الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية كأداة للترويض السياسي

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 4 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


" هذه الدراسة بعثتها من Cyber لان مدير البوليس السياسي الجلاد Le bourreau قطع الكونكسيون عن منزلي "
للديمقراطية وظائف وفضائل لا تحصى . فهي ليست فقط أداة إضفاء طابع حديث وتمثيلي على المشروعية السياسية ، وليست فقط أداة تمكن من اشراك أوسع الجماهير في المساهمة بدرجات متفاوتة في إدارة الشأن العام ، وليست فقط عكاظا ( سوق عكاظ ) سياسيا يوفر لكل الفرقاء ، ولمختلف الفاعلين ، مجال صراع مهذب ومحدد القواعد . بل الديمقراطية تمتلك بالإضافة الى الألف فضيلة السابقة ، فضيلة فريدة أخرى ، هي فضيلة الاستدماج السياسي للفصائل المتمردة والثائرة من اليمين واليسار معا . طبعا الديمقراطية في الدول الديمقراطية الغربية .
ان الديمقراطية كفضاء للتفاعل وللحوار السياسي ، توفر إمكانية تقليم اظافر الفئات التي كانت لا تجد في غير العنف واللغة النارية مبتغاها . فهي بما توفره من إمكانية لمساهمة الجميع في الفعل السياسي ، على المستويين المحلي والوطني ، تتيح لكافة الفصائل ان تجد لها مكانا في الرقعة السياسية ، لكن شريطة القبول بالديمقراطية نفسها كلعبة سياسية جدية . انها تنقذ كل الفصائل من هامشيتها ، وتيسر لها الانخراط في المجال السياسي ، تعبيرا ونشاطا فعليا ، وبذلك تمتص نقمتها ، وتنزع منذ البداية شوكتها .
لكن الاستدماج السياسي L’intégration politique الذي تمارسه الديمقراطية ، لا يقف عند حدود الشعور بالانتماء والمساهمة واقتلاع عقدة النقص والحقد الناتجة عن التهميش السياسي . بل ان له اسسا سسيولوجيا عميقا وراسخا . فوراء الاستدماج السياسي يقوم استدماج سوسيولوجي ، لان الديمقراطية تفسح المجال امام استيعاب عشرات ، بل مئات وآلاف المناضلين الحزبيين ، وتفتح لهم أبواب الانخراط في النظام السياسي ، والالتصاق بمؤسساته المحلية والوطنية .
وهكذا يصبح عشرات المناضلين الطهريين كائنات بشرية ذات مسؤولية في القطاع الديمقراطي : في المجالس البلدية والقروية ، والمجالس التمثيلية ، او الغرف المختلفة .
وانخراط هؤلاء في القطاع الديمقراطي يوفر لهم ، بالإضافة الى الشعور الكامل بالمواطنة السياسية ، فرص الاستفادة المباشرة او غير المباشرة من عائدات القطاع الذي ينتسبون اليه ، إذ تتراخى بالتدريج تلك الأخلاقية الطهرية المتوارثة عن عهود الزهد ، والتفاني ، والسذاجة ، وحسن النية ، وتأخذ في التشكل نفسية أخرى قوامها حساب المنافع والمخاسر ، والاستدفاء بما يرفع من الشأن . هكذا تتبخر صورة المناضل الطهري الذي " يناضل " من اجل " المبادئ " ، وتتشكل صورة السياسي الذي يجمع بين همِّ الشأن العام وهمِّ الشأن الخاص .
ان القطاع الديمقراطي ، بقدرته على تشغيل مئات الفعاليات السياسية ، يتحول الى أداة سحرية قادرة على قلب مشاعر الحقد ، بل وعلى تليين صلابة لقناعات ، وتلوين وتأويل الأيديولوجيات نفسها .
ان الأساس الفكري لهذا التحول ، هو صورة الانسان نفسه . فالإنسان ليس ملاكا ، مهما ادعى ، ومهما رفع من شعارات ، بل ان التجربة تثبت ان هذه المبادئ والشعارات نفسها هي محط استثمار عن طريق المزايدة . وهذه عملية لا تحدث في واضحة الوعي ، بل هي عملية مبهمة جزء كبير منها ، يحدث على مستوى اللاّوعي ، بحيث يكون الشخص فيها ، وهو يشاهد هذه التحولات والامتساخات الكافكاوية في نفسه وسلوكه ، قادرا على افراز التبريرات التأويلية ، وعلى الحفاظ على تماسكه النفسي والمذهبي ، والاّ يسقط فريسة الشك والإنشلال عن الفعل .
للنظام الديمقراطي الحديث هذه القدرة الرهيبة على الاستدماج السياسي لكل الفصائل الرافضة . فهو قادر على تحجيم ادعاءاتها ، وجعلها تقتنع بانها لا تمثل الاّ رأيا بين آراء ، وحقيقة بين حقائق ، وانها لا تملك الا رع الحقيقة لا الحقيقة كلها ، كما يقتلع من نفوس أصحابها مشاعر وضغائن الشعور بالدونية والهامشية ، وفوق كل ذلك ، فهو يعيد غرس الفاعلين في تربة سوسيولوجية جديدة ، قوامها الملكية ، والانتفاع ، والانتقال من الانتفاع المعنوي الى الانتفاع المادي .
إذن لهذه التحولات قاعدة مادية قوامها الأجرة المجزية ، وسوق المنافع ، وطموحات اكتساب قدر من السلطة ، وهذا ما يشكل الأرضية القاعدية الصلبة لأيّ تحول .
ففي هذه الحال ، لم تعد المسألة تتعلق بمجرد تحولات فكرية وايديولوجية ، بل ان المسألة أصبحت تتعلق بتحولات سوسيولوجية ، أي بحراك اجتماعي نحو الأعلى .
ان الانتقال الى المجال ( بالمعنى الكهرومغناطيسي ) ، الديمقراطي ، معناه الانتقال من مجال المبادئ الى مجال المنافع والمصالح الخاصة . ومع هذا التحول تحدث تغيرات في اللغة والمسلكيات ، والقيم ، والمصطلحات ، والتصورات القديمة ، وانبثاق قيم ومسلكيات جديدة ، مما يجعله مجال ترويض سياسي لا مثيل له . وهذه المسألة تصدق بالخصوص على دول العالم المتخلف كالمغرب التي تشهد تحولات ( ديمقراطية ) متضاربة ، وانتقالا تدريجيا من قيام السياسة على العنف ، الى ارسائها على ثقافة السلم الاجتماعي ، والحوار الاجتماعي كذلك .
ان المكاسب المادية المباشرة وغير المباشرة ، وكذا المكاسب المعنوية الناتجة عن امتلاك قسط من السلطة ، او نوع من أنواع القرار ، او قيمة الإمضاء ، وكذا الامتيازات والمكاسب الرمزية الناتجة عن الانتساب الى دائرة السلطة ( التشريعية ) ، وما ينجم عنها من تسهيلات ، وكذا ارتياد الأماكن والرموز الخاصة بالسلطة ، كل تلك ملطات ديمقراطية ، لها القدرة على شد الفاعل السياسي ( المناضل سابقا ) الى المؤسسة السلطوية حالا ومثالا . Autoritaire .
ان احدى الرهانات الأساسية للديمقراطية ، هي تدجين Domestication مختلف الفاعلين السياسيين ، وخاصة منهم الفصائل ، او الفئات الراديكالية ذات اليمين وذات الشمال ، باسم الأيديولوجية ، او العرق ، او باسم الدين ، وترويضهم ليس فقط على القبول بالواقع السياسي والتعامل معه بلغة وحساب الواقع ، لا بلغة وحساب الاحلام واليوتوبيات ، بل يجعلهم يركعون ويقبلون الايدي ، معبرين عن انفسهم انهم جزء من النظام لا خارجه .. أي جزء من النظام الرعوي ، البطريركي ، الكمبرادوري ، الثيوقراطي ، المفترس .. فالافتراس وبطرق شتى اصبح من شروط الديمقراطية المتخلفة والمقززة .
فالديمقراطية السلطانية تستدمج اليوتوبيا ، وتتخلى عن كل رؤية سوداوية للحاضر ، مضيفة على هذا الأخير ، طابعا ورديا وشيكا ، حيث ينشد الناس الى انتظار الآتي المرتقب والقريب المدى .
اما ( النخبة ) فهي قادرة على اصطيادها ، باستدراجها الى الانتماء الى السلطة ، لتنزيل برنامج الملك الذي نزل بالمظلات من فوق ، ثم استمراء المتعة في اطار القفص الذهبي الذي تمثله الديمقراطية المتخلفة ذاتها .
لكن الديمقراطية مطالبة ، في الوقت الذي تمارس فيه السلطة بواسطتها مهمة الاستدماج والتدجين ، بان تحافظ على نوع من التعدد الحقيقي ، حتى لا تتحول مكونات المشهد السياسي الى مجرد نسخ مكرورة عن بعضها ، او الى أوجه مختلفة للسلطة .
وتلك احدى مكونات الرهانات العسيرة لكل ديمقراطية .. ............................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي صلاحيات رئيس الجمهورية في إيران؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. هيئة الانتخابات الإيرانية تعلن عن جولة إعادة بين بزشكيان وجل




.. الداخلية الإيرانية: تقدم بزشكيان مؤقتا يليه جليلي


.. الداخلية الإيرانية: تقدم بزشكيان على جليلي بعد فرز 19 مليون




.. مقتل عشرات الفلسطينيين وإصابة آخرين في قصف إسرائيلي على مناط