الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السودان

خالد بطراوي

2023 / 4 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


ما يجري في السودان الشقيق مسألة لا تخص الشعب السوداني وحده، بل تخصنا جميعا. ولأولئك الذين يظنون أن " الطوشة في الحارة الأخرى" وليست في "حارتهم" فهم واهمون، كما النعامة تدفن رأسها في الأرض بينما يظهر جسدها بالكامل لمن يستهدفها. إن أية حالة عدم إستقرار أو إقتتال داخلي في أي بلد عربي تمسنا جميعا، ولا تنفع مقولة " فخار يكسر بعضه" وخاصة عندما نرى أن طرفي الخلاف والنزاع المسلح في السودان هم من العسكر.
إن ما يحدث في السودان اليوم من نزاع عسكري بين الجيش الرسمي الذي يسيطر قادته على سدّة الحكم في السودان وبين ما يسمى بقوة الردع السريع، التي هي أيضا قوات عسكرية تشكلت بمعرفة الجيش يعيدنا الى خمسينات وستينات والى حد ما سبعينات القرن المنصرم عندما كان ولا زال "العسكر" يتحكم بمقاليد الحكم في الكثير من البلدان العربية وغير العربية، وكانت السمة الغالبة لأي إنقلاب عسكري هي السيطرة على القصر الرئاسي والإذاعة والتلفزيون الرسمي والمطار، وشن حرب إعلامية بين طرفي النزاع تنشر أخبار مفبركة حول إنتصارات وهمية لهذا الطرف أو ذاك بل وتبث مقاطع من أسر جنود من قبل كل طرف وإعلانات تأييد لأحد الأطراف لقادة من العسكريين أو قادة أحزاب وفصائل.
إن مرجعيتنا الأساسية في إبداء أي موقف بخصوص ما يحصل في السودان الشقيق هي أهل السودان من القوى الطليعية الحريصة على الكل السوداني لا الخاص الضيق المتعلق بموازين قوى بين العسكر وغير العسكر.
إن موقف القوى الوطنية الحقيقية في السودان يتجسد في أولا عدم تأييد طرف على حساب طرف آخر في النزاع المسلح الدائر بين طرفي العسكر، بل على العكس فإن هذه القوة تعتبر أن ما يجري هو صراع شخصي لا يتعلق بالحرص على السودان والسودانيين بل هو صراع على سلطة أصلا هي مغتصبة من العسكر بعد تقديم أكثر من وعد بإجراء إنتخابات عامة لم تحصل حتى الان. كما وأن القوى الوطنية السودانية قد دعت وتدعو الى تجنيب المدنيين ويلات هذا الصراع الشخصي من سقوط مدنيين أبرياء وجرحى وعملية تهجير قسري من منازل بعض المواطنين ونحن في الأيام الأخيرة من شهر رمضان الفضيل، وتطالب بتوفير الملجأ الآمن لمن تهجروا جراء هذا الصراع العسكري المسلح.
لقد أجج الغرب وبعض الدول العربية المجاورة وغير المجاورة للسودان في إشعال فتيل ونيران النزاع المسلح بين طغمتين عسكريتين تحاول كل منها حسم الأمور وموازين القوى لصالحها، وكان واضحا في الأسبوع الاخير أن نزاعا مسلحا قد أصبح وشيكا إلى أن إشتعل قبل يومين ومن الواضح أنه سيستمر لفترة من الزمن دون أن يحسم أي طرف النزاع لصالحه مع ما يرافق ذلك كله من خسائر في الأرواح والممتلكات وفي النهاية سيجلس الطرفان على طاولة المفاوضات برعاية غربية ورجعية عربية لإقتسام " الكعكة" وتتم عملية تهدئة لكن طبولها ستبقى جاهزة لأن تقرع مجددا بين لحظة وضحاها فطرفي النزاع لن يغفرا كل للآخر وسيبقى كل منهما ينتظر الفرصة لسحق الطرف الآخر ( على هدي المثل الشعبي قلّو لاطيلك ... قلّو صاحيلك ) وستدخل السودان – لا قدر الله - في دوامة طباخة أزمات وإقتتال داخلي على نار هادئة بشكل متواصل وسنبتعد أكثر فأكثر عن مسألة إجراء إنتخابات عامة، وستفرح الدوائر الغربية لذلك كله، وسيشعر الكيان الصهيوني براحه أكبر لإستمرار حرب " داحس والغبراء " بحلتها الجديدة وستستمر إثيوبيا في ملء خزانات سدة النهضة الإثيوبي ضاربة بعرض الحائط بالأمن القومي السوداني والمصري.
وصراحة، لا يوجد أية آفاق لتحرك القوى الوطنية السودانية وحسم الأمر، لأنه عندما يتناحر العسكر يتقلص دور هذه القوى ولا تستطيع تحت قعقعة السلاح وفوهات البنادق أن تحقق مطالبها الداعية الى تعميق حياة المجتمع المدني وإحترام سيادة القانون وإستقلال القضاء ورفع مكانة حقوق الانسان، حيث أنه من المعروف أنه عند تحرك العسكر يتم تعليق كافة مظاهر المجتمع المدني وتسود أحكام حالة الطوارىء.
خلاصة القول، وإن كنا نتمنى أن لا يحصل ذلك كله، وأن تتوقف فورا حالة الصراع العسكري في السودان، فإن المؤشرات الأولية تفيد أن السودان سيدخل في حالة من التردي والتشتت والتمزق لفترة من الزمن تمتاز بين صعود حدة التوتر تارة وإنحسارها تارة أخرى وستتحول المدن والمواقع السكانية السودانية الى ثكنات عسكرية وسيطغى حكم العسكر المتشرذم وسيسرع كل طرف عسكري سوداني من الأطراف المتصارعة الى تقديم آيات الطاعة والولاء للغرب وللرجعيات العربية في المنطقة وكل ذلك سيعيد السودان الى الوراء سنوات وسنوات و "كأنك يا أبو زيد ما غزيت".
حمى الله الشعب السوداني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البيت الأبيض: واشنطن لم تتسلم خطة إسرائيلية شاملة تتعلق بعمل


.. اتفاق الرياض وواشنطن يواجه تعنتا إسرائيليا




.. إسرائيل وحماس تتبادلان الاتهامات بشأن تعطيل التوصل إلى اتفاق


.. خطة نتياهو لتحالف عربي يدير القطاع




.. عناصر من القسام يخوضون اشتباكات في منزل محاصر بدير الغصون في