الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفجير الدولة من الداخل

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2023 / 4 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


ما يحدث في السودان وبلدان الخريف السياسي هو عملية مخططة ومقصودة من قوى محلية وخارجية بهدف تعميم الفوضى والعبث السياسي بل وتفجير الدولة من الداخل وفق كنتونات يحكمها مراكز قوى تحت مسمى الفيدرالية ..مع العلم ان هذه الاخيرة لاتستقيم الا بوجود دولة مركز قوية بمؤسساته المدنية والعسكرية (وحدة الجيش والامن ) ..
ومن يتأمل هذه الدول وهي تفاخر بالحوارات السياسية بين مختلف المكونات وبحضور اقليمي ودولي ومن المنظمة الاممية الفاشلة -كل هؤلاء يبتسمون بطريقة بلهاء توحي للاخرين انهم ابطال لمرحلة تاسيس للدولة والمجتمع -لكن الواقع عكس ذلك دخل الجميع في حرب اهلية دمرت الانسان والشجر والحجر وكسب هؤلاء القادة باستمرار ومعهم نخبة من رجال البيزنس والايدولوجيات الصنمية واعوانهم ..
انظروا الى العراق وماجرى به من احداث واين هو الان رغم ثرواته النفطية الكبيرة وكذلك ليبيا وسوريا واليمن والصومال سابقا و لبنان الدرس الاول في المحن العربية المتراكمة والمستمرة ولا احد اخذ دروس من احد ولا استفاد من حركة التاريخ وعبراته كما قال شيخنا ابن خلدون .
صحيح ان هناك حروب اهلية استمرت فترات قصيرة وكانت كعمليات جراحية لاستعادة وحدة الوطن بجغرافيته وشعبه كالحرب الاهلية الامريكية وما جرى في اليونان واسبانيا في خمسينات وستينات القرن الماضي وما جرى في فيتنام وتوحدها في نظام سياسي حديث ...
لكن التدخلات الخارجية التي تجد لها وكلاء محليين اسهمت ولاتزال في غياب الاستقرار وتعميم الفوضى وصولا الى تفجير الدول والمجتمعات من الداخل وهذا ماحدث سابقا في السودان وانقسمت الى دولتين بفعل نظام سياسي فاشل بمعايير الامم المتحدة والبنك الدولي او معايير العلوم السياسية والاجتماعية وماحصل سابقا في الكونغو وتم تقسيمها بفعل التدخلات الفرنسية البريطانية والامريكية الى دولتين (الكونغو -برازفيل --الكونغو -كنشاسا )في حين كان للبريطانين دور اخر في مكان ما لتوحيد سبع مدن بدولة واحدة وفقا لمصالحها ..
دول الازمات عربيا ومنها التي لم تصل الى حالة الحروب الاهلية لكنها تعاني من ازمات اقتصادية كبيرة اكثر مما كانت عليه قبل عام 2011 مع استمرار تناقص مساحة الحريات العامةواعادة انتاج نظم سابقة وان بجوه جديدة.
كتبت مرات عدة منذ اكثر من عشر سنوات منبها ومحذرا من الدور الامريكي وحلفائه في الناتو انهم يعتمدون اجندة لخلق فوضى مستمرة في الشرق الاوسط وغيره من بلدان العالم الثالث واشرت الى منظورات بريجنسكس وكيسنجر التي تم التعبير عنها في ستينات القرن الماضي ..وهي منظورات تبنتها الادارة الامريكية وقبل ان تجدد التعبير عنها رسميا من خلال وزراء الخارجية الامريكية خلال السنوات العشر الاخيرة ..
حاضر ومستقبل العرب غير واضح ولايوحي بايجابيات يمكن البناء عليها من زاوية الخروج من الازمات والعبور الى دولة حديثة بنظام ديمقراطي .. بل العكس هو الصحيح ان اطراف الازمة الراهنة سيصلون الى الحكم وفق منهج المحاصصة وهو نهج امريكي بداء في لبنان ومعه تم تعويم الدولة والمجتمع وفق تطييف سياسي وثقافي ومجتمعي وغيرها من دول القارة السمراء وفق تقسيمات عرقية وقومية لاتزال تشهد عدم استقرار حتى اليوم . وليس ادل على ذلك ما حصل في رواندا وبورندي وما صنعته امريكا في فنزويلا وهي دولة نفطية غالبية سكانها فقراء هرب منها اكثر من مليون مواطن بتشجيع امريكي مباشر ...
مع هذا العام و الذي يليه ستنتشر بؤر نزاع متعددة في غير مكان خاصة وان امريكا تصعد في الموجهة مع الصين وتشكل تكتلات امنية وعسكرية مثل تكتلها مع استراليا واليابان والهند ، وتصعد ضد روسيا بغية تحقيق هزيمة قاصمة لها فتجعلها عاجزة عن المناورات والتحدي لهيبة امريكا مرة اخرى وهو امر لن يتحقق لها ، خاصة وان التحالف الاستراتيجي الصيني الروسي ومعهم دول اخرى يتزايد كل يوم وان مخاطر التصعيد ضد الصين او روسيا بتجاوز الخطوط الحمر سيكون له ردود باسلحة غير تقليدية تدخل العالم كله جهنم بذاتها وبفضائها ولن تنجو امريكا او مصالحها من ذلك ..
من يخطط لتعميم الفوضى هي الراسمالية المتوحشة وفي طليعتها الكارتل الصناعي العسكري الامريكي والشركات الصناعية ومعها المؤسسات المالية الكبيرة التي تحن الى فترة الحرب العالمية الثانية ومابعدها حيث جنت ارباح كبيرة جدا لم تكن تحلم بها .. واليوم تريد احداث ازمات في اكثر من مكان لان مقولة الراسمالية الاساسية واصبحت مقولة لاتباعها ووكلائها انه كلما سالت الدماء في الشوارع كسبت ارباحا كثيرة ...
خلاصة القول ان الدولة العربية المعاصرة -خصوصا دول الخريف السياسي - تعيش ازمة بنيوية شاملة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا بل ان رموز الدولة الثقافية والمعنوية اصبحت محل شك من كثيرين داخل كل بلد والمؤكد هنا ان طبيعة المشهد السياسي في هذه الدول منذ عقدين سابقين لم يفرز نخب سياسية وحزبية وطنية بالانتماء والولاء بل نخب هدفها المحاصصة والغنيمة اولا واخيرا .. وهو عكس ما سمعنا وراينا وتعاملنا مع نخب سياسية وحزبية ظهرت في مرحلة الخمسينات والستينات من القرن الماضي ولاتزال محل احترام وتقدير حتى الاجيال الجديدة التي لم تعرفها مباشرة تحترمها وتكتب عنها بكل تقدير ... وحتى المجتمع المدني الذي كان مأمولا منه ان يشكل بديلا فاعلا داخل المشهد السياسي والمجتمعي اصبح اكثر عجزا وتشوها من الدولة ذاتها ...اما القطاع الخاص فهدفه الربح السريع او الهروب برؤوس امواله الى الخارج والامثلة هنا كثيرة ومعروفة ..
هل هناك حل من هذه الازمات ..نعم .. لكنه لن يأتي سريعا .. ومن يعبر عنه لايزال في طور التشكل السياسي ..و اما الحلول الخارجية والاممية وهي حلو مؤقتة تعيد انتاج الازمات تباعا ليست الا توزيع الدولة والثروة محاصصة بين اطراف الصراع دون النظر الى المشروعية السياسية والشعبية لكل منهم ..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا