الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى عيد الجلاء، دعوة للاحتفال أيضاً بذكرى استقلال سوريا عن الدولة العثمانية

ضيا اسكندر

2023 / 4 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


أحياناً يكون الموقع الجيوسياسي لبلدٍ ما نقمةً على شعب ذلك البلد وليس نعمةً؛ بسبب صراع وتنافس القوى الدولية العظمى فيما بينها، حيث تشكّل الهيمنة على ذلك الموقع ضمانةً للنصر.
ولعلّ سوريا خير مثال على ذلك؛ فهي تتمتع بموقعٍ استراتيجي قلَّ نظيره بين دول المنطقة؛ كونها تقع على تقاطع خطوط التبادل والتجارة بين القارات الثلاث آسيا وأوروبا وأفريقيا، ولهذا السبب لم تنعم بمرحلة استقرار خلال مئات السنين وحتى الآن، والمحاولات العديدة عبر العصور للسيطرة عليها من قبل مختلف القوى الإقليمية والدولية لا تخفى على أي مواطن، فقد مرّ عليها الكثير من جيوش الامبراطوريات واحتلتها ونكّلت بسكانها. وكان آخر هذه الاحتلالات، الاستعمار الفرنسي الذي يحتفل الشعب السوري بكل فئاته ومكوّناته سنوياً، بذكرى جلائه عن البلاد، الذي جاء تتويجاً لحقبة نضالية، بعد احتلالٍ دام أكثر من ربع قرن، تخللها العديد من الثورات الرافضة لوجود المستعمر، قدّم شعبنا خلالها، الغالي والنفيس من التضحيات إلى أن تكللت بالاستقلال الوطني.
والحديث ذو شجون، عن مظالم الاحتلال وتبعاته وما رافقته من مقاومة ضارية ومشرّفة سطرتها ملاحم بطولية أوقدت لهيبها المجازر الوحشية التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي بحق الشعب السوري؛ بدءاً من معركة ميسلون عام 1920، مروراً بالثورة السورية الكبرى عام 1925. ليستمر بعدها في عدوانه حتى إعلان الاستقلال، حيث زجّ بخيرة المناضلين في السجون ومارس أبشع الجرائم بحق المعارضين له، مستخدماً سلاح الطيران والمدفعية والصواريخ التي طالت أغلب المدن السورية، ولعب دوراً قذراً في خلق الفتنة الطائفية وإذكائها، وعمل على تمزيق وحدة البلاد وقسّمها إلى عدة دويلات.
ولوضع حدّ لهذه الجرائم المروّعة، هبّت كوكبة من الثوار، وفي مختلف مناطق البلاد للنضال والمقاومة المسلحة لطرد المحتلين الفرنسيين إلى أن تحقق الاستقلال، وأصبحت سوريا دولة ذات سيادة فعلية في 17 نيسان عام 1946، مع انسحاب القوات الفرنسية، وجلاء آخر جندي فرنسي عن أرض الوطن.
ومعروف أن أيّ بلد تعرّض لاحتلالات أجنبية لأراضيه، يحتفل سنوياً بذكرى استقلاله عن آخر استعمار تعرّض له، ولكن هذا لا يعني إغفال استذكار باقي الاحتلالات.
وفي حال سوريا، فإن استذكار استقلال البلاد عن فرنسا من الأهمية بمكان، ولكن يجب ألّا نغفل الاحتلال العثماني للبلاد الذي دام أكثر من أربعة قرون، لا سيما أن الجرائم التي ارتكبها في حق شعب المنطقة تشيب لهولها الغلمان، ولا تصحّ مقارنته مع جرائم الاستعمار الفرنسي أبداً.
فنظام الحكم العثماني وسياط جلاديه وخوازيقه لا تزال محفورة في ذاكرة السوريين. في حين بقيت عالقة في ذاكرتهم إيجابيات الانتداب الفرنسي – على الرغم من جرائمه هو الآخر - الذي أدخل معه الحضارة الحديثة (المدارس، والمشافي، وشق الطرقات وبناء الجسور، والنظام والقانون والقضاء وغير ذلك..)

متى احتلت الدولة العثمانية الدول العربية؟
تقول المصادر التاريخية إن العثمانيين احتلوا البلاد العربية عام 1516، بعد موقعة مرج دابق، ومعركة الريدانية عام 1517، ودخول السلطان العثماني سليم الأول الشام ومصر، وبقاء احتلالهم حتى أوائل القرن العشرين. وقد سُمّيت بالدولة العثمانية نسبة لمؤسسها الأول عثمان بن أرطغرل (1258 – 1326).
وارتكب العثمانيون أفظع الجرائم الإنسانية في تاريخهم، فقد قتلوا مئات الآلاف من العرب وغيرهم من المكونات في مذابح جماعية، وعلّقوا جثث قادة المماليك في الشوارع، ونهبوا المنازل والمتاجر، ومثّلوا بجثث القتلى.
ولم يعرف العثمانيون قانوناً سوى القتل، فكان الخازوق وسيلتهم المفضلة في تنفيذ أحكامهم البربرية التي تخالف الإسلام، ولم يفهموا من الدين إلا قشوره، لذلك اعتمدوا القتل بالخازوق عقاباً للضعفاء.
وختمت الدولة العثمانية جرائمها بما سُمّي بـ «سفر برلك» (1914 – 1918) والتي تعني النفير العام والتأهب للحرب، وهو فرمان أصدره السلطان العثماني محمد رشاد في آب 1914م، معتبراً أن كل شخص من مواليد ما بين (1869 ـ 1882)، في أراضي الدولة العثمانية من المسلمين وغير المسلمين، مطلوب للخدمة العسكرية، ويجب عليهم الالتحاق بشُعَب تجنيدهم من تلقاء أنفسهم دون انتظارهم التبليغات، ليُزجّ بهم في معارك وحروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
وفي العصر الحديث، فإن دولة الاحتلال التركي لم تتوانَ عن التآمر وانتهاك حقوق البلاد والعباد حتى تاريخه. وفي عودة سريعة إلى ما قامت به خلال الأزمة السورية (2011 - 2023) من تسهيلها عبور الإرهابيين إلى الأراضي السورية ودعمهم بالسلاح والعتاد، واحتلال أجزاء واسعة من المدن والبلدات والقرى الحدودية، وممارساتها البشعة من سرقة وتتريك وتغيير ديمغرافي ونهب آثار ودعم كافة المنظمات والمجموعات الإرهابية المسلحة، وفي طليعتهم داعش وجبهة النصرة ومن في حكمهما.. خير مثال على أن هذا (الجار) لم نلقَ منه عبر التاريخ سوى المرارة والعذاب.
وعلينا ألّا ننسى أن التأسيس الفعلي والحقيقي لدولة "إسرائيل" في فلسطين كان برعاية تركية، أداره وأشرف عليه السلطان عبد الحميد الثاني (1876 – 1909)، ولم يكن وعد بلفور عام 1917 سوى استئناف أو تتويج للأعمال التركية التي بدأت قبل ذلك بأربعين عاماً؛ عندما سمح بحرّية الهجرة والاستيطان لليهود في فلسطين. فقد تضاعفت أعداد اليهود في فلسطين في عهده من (25) ألف عام 1882 إلى (80) ألف عام 1908.
والمصيبة التي ما زالت تنيخ بكلكلها علينا منذ عشرات السنين، أننا ما زلنا نعلّم أبناءنا مفاهيم ومصطلحات نعلم في سرائرنا أنها غير حقيقية، ومع ذلك مستمرّون في تبنّيها، مثل بقاء كلمة (الفتوحات) العثمانية للبلدان العربية والأجنبية في كافة المناهج التعليمية في المدارس العربية، بدلاً من توصيفها الحقيقي على أنها (غزو أو احتلال أو استيلاء).
إذ لا يمكن اعتبار دخول شعب مسلم إلى أرض شعب مسلم آخر فتحاً، هذا منافٍ للعقل والعلم والتاريخ. ومن يتحدث عن الفتح العثماني فإن حديثه قائم على العاطفة والحماسة الدينية بحجة أن الدولة العثمانية حمت الدول العربية من التغلغل الشيعي، عبر تصدّيها للدولة الصفوية في إيران.

متى استقلّت سوريا عن الدولة العثمانية؟
تقول المصادر التاريخية إن إعلان استقلال سوريا عن الدولة العثمانية حصل يوم 8 آذار عام 1920 فقد أعلن في هذا اليوم من قبل المؤتمر السوري العام بُعَيد سقوط الدولة العثمانية، وتمت مبايعة فيصل بن الحسين ملكاً وإعلان المملكة العربية السورية بشكلٍ رسمي.
وهناك مؤرخون ذكروا أن دخول فيصل إلى دمشق في 4 تشرين أول من عام 1918 وإعلان نهاية السيطرة العثمانية على البلاد التي استمرت (402) سنة هو عيد الاستقلال.
نترك للباحثين التاريخيين الاتفاق على تحديد يوم الاستقلال ليتم اعتماده لاحقاً.

وإزاء ما سبق ذكره، أعتقد أنه حان الوقت لنعيد النظر في تاريخنا ومناهجنا ونسمّي الأشياء بأسمائها ونتحلّى بالجرأة لنُحدِثَ قطيعةً بكل ما يعيق تقدمنا وتطورنا وازدهارنا، ونجعل من تاريخ خلاصنا من الاستعمار العثماني البغيض عيداً وطنياً حقيقياً، نستذكر فيه هذا التاريخ الحافل بكل ما يندى له جبين الإنسانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع


.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر




.. أردوغان: حجم تجارتنا مع إسرائيل بلغ 9.5 مليارات دولار لكننا


.. تركيا تقطع العلاقات التجارية.. وإسرائيل تهدد |#غرفة_الأخبار




.. حماس تؤكد أن وفدها سيتوجه السبت إلى القاهرة