الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى سنصبح كعرب فاعلين وليس فقط مُنفعلين؟

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2023 / 4 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


نحنُ معروفون عموما كعرب، بالانفعال العاطفي السريع في التعامُل مع أي حدَثِ أو موضوع أو قضية وطنية أو قومية، وحتى عالمية..
ننفعل بسرعة ثم نهدأ بسرعة.. نتخاصم بسرعة ثم نتصالح بسرعة.. نتّهم بسرعة وننسى بسرعة.. نُبالغ في المديح ونبالغ في الذم..
ثقافة الموضوعية والمنطق غير موجودة في تفكيرنا ومواقفنا ومُقارباتنا للأمور..
عودوا للتاريخ كم وُضِعَت من كتابات ومقالات وتحليلات تتّهم السعودية بالتآمر على جمال عبد الناصر، وعلى المَد العروبي والقومي، ووقفت بوجههِ، وحرّضت إسرائيل على عدوان 1967 لضرب نِظَامَي مصر وسورية.. وكم اتُّهِمت بالإرهاب ودعم الإرهاب ونشرِ الإرهاب.. الخ..
هل هذا الكلام كاذب أم صحيح؟ أي قِيلَ أم لم يُقَل؟ نعم لقد قِيلَ منهُ الكثير.. وأنا هنا لا أتبنى آراء وإنما أُوصِّفُ بنيوية العقل العربي..
ليس أسرعُ من العرب بالاتهامات، ثُمّ سُرعة نسيان الاتهامات.. وفي كل مرّة يقولون: لِنفتح صفحة من جديد.. ثمّ تعود وتُغلَق الصفحة لبعض الزمن، ثُم تُفتح، ثم تُغلق، ثُم تُفتح.. وهكذا وكأننا نفتح باب مَصعد كهربائي ونغلقه ونحنُ ننتقل من طابقٍ إلى آخر.. تتغير الأمزجة كما يتغيّر الطقس..
**
ما دفعني لكتابة ذلك، هو ما لاحظتُهُ مؤخرا من تحليلات وخُطَب حماسية بعد التقارب السعودي الإيراني، والسعودي السوري..
طبعا هذا التقارُب أسعدني جدا، كما أسعد مئات الملايين من العرب.. ولكن المُبالغَة في الأمور، وفي توصيفها، وسُرعة الانفعال وإطلاق الأحكام، بشكلٍ عاطفيٍ مُبالغٍ به، هو ما يجدُر التوقُّف عنده..
**
فما أن انتشر خبر التقارُب السعودي الإيراني، والسعودي السوري (الذي أفرَحَنا بالتأكيد) حتى انطلقت أصوات الكثيرين بشكلٍ عفويٍ وحماسيٍ كبير، لاسيما من الكُتّاب والمحللين السعوديين والخليجيين والمصريين والسوريين واللبنانيين والفلسطينيين والأردنيين، وغيرهم، لتتحدّث بصوتٍ قوي أنّ عصرا عربيا جديدا قد بدأ، ضد الهيمنة الأمريكية والغربية والإسرائيلية، وأن العرب مسكوا بناصية القرار، وأصبحوا قادرون على قول كلمة "كلّا" حتى في وجه أعتى قوة عالمية، وهي الولايات المتحدة الأمريكية..
وها هي السعودية تمرّدت على أمريكا، بل ثارَت على أمريكا، وتحدّتها في مُنظمة أُوبِك بلّسْ، وفي التوجُّه نحو الصين، وفي التقارُب مع إيران، وها هي تتّجه نحو منظمة شنغهاي، ونحو مجموعة البريكس، واستقلّ القرار السعودي والعربي، وهذا ما سوف يجعل من العرب معادلة عالمية جديدة، تَحسِب لها أمريكا مائة حساب، وبدءا من اليوم هم من يقررون مصيرهم ومستقبلهم ومصير المنطقة وشعوبها ومستقبلها، وانتهى زمن الإملاءات والتهميش العربي، وستُبعَدُ الأساطيل الأجنبية من المنطقة، لِتحلَّ مكانها الأساطيل العربية، وحاملات الطائرات العربية، والغوّاصات النووية العربية.. وقد تحرّر عنترة بن شدّاد وبدأ الكرُّ على الأعداء..
وإلى ذلك من هذا الكلام الإنشائي الخِطابي العاطفي، الذي ما زال يُرافقنا منذ زمن المذيع الشهير الراحل "أحمد سعيد" في إذاعة صوت العرب، الذي كان يصرخُ منفعلا بأعلى صوتهِ قبل نكسة حزيران بساعات، ويخاطب سمَكَ البحر قائلا:
( تجوَّع يا سمَك، سنُلقي بالصهاينة في البحر.. هنيئا لك يا سمك) .. فكان يطلب من سمك البحر أن لا يأكل ويصبُر على الجوع إلى أن يُرمَى بالصهاينة في البحر فتكون جُثثهم أكبر وليمة لسمكِ البحر.. رُبّما مع بعض الزيت والزعتر الفلسطيني، والفسيخ المصري، والتبُّولة اللبنانية..
وبعد ذلك نستيقظ فجأة على كابوس ما تزالُ آثاره تعتمل في عقول وقلوب كل العرب حتى يومنا هذا وهو احتلال إسرائيل لسيناء المصرية والجولان السورية وكل الأراضي الفلسطينية في غزّة والقدس الشرقية والضفة الغربية..
**
ظاهرة الراحل ” أحمد سعيد” الذي وعدَ السمك بلحوم الصهاينة، تكررت ثانية في العراق العام 2003 إبّان الغزو الأمريكي، حيث كان وزير الإعلام العراقي آنذاك ، الراحل ” محمد سعيد الصحاف” يُتحفنا بالمؤتمرات الصحفية اليومية ويغرس في قلوبنا الفرحة والسرور وهو يتحدث عن ” العلوج” الأمريكان وكيف يتمُّ سحقهم وتدمير دباباتهم، وكيف سيعودون جميعا بالأكفان.. وفي آخر مؤتمر صحفي له صرَّح بأن “الأمريكان ينتحرون الآن بالآلاف على أسوار بغداد” ..
ولكن كانت الفاجعة الكبرى بعد ذلك بساعاتٍ فقط، إذ صُدِمنا بأن بغداد سقطت بغضون ساعات، والجيش العراقي انهارَ، وكل القيادات العسكرية والمدنية هربت..
وهكذا كانت التوابيت لاحقا للعراقيين أكثر منها للأمريكان.. وسمَك البحر في المتوسط لم يأكل من لحوم الإسرائيليين وإنما أكل لاحقا من لحوم أبناء الشعوب العربية لاسيما مقابل السواحل الليبية والتونسية واللبنانية، الذين يمتطون أمواج البحر وأعاصيرهِ ومخاطِرهِ هاربين من بلدانهم فتنقلب مراكبهم وتغرق ويصبحون طعاما لأسماك البحر..
**
سأتوجّه لكافة الكُتّاب والمُحللين العرب مِمّن أخذَتهم العواطف والانفعالات، ووعدونا بوِلادة عربية جديدة قد بدأت، ومستقبل عربي جديد( أتمناهُ شخصيا لكل العرب، الذين كانوا حتى الأمس يسفكون دماء بعض، ويشتمون بعض، ويطلقون أقذع الكلمات والأوصاف والاتهامات بحق بعض.. تذكّروا مواقف بعض العرب من قطَر حينما اختلفوا معها.. وشتائم السفراء لبعض في الأمم المتحدة وأمام العالَم.. وفي كافة وسائل الإعلام، والخطابات)..
أتوجّهُ لهم بهذه الأسئلة:
ــ هل كان العرب بِلا عقل، واليوم صاروا بِعقل؟
ــ هل أُزيلت القواعد العسكرية الأمريكية من الدول العربية وأصبحت بُلدانا كاملة السيادة؟
ــ ألا توجدُ القواعد العسكرية الأمريكية بكافة دول الخليج، وفي الأردن، وبموافقتها ورِضاها؟
ــ وألا تُوجَدُ في العراق وبموافقتها؟
ــ وألا تُوجَد في سورية بالقوة، ورغم اعتراض الحكومة على ذلك؟
ــ وألا توجَدُ أكبر قاعدة جوية عسكرية أمريكية في ولاية "أُم البواقي" في شمال شرق الجزائر؟
ــ وألا ترتبط غالبية الدول العربية بِشراكَات أمنية مع الولايات المتحدة؟
ــ هل سترفض الدول العربية التالية: مصر، الأردن، الكويت، البحرين، المغرب، تونس، قطر، تصنيفها كدولٍ حليفةٍ للولايات المتحدة من خارج حلف الناتو؟
ــ هل كانت الجامعة العربية التي شرعنت احتلال ليبيا والعراق، جامعة عبرية، واليوم ستصبح عربية؟
ــ هل زالت كافة الخلافات بين الدول العربية وانتهت الصراعات بينها، وبداخلها؟
ــ وماذا عن الصراع المغربي الجزائري؟
ــ وماذا عن الخلافات الحدودية بين غالبية الدول العربية؟
ــ حتى اليوم لم تُرسَم الحدود بشكلٍ نهائي بين الجزائر وليبيا بسبب الخلافات حول ذلك؟
ولا بين سورية ولبنان.. ولا بين مصر والسودان.. والقائمة تطول..
ــ وماذا عن الحالة داخل ليبيا وتونس والسودان والصومال، واليمن والعراق وسورية ولبنان .. الخ؟
هل هذه الأحوال العربية تُبشِّر بولادة عربية جديدة، تضعُ حدّا للهيمنة الأمريكية والغطرسة الإسرائيلية في المنطقة؟
ــ وماذا عن اتفاقات التطبيع مع إسرائيل، التي مضَت بها بعض الدول العربية إلى مرحلة لا يتفهّمها عقلٌ، ولا يتقبّلها منطق؟
ــ وماذا عن ظروف الفقر والجهل والمرض والتخلُّف، والعصبيات الطائفية والدينية والمذهبية والعِرقية والمناطقية والعشائرية..الخ.. هل هذه تُبشِّرُ بولادة عصر عربي جديد يُقارعُ الهيمنة الأمريكية والأجنبية في الوطن العربي؟
ــ هل بنَينا داخل بُلداننا، دول القانون والمؤسسات وفصل السُلطات، والعدالة وتكافؤ الفُرص، وقضينا على ثقافة المُحاباة والمحسوبيات والواسطات والقرابات والفساد والإفساد والرشاوى، في إسناد المناصب بِدولنا العربية، وانتصرنا على أنفسنا وعلى أمراضنا النفسية والاجتماعية، كمقدمة للانتصار على الأعداء؟
ــ هل إرادةُ الشعوب مُحترَمة؟
هل حق الرأي والتعبير، مُحترَما؟
هل حقوق الإنسان مُحترمة؟
سأكتفي فقط بهذه الأسئلة للكُتّاب والمُحللّين العرب، الذين ينساقوا بسرعة خلف العواطف والانفعالات وليس خلف العقل والموضوعية والمنطق والتأنّي..
مواجهة الهيمنة الأمريكية، لها شروط.. فهل هذا الواقع الموصوف يُلبِّي هذه الشروط؟
أنظُروا لِما يحصل اليوم في السودان، بين أبناء الوطن الواحد، ورفاق السلاح الواحد..
**
لا أقولُ ذلك، من باب الإحباط وعدم التفاؤل، فأنا أدعو للتفاؤل، ولا يُمكن العيش من دون تفاؤل، ولكنها دعوة للتريُّث، وعدم التسرُّع، في إطلاق الأحكام، حتى لا نُحبَطُ بعدها..
وآمُل كمواطن عربي، أن لا أرى قاعدة أمريكية وأجنبية في كل الدول العربية.. وآمل أن نضع حدّا للهيمنة الأمريكية والغطرسة الإسرائيلية.. وآمُل أن يكون العرب يدا واحدة، وجسدا واحدا إن اشتكى منهُ عُضوٌ تداعت له بقية الأعضاء.. ولكنني طرحتُ هذه التساؤلات كي نُفكِّر مليا، نحنُ النُخَب العربية بكافة تنوعاتها، نُفكِّرُ بهذا الواقع العربي الذي لا يُرضي إلّا الأعداء.. وأن نُفكِّر بكيفية الانتصار على هذا الواقع، وتغييرهِ كلية، لأن ذلك هو المقدمة للانتصار على كل أشكال الهيمنة الأجنبية، والشرطُ الأساس كي نُولَدَ كعربٍ من جديد..
هذا لا يتغيّر بالخطابات والعواطف والانفعالات والتمنيات والرغبات، وإلّا فنحن نُكرِّر ذاتنا وانفعالاتنا وخطاباتنا الإنشائية القديمة الجديدة، وعنترياتنا، التي وصفها الراحل نزار قباني بقولهِ:
ما قتلتْ ذُبابة..
مع تمنياتي أن تمضي مسيرة التطبيع بين كل الدول العربية، ومع إيران، بالنجاح المنشود..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أثار مخاوف في إسرائيل.. حماس تعيد لملمة صفوفها العسكرية في م


.. ساعة الصفر اقتربت.. حرب لبنان الثالثة بين عقيدة الضاحية و سي




.. هل انتهى نتنياهو؟ | #التاسعة


.. مدرب منتخب البرتغال ينتقد اقتحام الجماهير لأرض الملعب لالتقا




.. قصف روسي يخلف قتلى ودمارا كبيرا بالبنية التحتية شمال شرقي أو