الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماسونية فى مصر ...

أحمد فاروق عباس

2023 / 4 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


عرفت مصر الماسونية على نطاق ضيق أواخر القرن ١٨ مع مقدم حملة نابليون على مصر ، ولكن انتشارها الكثيف جاء - طبقا لأغلب المصادر ومنها كتاب جورجى زيدان عن تاريخ الماسونية في مصر وكتاب الدكتور على شلش حول نفس الموضوع - فى ستينات وسبعينات القرن ١٩ ، وقبل عقد واحد تقريبا من الاحتلال البريطانى لمصر !!
وطبقا لزيدان فإن مجموع المحافل الماسونية العاملة في مصر حتى ١٨٧٨ بلغ ٥٦ محفلا ، وهو عدد كبير بالنسبة لعدد سكان مصر والذى بلغ ستة ملايين ونصف نسمة أيامها !!
وكان عددا من المحافل الماسونية فى مصر خاصا بالجاليات الأجنبية الكبيرة المقيمة في مصر وخاصة من الايطاليين ، وكان اهتمامها واغلب نشاطها موجها لبلادها اكثر مما هو موجه للداخل المصرى ..
وكان من قادة الماسونيين فى مصر فى ذلك العهد الأمير حليم ، وهو الوارث الوحيد لعرش مصر أيام إسماعيل ، لولا أن تمكن إسماعيل من تعديل نظام وراثة العرش المصرى وجعله في أبناءه من بعده ..
وكان الأمير حليم أستاذا أكبر فى محفل الشرق الأكبر المصرى ، وهو محفل ماسونى قريب من الفرنسيين وواقع تحت تأثيرهم ..
كان جمال الدين الافغانى ماسونيا ، وهو شخصية غامضة تجول في مدن ودول الشرق وحاز مناصب عالية فى دول كثيرة ، وعند ذهابه إلى أوربا أسس مجلة العروة الوثقى ، ولم يعرف حتى الآن بصورة يقينية من كان القوة الدافعة - سياسيا وماليا - وراءه ، وركزت أغلب الكتابات العربية بشأنه حول تاثيره الفكرى أو الدينى ، وذهب كتاب فى الغرب أن دولا كبرى معينة - بريطانيا - كانت تقف وراءه ، وإلى هذا الرأى يذهب روبرت دريفوس فى كتابه شديد الأهمية hostage to Khomeini رهينة بقبضة الخومينى ..
وفى عام ١٨٧٧ اختير الافغانى لرئاسة محفل كوكب الشرق التابع للمحفل الأكبر الاسكتلندى ، وأصبح شخصية مرموقة في دنيا الماسونية ..
وترك الأفغانى النواحي الفكرية والدينية وتحول تماما الى السياسة ، ففكر الافغانى - طبقا لما ذكره الإمام محمد عبده - فى إغتيال الخديو إسماعيل !!
ومع زيادة عمله السياسى ، واستخدامه الماسونية صراحة فى نشاطه تم إبعاده من مصر ..
ووراء جمال الدين الافغانى سارت شخصيات كان لها فى تاريخ مصر أكبر الأثر - ولا يمكن القول أنهم كانوا ماسونيين - مثل الإمام ومفتى الديار المصرية محمد عبده ، والسياسى الكبير سعد زغلول ، ورجل الدعاية الدينية رشيد رضا مؤسس مجلة المنار وصاحب التأثير الأكبر على حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين ..
هذا بالنسبة إلى الحركات الفكرية والدينية ..

أما بالنسبة للدعاية والإعلام والتأثير في الرأى العام ، فقد كان جورجى زيدان مؤسس مجلة الهلال ، ويعقوب صروف - ومعه شاهين مكاريوس وفارس نمر - مؤسسوا المقتطف كلهم ماسونيين ، والهلال والمقتطف هما أهم مجلتين في مصر والشرق فى الثلث الاخير من القرن ١٩ والثلث الأول من القرن ٢٠ ..
وكان أبطال مجلة المقتطف الثلاثة مقربين من البريطانيين ، وعمل فارس نمر رئيسا لتحرير صحيفة المقطم ، وهى المشهورة بصحيفة الإحتلال البريطانى في مصر ، وفى النهاية تزوج فارس نمر إبنة القنصل البريطانى في مصر ..
وكان رالف بورج نائب نائب القنصل الانجليزى في مصر من أنشط وأخطر قناصل أوربا فى أواخر عصر إسماعيل وأوائل عصر إبنه توفيق وبداية الإحتلال البريطانى لمصر ، لا فى السياسة وحدها ولكن فى الماسونية أيضا ، ولأن المحافل الماسونية تجمع أناسا من مختلف المشارب والمهن ، فقد كانت من أهم مصادر المعلومات لنائب القنصل البريطاني في مصر ..
ومع مجئ الإحتلال البريطانى لمصر جاء استقرار الماسونية فيها ، وكان كثيرون من قادة الإحتلال ماسونيين متحمسين مثل الجنرال ولسلى قائد الجيش البريطانى فى مصر ، وكثير من جنرالاته المشهورين مثل سميث وكتشنر وويجنت ..
ومع تولى توفيق حكم البلاد عرض الماسونيين فى مصر عليه عام ١٨٨١ منصب الأستاذ الاعظم ، ووافق توفيق على ذلك ووعدهم بشد ازرهم ، وإن أعتذر عن حضور الاجتماعات ، وأناب بدلا منه وزير الحقانية حسين باشا فخرى ..
وبعد الخديو توفيق انتخب الماسونيون إدريس بك راغب رئيسا - أستاذا أعظم - لهم ..
وادريس بك راغب قاضى بالمحاكم الأهلية ، وابن إسماعيل باشا راغب الوزير ورئيس مجلس شورى النواب - البرلمان - فى عصر إسماعيل ، ثم رئيس وزراء مصر أيام توفيق وبداية عهد الاحتلال البريطانى ..
وقد ترك الرجل ثروة كبيرة لابنه ، انفقها بسخاء على الماسونية في مصر ، فعند عمله مديرا لمديرية القليوبية - أى محافظا لها - أنشأ في عاصمتها بنها محفلا ماسونيا سمى باسمها ، وفى عهده زاد عدد المحافل الماسونية في مصر ، وأنشأ صحيفة تنطق باسم الماسونية ، بل وأنشأ حزبا ، سماه الحزب الدستورى !!
وفى عام ١٩٢٢ تولى قيادة الماسونية في مصر ولى العهد الأمير محمد على ، ثم محمود فهمى باشا ، وخلفه محمد رفاعة بك ، ثم أحمد ماهر باشا حتى اغتياله عام ١٩٤٥ ، وفى سنة ١٩٥٠ تولى فؤاد باشا سراج الدين منصب الأستاذية العظمى حتى قيام ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ ..
ومن الواضح أن هؤلاء يتميزون بصفتين أساسيتين ، هما النفوذ السياسى الكبير أو الغنى والثراء الواسع ..
وفى كتاب الدكتور على شلش ( ص ٥٩ - ٦٠ ) بيان بأهم الشخصيات المصرية التى التحقت الماسونية في تلك الفترة ، سواء من رجال الأدب والثقافة أو رجال السياسة أو رجال المال والأعمال أو حتى رجال الدين ..
فمن رجال السياسة كان هناك مثلا سعد زغلول وعدلى يكن وعبد الخالق ثروت وعلى شعراوى وحافظ رمضان ..
ومن الأدباء والكتاب خليل مطران وحفنى ناصف وإسماعيل صبرى وأحمد زكى أبو شادى ..
ومن رجال الجيش اللواءان على شوقى ومحمد فهمى المتينى ..
ومن الأسرة المالكة أمراء ونبلاء مثل عمر سعيد حليم وسعيد محمد على وسعيد داود ..
ومن رجال الدين الشيخ حسن مأمون والشيخ محمد أبو زهرة ..
وفى الأربعينات ظهر في دنيا الماسونية في مصر رجلين قدر لهما أن يلعبا أدوار بالغة الأهمية في تاريخ مصر الحديث ، وهما فؤاد باشا سراج الدين السكرتير العام لحزب الوفد وأقوى الرجال فيه ، وسيد قطب أحد أهم الشخصيات في تاريخ الإخوان المسلمين فى مصر والعالم ..

ومع قيام ثورة ٢٣ يوليو جاء الاضمحلال والتراجع ثم .. جاءت النهاية .
وفى ١٨ أبريل ١٩٦٤ أصدرت الدكتورة حكمت أبو زيد وزيرة الشئون الإجتماعية قرارا بحل جميع المحافل والجمعيات الماسونية في مصر ، ونشرت صحف القاهرة فى اليوم التالى نص القرار وأسماء المحافل الماسونية في القاهرة والمحافظات والمحافظات ..
ومما قيل في تفسير القرار أنه عندما طلبت الجمعيات الماسونية تسجيل تنظيماتها ومحافلها بوزارة الشئون الإجتماعية طلب منها تطبيق قانون الجمعيات الأهلية عليها ، وهذا القانون يلزم جميع الجمعيات الأهلية العاملة داخل البلاد الخضوع لإشراف وزارة الشئون الإجتماعية عليها ، فيكون للوزارة حق التفتيش على أعمال الجمعية - أو المحفل - للتأكد من عدم مخالفتها للقانون ..
ورفضت الجمعيات والمحافل الماسونية ذلك بالطبع ، لأنه يتعارض مع السرية التامة ، وهى روح هذه الجمعيات ..

وفى النهاية ..
ما هى طبيعة الجمعيات والمحافل الماسونية بالضبط ؟!
أغلب الظن أنها تجمعات محلية وإقليمية مربوطة بخيوط قوية بالمحافل الكبرى في دول الغرب - بريطانيا وأمريكا تحديدا - وهى إحدى وسائل تلك القوى الكبرى في سياستها العالمية ، بدءا من جمع المعلومات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية ، مرورا بدفع رجالها إلى مواقع القوة والنفوذ والتأثير فى الحياة العامة فى تلك البلدان ، لذا لا تقبل تلك التجمعات إلا ذوى الحيثية في بلادهم ، ولن تجد فيها أحد من الطبقات الفقيرة أو الشعبية إلا اذا كان ذو تأثير فى مجاله أو مهنته ..

ومع عودة مصر للتقارب مع الغرب مرة ثانية فى عصر الرئيس السادات - فى السبعينات وما بعدها - أن بدأت المطالبة بتغيير قانون الجمعيات الأهلية فى مصر ، واشتدت تلك المطالبات فى التسعينات ، وتحولت إلى ما يشبه الإعصار فى العقد الأول من القرن ٢١ ، ومع الخطط الأمريكية الجديدة لتغيير الشرق الأوسط كله فى تلك الفترة ..
واتذكر اننى في تلك السنوات - وأقصد سنوات ما بعد ٢٠٠٤ - كثيرا ما كنت أقرأ فى الصحف واستمع فى التلفزيون إلى تلك المطالبات اللحوحة .. ولا أفهم لماذا ؟!
لماذا هذا الإلحاح الشديد على تغيير قانون الجمعيات الأهلية فى مصر ، وما أهمية ذلك ، ولماذا يرفع هذا المطلب كواحد من أسس الإصلاح السياسي الرئيسية في مصر ؟!
وصمدت الدولة المصرية - حقيقة - أمام هذا الهجوم ، وحاولت كثيرا المناورة ، وقدمت بعض التنازلات البسيطة ..
لم يكن كل المقصود من تغيير قوانين إنشاء وتمويل ونشاط الجمعيات الأهلية فى مصر هو عودة المحافل الماسونية إلى البلاد ، ولكن كان واحد من أهدافها ..
وبغض النظر عن وجود الماسونية الرسمى فى مصر أو عدم وجودها ، فهى فى النهاية وسيلة وأداة ، ولدى القوى الكبرى وسائل أخرى وأدوات ، ولن تتوقف أهدافها وخططها في بلادنا على وسيلة واحدة .. ونظرة واحدة حولنا نجد وسائل أخرى فى ايديهم ، ربما تكون أكثر نجاعة وتأثيرا من الماسونية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنس الشايب يكشف عن أفضل صانع محتوى في الوطن العربي.. وهدية ب


.. أساتذة ينتظرون اعتقالهم.. الشرطة الأميركية تقتحم جامعة كاليف




.. سقوط 28 قتيلاً في قطاع غزة خلال 24 ساعة | #رادار


.. -لن أغير سياستي-.. بايدن يعلق على احتجاجات طلاب الجامعات | #




.. هل يمكن إبرام اتفاق أمني سعودي أميركي بعيدا عن مسار التطبيع