الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحجاب بين نظام خامنئي، وجماهير إيران!!

احمد عبد الستار

2023 / 4 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


لا تبدو مطالبة نساء إيران بالتخلص من الحجاب الإجباري، مجرد حرية المرأة، وممارسة حقوقها في الملبس. بل هي مسألة سياسية صرف، كما صرح ويصرح كثيرا حول هذا الأمر بحق، خامنئي رأس هذا النظام المتخلف وممثله.
بعد مقتل الشابة (مهسا أميني) في أيلول العام الماضي على يد شرطة الاخلاق التابعة للنظام الإيراني بحجة "الحجاب الناقص"، أي ناقص للشروط الشرعية ومخالف لقيمهم المفروضة على المجتمع، رغم إنه كان يلف كامل رأسها وعنقها. انطلقت في عموم إيران على أثر هذه الشرارة انتفاضة عُرفت بشعار (المرأة، الحياة، الحرية) والشعارات المرادفة الأخرى (الموت للدكتاتور) و(خامنئي قاتل وحكومته باطلة)... تقدمت النساء الإيرانيات صفوف الانتفاضة بكل شجاعةٍ وتحدٍ للقمع الهمجي للنظام، وسارتْ الجماهير خلفها متضامنة وناقمة على نظام همشهم وأفقرهم، ونشر البطالة، والغياب تام للعدالة السياسية والاجتماعية...مما أدى لتراجع النظام أمام شوكة الجماهير المصرّة على التغيير وقلب الحكم الفاسد والمتخلف، إلى نظام يتناسب مع تطلعات الجماهير، بالرفاه والتحضر. تغاضى على أثر السخط الجماهيري العارم عن قيود الحجاب من جهة لكي لا يستفز جماهير النساء الغاضبات، وبذات الوقت لجأ إلى وسائل الترهيب المفرطة بإعدامات طالت العديد من قادة التظاهرات، ومحتجين، وأخبار أخرى من داخل إيران تفيد بإعدام نساء أيضا. مع حملة تشويه ومطاردات واعتقالات، رغم كل هذا جابهت جماهير إيران ألوان التعسف، وهزت النظام وحققت انتصارا مطلبيا وسياسيا. وهذا ما تشهد عليه تصريحات خامنئي حينها "لا يجب اتهام النساء اللواتي لا يلتزمن الحجاب بشكل كامل بعدم الالتزام الديني أو بأنهنّ معاديات للثورة."، إذ أدرك هو جيدا إن لا سبيل إلى مقاومة الرغبة التي اتصفت بالشراسة للتخلي عن الحجاب، والانتشار الواسع للنساء سافرات في الشوارع والمطاعم والاسواق في جميع مدن إيران.
الانتفاضة الإيرانية، وأية انتفاضة جماهيرية تركن بالنهاية إلى الفتور وحتى التلاشي، مالم تكن منظمة، أو إلى بُعد القيادة أو ضعفها، أو تعرضها إلى القمع الشديد، كما حصل مع الكثير من الانتفاضات الجماهيرية، واقربها إلينا ما كان مع انتفاضة تشرين العراقية.
استغل النظام الإيراني الفتور المؤقت للاحتجاجات، وقام بجدولة جديدة لأدواته، لإعادة تدوير نفسه مرة أخرى ويعلن عن وجوده، وليقم بهجوم مقابل وإرجاع سطوة النظام وجزء من الهيبة التي تمرغت بالوحل على إيدي شابات إيران الشجاعات والناقمات، والجماهير المحرومة، من عمال وعاطلين وسكان الأرياف المهجرين وطلبة ومتقاعدين...
وكرّة النظام الآن بدئها من الحجاب، لأن الحجاب نصر سياسي أحرزته نساء إيران باقتدارها الذاتي، أي إن المنازلة كانت بين نظام معتوه لا يتوان عن الإقدام على أخس الافعال واشدها فظاظة؛ وبين الجماهير الإيرانية التي لا تملك سوى إرادتها وحقها في حياة لائقة. لم ترفع جماهير إيران أي سلاح غير قناعتها ووسائلها السلمية، لإقناع خصم فقد كل شرعية لوجوده؛ وعليه لم يعد يملك من وسيلة اقناع سوى القوة المفرطة، يشهرها بوجه الجماهير العَزلاء وقبضتها الخالية، إلا من تصميمها المؤكد على استرداد حقوقها الثابتة والأصيلة، للبشر.
في أغرب وسيلة لجأت إليها شرطة إيران فيما تقول " وقف مقاومة قانون الحجاب" ويجب أن نشدد من جانبا على عبارة " مقاومة الحجاب" المرفوض والمكروه جماهيرا، لجأت الشرطة منذ السبت الماضي عبر بيانها في نشر كاميرات مراقبة في الاماكن والطرق العامة، لرصد النساء اللاتي لا يلتزمن بالحجاب ومعاقبتهن، وتقول الشرطة في بيان هذا إن المخالفات سيتلقين بعد رصدهن "رسائل نصية تحذيرية من العواقب". وبالفعل بدأ تطبيق نظام المراقبة هذا، وبدأت الشرطة بملاحقة غير الملتزمات بالحجاب برسائل نصية أو بتهديد مباشر، مع تعنيف من قبل الشرطة أو من قبل الذين يدورون مع مغزل النظام، شوهدت أعداد من النساء يتعرضن للضرب والإحراج في الأسواق ووسائط النقل....، ولكن "مقاومة الحجاب" لا زالت على أشدها لأن أعداد النساء اللواتي تخليّن عن الحجاب بالملايين، ولازال هناك وميض جمرٍ تحت الرماد.
إن قضية الحجاب اليوم في إيران مثلها مثل، قصة الاصطلاح الذي شاع كمثل متداول في الأدب والسياسية؛ وهي عبارة " شعرة معاوية"، وملخصها: عندما سٌئل كيف حكمت الشام مدة اربعين عاما، رغم الاضطرابات والفتن السياسة؛ أجاب" لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قيل: وكيف؟ قال: لأنهم إن مدوها خلّيتها وإن خلوا مددتها". ودلالة هذا المبدأ السياسي عنده، الاحتفاظ بالوضع القائم دون هزيمة كلية، فالمواقف تتبدل حسب الحاجة، بين أخذ وجر، بين التنازل واللين إذا تشدد خصمك، وبين اللجوء إلى القوة متى ما تمكنت من الخصم المقابل.
يقوم النظام الإيراني الآن بلعبة جر الحجاب، مثل شعرة معاوية، يظن إن الانتفاضة خمدت وتلاشت قواها، وليعد لرفع قامته من جديد، عبر وسائل القوة والبطش وتذكير الآخرين بسطوته وفرض القانون، والشرع والمحرمات، وفي مقدمتها مسألة الحجاب والتي لا لم تكن لا للجماهير ولا للنظام بأنها قضية شرع وحلال وحرام، بل هي صراع اجتماعي وسياسي بين سلطة جائرة وجماهير محرومة.
وعلى النظام والمستفيدين منه، إن يدركوا إن الزمن قد تغير، ولم يكن كما كان عليه، منذ خلافة بلاد الشام بحقبة حكم معاوية أو غيره من الخلفاء السابقين واللاحقين عليه أو مرشد ما، ولم تعد أي شعره مهما كانت أن تنفع، ضد إرادة الجماهير في الزمن المعاصر.
إن التاريخ المعاصر هو تاريخ الجماهير الواعية لسيرورة التاريخ، والمتدخلة بتقرير مصيرها، ومهما كانت شدة النظام الإيراني وبطشه. فإنه خارج التاريخ، ومسألة وجوده بالسلطة مسألة وقت، حتى حين تقرر الجماهير إزاحته نهائيا؛ بالعمل الدؤوب والجهد المنظم بين تحقيق النجاحات الكبيرة والسكون النسبي، والتي لاحت بالأفق نتائج جولات النزاع المحتوم لصالح جماهير إيران العظيمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة