الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فهم معجزة إسرائيل الإقتصادية

حاتم بن رجيبة

2023 / 4 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


إسرائيل تعلمك أن المستحيل مستحيل وأن العراقيل والصعوبات مهما تفاقمت وكبرت تذلل بالعزيمة الفولاذية وبالحكمة والليونة وخاصة بالذكاء البشري!!!

كيف استطاعت إسرائيل تجاوز المستحيل والقفز إلى منصة البلدان المصنعة و الإلتحاق بالعالم الأول بعد أن كانت بلدا فلاحيا وفقيرا من بلدان العالم الثالث؟؟

كيف استطاع هذا البلد الجاف أين تحتل الصحراء الموحشة والقاحلة نصف مساحته وأين خمس مساحته فقط صالح للزراعة أن ينتج 90 % من حاجياته الزراعية والغذائية فهو لا يستورد إلا القليل مثل القهوة والحبوب والسكر والكاكاو، بينما يصدر آلاف الأطنان من الغلال والخضر والورد إلى أروبا بالخصوص؟؟ فمساحة إسرائيل كلها لا تفوق ال-20 ألف كلم مربع؟؟

كيف استطاعت إسرائيل أن تدخل عالم التصنيع دون أن تملك ثروات منجمية أو آبار النفط والغاز أو سوقا داخلية محترمة(يقطنها 7,5 مليون ساكن فقط ) أو التمويل اللازم؟؟؟

كيف عرفت أن تجعل من نفسها واجهة سياحية مستقرة رغم الحروب العديدة والمناوشات المسلحة اليومية مع جيرانها ؟ بينما بلدان أخرى تصاب بالشلل التام إثر عمل إرهابي وحيد مثلما حدث في تونس أو المغرب؟؟؟

هناك العديد من الأسباب التي حققت هذه المعجزة والتي سأذكر أهمها. لكن هناك سبب جوهري وأساسي وهو المحرك الأساسي الذي قفز بإسرائيل إلى العالم الأول ولازال يطير بها من قمة إلا قمة.

هذا المحرك الهائل وسر المعجزة هو : التعليم و البحث العلمي!!!!! إسرائيل تنفق يا أعزائي 10% من دخلها القومي الخام على التعليم و 5 % منه على البحث العلمي(ألمانيا مثلا تنفق 4,6% فقط من دخلها الخام على التعليم) . هذا الإنفاق السخي يرافقه جودة عالية للتعليم فجامعات إسرائيل لها ترتيب ممتاز في محيطها الآسيوي وفي العالم. 7 جامعات إسرائيلية من بين ال-100 الأفضل في العالم في مواد الرياضيات والفيزياء والكيمياء والهندسة و علوم الإعلامية والحواسيب. على كل 10000 مواطن تملك إسرائيل 135 مهندسا بينما لا تملك ألمانيا سوى 80. 20% من الإسرائيليين لهم شهائد جامعية وهي تملك أفضل نسبة تعليم في آسيا.

إلى جانب هذا النعيم التعليمي تركز إسرائيل بالخصوص على العلوم والتقنية في التدريس وهما القطاعان الأكثر تطورا في الإقتصاد . لأن محرك الإقتصاد في كل مجالاته من فلاحة وتجارة وتصنيع وخدمات هو التقنية والعلوم التجريبية من كيمياء وفيزياء ورياضيات، و هي ركيزة البحث العلمي و الإبتكار ...

التعليم الجيد هو الأساس لكن هناك عوامل أخرى ساعدت على تحقيق المعجزة. ولفهم ذلك نعود إلى المراحل الكبرى التي مر بها الإقتصاد الإسرائيلي.

فبعد القفزة الممتازة للإقتصاد بين سنة التأسيس في 1948 إلى سنة 1973 مع نسبة نمو 10 % نتيجة الإستثمار السخي في البنية التحتية والإعمار وتزايد عدد السكان المهم نتيجة موجات الهجرة المتتالية انتقل الإقتصاد إلى مرحلة ركود واتخذ منحى خطيرا بنسبة تضخم فاقت ال-400 % وعجز مزمن للميزانية المالية نتيجة الإنفاق الهائل في الدفاع و تغطية نفقات الحروب ضد جيرانها كما تضررت كثيرا جراء حظر النفط سنة 1973 وحرب جم كيبور.

هذا المأزق الذي هدد الإقتصاد بالإنهيار أجبر النخبة السياسية على اتخاذ قرارات راديكالية وتغيير نمط الإقتصاد جذريا من اقتصاد اشتراكي يشبه إلى حد كبير النمط الشيوعي أين تحكم الدولة كليا في كل دواليب الإقتصاد وتنتج لوحدها 70 % من الناتج الخام إلى اقتصاد السوق المفتوح والمبادرة الحرة والمنافسة النزيهة.

قاومت النخبة الحاكمة سلطة النقابات وكسرت شوكتها كما زال احتكار الدولة للأنشطة.

كانت تلك نقطة الإنطلاق الفعلية للمعجزة والقفزة المستديمة للنمو وللتطور . نسبة التضخم نزلت سريعا من 400 % إلى 20% ونسبة العجز من 15% سلبي إلى 1 % إيجابي!!! كما انفتحت إسرائيل ابتداء من سنة 1990 كليا على التجارة العالمية ودخلت مجال العولمة من الباب الكبير فقد أزالت المراسيم الجمركية إلى 1% فقط وفتحت أسواقها المالية كليا على الأسواق العالمية مما سبب تدفقا هائلا للإستثمارات العالمية خاصة تلك ذات الطابع المجازف!! هذا التحرير الجمركي و الإنخراط في العولمة والتجارة الحرة شجع المستثمرين المحليين على التركيز على التصدير ودخول الأسواق العالمية. كما كان حافزا على رفع الجودة للقدرة على المنافسة في خضم حلبة السوق الحرة والصراع على الأسواق . ما جعل الإقتصاد يتحول إلى اقتصاد تصدير مثل الإقتصاد الألماني أو الأمريكي فجعل إسرائيل تحقق فائضا سنويا في ميزانها التجاري يفوق ال-6 مليارات .

جودة المنتوجات الإسرائيلية سواء كانت تقنية أم فلاحية يعود إلى جانب المنافسة الحرة أساسا إلى المحرك الأساسي وهو التعليم الجيد والإستثمار بسخاء في البحث العلمي . وادي السلكون بين تل أفيف وحيفا أصبح مركزا لمئات الشركات الناشئة في الأنشطة التقنية والتكنلوجية العالية ومقرا للعديد من الشركات العابرة للقارات مثل جوجل وسيمنس وإنتال التي تسثمر المليارات سنويا.

البحث العلمي هو من سبب النجاح الهائل للقطاع الفلاحي فرغم شح المياه وندرة الأراضي الصالحة للزراعة (20% فقط من مساحة البلاد أراضي صالحة للزراعة) تنتج إسرائيل 90% من حاجياتها الزراعية و تصدر كما هائلا من الغلال والخضر والورود بفضل التقنيات الحديثة في الري وإعادة رسكلة مياه الصرف(44% من المياه المستعملة للسقي متأتية من مياه الصرف المرسكلة ) والبيوت المكيفة وتقليل استخدام المبيدات و توضيف علم الجينات لرفع الإنتاجية(ارتفع إنتاج الحليب إلى 10 آلاف لتر للبقرة الواحدة سنويا ) وخصوبة الأرض.

كما يساهم الجيش الإسرائيلي مباشرة في التطور الإقتصادي. ذلك أن حظر الأسلحة من جانب فرنسا سنة 1967 أجبر إسرائيل على التعويل على نفسها لإنتاج كل أنواع الأسلحة أو تطوير منتوجات مستوردة لتتلائم مع حاجياتها. فأصبحت إسرائيل منتجة ومصدرا عالميا للأسلحة الخفيفة والثقيلة من رشاشات ودبابات وطائرات ودرونات كما أصبحت رائدة في عالم البرمجيات في المجالين الحربي والمدني. فالعديد من المجندين(التجنيد في إسرائيل يدوم 3 سنوات كاملة ويشمل كلا الجنسين) دخلوا عالم الإعلامية والحواسيب والبرمجيات خلال فترة تجنيدهم. كما أن استمرار الحروب الدائم مع جيرانها جعلها تطور باطراد أسلحتها و برمجياتها فتكون أنجع و أكثر منافسة في السوق العالمية.

انهيار الإتحاد السوفيات سنة 1990 جعل مئات الآلاف من اليهود السوفيات ذوي التعليم الجيد يهاجرون إلى إسرائيل(25 ألف طبيب و 108 ألف مهندس و 50 ألف معلم). هذا الكم الهائل من الأدمغة الناشئة والذكية أثرى الإقتصاد الإسرائيلي وساهم في انتعاشه أكثر.

عامل مهم أيضا هو أن المهاجرين الأوروبيين ومن شمال أمريكا كانوا منذ البداية النخبة المسيطرة والمسيرة للبلاد. هذه النخبة الأوروبية والغربية لم تأت إلى إسرائيل بسبب الفقر والخصاصة مثل يهود إفريقيا و آسيا بل فرارا من معاداة السامية والعنصرية. هذه النخبة كانت جيدة التعليم ومشبعة بالقيم الغربية من التفاني في العمل والرغبة في النجاح والثروة.

اسرائيل استطاعت كذلك أن تحافظ على تدفق الملايين من السياح سنويا إلى شواطئها وإلى معالمها التاريخية رغم كل الحروب و المناوشات المسلحة اليومية ضد الفصائل الفلسطينية . هذا الذكاء في التسويق وإقناع السائح هو معجزة أيضا. فكيف يسافر الملايين سنويا إلى بلد تتهاطل فيه الصواريخ والقنابل كالمطر وتتوالى العمليات الانتحارية في الشوارع والمقاهي والحافلات!!!

إسرائيل هي قدوة لكل بلدان العالم الثالث للإلتحاق بركب الحضارة والإزدهار، السر يكمن بالأساس في التعليم والبحث العلمي والتركيز على الذكاء البشري كما التركيز على المنافسة الحرة واقتصاد السوق والمنافسة الشريفة وفتح المجال للمبادرة الخاصة والإنفتاح على الأسواق العالمية. على الدولة أن تشجع القطاعات الواعدة بأن تضخ الموارد المالية لإنشاء المشاريع الجديدة وإزالة العراقيل البيروقراطية وصعوبات التمويل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نجاح اسرائيل يعود للعلمانية والديمقراطية
د. لبيب سلطان ( 2023 / 4 / 17 - 00:12 )
الاخ الكاتب المحترم
ترجعون في مقالتكم نمو ونجاح وتطور اسرائيل الى التعليم والذكاء في الادارة وكلاهما صحيح ولكنهما نجحا لانهما قاما عل المنهج الذي اتخذه مؤسسيها وهما اولا علمانية الدولة ( اي ابعادها عن الدين وعن التؤدلج) والثاني الديمقراطية الاجتماعية في ادارة المجتمع والاقتصادية في الاقتصاد ، فرغم ان انها كانت تتخذ الكيبوتسات ذات النمط الاشتراكي في العمل الجماعي بداية تأسيسها ولكنها تدريجيا تحولت عنه الى الاقتصاد الحر منذ الثمانينات
ورغم اننا كعرب نعتبرها عدوا حتى يتم احقاق حق الشعب الفلسطيني بدولته ولكن على الاقل لنتعلم منها سبل نجاحها الهائل وانجازاتها وشخصيا لا اعتقد ان هناك حلا للقضية الفلسطينية قبل ان يعي الفلسطينيون والعرب علمانية الدولة والديمقراطية وادارة المجتمع على اساسها لتطوير الاقتصاد ومعيشة السكان، وبدونها لن يقوم اساس لا للتعايش مع اسرائيل ولا لدولة فلسطينية ناجحة وستكون فاشلة على غرار سوريا او ايران او العراق ولاتمتلك غير شعارات لاتغني ولاتسمن وعسكرة مجتمعاتها وحكمها ديكتاتوريا ..الشكر لك على هذه المقالة الصريح


2 - العلمانية والديمقراطية أسباب جوهرية لنجاح إسرائيل
حاتم بن رجيبة ( 2023 / 4 / 17 - 11:44 )
أشاطرك الرأي أن العلمانية والديمقراطية أسباب جوهرية لنجاح إسرائيل الباهر اقتصاديا. فبدون الديمقراطية والعلمانية لن يكون هناك اقتصاد حر الذي هو ثاني ركائز المعجزة الإقتصادية بعد التعليم الجيد والإستثمار السخي في البحث العملي. فالسوق الحرة تعني المنافسة الشريفة دون احتكار أو محسوبية وتعني استقلالية القضاء وأمن جمهوري وتفرقة السلط و رقابة السلط لبعضها البعض. فالنجاح يعود في الأنظمة الديمقراطية إلى الكفاءة والنجاعة والذكاء وليس إلى المحسوبية والرشوة والتهديد واستعمال النفوذ والسلطة كما في البلدان المتخلفة، كما هو الحال في كل بلدان الشرق الأوسط. حتى يستعيد الفلسطنيون وطنهم عليهم أن يتعلموا من عدوهم! عوض الخطب النارية الفارغة و العمليات الانتحارية العقيمة وصواريخ مضحكة يرمون بها على المدنيين ، عليهم الإهتمام بالتعليم الجيد لأبنائهم وتحسين البنية التحتية وظروف العيش والإستثمار في البحث العلمي و تشجيع النوابغ والكفاءات وإرساء مبادئ الحوكمة الرشيدة والديمقراطية العلمانية...إسرائيل لن تتراجع إلا أمام شعب قوي وذكي و غني، ينتج اسلحته وغذاءه بنفسه ، شعب له مخالب وأنياب وليس شعبا شبه أمي تحكمه نخب


3 - ارجو ان اعرف لماذا لم ينشر تعليقي رقم 2
الدكتور صادق الكحلاوي- ( 2023 / 4 / 17 - 14:45 )
تحياتي للجميع

اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران