الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما معنى هذه الانعطافة السعودية.. يو تِرن؟

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2023 / 4 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


"مُكرهٌ أخَاكَ لا بطلْ".. مثَلٌ قالهُ داهية العرب "عمرو بن العاص".. والمَثَلُ يُضرَبُ لِمن يضطرُّ للقيام بعملٍ ما وهو مُكرهٌ عليه، أو ليس بإرادتهِ..
فحينما اشتدّ فتيلُ المعارك بين مُعسكَر الإمام عليّ، وبين مُعسكر معاوية في صِفِّين، خرجَ الإمام عليّ خالعا دِرعهُ، كدلالة على الجرأة والشجاعة والإقدام، ومُتحدّيا من يُبارزهُ..
فطلب الناس من معاوية ذلك ولكنهُ أحجَمَ، والتفتَ إلى عمرو بن العاص طالبا منهُ مبارزة عليّ، وحينما تردّد عمرو بن العاص أصرّ عليه معاوية..
فتقدّم عمرو بن العاص من الإمام علي، ثُم ألقى سيفهُ على الأرض قائلا له: "مُكرهٌ أخاك لا بطل"، فلستُ أنا بِنِدٍّ ولا قرينٍ لك، ولكن أرغموني حتى خَرَجت.. فضحك الإمام عليّ وعاد إلى مُعسكرهِ..
**
السعودية كانت شريكا فاعلا جدا، في كافة صراعات المنطقة، بِدعمٍ ودفعٍ أمريكي.. من سورية إلى اليمن.. وأنفقت مليارات الدولارات لإسقاط "النظام السوري"، لماذا؟ لأجلِ هدفٍ واحدٍ ووحيد، وهو إبعاد سورية عن إيران، وتقليص دور إيران في المنطقة.. هذا هو لُب الصراع..
وشكّلت جيشا من الإسلاميين أُطلِقَ عليه (جيش الإسلام) على تخوم العاصمة دمشق، وأنفقت عليه المليارات تمويلا وتسليحا وتدريبا.. وكانت صواريخُه وقذائفُه تطالُ أي مكان في العاصمة..
ودعمتْ ما يُعرفُ بحركة أحرار الشام الإسلامية، والجيش الحُر..
وكانت شريكا أساسيا في غرفة العمليات الدولية المُشتركة بالأردن (موك) التي كانت تدير كافة العمليات العسكرية في سورية..
وكان وزير الخارجية السعودي السابق (الجُبير) يُردّد كل يوم (على الرئيس السوري أن يتنحّى إما سِلما أو حربا)..
ولكن ماذا كانت النتيجة؟.
هُزِم جيش الإسلام، وكل التنظيمات التي دعمتها السعودية.. ولن أقول هُزِمت السعودية، ولكنها فشلت وخسرت الرهان..
**
وضَعتْ السعودية كافة ثقلها باليمن، وقامت بِسِرِّيةٍ كاملة، بتشكيل تحالُف عسكري من عشر دول بقيادتها، تحت عنوان: (التحالُف العربي لدعم الشرعية في اليمن) وفاجأت العالم صباح 25 آذار/ مارس 2015
بِعملية عسكريةٍ حاميةٍ أَطلقت عليها اسم "عاصفة الحزم" وقامت بِدكِّ معاقل الحوثيين، والمطارات والقواعد العسكرية، ومراكز القيادة والسيطرة، التي كانت تحت السيطرة الحوثية..
ومِن ثمَّ بعد ثمان سنوات، جرت فيها الرياح بِعكسِ ما تشتهي السُفنُ السعودية، وصمدَ الحوثيون رغم كل الخسائر، بِما لم تكُن تتوقعهُ السعودية، طبعا نتيجة الدعم الإيراني الكبير.. وارتدّت الحربُ عليها، وعلى أراضيها، وباتت صواريخ "كروز" والمُسيّرات، تدكُّ أي هدفٍ داخل الأراضي السعودية، بِما فيها منشآت شركة أرامكو، الذراع الاقتصادي الأكبر للسعودية، وكانت عاجزة عن وقفِ تلك الهجمات، أو حتى الرد عليها.. وباتت حرب اليمن عملية استنزاف كبيرة للسعودية، غير مُستعدّة لها، ولا للمُضيّ بها، وتؤثِّرُ على كافة مشاريعها التنموية والاقتصادية الإستراتيجية..
فما الحل للخلاص من هذا الكابوس الذي بات يؤرِّقها على مدار الساعة؟
لم يكُن أمامها سوى الذهاب نحو طهران.. وبعد زمنٍ من المُحادثات، هُنا وهُناك، تمّ التوصُّل إلى اتفاق لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 10 آذار/ مارس 2023 تحت إشراف الصين.. والمُضي في عملية التطبيع..
**
السعودية كان كل رهانها (ومنذ تأسيس الدولة السعودية الثالثة عام 1932، على يد الملك عبد العزيز آل سعود، لاسيما بعد لقائهِ مع الرئيس الأمريكي روزفلت، على متن الطرّاد الأمريكي "كوينسي" عام 1945 ، بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وبعد عودة "روزفلت" مباشرة من مؤتمر يالطا مع ستالين وتشرشل، الذي تقاسموا فيه النفوذ في أوروبا، وخارج أوروبا) كان كل رهانها على دعم الولايات المتحدة، وحماية الولايات المتحدة لأراضيها من أي هجمات واعتداءات خارجية، ولكن رِهانها فشل حديثا، وبدأ الخُذلان الأمريكي لها منذُ عهد أوباما، ثم امتدّ في عهد ترامب، وازداد في عهد بايدن..
ووقفت الولايات المتحدة عاجزة عن فعلِ أي شيء للسعودية حينما قُصِفت منشآت أرامكو..
هذا ما أحبط القيادة السعودية، وجعلها تنسحب من المشهد.. لقد وجدت نفسها مكشوفة، وأخذت تُراجِع الحسابات.. لقد خذلتها الولايات المتحدة..
فليس من السهل الاعتراف بالخسارة أو الفشل (حتى لا نقول كلمة أُخرى) ولكن من السهل الالتفاف عليه، بالتوجُّه نحو التطبيع مع إيران، التي هي وحدها من يمنع ضربات الحوثيين للسعودية، وينتشلها من هذا المُستنقع، وليس الولايات المتحدة التي خذلتها وجعلها تُدرِك لأول مرة صحة قول الرئيس حسني مُبارك أنّ "المتغطّي بالأمريكان عريان" حسبما نقلَ عنهُ وزير خارجيتهِ حينها "أحمد أبو الغيط" ..
وعلى مبدأ : كلمة ورد غطاها"، فالسعودية: فشلت في اليمن كما فشلت في سورية..
**
دولة الإمارات (العزيزة على قلبي والتي مكثتُ فيها أربع سنوات كدبلوماسي، ودرَسَ فيها أولادي، وأُكرِمتُ في مضافات كبار شيوخها بدءا من رئيس الدولة) لم تحتمل سوى بضعة صواريخ، أطلقها الحوثيون عبْر المُسيّرات في كانون ثاني/ يناير 2022، وفي وقتٍ كان رئيس إسرائيل في زيارة إلى أبو ظبي، وكأنّ الرسالة تقول: نحنُ هنا.. وحتى إسرائيل لن تنفعكم، إن قرّرنا قصفكم.. فغيّرت الاتجاه (ولن أقول رفعت الراية البيضاء) فالإمارات بطبيعتها دولة مُسالِمة..
**
هذه هي الحقيقة.. وهذه هي، ببساطة شديدة، أسباب وخلفيات كل هذا الانعطاف السعودي، وقبلهُ الإماراتي.. وهو الفشل في تحقيق مآربهم وأهدافهم، وإدراكِهم للخسارة.. والفشل في رهانهم على الولايات المتحدة، التي خذلتهُم، باعتراف كل المُحللين السياسيين الخليجيين.. فباتوا يبحثون عن الخلاص بأي شكل..
**
لِنكُن صريحين، ليسوا في موقعِ مُجاراة الحوثيين أو إيران، في المقدرة والصبر الطويل على القتال والتضحيات وهُم من نشأوا وتربُّوا على حياة الرفاهية والرخاء والفخامة، وحياة القصور الفاخرة والسيارات الفارهة والحياة الرغيدة..
القتال والتضحيات يتطلّب نوعيات أخرى.. غير مأخوذة بذاك النوع من الحياة.. وغير مُعتادَة عليها..
**
من ينخرط في حرب أو معركة ويفشل، فعليه أن يدفع الثمن..
فهل ستطلب القيادة السورية من السعودية الشقيقة، ودولة الإمارات الشقيقة (التي كانت أيضا شريكة في غرفة "موك" وكان وزير خارجيتها ذاته، يطلب من الرئيس السوري مُغادرة السُلطة) هل ستطلب منهم أن يدفعوا كل التعويضات لسورية، ولأهالي الضحايا في سورية؟
والمساعدات بعد الزلزال هذه لا شيء أمام ما يجِب أن يُدفَع من تعويضات..
**
حتى على صعيد القضية الفلسطينية التي اعتُبِرت قضية العرب الأولى كل هذا الزمن، سحبت بِساطها إيران من أيدي السعودية، ولم تعُد السعودية تلعبُ الدور البارز والكبير الذي تلعبهُ إيران.. فإيران باتت لاعبا أساسا على الساحة الفلسطينية من خلال دعمها لكافة فصائل المقاومة، بالسلاح والمال، وسواها..
وتأثيرها ونفوذها كبير جدا على تلك الفصائل.. بينما تراجعَ كثيرا دور السعودية.. وذهبت دول خليجية أخرى نحو التطبيع مع إسرائيل بشكلٍ واسع وعميق، وأعطوا إيران كل الفرصة والمبررات للمُزايَدة عليهم، في قضيتهم الأساس، قضية فلسطين..
**
لم أكتُب في أي وقتٍ بهذه الصراحة.. وأنا العروبي الذي يجدُ نفسهُ دوما في صف العروبة (ضد أي جهة خارجية) والعَلماني الذي يتناقض مع كل فكر ديني، وكل آيديولوجيا دينية، وكل أشكال الإسلام السياسي،
ولكن الصراحة يجب أن تُقال مهما كانت مُزعِجة للبعض.. فمواجهات السعودية وإيران، بالوكالة، في المنطقة، دفعت ثمنها غاليا شعوب المنطقة.. واليوم هُم يتعانقون، ومئات آلاف البشر يزورون قبور فلذات أكبادهم، التي أودَت بها هذه الحروب..
الخاسر يجب أن يدفع الثمن.. هذا هو منطق الحروب والتاريخ..
اعتَبِروا هذه التعويضات لأهالي الضحايا في سورية، ولأطفالهم اليتامى، وزوجاتهم الأرامل، وآبائهم المفجوعين، وأمهاتهم الثكالى، اعتَبِروها مساعدات إنسانية.. حَسَنةٌ، زكاةٌ، لوجه الله بمناسبة عيد الفطر.. وبضعة مليارات لهؤلاء لن تؤثِّر إطلاقا عليكم.. شرطَ أن تصل مباشرة لذوي الضحايا، وتُسلَّم لهم باليد لِضمانِ وصولها، وهُم معروفون جيدا لدى الدولة، ومُسجّلين واحدا واحدا.. ولدى الجمعيات السورية المعنية بالجرحى والمُصابين وذوي الشهداء..
**
نأملُ خيرا من كل هذه التطورات.. وعسى أن تتشابك أيادي الجميع ببعض لأجل فلسطين، ولأجل القُدس، ولأجل الأقصى..
فمعركة العرب، والمسلمين هناك.. وليست في سورية ولا اليمن ولا غيرها ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أثار مخاوف في إسرائيل.. حماس تعيد لملمة صفوفها العسكرية في م


.. ساعة الصفر اقتربت.. حرب لبنان الثالثة بين عقيدة الضاحية و سي




.. هل انتهى نتنياهو؟ | #التاسعة


.. مدرب منتخب البرتغال ينتقد اقتحام الجماهير لأرض الملعب لالتقا




.. قصف روسي يخلف قتلى ودمارا كبيرا بالبنية التحتية شمال شرقي أو