توالي أحداثٍ كثيرةٍ ، تنوسْ بينَ شطحاتِ الخيالِ ودهشاتِ اللاعقلانيةِ ، قدمَ لنا غوتهُ بطلَ مسرحيتهِ " فاوستْ " Faust ، على هيئةِ رجلٍ ناضجٍ ، ذكي وغنيٍ ، قلق ومتسائلٍ ، يشعرَ بالإحباطِ منْ الحياةِ وعدمِ الرضى ، ويتساءلَ عنْ حقيقةِ معرفتهِ و قيمة وجودهِ ، ومقدارَ فهمهِ للعالمِ .
ثم بسببِ هذا القلقِ الوجوديِ العارمِ ، والاضطرابُ الذهنيُ العنيفُ المتعاظمُ ، يقررَ هذا الرجلِ الناضجِ ، أنْ يعقدَ صفقةً معَ الشيطانِ المُسمى Mephistopheles ، على أملِ مساعدتهِ على إيجادِ السعادةِ الحقيقيةِ والوفاءِ المطلقِ ، وإشباعَ رغبتهِ في استكشافِ آفاقٍ جديدةٍ منْ المعارفِ وارتيادِ صنوفٍ غيرِ معلومةٍ منْ المتعةِ . في المقابلِ ، يعدْ بأنْ يعطيَ روحهُ للشيطانِ عندَ وفاتهِ .
بعدُ أنْ يلتقيا في الجزءِ الأولِ منْ المسرحيةِ ، يقومَ فاوستْ برفقةَ الشيطانِ مفيستوفيليسْ ، بالعديدِ منْ الرحلاتِ والمغامراتِ ، التي تأخذهمْ عبرَ الزمانِ والمكانِ ، حيثُ يلتقيانِ فيها بالعديدِ منْ الشخصياتِ ويواجهانِ كثيرٌ منْ المواقفِ والتجاربِ الغريبةِ المختلفةِ ، بما في ذلكَ إغواءُ فتاةٍ صغيرةٍ بريئةٍ وجميلةٍ تدعى جريتشينْ ، وبعدَ الإيقاعِ بها ، والتخلي عنها بعدَ ذلكَ ، تحاولَ أنْ تخفيَ آثارُ علاقتها معَ فاوستْ ، لكنَ للأسفِ ، يفتضحَ أمرها ، ويحكمَ عليها بالإعدامِ لقتلِ طفلها الوليدِ . عندئذٍ تنتصرَ لبرهة مشاعرَ الخيرِ والحبِ في نفسِ فاوستْ ، رغمَ شروطِ صفقتهِ معَ الشيطانِ ، ويهرعَ بالفعلِ لإنقاذها ، لكنها ترفضُ مساعدتهُ بعدَ فواتِ الأوانِ ، وتمضي لمواجهةِ قدرها .
في الجزءِ الثاني منْ مسرحيةِ الخيالِ المبدع هذه ، يسافرَ فاوستْ عبرَ عوالمَ تاريخيةٍ وأسطوريةٍ مختلفةٍ معَ ميفيستوفيليسْ ، بما في ذلكَ إلى بلاد اليونانُ القديمةُ ، حيثُ يقعُ في حبِ الفاتنة هيلينا ، أجملَ امرأةٍ على الإطلاقِ . ويصبح لديهِ ابنا منها أيضاً ، لكنهُ سرعانَ ما يموتُ في حربٍ ..
أخيراً و رغم قيامه بكلِ رحلاتِ الخيالِ هذهِ ، ومشاركته في العديدِ منْ المشاريعِ السياسيةِ والمغامرات العمليةِ ، يظلّ فاوست غيرَ راضٍ عن نفسه . حتى الرمق الأخير من حياته ، يتمنى أنْ يتمكنَ منْ التقاطِ ولو لحظةٍ واحدة ، يشعرُ فيها بسعادةٍ تامةٍ . لكنْ في تلكَ اللحظةِ الحاسمةِ ، يظهرَ مفيستوفيليسْ ليطالب بروحهِ حسبِ الاتفاقِ المبرم بينهما.
بعدئذٍ ، تأتي الخاتمة التي أرادها " غوته" أن تمضي نحو حسنِ الحظِ ، عندما جعل الملائكةَ تتدخل في اللحظة الأخيرة لتهزم قوة الشيطان ، وتنقذ روح فاوستْ ، بحجة أنّ أعماقه كانَت تتطلعُ دائما إلى المثال المُطلق من الفضيلة ، وتهفو إلى شيءِ أسمى من الخير . .
ليتمّ بعدَ ذلكَ ، أخذهُ إلى الفردوسِ الأعلى، كي يلتقي بحبهِ الوحيد الحقيقيِ " جريتشنْ "، التي بدورها تصفحُ عنهُ ، وتسعدَ جداً بلقائهِ مجدداً في دارِ الخلودِ.
في تقديري ، هناكَ عدةُ أسبابٍ تدفعنا لاعتبارِ كتابِ جوتهْ " فاوستْ " كتابا مهما في تاريخِ الأدبِ العالميِ أهمها :
1 - الأسلوبُ الأدبيُ المبتكرُ : الذي ركزَ على العواطفِ والخيالِ بدلاً منْ النمطِ الكلاسيكيِ الجديدِ . . بما في ذلكَ البنيةُ المميزةُ للدراما المكونةِ منْ جزأينِ واللغةُ المعقدةُ واللغةُ الغنيةُ المستخدمةُ .
2 - البراعةُ في استكشافِ الحالةِ النفسيةِ للإنسانِ : على مستوى عميقٍ ، بما في ذلكَ البحثِ عنْ المعنى والمعرفةِ ، وطبيعةُ التجربةِ والخطيئةِ ، والعلاقاتُ والعواطفُ البشريةُ . لكونهِ يقدمُ استكشافا عميقا للتجربةِ الإنسانيةِ التي لا تزالُ ذاتَ صلةٍ حية بالوعي والثقافةِ المعاصرينَ .
3 - مدى التأثيرِ الثقافيِ الواسعِ والعميقِ : على إبداعِ الفنانينَ والكتابِ حولَ العالمِ ، الأمرُ الذي ساعدَ على تطويرِ الحركةِ الرومانسيةِ في الأدبِ العالميِ .
قصارى القولِ :
في زعمي ، يُعتبر كتاب " فاوستْ " لجوتهْ منْ الأعمالِ الإبداعيةِ المعقدةِ والمؤثرةِ عالمياً ، لكونهِ يتناولُ بعمقٍ مهيبٍ ، مجاهل أعماقُ الإنسانِ ، ويقاربُ صراعاتها وتناقضاتها في موضوعاتٍ عديدةٍ ، مثلٌ الحريةِ والأخلاقِ والحبِ والدينِ والطبيعةِ البشريةِ.
وهو بلا أدنى شك ، يُعتبر عملاً استكشافياً هاماً وعميقاً للطبيعةِ البشريةِ والرغبةِ في المعرفةِ والمعنى، وكذلكَ نقداً خفياً لعقلانيةِ العلمِ المسرفةِ ، وإنذارا واضحاً منْ مخاطرِ اتفاقِ المرءِ الذهنيِ والنفسيِ معَ غياهبِ الشرِ المطلقِ . التي رُمّزِ لها في هذهِ المسرحيةِ بالجشعِ والطمعِ وشرِ الجهلِ تارةً ، أوْ بوهمِ المعرفةِ والأملِ الكاذبِ تارةً أخرى . . .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل