الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشياح؛ اسماعيل فهد اسماعيل

مهند طلال الاخرس

2023 / 4 / 18
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


الشياح رواية لإسماعيل فهد إسماعيل تقع على متن 160 صفحة من القطع المتوسط، وهي من اصدارات دار الاداب في بيروت/لبنان سنة 1976.

هذه الرواية للكاتب الكويتي اسماعيل فهد اسماعيل تتناول احداث الحرب الاهلية اللبنانية، والتي انطلقت عبر حادثة عين الرمانة في ايار 1975، وحي عين الرمانة [حيث الشرارة الاولى لاندلاع الحرب الاهلية اللبنانية] يقع في مواجهة حي الشياح الذي اقتبست منه الرواية اسمها واكتسبت احداثها من الصور واللقطات اليومية المعاشة ابان الحرب، والتي تدور على لسان سكان الحي البسطاء، الذين علقوا في اتون الحرب لاسباب لاعلاقة لهم بها، فقط لانهم يسكنون على خط التماس والحد الفاصل بين بؤرتين ساخنتين من بؤر التوتر والنار، منطقة الشياح وعين الرمانة.

في‭‬‮ الشيّاح‮ ‬تدور‭ ‬الأحداث‭ ‬حول‭ ‬تفاصيل‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬لمجموعتين‭ ‬صغيرتين‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬البسطاء الذين يختبئون في سرداب هربا من جحيم الحرب؛ مجموعة نسائية واخرى ذكورية، النسائية تدور حواراتها وتنسجم مع طبيعتها الانثوية، فهي تبحث عن الامان وتوفير الطعام والماء والحليب للصغار وشغلها الشاغل المكافحة من اجل البقاء، والمجموعة الرجالية تناقش اسباب الحرب وتداعياتها وتغول وتفرد الاقطاع ورجال النخبة والحكم في تسيير امور البلد كيفما يشاؤون وحسب غاياتهم واهوائهم ومصالحهم.

يحاول الجميع الخروج من السرداب لامور وحاجات عدة؛ لكن رصاصات القناصة كانت بالمرصاد حتى لمن يبحث عن حليب للاطفال او مجرد كوب ماء.

يحدث ان تخرج مجموعة الرجال وتواجهها مصاعب جمة، حيث تحاصرها طلقات رصاص القناصة، وفي النهاية يفلح اسعد بالافلات من رصاص القناصة، ويصل الى السرداب حيث المجموعة النسائية، ويخبرهم بان حنا اصيب وبولص استشهد. تنطلق زينب بسؤالها : اين ابراهيم؟ فيجيب اسعد: وابراهيم بخير؛ اخذ حنا لاسعافه عند رجال المقاومة وشباب الهلال الاحمر الفلسطيني ص١٢٢.

تبدأ الرواية وتنتهي تحت كل هذا الدمار والرصاص والخراب وكان الراديو مازال يبث خبرا عاجلا، حيث يقول المذيع بشكل متكرر:" انتظروا خبرا عاجلا"، مفاد الخبر يحتفظ الكاتب باعلانه الى اخر الصفحات من الرواية، بل لا يبوح به الا في اخر سطور الرواية، حين تنتهي الحرب والحكومة مازالت في طور التشكيل والاتفاق، بينما المذياع الذي يترقب منه المواطنون الخبر الاهم [وقف الحرب وتشكيل الحكومة] تضعف بطارياته وتشارف على الانتهاء بما يحمله ذلك من انقطاع عن معرفة الاخبار ومعرفة ماذا يجري من احداث حولهم، والاهم معرفتهم اذا توقفت الحرب ام لا، في مقاربة جميلة لاتخلو من المقصد المضمر والمعنى الكامن في بطن الراوي والمفتوح على شتى التأويلات...

وعبثا يحاول اعيان البلد تشكيل حكومة انقاذ وطني استمر المذياع بالتبشير بها طيلة احداث الرواية وطيلة زمن الحرب الاهلية ولم تتشكل، وتذهب ادراج الرياح كل نشرات الاخبار التي تبشر بنبأ اخر هام؛ وقف اطلاق النار... والذي ما ان تبثه الاذاعة حتى تكذبه اصوات الرصاص والقصف وتتالي الانفجارات.

تتطور الاحداث وتتصاعد موجات الحرب الاهلية في لبنان، ومع تتطور الاحداث يتطور الحوار بين شخصيات الرواية الرجالية[اسعد وحنا وبولص وابراهيم ومارسيل وجورج ولويس وابو لويس وفائزة وزينب وجميلة ..] الى ان يصلوا لقناعة مفادها بان الفقراء والضعفاء من عامة الشعب[شخوص الرواية] هم وقود هذه المعارك وحطبها رغم ان لا ناقة لهم بها ولا جمل، وهذا ما اشار اليه الكاتب في مستهل روايته حين استعار من "بريخت" مقولته الشهيرة : ‬
على الحائط كتابة بالطباشير:
وهم يريدون الحرب،
والذي كتبها، سقط صريعاً….

يعد صاحبنا من أوائل الروائيين العرب الذين وثّقوا الشرارة الأولى للحرب الأهلية في لبنان في روايته هذه «الشيّاح» الصادرة في عام 1976 اي بعد اقل من عام على انطلاقة الحرب وهذا يحسب له.

احداث الرواية واشخاصها وحواراتها جائت رتيبة [رغم ان الحرب مضمونها] وكتبت بلغة تقريرية تسجيلية في كثير من جوانبها، ودون ان ينقص ذلك من قيمتها، خاصة اذا اخذنا بعين الاعتبار عام كتابة واصدار الرواية ١٩٧٦، وفي هذا مايشير الى زمن الرواية وموضوعها وادواتها، والتي منذ ذلك الوقت جرت في عروقها مشارب شتى، حتى وصلت الرواية في عصرنا الحالي الى ما وصلت اليه من تطور وتحديث.

وهذا كله دون ان نغفل بان الرواية جائت من واقع تجربة الحصار التي عاشها الكاتب عن كثب، وهذا ما سمح للكاتب بان يعيش الاجواء والاحداث عن قرب محاولا نقلها لنا عبر صفحات الرواية.

يشتغل كثير من الروائييون على ‬الأدب‭ ‬الروائي‭ ‬بغية‭ ‬توثيقٌ‭ ‬الحدث،‭ ‬وتسجيلٌ‭ ‬للتفاصيل، بغية البوح على صفحات الرواية بما لا تستطيع صفحات التاريخ تحمله او حتى الهمس فيه، وهذا ما يذهب اليه كثير من الروائيون، فيصعدون بعالم الرواية الى فضاءات ارحب واشمل، ويجعلون من لغتها لغة سامية بمدلولاتها ومجازاتها ، وهنا بالذات تظهر احدى اهم ميزات الرواية كفن ادبي وانساني متسامي؛ حيث تسعف الرواية الانسان على الاحتفاظ بمزاياه الانسانية رغم قسوة الحياة وبطشها، وهذا لا يتم الاّ بلغة ذات دلالة ورمزية عالية، تسمح باحتضان كل المعنى الكامن في بطن الراوي، وتسمح باعادة بثه وتأويل مقصده ومأربه، وهنا بالذات تظهر قيمة النص ومدى ابداعيته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟